الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿فَتَبَسَّمَ ضاحِكًا مِن قَوْلِها﴾ [النمل: ١٩].
سمّى اللهُ تبسُّمَ سليمانَ ضَحِكًا، وبهذه الآيةِ استدَلَّ بعضُ السلفِ على أنّ التبسُّمَ في الصلاةِ يأخُذُ حُكْمَ الضحكِ، وفيه نظرٌ، كما روى الحكمُ بنُ عطيَّةَ، عن ابنِ سيرينَ، أنّه سُئِلَ عن التبسُّمِ في الصلاةِ؟ فقرَأَ هذه الآيةَ: ﴿فَتَبَسَّمَ ضاحِكًا مِن قَوْلِها﴾: لا أعلَمُ التبسُّمَ إلاَّ ضحكًا، أخرَجَهُ ابنُ أبي شيبةَ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٩٠٦).]].
حُكْمُ الضحكِ في الصلاةِ والتبسُّمِ:
الضحكُ في الصلاةِ مُبطِلٌ لها، لأنّه يُخالِفُ وقارَها، وهو أشَدُّ وأعظَمُ مِن كثيرِ الحركةِ والالتفاتِ، وإن كانتِ العربُ لا تَعُدُّ الضحكَ كلامًا، إلاَّ أنّه أعظَمُ مِن الكلامِ في الصلاةِ وأبشَعُ منه، فإنّه قد يكونُ الكلامُ في الصلاةِ مع خشوعٍ وخضوعٍ وحاجةٍ، وأمّا الضحكُ والقهقهةُ، فليس فيها خضوعُ قلبٍ ولا حضورُه، ولا تعظيمٌ للموقوفِ بينَ يدَيْه، وعامَّةُ السلفِ على بُطْلانِ صلاةِ مَن قَهْقَهَ في صلاتِهِ وضَحِكَ، صحَّ هذا عن جابرٍ[[سيأتي تخريجه.]]، ولا مُخالِفَ له مِن الصحابةِ.
وصحَّ عن حُمَيْدِ بنِ هلالٍ، قال: كانوا في سفرٍ فصلّى بهم أبو موسى، فسقَطَ رجلٌ أعورُ في بئرٍ أو شيءٍ، فضَحِكَ القومُ كلُّهم غيرَ أبي موسى والأحنفِ، فأمَرَهم أن يُعيدوا الصلاةَ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٩١٤).]].
وقد حكى ابنُ المُنذِرِ[[«الأوسط» (٣ /٤٣٩)، و«الإجماع»، لابن المنذر (ص٣٤).]] الإجماعَ على بطلانِ صلاةِ مَن ضَحِكَ.
وأمّا التبسُّمُ مِن غيرِ ضحكٍ وقهقهةٍ، فقد ذهَب عامَّةُ السلفِ إلى عدمِ بطلانِ الصلاةِ بالتبسُّمِ، وفرَّقوا بينَهُ وبينَ القهقهةِ، وقد قال جابرُ بنُ عبدِ اللهِ: «التبسُّمُ لا يَقطَعُ، ولكنْ تقطعُ القرقرةُ»[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٩٠٢)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (٣٧٧٤)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٢ /٢٥١).]].
وبهذا قال مجاهدٌ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٩٠٤)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (٣٧٧٥).]]، والحسنُ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٩٠٥).]]، والنَّخَعيُّ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٩٠٣).]]، ويُروى هذا عن ابنِ مسعودٍ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٩٠١)، والطبراني في «المعجم الكبير» (٨٧٣٦).]]، وهو الصحيحُ الذي لا ينبغي خلافُه، لأنّ التبسُّمَ تعابيرُ في الوجهِ، وقد يكونُ الحاملُ له معنًى مِن مَعاني القرآنِ، كالفرَحِ بنعيمِ الجنةِ وسَعَةِ فضلِ اللهِ ورحمتِه، وليس هو مِن جنسِ ضَحِكِ القهقهةِ الذي لا يكونُ عن تعظيمٍ وسرورٍ بالحقِّ، وإنّما خروجٌ عن مَقامِ الصلاةِ وعَظَمتِها.
وقد رُوِيَ عن ابنِ سيرينَ أنّه جعَل التبسُّمَ ضحكًا، كما رواهُ الحكمُ بنُ عطيَّةَ، عن ابنِ سيرينَ، أنّه سُئل عن التبسُّمِ في الصلاةِ؟ فقرَأَ هذه الآيةَ: ﴿فَتَبَسَّمَ ضاحِكًا مِن قَوْلِها﴾: لا أعلَمُ التبسُّمَ إلاَّ ضحكًا[[سبق تخريجه.]].
ولا أعلَمُ مَن قال بقولِ ابنِ سِيرِينَ هذا مِن الصحابةِ ولا مِن التابعينَ في أنّ التبسُّمَ يُبطِلُ الصلاةَ، وتفرَّدَ به عنه الحكمُ بنُ عطيَّةَ، وقد ضعَّفَه النَّسائيُّ[[«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص٨٠).]]، وقد قال فيه أحمدُ: «حدَّث بمناكيرَ»، قال المَرُّوذيُّ: «كأنّه ضعَّفه»[[«العلل» للإمام أحمد، رواية المروذي وغيره (ص٧٨).]].
ويتَّفقُ العلماءُ على أنّ الضحكَ والقهقهةَ خارجَ الصلاةِ لا يُبطِلُ الوضوءَ، كما حكاهُ ابنُ المُنذِرِ[[«الأوسط» (١ /٣٣٠)، و«الإجماع» لابن المنذر (ص٣٤).]]، وأنّ الضحكَ بلا قهقهةٍ لا ينقُضُ الوضوءَ في أثناءِ الصلاةِ، كما حكاهُ النوويُّ، وإنّما خلافُهم في الضحكِ مع القهقهةِ في أثناءِ الصلاةِ: هل يُبطِلُ الصلاةَ والوضوءَ، أم يُبطِلُ الصلاةَ فحَسْبُ؟ والصحيحُ: عدمُ نقضِهِ الوضوءَ، وهو قولُ جمهورِ العلماءِ، لعدمِ الدليلِ الصحيحِ على ذلك، خلافًا لأبي حنيفةَ، بل الصحيحُ عن الصحابةِ: عدمُ النقضِ، فقد ثبَت عن جابرٍ قولُه: «إذا ضحِك في الصلاةِ، أعادَ الصلاةَ ولم يُعِدِ الوضوءَ»[[أخرجه البخاري معلقًا قبل حديث (١٧٦)، ووصله عبد الرزاق في «مصنفه» (٣٧٦٦)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٩٠٨)، والدارقطني في «سننه» (١ /١٧٢)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١ /١٤٤).]].
وكلُّ الأحاديثِ الواردةِ في نقضِ الوضوءِ بالضحكِ معلولةٌ، وقد بيَّنتُها في «كتابِ العللِ».
{"ayah":"فَتَبَسَّمَ ضَاحِكࣰا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِیۤ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ وَعَلَىٰ وَ ٰلِدَیَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَـٰلِحࣰا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِی بِرَحۡمَتِكَ فِی عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق