الباحث القرآني

﴿فَتَبَسَّمَ ضاحِكًا مِن قَوْلِها﴾ تَفْرِيعٌ عَلى ما تَقَدَّمَ، فَلا حاجَةَ إلى تَقْدِيرِ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ، أيْ: فَسَمِعَها فَتَبَسَّمَ، وجُعِلَ الفاءُ فَصِيحَةً كَما قِيلَ. ولَعَلَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إنَّما تَبَسَّمَ مِن ذَلِكَ سُرُورًا بِما أُلْهِمَتْ مِن حُسْنِ حالِهِ وحالِ جُنُودِهِ في بابِ التَّقْوى والشَّفَقَةِ، وابْتِهاجًا بِما خَصَّهُ اللَّهُ تَعالى بِهِ مِن إدْراكِ ما هو هَمْسٌ بِالنِّسْبَةِ إلى البَشَرِ، وفَهْمِ مُرادِها مِنهُ. وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَعَجُّبًا مِن حَذَرِها وتَحْذِيرِها واهْتِدائِها إلى تَدْبِيرِ مَصالِحِها ومَصالِحِ بَنِي نَوْعِها، والأوَّلُ أظْهَرُ مُناسَبَةً لِما بَعْدُ مِنَ الدُّعاءِ. وانْتُصِبَ (ضاحِكًا) عَلى الحالِ، أيْ شارِعًا في الضَّحِكِ، أعْنِي قَدْ تَجاوَزَ حَدَّ التَّبَسُّمِ إلى الضَّحِكِ، أوْ مُقَدِّرَ الضَّحِكَ بِناءً عَلى أنَّهُ حالٌ مُقَدَّرَةٌ، كَما نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ. وقالَ أبُو البَقاءِ: هو حالٌ مُؤَكِّدَةٌ، وهو يَقْتَضِي كَوْنَ التَّبَسُّمِ والضَّحِكِ بِمَعْنًى، والمَعْرُوفُ الفَرْقُ بَيْنَهُما، قالَ ابْنُ حَجَرٍ: التَّبَسُّمُ مَبادِئُ الضَّحِكِ مِن غَيْرِ صَوْتٍ، والضَّحِكُ انْبِساطُ الوَجْهِ حَتّى تَظْهَرَ الأسْنانُ مِنَ السُّرُورِ مَعَ صَوْتٍ خَفِيٍّ، فَإنْ كانَ فِيهِ صَوْتٌ (p-180)يُسْمَعُ مِن بُعْدٍ فَهو القَهْقَهَةُ، وكَأنَّ مَن ذَهَبَ إلى اتِّحادِ التَّبَسُّمِ والضَّحِكِ خَصَّ ذَلِكَ بِما كانَ مِنَ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - فَإنَّ ضَحِكَهم تَبَسُّمٌ، وقَدْ قالَ البُوصِيرِيُّ في مَدْحِ نَبِيِّنا ﷺ: ؎سَيِّدٌ ضَحِكُهُ التَّبَسُّمُ والمَـ شْيُ الهُوَيْنا ونَوْمُهُ الإغْفاءُ ورَوى البُخارِيُّ عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها - أنَّها قالَتْ: ما رَأيْتُهُ ﷺ مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضاحِكًا، أيْ: مُقْبِلًا عَلى الضَّحِكِ بِكُلِّيَّتِهِ إنَّما كانَ يَتَبَسَّمُ، والَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ الأحادِيثِ أنَّ تَبَسُّمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - أكْثَرُ مِن ضَحِكِهِ، ورُبَّما ضَحِكَ حَتّى بَدَتْ نَواجِذُهُ، وكَوْنُهُ ضَحِكَ كَذَلِكَ مَذْكُورٌ في حَدِيثِ: ««آخِرُ أهْلِ النّارِ خُرُوجًا مِنها وأهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ»» وقَدْ أخْرَجَهُ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، وكَذا في حَدِيثٍ أخْرَجَهُ البُخارِيُّ في المَواقِعِ أهْلَهُ في رَمَضانَ، ولَيْسَ في حَدِيثِ عائِشَةَ السّابِقِ أكْثَرُ مِن نَفْيِها رُؤْيَتَها إيّاهُ ﷺ مُسْتَجْمِعًا ضاحِكًا، وهو لا يُنافِي وُقُوعَ الضَّحِكِ مِنهُ في بَعْضِ الأوْقاتِ، حَيْثُ لَمْ تَرَهُ. وأوَّلَ الزَّمَخْشَرِيُّ ما رُوِيَ مِن أنَّهُ ﷺ ضَحِكَ حَتّى بَدَتْ نَواجِذُهُ بِأنَّ الغَرَضَ مِنهُ المُبالَغَةُ في وصْفِ ما وُجِدَ مِنهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - مِنَ الضَّحِكِ النَّبَوِيِّ، ولَيْسَ هُناكَ ظُهُورُ النَّواجِذِ - وهي أواخِرُ الأضْراسِ - حَقِيقَةً، ولَعَلَّهُ إنَّما لَمْ يَقِلْ سُبْحانَهُ: (فَتَبَسَّمَ مِن قَوْلِها) بَلْ جاءَ - جَلَّ وعَلا - بِـ(ضاحِكًا) نَصْبًا عَلى الحالِ لِيَكُونَ المَقْصُودُ بِالإفادَةِ التَّجاوُزَ إلى الضَّحِكِ، بِناءً عَلى أنَّ المَقْصُودَ مِنَ الكَلامِ الَّذِي فِيهِ قَيْدٌ إفادَةُ القَيْدِ نَفْيًا أوْ إثْباتًا، وفِيهِ إشْعارٌ بِقُوَّةِ تَأْثِيرِ قَوْلِها فِيهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - حَيْثُ أدّاهُ ما عَراهُ مِنهُ إلى أنَّ تَجاوَزَ حَدَّ التَّبَسُّمِ آخِذًا في الضَّحِكِ، ولَمْ يَكُنْ حالُهُ التَّبَسُّمَ فَقَطْ. وكَأنَّهُ لَمّا لَمْ يَكُنْ قَوْلُ: (فَضَحِكَ مِن قَوْلِها) في إفادَةِ ما ذَكَرْنا مِثْلَ ما في النَّظْمِ الجَلِيلِ لَمْ يُؤْتَ بِهِ، وفي البَحْرِ أنَّهُ لَمّا كانَ التَّبَسُّمُ يَكُونُ لِلِاسْتِهْزاءِ ولِلْغَضَبِ - كَما يَقُولُونَ: تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الغَضْبانِ وتَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُسْتَهْزِئِ - وكانَ الضَّحِكُ إنَّما يَكُونُ لِلسُّرُورِ والفَرَحِ أتى سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: (ضاحِكًا) لِبَيانِ أنَّ التَّبَسُّمَ لَمْ يَكُنِ اسْتِهْزاءً ولا غَضَبًا، انْتَهى. ولا يَخْفى أنَّ دَعْوى أنَّ الضَّحِكَ لا يَكُونُ إلّا لِلسُّرُورِ والفَرَحِ يُكَذِّبُها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ أجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾ فَإنَّ هَذا الضَّحِكَ كانَ مِن مُشْرِكِي قُرَيْشٍ اسْتِهْزاءً بِفُقَرائِهِمْ كَعَمّارٍ وصُهَيْبٍ وخَبّابٍ وغَيْرِهِمْ، كَما ذَكَرَهُ المُفَسِّرُونَ ولَمْ يَكُنْ لِلسُّرُورِ والفَرَحِ، وكَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاليَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ﴾ كَما هو الظّاهِرُ. وإنْ هَرِعْتَ إلى التَّأْوِيلِ قُلْنا: الواقِعُ يُكَذِّبُها، فَإنْ أنْكَرْتَ ضَحِكَ مِنكَ أُولُو الألْبابِ، وفِيهِ أيْضًا غَيْرُ ذَلِكَ، فَتَأمَّلْ، واللَّهُ تَعالى الهادِي إلى صَوْبِ الصَّوابِ. وقَرَأ ابْنُ السَّمَيْقَعِ «ضَحِكًا» عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ في مَوْضِعِ الحالِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، نَحْوُ شُكْرًا في قَوْلِكَ: (حَمِدَ شُكْرًا). ﴿وقالَ رَبِّ أوْزِعْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ أيِ: اجْعَلْنِي أزَعُ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، أيْ: أكُفُّهُ وأرْتَبِطُهُ لا يَنْفَلِتُ عَنِّي، وهو مَجازٌ عَنْ مُلازَمَةِ الشُّكْرِ والمُداوَمَةِ عَلَيْهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: رَبِّ اجْعَلْنِي مُداوِمًا عَلى شُكْرِ نِعْمَتِكَ، وهَمْزَةُ (أوْزِعْ) لِلتَّعْدِيَةِ، ولا حاجَةَ إلى اعْتِبارِ التَّضْمِينِ، وكَوْنُ التَّقْدِيرِ (رَبِّ يَسِّرْ لِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ وازِعًا) إيّاهُ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ المَعْنى: اجْعَلْنِي أشْكُرُ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: أيْ: حَرِّضْنِي. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: أيْ: أوْلِعْنِي. وقالَ الزَّجّاجُ - فِيما قِيلَ – أيْ: ألْهِمْنِي. وتَأْوِيلُهُ في اللُّغَةِ: كُفَّنِي عَنِ الأشْياءِ الَّتِي تُباعِدُنِي عَنْكَ. قالَ الطِّيبِيُّ: فَعَلى هَذا هو كِنايَةٌ تَلْوِيحِيَّةٌ؛ فَإنَّهُ طَلَبَ أنْ يَكُفَّهُ عَمّا يُؤَدِّي إلى كُفْرانِ النِّعْمَةِ بِأنْ يُلْهِمَهُ ما بِهِ تَقَيُّدُ النِّعْمَةِ مِنَ الشُّكْرِ. وإضافَةُ النِّعْمَةِ لِلِاسْتِغْراقِ، أيْ: جَمِيعَ نِعَمِكَ. وقُرِئَ (p-181)«أوْزِعَنِيَ» بِفَتْحِ الياءِ. ﴿الَّتِي أنْعَمْتَ﴾ أيْ أنْعَمْتَها، وأصْلُهُ أنْعَمْتَ بِها إلّا أنَّهُ اعْتُبِرَ الحَذْفُ والإيصالُ لِفَقْدِ شَرْطِ حَذْفِ العائِدِ المَجْرُورِ، وهو أنْ يَكُونَ مَجْرُورًا بِمِثْلِ ما جُرَّ بِهِ المَوْصُولُ لَفْظًا ومَعْنًى ومُتَعَلَّقًا، ومَن لا يَقُولُ بِاطِّرادِ ذَلِكَ لا يَعْتَبِرُ ما ذُكِرَ، ولا أرى فِيهِ بَأْسًا. ﴿عَلَيَّ وعَلى والِدَيَّ﴾ أُدْرِجَ ذِكْرُ والِدَيْهِ تَكْثِيرًا لِلنِّعْمَةِ؛ فَإنَّ الإنْعامَ عَلَيْهِما إنْعامٌ عَلَيْهِ مِن وجْهٍ مُسْتَوْجِبٍ لِلشُّكْرِ، أوْ تَعْمِيمًا لَها؛ فَإنَّ النِّعْمَةَ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - يَرْجِعُ نَفْعُها إلَيْهِما، والفَرْقُ بَيْنَ الوَجْهَيْنِ ظاهِرٌ، واقْتُصِرَ عَلى الثّانِي في الكَشّافِ وهو أوْفَقُ بِالشُّكْرِ. وكَوْنُ الدُّعاءِ المَذْكُورِ بَعْدَ وفاةِ والِدَيْهِ - عَلَيْهِما السَّلامُ - قَطْعًا، ورُجِّحَ الأوَّلُ بِأنَّهُ أوْفَقُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْرًا﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلا﴾ إلَخْ، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولِسُلَيْمانَ الرِّيحَ﴾ إلَخْ، فَتَدَبَّرْ، فَإنَّهُ دَقِيقٌ. ( وأنْ أعْمَلَ صالِحًا ) عَطْفٌ عَلى ( أنْ أشْكُرَ ) فَيَكُونُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - قَدْ طَلَبَ جَعْلَهُ مُداوِمًا عَلى عَمَلِ العَمَلِ الصّالِحِ أيْضًا، وكَأنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أرادَ بِالشُّكْرِ الشُّكْرَ بِاللِّسانِ المُسْتَلْزِمَ لِلشُّكْرِ بِالجَنانِ، وأرْدَفَهُ بِما ذُكِرَ تَتْمِيمًا لَهُ؛ لِأنَّ عَمَلَ الصّالِحِ شُكْرٌ بِالأرْكانِ، وفي البَحْرِ أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - سَألَ أوَّلًا شَيْئًا خاصًّا وهو شُكْرُ النِّعْمَةِ، وثانِيًا شَيْئًا عامًّا وهو عَمَلُ الصّالِحِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَرْضاهُ﴾ قِيلَ صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ أوْ مُخَصِّصَةٌ إنْ أُرِيدَ بِهِ كَمالُ الرِّضا، واخْتِيرَ كَوْنُهُ صِفَةً مُخَصِّصَةً، والمُرادُ بِالرِّضا القَبُولُ، وهو لَيْسَ مِن لَوازِمِ العَمَلِ الصّالِحِ أصْلًا لا عَقْلًا ولا شَرْعًا ﴿وأدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحِينَ﴾ أيْ: في جُمْلَتِهِمْ. والكَلامُ عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ كِنايَةٌ عَنْ جَعْلِهِ مِن أهْلِ الجَنَّةِ، وقَدَّرَ بَعْضُهُمُ الجَنَّةَ مَفْعُولًا ثانِيًا لِـ(أدْخِلْنِي) وعَلى كَوْنِهِ كِنايَةً لا حاجَةَ إلى التَّقْدِيرِ، والدّاعِي لِأحَدِ الأمْرَيْنِ - عَلى ما قِيلَ - دَفْعُ التَّكْرارِ مَعَ ما قَبْلُ؛ لِأنَّهُ إذا عَمِلَ عَمَلًا صالِحًا كانَ مِنَ الصّالِحِينَ البَتَّةَ إذْ لا مَعْنى لِلصّالِحِ إلّا العامِلُ عَمَلًا صالِحًا، وأرْدَفَ طَلَبَ المُداوَمَةِ عَلى عَمَلِ الصّالِحِ بِطَلَبِ إدْخالِهِ الجَنَّةَ لِعَدَمِ اسْتِلْزامِ العَمَلِ الصّالِحِ بِنَفْسِهِ إدْخالَ الجَنَّةِ. فَفِي الخَبَرِ: ««لَنْ يُدْخِلَ أحَدَكُمُ الجَنَّةَ عَمَلُهُ، قِيلَ: ولا أنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: ولا أنا إلّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ تَعالى بِرَحْمَتِهِ»». وكَأنَّ في ذِكْرِ (بِرَحْمَتِكَ) في هَذا الدُّعاءِ إشارَةٌ إلى ذَلِكَ، ولا يَأْبى ما ذُكِرَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ لِأنَّ سَبَبِيَّةَ العَمَلِ لِلْإيراثِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى. وقالَ الخَفاجِيُّ: لَكَ أنْ تَقُولَ: إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَدَّ نَفْسَهُ غَيْرَ صالِحٍ تَواضُعًا، أيْ: فَلا يُحْتاجُ إلى التَّقْدِيرِ ولا إلى نَظْمِ الكَلامِ في سِلْكِ الكِنايَةِ، ولا يَخْفى أنَّ هَذا لا يَدْفَعُ السُّؤالَ بِإغْناءِ الدُّعاءِ بِالمُداوَمَةِ عَلى عَمَلِ الصّالِحِ عَنْهُ. وقِيلَ: المُرادُ أنْ يَجْعَلَهُ سُبْحانَهُ في عِدادِ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - ويُثْبِتَ اسْمَهُ مَعَ أسْمائِهِمْ، ولا يَعْزِلَهُ عَنْ مَنصِبِ النُّبُوَّةِ الَّذِي هو مِنحَةٌ إلَهِيَّةٌ لا تُنالُ بِالأعْمالِ، ولِذا ذَكَرَ الرَّحْمَةَ في البَيْنِ، ونَقَلَ الطَّبَرْسِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ما يُلَوِّحُ بِهَذا المَعْنى. وقِيلَ: المُرادُ: أدْخِلْنِي في عِدادِ الصّالِحِينَ، واجْعَلْنِي أذْكُرُ مَعَهم إذا ذَكَرُوا، وحاصِلُهُ طَلَبُ الذِّكْرِ الجَمِيلِ الَّذِي لا يَسْتَلْزِمُهُ عَمَلُ الصّالِحِ؛ إذْ قَدْ يَتَحَقَّقُ مِن شَخْصٍ في نَفْسِ الأمْرِ ولا يَعُدُّهُ النّاسُ في عِدادِ الصّالِحِينَ. وفِي هَذا الدُّعاءِ شَمَّةٌ مِن دُعاءِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ﴿واجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ في الآخِرِينَ﴾ ومَقاصِدُ الأنْبِياءِ في مِثْلِ ذَلِكَ أُخْرَوِيَّةٌ، وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنَّهُ أرادَ بِعَمَلِ الصّالِحِ القِيامَ بِحُقُوقِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - وأرادَ بِالصَّلاحِ في قَوْلِهِ: ﴿فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ﴾ القِيامَ بِحُقُوقِهِ تَعالى وحُقُوقِ عِبادِهِ، فَيَكُونُ مِن قَبِيلِ التَّعْمِيمِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ. وتَعْيِينُ ما هو الأوْلى مِن هَذِهِ الأقْوالِ مُفَوَّضٌ إلى فِكْرِكَ، واللَّهُ تَعالى الهادِي، وكانَ دُعاؤُهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلى ما في بَعْضِ الآثارِ بَعْدَ (p-182)أنْ دَخَلَ النَّمْلُ مَساكِنَهُنَّ. قالَ في الكَشّافِ: رُوِيَ أنَّ النَّمْلَةَ أحَسَّتْ بِصَوْتِ الجُنُودِ ولا تَعْلَمُ أنَّهم في الهَواءِ، فَأمَرَ سُلَيْمانُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - الرِّيحَ فَوَقَفَتْ؛ لِئَلّا يُذْعَرْنَ حَتّى دَخَلْنَ مَساكِنَهُنَّ ثُمَّ دَعا بِالدَّعْوَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب