الباحث القرآني
(p-٢٣٢)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾ .
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أيْ في الحُرْمَةِ والِاحْتِرامِ والتَّوْقِيرِ والإكْرامِ والإعْظامِ، ولَكِنْ لا يَجُوزُ الخَلْوَةُ بِهِنَّ، ولا يَنْتَشِرُ التَّحْرِيمُ إلى بَناتِهِنَّ وأخَواتِهِنَّ بِالإجْماعِ، ا هـ. مَحَلُّ الغَرَضِ مِنهُ. وما ذُكِرَ مِن أنَّ المُرادَ بِكَوْنِ أزْواجِهِ ﷺ أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ هو حُرْمَتُهُنَّ عَلَيْهِمْ، كَحُرْمَةِ الأُمِّ، واحْتِرامُهم لَهُنَّ كاحْتِرامِ الأُمِّ. . . إلَخْ واضِحٌ لا إشْكالَ فِيهِ. ويَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا سَألْتُمُوهُنَّ مَتاعًا فاسْألُوهُنَّ مِن وراءِ حِجابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣]؛ لِأنَّ الإنْسانَ لا يَسْألُ أُمَّهُ الحَقِيقِيَّةَ مِن وراءِ حِجابٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ أُمَّهاتُهم إلّا اللّائِي ولَدْنَهُمْ﴾ [المجادلة: ٢]، ومَعْلُومٌ أنَّهُنَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ، لَمْ يَلِدْنَ جَمِيعَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُنَّ أُمَّهاتُهم، ويُفْهَمُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾، أنَّهُ هو ﷺ أبٌ لَهم. وقَدْ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وابْنِ عَبّاسٍ، أنَّهُما قَرَأا: (وأزْواجُهُ أُمَّهاتُهم وهو أبٌ لَهم)، وهَذِهِ الأُبُوَّةُ أُبُوَّةٌ دِينِيَّةٌ، وهو ﷺ أرْأفُ بِأُمَّتِهِ مِنَ الوالِدِ الشَّفِيقِ بِأوْلادِهِ، وقَدْ قالَ جَلَّ وعَلا في رَأْفَتِهِ ورَحْمَتِهِ بِهِمْ: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكم بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٢٨ ] [ ٣٣ \ ٤٠]، ولَيْسَتِ الأُبُوَّةُ أُبُوَّةَ نَسَبٍ؛ كَما بَيَّنَهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿ما كانَ مُحَمَّدٌ أبا أحَدٍ مِن رِجالِكُمْ﴾، ويَدُلُّ لِذَلِكَ أيْضًا حَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أبِي داوُدَ والنِّسائِيِّ وابْنِ ماجَهْ: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «إنَّما أنا لَكم بِمَنزِلَةِ الوالِدِ أُعَلِّمُكم، فَإذا أتى أحَدُكُمُ الغائِطَ فَلا يَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ ولا يَسْتَدْبِرْها ولا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ»، وكانَ يَأْمُرُ بِثَلاثَةِ أحْجارٍ ويَنْهى عَنِ الرَّوْثِ والرِّمَّةِ، فَقَوْلُهُ ﷺ في هَذا الحَدِيثِ: «إنَّما أنا لَكم بِمَنزِلَةِ الوالِدِ»، يُبَيِّنُ مَعْنى أُبُوَّتِهِ المَذْكُورَةِ، كَما لا يَخْفى.
* * *
مَسْألَةٌ.
اعْلَمْ أنَّ أهْلَ العِلْمِ اخْتَلَفُوا هَلْ يُقالُ لِبَناتِ أزْواجِ النَّبِيِّ ﷺ أخَواتُ المُؤْمِنِينَ، أوْ لا ؟ وهَلْ يُقالُ لِإخْوانِهِنَّ كَمُعاوِيَةَ، وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي أُمِّيَّةَ أخْوالُ المُؤْمِنِينَ، أوْ لا ؟ وهَلْ يُقالُ لَهُنَّ: أُمَّهاتُ المُؤْمِناتِ ؟ قالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: ولا يَنْتَشِرُ التَّحْرِيمُ إلى بَناتِهِنَّ، وأخَواتِهِنَّ بِالإجْماعِ، وإنْ سَمّى بَعْضُ العُلَماءِ بَناتَهُنَّ أخَواتَ المُسْلِمِينَ، كَما هو مَنصُوصُ الشّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في المُخْتَصَرِ، وهو مِن بابِ إطْلاقِ العِبارَةِ لا إثْباتِ الحُكْمِ، وهَلْ يُقالُ لِمُعاوِيَةَ وأمْثالِهِ خالُ المُؤْمِنِينَ ؟ فِيهِ قَوْلانِ لِلْعُلَماءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. ونَصَّ الشّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلى أنَّهُ لا يُقالُ ذَلِكَ. وهَلْ يُقالُ لَهُنَّ: أُمَّهاتُ المُؤْمِناتِ ؟
(p-٢٣٣)فَيَدْخُلُ النِّساءُ في الجَمْعِ المُذَكَّرِ السّالِمِ تَغْلِيبًا، فِيهِ قَوْلانِ: صَحَّ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنَّها قالَتْ: لا يُقالُ ذَلِكَ، وهَذا أصَحُّ الوَجْهَيْنِ في مَذْهَبِ الشّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انْتَهى مَحَلُّ الغَرَضِ مِن كَلامِ ابْنِ كَثِيرٍ.
قالَ مُقَيِّدُهُ عَفا اللَّهُ عَنْهُ وغَفَرَ لَهُ: الأظْهَرُ عِنْدِي في ذَلِكَ أنَّهُ لا يُطْلَقُ مِنهُ إلّا ما ورَدَ النَّصُّ بِإطْلاقِهِ؛ لِأنَّ الإطْلاقَ المُرادَ بِهِ غَيْرُ الظّاهِرِ المُتَبادِرِ يَحْتاجُ إلى دَلِيلٍ صارِفٍ إلَيْهِ، والعَلَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهم أوْلى بِبَعْضٍ﴾ .
قَدْ قَدَّمْنا إيضاحَهُ وكَلامَ أهْلِ العِلْمِ فِيما يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الأحْكامِ في آخِرِ ”الأنْفالِ“، في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهم أوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ [الأنفال: ٧٥] .
⁕ ⁕ ⁕
* قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب):
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾ .
هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَدُلُّ بِدَلالَةِ الِالتِزامِ عَلى أنَّهُ ﷺ أبٌ لَهم، لِأنَّ أُمُومَةَ أزْواجِهِ لَهم تَسْتَلْزِمُ أُبُوَّتَهُ ﷺ لَهم.
وَهَذا المَدْلُولُ عَلَيْهِ بِدَلالَةِ الِالتِزامِ مُصَرَّحٌ بِهِ في قِراءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأنَّهُ يَقْرَؤُها: ”وَأزْواجُهُ أُمَّهاتُهم وهو أبٌ لَهم“ . وهَذِهِ القِراءَةُ مَرْوِيَّةٌ أيْضًا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
وَقَدْ جاءَتْ آيَةٌ أُخْرى تُصَرِّحُ بِخِلافِ هَذا المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِدَلالَةِ الِالتِزامِ والقِراءَةِ الشّاذَّةِ، وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما كانَ مُحَمَّدٌ أبا أحَدٍ مِن رِجالِكُمْ﴾ الآيَةَ [الأحزاب: ٤٠] .
والجَوابُ ظاهِرٌ، وهو أنَّ الأُبُوَّةَ المُثْبَتَةَ دِينِيَّةٌ والأُبُوَّةَ المَنفِيَّةَ طِينِيَّةٌ، وبِهَذا يَرْتَفِعُ الإشْكالُ في قَوْلِهِ: ﴿وَأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿وَإذا سَألْتُمُوهُنَّ مَتاعًا فاسْألُوهُنَّ مِن وراءِ حِجابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣]، إذْ يُقالُ كَيْفَ يَلْزَمُ الإنْسانُ أنْ يَسْألَ أُمَّهُ مِن وراءِ حِجابٍ.
والجَوابُ ما ذَكَرْناهُ الآنَ فَهُنَّ أُمَّهاتٌ في الحُرْمَةِ والِاحْتِرامِ والتَّوْقِيرِ والإكْرامِ، لا في الخَلْوَةِ بِهِنَّ ولا في حُرْمَةِ بَناتِهِنَّ ونَحْوِ ذَلِكَ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"ٱلنَّبِیُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَ ٰجُهُۥۤ أُمَّهَـٰتُهُمۡۗ وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضࣲ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ إِلَّاۤ أَن تَفۡعَلُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕكُم مَّعۡرُوفࣰاۚ كَانَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق