الباحث القرآني

(p-١٥٥)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٧١ ] ﴿قالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ ولا تَسْقِي الحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الآنَ جِئْتَ بِالحَقِّ فَذَبَحُوها وما كادُوا يَفْعَلُونَ﴾ ﴿قالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ ولا تَسْقِي الحَرْثَ﴾ أيْ: لَمْ تُذَلَّلْ لِإثارَةِ الأرْضِ وسَقْيِ الحَرْثِ. و"ذَلُولٌ" صِفَةٌ لِبَقَرَةٍ. بِمَعْنى غَيْرُ ذَلُولٍ و"لا" الأُولى لِلنَّفْيِ، والثّانِيَةُ مَزِيدَةٌ لِتَوْكِيدِ الأُولى. لِأنَّ المَعْنى: لا ذَلُولَ تُثِيرُ وتَسْقِي، عَلى أنَّ الفِعْلَيْنِ صِفَتانِ لِذَلُولٍ، كَأنَّهُ قِيلَ: لا ذَلُولَ مُثِيرَةٌ وساقِيَةٌ، والمَقْصُودُ: إنَّها مُكَرَّمَةٌ لَيْسَتْ مُذَلَّلَةً بِالحِراثَةِ، ولا مُعَدَّةً لِلسَّقْيِ في السّانِيَّةِ. "مُسَلَّمَةٌ"، سَلَّمَها اللَّهُ مِنَ العُيُوبِ، أوْ مُعْفاةٌ مِنَ العِلْمِ، سَلَّمَها أهْلُها مِنهُ، أوَمُخَلَّصَةُ اللَّوْنِ لَمْ يَشِبْ صُفْرَتَها شَيْءٌ مِنَ الألْوانِ. مِن: سَلَمَ لَهُ كَذا، إذا خَلَصَ لَهُ "لا شِيَةَ فِيها"، أيْ: لا لَوْنَ فِيها يُخالِفُ لَوْنَ جِلْدِها مِن بَياضٍ وسَوادٍ وحُمْرَةٍ، فَهي صَفْراءُ كُلُّها، وهي في الأصْلِ مَصْدَرٌ: وشاهٌ وشَيا وشِيَةٌ، إذا خَلَطَ بِلَوْنِهِ لَوْنًا آخَرَ. في الصِّحاحِ: الشِّيَةُ: كُلُّ لَوْنٍ يُخالِفُ مُعْظَمَ لَوْنِ الفَرَسِ وغَيْرِهِ. والهاءُ عِوَضٌ مِنَ الواوِ الذّاهِبَةِ مِن أوَّلِهِ. والجَمْعُ: شِياتٌ. يُقالُ: ثَوْرٌ أشْيَهُ، كَما يُقالُ: فَرَسٌ أبْلَقُ. ﴿قالُوا الآنَ جِئْتَ بِالحَقِّ﴾ أيْ: بِحَقِيقَةِ وصْفِ البَقَرَةِ بِحَيْثُ مَيَّزْتَها عَنْ جَمِيعِ ما عَداها، ولَمْ يَبْقَ لَنا في شَأْنِها اشْتِباهٌ أصْلًا. بِخِلافِ المَرَّتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، فَإنَّ ما جِئْتَ بِهِ فِيهِما لَمْ يَكُنْ في التَّعْيِينِ بِهَذِهِ المَرْتَبَةِ "فَذَبَحُوها"، الفاءُ فَصِيحَةٌ، كَما في "فانْفَجَرَتْ"، أيْ: فَحَصَلُوا البَقَرَةَ فَذَبَحُوها "وما كادُوا يَفْعَلُونَ" كادَ مِن أفْعالِ المُقارَبَةِ، وُضِعَ لِدُنُوِّ الخَبَرِ مِنَ الحُصُولِ، والجُمْلَةُ حالٌ مِن ضَمِيرِ ذَبَحُوا، أيْ: فَذَبَحُوها والحالُ أنَّهم كانُوا قَبْلَ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ مِنهُ. اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ. ومَآلُهُ اسْتِثْقالُ اسْتِقْصائِهِمْ واسْتِبْطاءٌ لَهم، وأنَّهم لِفَرْطِ تَطْوِيلِهِمْ وكَثْرَةِ مُراجَعاتِهِمْ ما كادَ يَنْتَهِي خَيْطُ إسْهابِهِمْ فِيها. (تَنْبِيهٌ) قالَ الرّاغِبُ: قالَ بَعْضُ النّاسِ: في هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى نَسْخِ الشَّيْءِ قَبْلَ (p-١٥٦)فِعْلِهِ. فَإنَّ في الأوَّلِ أُمِرُوا بِذَبْحِ بَقَرَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، وكانَ لَهم أنْ يَذْبَحُوا أيَّ بَقَرَةٍ شاؤُوا. وفي الثّانِي والثّالِثِ أُمِرُوا بِذَبْحِ بَقَرَةٍ مَخْصُوصَةٍ. فَكَأنَّهم نُهُوا عَمّا كانُوا أُمِرُوا بِهِ مِن قَبْلُ. ولَيْسَ كَذَلِكَ، فَإنَّ الأوَّلَ أمْرٌ مُطْلَقٌ، والثّانِي والثّالِثُ كالبَيانِ لَهُ، لَمّا راجَعُوا، ولَمْ يَسْقُطْ عَنْهم ذَبْحُ البَقَرَةِ. بَلْ زِيدَ في أوْصافِها، وكُشِفَ عَنِ المُرادِ بِالأمْرِ الأوَّلِ. وفي الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى جَوازِ تَأْخِيرِ البَيانِ إلى وقْتِ الحاجَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب