الباحث القرآني

(p-٥٩)﴿ولَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وسُلَيْمانَ عِلْمًا وقالا الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِن عِبادِهِ المُؤْمِنِينَ﴾ ﴿ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وقالَ ياأيُّها النّاسُ عُلِّمْنا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينا مِن كُلِّ شَيْءٍ إنَّ هَذا لَهو الفَضْلُ المُبِينُ﴾ ﴿وحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ والطَّيْرِ فَهم يُوزَعُونَ﴾ ﴿حَتّى إذا أتَوْا عَلى وادِي النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ ياأيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكم لا يَحْطِمَنَّكم سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ ﴿فَتَبَسَّمَ ضاحِكًا مِن قَوْلِها وقالَ رَبِّ أوْزِعْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلى والِدَيَّ وأنْ أعْمَلَ صالِحًا تَرْضاهُ وأدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحِينَ﴾ . هَذا ابْتِداءُ قَصَصٍ وأخْبارٍ بِمُغَيَّباتٍ وعِبَرٍ ونُكِّرَ. (عِلْمًا) لِأنَّهُ طائِفَةٌ مِنَ العِلْمِ. وقالَ قَتادَةُ: ”عِلْمًا“: فَهْمًا. وقالَ مُقاتِلٌ: عِلْمًا بِالقَضاءِ. وقالَ ابْنُ عَطاءٍ: عِلْمًا بِاللَّهِ - تَعالى - . وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أوْ عِلْمًا سَنِيًّا عَزِيزًا. (وقالا) قالَ: (فَإنْ قُلْتَ): ألَيْسَ هَذا مَوْضِعُ الفاءِ دُونَ الواوِ، كَقَوْلِكَ: أعْطَيْتُهُ فَشَكَرَ ومَنَعْتُهُ فَصَبَرَ ؟ (قُلْتُ): بَلى، ولَكِنَّ عَطْفَهُ بِالواوِ إشْعارٌ بِأنَّ ما قالاهُ بَعْضُ ما أُحْدِثَ فِيهِما إيتاءُ العِلْمِ وشَيْءٍ مِن مَواجِبِهِ، فَأُضْمِرَ ذَلِكَ، ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ التَّحْمِيدُ، كَأنَّهُ قالَ: ولَقَدْ آتَيْناهُما عِلْمًا، فَعَمِلا بِهِ وعَلَّماهُ، وعَرَفا حَقَّ النِّعْمَةِ فِيهِ والفَضِيلَةَ ﴿وقالا الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ والكَثِيرُ المُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَن لَمْ يُؤْتَ عِلْمًا، أوْ مَن يُؤْتَ مِثْلَ عِلْمِهِما، وفي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى شَرَفِ العِلْمِ. انْتَهى. والمَوْرُوثُ: المُلْكُ والنُّبُوَّةُ، بِمَعْنى: صارَ ذَلِكَ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ أبِيهِ فَسُمِّيَ مِيراثًا تَجَوُّزًا، كَما قِيلَ: العُلَماءُ ورَثَةُ الأنْبِياءِ. وحَقِيقَةُ المِيراثِ في المالِ، والأنْبِياءُ لا تُوَرِّثُ مالًا، وكانَ لِداوُدَ تِسْعَةَ عَشَرَ ولَدًا ذَكَرًا، فَنُبِّئَ سُلَيْمانُ مِن بَيْنِهِمْ ومُلِّكَ. وقِيلَ: ولّاهُ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ في حَياتِهِ مِن بَيْنِ سائِرِ أوْلادِهِ، فَكانَتِ الوِلايَةُ في مَعْنى الوِراثَةِ. وقالَ الحَسَنُ: ورِثَ المالَ؛ لِأنَّ النُّبُوَّةَ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأةٌ لا تُوَرَّثُ. وقِيلَ: المُلْكُ والسِّياسَةُ. وقِيلَ: النُّبُوَّةُ فَقَطْ، والأظْهَرُ القَوْلُ الأوَّلُ، ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: ﴿عُلِّمْنا مَنطِقَ الطَّيْرِ﴾ فَهَذا يَدُلُّ عَلى النُّبُوَّةِ؛ ﴿وأُوتِينا مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ يَدُلُّ عَلى المُلْكِ، وكانَ هَذا شَرْحًا لِلْمِيراثِ. وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ هَذا لَهو الفَضْلُ المُبِينُ﴾ يُقَوِّي ذَلِكَ، ولا يُناسِبُ شَيْءٌ مِن هَذا وِراثَةُ المالِ. وقَوْلُهُ: ﴿يا أيُّها النّاسُ﴾ تَشْهِيرٌ لِنِعْمَةِ اللَّهِ، وتَنْوِيهٌ بِها واعْتِرافٌ بِمَكانِها، ودُعاءُ النّاسِ إلى التَّصْدِيقِ بِذِكْرِ المُعْجِزَةِ الَّتِي هي عِلْمُ مَنطِقِ الطَّيْرِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا أُوتِيَهُ مِن عَظائِمِ الأُمُورِ. و﴿مَنطِقَ الطَّيْرِ﴾ اسْتِعارَةٌ لِما يُسْمَعُ مِنها مِنَ الأصْواتِ، وهو حَقِيقَةٌ في بَنِي آدَمَ، لَمّا كانَ سُلَيْمانُ يَفْهَمُ مِنهُ ما يَفْهَمُ مِن كَلامِ بَنِي آدَمَ، كَما يَفْهَمُ بَعْضُ الطَّيْرِ مِن بَعْضٍ، أطْلَقَ عَلَيْهِ مَنطِقَ. وقِيلَ: كانَتِ الطَّيْرُ تُكَلِّمُهُ مُعْجِزَةً لَهُ، كَقِصَّةِ الهُدْهُدِ، والظّاهِرُ أنَّهُ عُلِّمَ مَنطِقَ الطَّيْرِ وعُمُومِ الطَّيْرِ. وقِيلَ: عُلِّمَ مَنطِقَ الحَيَوانِ. قِيلَ: والنَّباتِ، حَتّى كانَ يَمُرُّ عَلى الشَّجَرَةِ فَتَذْكُرُ لَهُ مَنافِعَها ومَضارَّها، وإنَّما نَصَّ عَلى الطَّيْرِ، لِأنَّهُ كانَ جُنْدًا مِن جُنُودِهِ، يَحْتاجُ إلَيْهِ في التَّظْلِيلِ مِنَ الشَّمْسِ، وفي البَعْثِ في الأُمُورِ. وقالَ قَتادَةُ: والشَّعْبِيُّ: وكَذَلِكَ كانَتْ هَذِهِ النَّمْلَةُ القائِلَةُ ذاتَ جَناحَيْنِ. وأوْرَدَ المُفَسِّرُونَ مِمّا ذَكَرُوا بِأنَّ سُلَيْمانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أخْبَرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الطَّيْرِ بِأنْواعٍ مِنَ الكَلامِ، تَقْدِيسٌ لِلَّهِ - تَعالى - وعِظاتٌ، وعِبَرٌ ما اللَّهُ أعْلَمُ بِصِحَّتِهِ. ﴿وأُوتِينا مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ ظاهِرُهُ العُمُومُ، والمُرادُ الخُصُوصُ، أيْ مِن كُلِّ شَيْءٍ يَصْلُحُ لَنا ونَتَمَنّاهُ، وأُرِيدَ بِهِ كَثْرَةُ ما أُوتِيَ، فَكَأنَّهُ مُسْتَغْرِقٌ لِجَمِيعِ الأشْياءِ. كَما تَقُولُ: فُلانٌ يَقْصِدُهُ كُلُّ أحَدٍ، يُرِيدُ كَثْرَةَ قُصّادِهِ، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى في قِصَّةِ بِلْقِيسَ: ﴿وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣]؛ وبُنِيَ ”عُلِّمْنا“ و”أُوتِينا“ لِلْمَفْعُولِ، وحُذِفَ الفاعِلُ لِلْعِلْمِ بِهِ، (p-٦٠)وهُوَ اللَّهُ - تَعالى. وكانا مُسْنَدَيْنِ لِنُونِ العَظَمَةِ لا لِتاءِ المُتَكَلِّمِ؛ لِأنَّهُ إمّا أنْ أرادَ نَفْسَهُ وأباهُ، أوْ لَمّا كانَ مَلِكًا مُطاعًا خاطَبَ أهْلَ طاعَتِهِ ومَمْلَكَتِهِ بِحالِهِ الَّتِي هو عَلَيْها، لا عَلى سَبِيلِ التَّعاظُمِ والتَّكَبُّرِ. ﴿إنَّ هَذا لَهو الفَضْلُ المُبِينُ﴾ إقْرارٌ بِالنِّعْمَةِ وشُكْرٌ لَها ومَحْمَدَةٌ. رُوِيَ أنَّ مُعَسْكَرَهُ كانَ مِائَةَ فَرْسَخٍ في مِائَةٍ خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ لِلْجِنِّ، ومِثْلُها لِلْإنْسِ، ومِثْلُها لِلطَّيْرِ، ومِثْلُها لِلْوَحْشِ، وألْفُ بَيْتٍ مِن قَوارِيرَ عَلى الخَشَبِ، فِيها ثَلاثُمِائَةِ مَنكُوحَةٍ، وسَبْعُمِائَةِ سِرِّيَّةٍ، وقَدْ نَسَجَتْ لَهُ الجِنُّ بِساطًا مِن ذَهَبٍ وإبْرِيسَمْ فَرْسَخًا في فَرْسَخٍ، ومِنبَرُهُ في وسَطِهِ مِن ذَهَبٍ، فَيَصْعَدُ عَلَيْهِ وحَوْلَهُ سِتُّمِائَةِ ألْفِ كُرْسِيٍّ مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ، تَقْعُدُ الأنْبِياءُ عَلى كَراسِيِّ الفِضَّةِ، وحَوْلَهُمُ النّاسُ، وحَوْلَ النّاسِ الجِنُّ والشَّياطِينُ، وتُظِلُّهُ الطَّيْرُ بِأجْنِحَتِها حَتّى لا تَقَعَ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وتَرْفَعُ رِيحُ الصَّبا البِساطَ، فَتَسِيرُ بِهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وتَفْصِيلُ هَذِهِ الأشْياءِ يَحْتاجُ إلى صِحَّةِ نَقْلٍ، وكانَ مُلْكُهُ عَظِيمًا، مَلَأ الأرْضَ، وانْقادَ لَهُ أهْلُ المَعْمُورِ مِنها. وتَقَدَّمَ لَنا أنَّهُ مَلَكَ الأرْضَ بِأسْرِها أرْبَعَةٌ: مُؤْمِنانِ: سُلَيْمانُ وذُو القَرْنَيْنِ، وكافِرانِ: بُخْتُنَصَّرَ ونُمْرُوذُ. وحَشْرُ الجُنُودِ يَقْتَضِي سَفَرًا وفُسِّرَ الجُنُودُ أنَّهُمُ الجِنُّ والإنْسُ والطَّيْرُ، وذَكَرَ المُفَسِّرُونَ الوَحْشَ رابِعًا. ﴿فَهم يُوزَعُونَ﴾ يُحْشَرُ أوَّلُهم عَلى آخِرِهِمْ، أيْ يُوقَفُ مُتَقَدِّمُو العَسْكَرِ حَتّى يَأْتِيَ آخِرُهم فَيَجْتَمِعُونَ، لا يَتَخَلَّفُ مِنهم أحَدٌ وذَلِكَ لِلْكَثْرَةِ العَظِيمَةِ، أوْ يَكُفُّونَ عَنِ المُسَيَّرِ حَتّى يَجْتَمِعُوا. وقِيلَ: يَجْتَمِعُونَ مِن كُلِّ جِهَةٍ. وقِيلَ: يُساقُونَ. وقِيلَ: يُدْفَعُونَ. وقِيلَ: يُحْبَسُونَ. كانَتِ الجُيُوشُ تَسِيرُ مَعَهُ إذا سارَ، وتَنْزِلُ إذا نَزَلَ. ﴿حَتّى إذا أتَوْا﴾ هَذِهِ غايَةٌ لِشَيْءٍ مُقَدَّرٍ، أيْ وسارُوا حَتّى إذا أتَوْا، أوْ يُضَمَّنُ ”يُوزَعُونَ“ مَعْنى فِعْلٍ يَقْتَضِي أنْ تَكُونَ حَتّى غايَةً لَهُ، أيْ فَهم يَسِيرُونَ مَكْنُوفًا بَعْضُهم مِن مُفارَقَةِ بَعْضٍ. وعُدِّيَ ”أتَوْا“ بِعَلى، إمّا لِأنَّ إتْيانَهم كانَ مِن فَوْقُ، وإمّا أنْ يُرادَ قَطْعُ الوادِي وبُلُوغُ آخِرِهِ مِن قَوْلِهِمْ: أتى عَلى الشَّيْءِ، إذا أتى عَلى آخِرِهِ وأنْفَذَهُ، كَأنَّهم أرادُوا أنْ يَنْزِلُوا عِنْدَ مُنْقَطَعِ الوادِي؛ لِأنَّهم ما دامَتِ الرِّيحُ تَحْمِلُهم لا يُخافُ حَطْمُهم، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والظّاهِرُ أنَّ سُلَيْمانَ وجُنُودَهُ كانُوا مُشاةً في الأرْضِ، ولِذَلِكَ يَتَهَيَّأُ حَطْمُ النَّمْلِ بِنُزُولِهِمْ في وادِي النَّمْلِ. ويُحْتَمَلُ أنَّهم كانُوا في الكُرْسِيِّ المَحْمُولِ بِالرِّيحِ، فَأحَسَّتِ النَّمْلُ بِنُزُولِهِمْ في وادِي النَّمْلِ، ووادِي النَّمْلُ قِيلَ بِالشّامِ. وقِيلَ: بِأقْصى اليَمَنِ، وهو مَعْرُوفٌ عِنْدَ العَرَبِ مَذْكُورٌ في أشْعارِها. وقالَ كَعْبٌ: ؎وادِي السِّدْرِ مِنَ الطّائِفِ والظّاهِرُ صُدُورُ القَوْلِ مِنَ النَّمْلَةِ، وفَهْمُ سُلَيْمانَ كَلامَها، كَما فَهِمَ مَنطِقَ الطَّيْرِ. قالَ مُقاتِلٌ: مِن ثَلاثَةِ أمْيالٍ. وقالَ الضَّحّاكُ بَلَّغَتْهُ الرِّيحُ كَلامَها. وقالَ ابْنُ بَحْرٍ: نَطَقَتْ بِالصَّوْتِ مُعْجِزَةً لِسُلَيْمانَ، كَكَلامِ الضَّبِّ والذِّراعِ لِلرَّسُولِ. وقِيلَ: فَهِمَهُ إلْهامًا مِنَ اللَّهِ، كَما فَهِمَهُ جِنْسُ النَّمْلِ، لا أنَّهُ سَمِعَ قَوْلًا. وقالالكَلْبِيُّ: أخْبَرَهُ مَلَكٌ بِذَلِكَ. قالَ الشّاعِرُ: ؎لَوْ كُنْتُ أُوتِيتُ كَلامَ الحُكْلِ ∗∗∗ عِلْمَ سُلَيْمانَ كَلامَ النَّمْلِ (p-٦١)والحُكْلُ: ما لا يُسْمَعُ صَوْتُهُ. وذَكَرُوا اخْتِلافًا في صِغَرِ النَّمْلَةِ وكِبَرِها، وفي اسْمِها العَلَمِ ما لَفْظُهُ. ولَيْتَ شِعْرِي، مَنِ الَّذِي وضَعَ لَها لَفْظًا يَخُصُّها، أبَنُو آدَمَ أمِ النَّمْلُ ؟ وقالُوا: كانَتْ نَمْلَةً عَرْجاءَ، ولُحُوقُ التّاءِ في قالَتْ لا يَدُلُّ عَلى أنَّ النَّمْلَةَ مُؤَنَّثٌ، بَلْ يَصِحُّ أنْ يُقالَ في المُذَكَّرِ: قالَتْ نَمْلَةٌ، لِأنَّ نَمْلَةً، وإنْ كانَ بِالتّاءِ، هو مِمّا لا يَتَمَيَّزُ فِيهِ المُذَكَّرُ مِنَ المُؤَنَّثِ. وما كانَ كَذَلِكَ، كالنَّمْلَةِ والقَمْلَةِ، مِمّا بَيْنَهُ في الجَمْعِ وبَيْنَ واحِدِهِ مِنَ الحَيَوانِ تاءُ التَّأْنِيثِ، فَإنَّهُ يُخْبَرُ عَنْهُ إخْبارَ المُؤَنَّثِ، ولا يَدُلُّ كَوْنُهُ يُخْبَرُ عَنْهُ إخْبارَ المُؤَنَّثِ عَلى أنَّهُ ذَكَرٌ أوْ أُنْثى؛ لِأنَّ التّاءَ دَخَلَتْ فِيهِ لِلْفَرْقِ، لا دالَّةً عَلى التَّأْنِيثِ الحَقِيقِيِّ، بَلْ دالَّةً عَلى الواحِدِ مِن هَذا الجِنْسِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وعَنْ قَتادَةَ: أنَّهُ دَخَلَ الكُوفَةَ، فالتَفَّ عَلَيْهِ النّاسُ فَقالَ: سَلُوا عَمّا شِئْتُمْ. وكانَ أبُو حَنِيفَةَ حاضِرًا، وهو غُلامٌ حَدَثٌ، فَقالَ: سَلُوهُ عَنْ نَمْلَةِ سُلَيْمانَ، أكانَتْ ذَكَرًا أمْ أُنْثى: فَسَألُوهُ فَأُفْحِمَ، فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ: كانَتْ أُنْثى. فَقِيلَ لَهُ: مِن أيْنَ عَرَفْتَ ؟ فَقالَ: مِن كِتابِ اللَّهِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿قالَتْ نَمْلَةٌ﴾ ولَوْ كانَ ذَكَرًا لَقالَ قالَ نَمْلَةٌ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وذَلِكَ أنَّ النَّمْلَةَ مِثْلُ الحَمامَةِ والشّاةِ في وُقُوعِها عَلى الذَّكَرِ والأُنْثى، فَيُمَيَّزُ بَيْنَهُما بِعَلامَةٍ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ: حَمامَةٌ ذَكَرٌ وحَمامَةٌ أُنْثى، وهو وهي. انْتَهى. وكانَ قَتادَةُ بْنُ دِعامَةَ السَّدُوسِيُّ بَصِيرًا بِالعَرَبِيَّةِ، وكَوْنُهُ أُفْحِمَ، يَدُلُّ عَلى مَعْرِفَتِهِ بِاللِّسانِ، إذْ عَلِمَ أنَّ النَّمْلَةَ يُخْبَرُ عَنْها إخْبارَ المُؤَنَّثِ، وإنْ كانَتْ تَنْطَلِقُ عَلى الأُنْثى والذَّكَرِ، إذْ هو مِمّا لا يَتَمَيَّزُ فِيهِ أحَدُ هَذَيْنِ، فَتَذْكِيرُهُ وتَأْنِيثُهُ لا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِن إلْحاقِ العَلامَةِ لِلْفِعْلِ فَتَوَقَّفَ، إذْ لا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ. وأمّا اسْتِنْباطُ تَأْنِيثِهِ مِن كِتابِ اللَّهِ مِن قَوْلِهِ: ﴿قالَتْ نَمْلَةٌ﴾ ولَوْ كانَ ذَكَرًا لَقالَ: قالَ نَمْلَةٌ، وكَلامُ النُّحاةِ عَلى خِلافِهِ، وأنَّهُ لا يُخْبَرُ عَنْهُ إلّا إخْبارَ المُؤَنَّثِ، سَواءٌ كانَ ذَكَرًا أمْ أُنْثى. وأمّا تَشْبِيهُ الزَّمَخْشَرِيِّ النَّمْلَةَ بِالحَمامَةِ والشّاةِ، فَبَيْنَهُما قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، وهو إطْلاقُهُما عَلى المُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، وبَيْنَهُما فَرْقٌ، وهو أنَّ الحَمامَةَ والشّاةَ يَتَمَيَّزُ فِيهِما المُذَكَّرُ مِنَ المُؤَنَّثِ، فَيُمْكِنُ أنْ تَقُولَ: حَمامَةٌ ذَكَرٌ وحَمامَةٌ أُنْثى، فَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ. وأمّا تَمْيِيزُهُ بَهو وهي، فَإنَّهُ لا يَجُوزُ. لا تَقُولُ: هو الحَمامَةُ، ولا هو الشّاةُ؛ وأمّا النَّمْلَةُ والقَمْلَةُ فَلا يَتَمَيَّزُ فِيهِ المُذَكَّرُ مِنَ المُؤَنَّثِ، فَلا يَجُوزُ فِيهِ في الإخْبارِ إلّا التَّأْنِيثُ، وحُكْمُهُ حُكْمُ المُؤَنَّثِ بِالتّاءِ مِنَ الحَيَوانِ العاقِلِ نَحْوَ: المَرْأةِ، أوْ غَيْرِ العاقِلِ كالدّابَّةِ، إلّا إنْ وقَعَ فَصْلٌ بَيْنَ الفِعْلِ وبَيْنَ ما أُسْنِدَ إلَيْهِ مِن ذَلِكَ، فَيَجُوزُ أنْ تَلْحَقَ العَلّامَةُ الفِعْلَ، ويَجُوزُ أنْ لا تَلْحَقَ، عَلى ما قُرِّرَ ذَلِكَ في بابِ الإخْبارِ عَنِ المُؤَنَّثِ في عِلْمِ العَرَبِيَّةِ. وقَرَأ الحَسَنُ، وطَلْحَةُ، ومُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمانَ، وأبُو سُلَيْمانَ التَّيْمِيُّ: نَمُلَةٌ، بِضَمِّ المِيمِ كَسَمُرَةٍ، وكَذَلِكَ النَّمُلُ، كالرَّجُلَةِ والرُّجُلِ لُغَتانِ. وعَنْ سُلَيْمانَ التَّيْمِيِّ: نَمْلٌ ونُمُلٌ بِضَمِّ النُّونِ والمِيمِ، وجاءَ الخِطابُ بِالأمْرِ، كَخِطابِ مَن يَعْقِلُ في قَوْلِهِ: (ادْخُلُوا) وما بَعْدَهُ؛ لِأنَّها أمَرَتِ النَّمْلَ كَأمْرِ مَن يَعْقِلُ، وصَدَرَ مِنَ النَّمْلِ الِامْتِثالُ لِأمْرِها. وقَرَأ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: مَسْكَنَكم، عَلى الإفْرادِ. وعَنْ أُبَيٍّ: ادْخُلْنَ مَساكِنَكُنَّ ”يَحْطِمَنَكم“ مُخَفَّفَةَ النُّونِ الَّتِي قَبْلَ الكافِ. وقَرَأ الحَسَنُ، وأبُو رَجاءٍ، وقَتادَةُ، وعِيسى بْنُ عُمَرَ الهَمْدانِيُّ الكُوفِيُّ، ونُوحٌ القاضِي: بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الحاءِ وشَدِّ الطّاءِ والنُّونِ، مُضارِعُ حَطَّمَ مُشَدَّدًا. وعَنِ الحَسَنِ: بِفَتْحِ الياءِ وإسْكانِ الحاءِ وشَدِّ الطّاءِ، وعَنْهُ كَذَلِكَ مَعَ كَسْرِ الحاءِ، وأصْلُهُ: لا يَحْتَطِمَنَّكم مِنَ الِاحْتِطامِ. وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ، وطَلْحَةُ، ويَعْقُوبُ، وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةِ عُبَيْدٍ: كَقِراءَةِ الجُمْهُورِ، إلّا أنَّهم سَكَّنُوا نُونَ التَّوْكِيدِ. وقَرَأ الأعْمَشُ: بِحَذْفِ النُّونِ وجَزْمِ المِيمِ، والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿لا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ بِالنُّونِ خَفِيفَةً أوْ شَدِيدَةً، نَهْيٌ مُسْتَأْنَفٌ، وهو مِن بابِ: لا أرَيَنَّكَ هاهُنا، نَهَتْ غَيْرَ النَّمْلِ، والمُرادُ النَّمْلُ، أيْ لا تَظْهَرُوا بِأرْضِ الوادِي فَيَحْطِمَكم، ولا تَكُنْ هُنا فَأراكَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): ”يَحْطِمَنَّكم“ ما هو ؟ (قُلْتُ): يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ جَوابًا لِلْأمْرِ، وأنْ يَكُونَ (p-٦٢)هُنا بَدَلًا مِنَ الأمْرِ، والَّذِي جَوَّزَ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنهُ، لِأنَّهُ في مَعْنى لا تَكُونُوا؛ حَيْثُ أنْتُمْ فَيَحْطِمَنَّكم عَلى طَرِيقَةِ لا أرَيَنَّكَ هاهُنا، أرادَتْ يَحْطِمَنَّكم جُنُودُ سُلَيْمانَ، فَجاءَتْ بِما هو أبْلَغُ، ونَحْوُهُ: عَجِبْتُ مِن نَفْسِي ومِن إشْفاقِها. انْتَهى. وأمّا تَخْرِيجُهُ عَلى أنَّهُ أمْرٌ، فَلا يَكُونُ ذَلِكَ إلّا عَلى قِراءَةِ الأعْمَشِ، إذْ هو مَجْزُومٌ، مَعَ أنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اسْتِئْنافَ نَفْيٍ، وأمّا مَعَ وُجُودِ نُونِ التَّوْكِيدِ، فَإنَّهُ لا يَجُوزُ ذَلِكَ إلّا إنْ كانَ في الشِّعْرِ. وإذا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ في جَوابِ الشَّرْطِ إلّا في الشِّعْرِ، فَأحْرى أنْ لا يَجُوزَ في جَوابِ الأمْرِ إلّا في الشِّعْرِ. وكَوْنُهُ جَوابَ الأمْرِ مُتَنازَعٌ فِيهِ عَلى ما قُرِّرَ في النَّحْوِ، ومِثالُ مَجِيءِ نُونِ التَّوْكِيدِ في جَوابِ الشَّرْطِ، قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎نَبَتُّمْ نَباتَ الخَيْزُرانَةِ في الثَّرى ∗∗∗ حَدِيثًا مَتى يَأْتِكَ الخَيْرُ يَنْفَعًا وقَوْلُ الآخَرِ: ؎مَهْما تَشا مِنهُ فَزارَةُ يُعْطَهُ ∗∗∗ ومَهْما تَشا مِنهُ فَزارَةُ يَمْنَعًا قالَ سِيبَوَيْهِ: وذَلِكَ قَلِيلٌ في الشِّعْرِ، شَبَّهُوهُ بِالنَّفْيِ حَيْثُ كانَ مَجْزُومًا غَيْرَ واجِبٍ. انْتَهى. وقَدْ تَنَبَّهَ أبُو البَقاءِ لِشَيْءٍ مِن هَذا قالَ: وقِيلَ: هو جَوابُ الأمْرِ، وهو ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ جَوابَ الشَّرْطِ لا يُؤَكَّدُ بِالنُّونِ في الِاخْتِيارِ. وأمّا تَخْرِيجُهُ عَلى البَدَلِ فَلا يَجُوزُ، لِأنَّ مَدْلُولَ ﴿يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ مُخالِفٌ لِمَدْلُولِ (ادْخُلُوا) . وأمّا قَوْلُهُ: لِأنَّهُ في مَعْنى لا تَكُونُوا حَيْثُ أنْتُمْ فَيَحْطِمَنَّكم، فَهَذا تَفْسِيرُ مَعْنًى لا تَفْسِيرُ إعْرابٍ، والبَدَلُ مِن صِفَةِ الألْفاظِ. نَعَمْ لَوْ كانَ اللَّفْظُ القُرْآنِيُّ لا تَكُونُوا حَيْثُ أنْتُمْ يَحْطِمَنَّكم لَتُخُيِّلَ فِيهِ البَدَلُ؛ لِأنَّ الأمْرَ بِدُخُولِ المَساكِنِ نَهْيٌ عَنْ كَوْنِهِمْ في ظاهِرِ الأرْضِ. وأمّا قَوْلُهُ: أنَّهُ أرادَ يَحْطِمَنَّكم جُنُودُ سُلَيْمانَ إلى آخَرِ، فَيُسَوِّغُ زِيادَةَ الأسْماءِ، وهو لا يَجُوزُ، بَلِ الظّاهِرُ إسْنادُ الحَطْمِ إلَيْهِ وإلى جُنُودِهِ، وهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ خَيْلُ سُلَيْمانَ وجُنُودِهِ، أوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمّا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ. ﴿وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ، أيْ إنْ وقَعَ حَطْمٌ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَعَمُّدٍ مِنهم، إنَّما يَقَعُ وهم لا يَعْلَمُونَ بِحَطْمِنا، كَقَوْلِهِ: ﴿فَتُصِيبُكم مِنهم مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عَلَمٍ﴾ [الفتح: ٢٥] وهَذا التِفاتٌ حَسَنٌ، أيْ مِن عَدْلِ سُلَيْمانَ وأتْباعِهِ ورَحْمَتِهِ ورِفْقِهِ أنْ لا يَحْطِمَ نَمْلَةً فَما فَوْقَها إلّا بِأنْ لا يَكُونَ لَهم شُعُورٌ بِذَلِكَ. وما أحْسَنَ ما أتَتْ بِهِ هَذِهِ النَّمْلَةُ في قَوْلِها وأغَرَّ بِهِ وأفْصَحَهُ وأجْمَعَهُ لِلْمَعانِي، أدْرَكَتْ فَخامَةَ مُلْكِ سُلَيْمانَ، فَنادَتْ وأمَرَتْ وأنْذَرَتْ. وذَكَرُوا أنَّهُ جَرى بَيْنَها وبَيْنَ سُلَيْمانَ مُحاوَراتٌ، وأهْدَتْ لَهُ نَبْقَةً، وأنْشَدُوا أبْياتًا في حَقارَةِ ما يُهْدى إلى العَظِيمِ، والِاسْتِعْذارِ مِن ذَلِكَ، ودُعاءِ سُلَيْمانَ لِلنَّمْلِ بِالبِرْكَةِ، واللَّهُ أعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ أوِ افْتِعالِهِ. والنَّمْلُ حَيَوانٌ قَوِيُّ الحِسِّ شَمّامٌ جِدًّا، يَدَّخِرُ القُوتَ، ويَشُقُّ الحَبَّةَ قِطْعَتَيْنِ لِئَلّا تُنْبِتَ، والكُزْبَرَةُ بِأرْبَعٍ؛ لِأنَّها إذا قُطِعَتْ قِطْعَتَيْنِ أنْبَتَتْ، وتَأْكُلُ في عامِها بَعْضَ ما تَجْمَعُ، وتَدَّخِرُ الباقِيَ عِدَّةً. وفي الحَدِيثِ: «النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ أرْبَعٍ مِنَ الدَّوابِّ: الهُدْهُدِ والصُّرَدِ والنَّمْلَةِ والنَّحْلَةِ»، خَرَّجَهُ أبُو داوُدَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. ورُوِيَ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ: وتَبَسَّمَ سُلَيْمانُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إمّا لِلْعَجَبِ بِما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُها: ﴿وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ وهو إدْراكُها رَحْمَتَهُ وشَفَقَتَهُ ورَحْمَةَ عَسْكَرِهِ، وإمّا لِلسُّرُورِ بِما آتاهُ اللَّهُ مِمّا لَمْ يُؤْتِ أحَدًا، وهو إدْراكُهُ قَوْلَ ما هُمِسَ بِهِ، الَّذِي هو مَثَلٌ في الصِّغَرِ، ولِذَلِكَ دَعا أنْ يُوزِعَهُ اللَّهُ شُكْرَ ما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ. وانْتَصَبَ ضاحِكًا عَلى الحالِ، أيْ شارِعًا في الضَّحِكِ ومُتَجاوِزًا حَدَّ التَّبَسُّمِ إلى الضَّحِكِ، ولَمّا كانَ التَّبَسُّمُ يَكُونُ لِلِاسْتِهْزاءِ ولِلْغَضَبِ، كَما يَقُولُونَ، تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الغَضْبانِ، وتَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُسْتَهْزِئِ، وكانَ الضَّحِكُ إنَّما يَكُونُ لِلسُّرُورِ والفَرَحِ، أتى بِقَوْلِهِ: (ضاحِكًا) . وقَرَأ ابْنُ السَّمَيْفَعِ: ضَحِكًا، جَعَلَهُ مَصْدَرًا؛ لِأنَّ تَبَسَّمَ في مَعْنى ضَحِكَ، فانْتِصابُهُ عَلى المَصْدَرِيَّةِ، أوْ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ في مَوْضِعِ الحالِ، كَقِراءَةِ ضاحِكًا. ﴿وقالَ رَبِّ أوْزِعْنِي﴾ أيِ اجْعَلْنِي أزَعُ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وآلَفُهُ وأرْتَبِطُهُ، حَتّى لا يَنْفَلِتَ عَنِّي، (p-٦٣)حَتّى لا أنْفَكَّ شاكِرًا لَكَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أوْزِعْنِي: اجْعَلْنِي أشْكُرُ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: حَرِّضْنِي. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: أوْلِعْنِي. وقالَ الزَّجّاجُ: امْنَعْنِي عَنِ الكُفْرانِ. وقِيلَ: ألْهِمْنِي الشُّكْرَ، وأدْرَجَ ذِكْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلى والِدَيْهِ في أنْ يَشْكُرَهُما، كَما يَشْكُرُ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلى نَفْسِهِ، لِما يَجِبُ لِلْوالِدِ عَلى الوَلَدِ مِنَ الدُّعاءِ لَهُما والبِرِّ بِهِما، ولا سِيَّما إذا كانَ الوَلَدُ تَقِيًّا لِلَّهِ صالِحًا، فَإنَّ والِدَيْهِ يَنْتَفِعانِ بِدُعائِهِ وبِدُعاءِ المُؤْمِنِينَ لَهُما بِسَبَبِهِ، كَقَوْلِهِمْ: رَحِمَ اللَّهُ مَن خَلَّفَكَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وعَنْ والِدَيْكَ. ولَمّا سَألَ رَبَّهُ شَيْئًا خاصًّا، وهو شُكْرُ النِّعْمَةِ، سَألَ شَيْئًا عامًّا، وهو أنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يَرْضاهُ اللَّهُ - تَعالى - فانْدَرَجَ فِيهِ شُكْرُ النِّعْمَةِ، فَكَأنَّهُ سَألَ إيزاعَ الشُّكْرِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ دَعا أنْ يُلْحَقَ بِالصّالِحِينَ. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُمُ الأنْبِياءُ والمُؤْمِنُونَ، وكَذا عادَةُ الأنْبِياءِ أنْ يَطْلُبُوا جَعْلَهم مِنَ الصّالِحِينَ، كَما قالَ يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وألْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾ [يوسف: ١٠١] . وقالَ تَعالى، عَنْ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ﴿وإنَّهُ في الآخِرَةِ لِمَنِ الصّالِحِينَ﴾ [النحل: ١٢٢] . قِيلَ: لِأنَّ كَمالَ الصَّلاحِ أنْ لا يَعْصِيَ اللَّهَ - تَعالى - ولا يَهِمَّ بِمَعْصِيَةٍ، وهَذِهِ دَرَجَةٌ عالِيَةٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب