الباحث القرآني
ذِكْرُ الِاخْتِلافِ في ذَلِكَ
اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ في عَقْدِ المَرْأةِ عَلى نَفْسِها بِغَيْرِ ولِيٍّ؛ فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ: لَها أنْ تُزَوِّجَ نَفْسَها كُفُؤًا؛ وتَسْتَوْفِيَ المَهْرَ؛ ولا اعْتِراضَ لِلْوَلِيِّ عَلَيْها؛ وهو قَوْلُ زُفَرَ؛ وإنْ زَوَّجَتْ نَفْسَها غَيْرَ كُفُؤٍ فالنِّكاحُ جائِزٌ أيْضًا؛ ولِلْأوْلِياءِ أنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُما؛ ورُوِيَ عَنْ عائِشَةَ أنَّها زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكْرٍ مِنَ المُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ غائِبٌ؛ فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ مِن مَذْهَبِهِما جَوازُ النِّكاحِ بِغَيْرِ ولِيٍّ؛ وهو قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ؛ والشَّعْبِيِّ؛ والزُّهْرِيِّ؛ وقَتادَةَ؛ وقالَ أبُو يُوسُفَ: لا يَجُوزُ النِّكاحُ بِغَيْرِ ولِيٍّ؛ فَإنْ سَلَّمَ الوَلِيُّ جازَ؛ وإنْ أبى أنْ يُسَلِّمَ؛ والزَّوْجُ كُفُؤٌ؛ أجازَهُ القاضِي؛ وإنَّما يَتِمُّ النِّكاحُ عِنْدَهُ حِينَ يُجِيزُهُ القاضِي؛ وهو قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ وقَدْ رُوِيَ عَنْ أبِي يُوسُفَ غَيْرُ ذَلِكَ؛ والمَشْهُورُ عَنْهُ ما ذَكَرْناهُ؛ قالَ الأوْزاعِيُّ: إذا ولَّتْ أمْرَها رَجُلًا فَزَوَّجَها كُفُؤًا فالنِّكاحُ جائِزٌ؛ ولَيْسَ لِلْوَلِيِّ أنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُما.
وقالَ ابْنُ أبِي لَيْلى؛ والثَّوْرِيُّ؛ والحَسَنُ بْنُ (p-١٠٢)صالِحٍ؛ والشّافِعِيُّ: «لا نِكاحَ إلّا بِوَلِيٍّ»؛ وقالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لا يَجُوزُ النِّكاحُ إلّا بِوَلِيٍّ؛ ولَيْسَ الوالِدَةُ بِوَلِيٍّ؛ ولا أنْ تَجْعَلَ المَرْأةُ ولِيَّها رَجُلًا إلّا قاضٍ مِن قُضاةِ المُسْلِمِينَ؛ وقالَ ابْنُ القاسِمِ؛ عَنْ مالِكٍ: إذا كانَتِ امْرَأةً مُعْتَقَةً؛ أوْ مِسْكِينَةً؛ أوْ دَنِيَّةً؛ لا خَطَرَ لَها؛ فَلا بَأْسَ أنْ تَسْتَخْلِفَ رَجُلًا ويُزَوِّجَها؛ ويَجُوزُ؛ وقالَ مالِكٌ: وكُلُّ امْرَأةٍ لَها مالٌ؛ وغِنًى؛ وقَدْرٌ؛ فَإنَّ تِلْكَ لا يَنْبَغِي أنْ يُزَوِّجَها إلّا الأوْلِياءُ؛ أوِ السُّلْطانُ؛ قالَ: وأجازَ مالِكٌ لِلرَّجُلِ أنْ يُزَوِّجَ المَرْأةَ؛ وهو مِن فَخِذِها؛ وإنْ كانَ غَيْرُهُ أقْرَبَ مِنهُ إلَيْها؛ وقالَ اللَّيْثُ في المَرْأةِ تُزَوَّجُ بِغَيْرِ ولِيٍّ: إنْ غَيْرُهُ أحْسَنُ مِنهُ يُرْفَعْ أمْرُها إلى السُّلْطانِ؛ فَإنْ كانَ كُفُؤًا أجازَهُ؛ ولَمْ يَفْسَخْهُ؛ وذَلِكَ في الثَّيِّبِ؛ وقالَ في السَّوْداءِ تُزَوَّجُ بِغَيْرِ ولِيٍّ: إنَّهُ جائِزٌ؛ قالَ: والبِكْرُ إذا زَوَّجَها غَيْرُ ولِيٍّ؛ والوَلِيُّ قَرِيبٌ؛ حاضِرٌ؛ فَهَذا الَّذِي أمْرُهُ إلى الوَلِيِّ؛ يَفْسَخُهُ لَهُ السُّلْطانُ إنْ رَأى لِذَلِكَ وجْهًا؛ والوَلِيُّ مِن قِبَلِ هَذا أوْلى مِنَ الَّذِي أنْكَحَها.
قالَ أبُو بَكْرٍ: وجَمِيعُ ما قَدَّمْنا مِن دَلائِلِ الآيِ المُوجِبَةِ لِجَوازِ عَقْدِها تَقْضِي بِصِحَّةِ قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ في هَذِهِ المَسْألَةِ؛ ومِن جِهَةِ السُّنَّةِ حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ قالَ: حَدَّثَنا مَعْمَرٌ؛ عَنْ صالِحِ بْنِ كَيْسانَ؛ عَنْ نافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ؛ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «"لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أمْرٌ"؛» قالَ أبُو داوُدَ: وحَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ يُونُسَ؛ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ؛ قالا: حَدَّثَنا مالِكٌ؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الفَضْلِ؛ عَنْ نافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «"اَلْأيِّمُ أحَقُّ بِنَفْسِها مِن ولِيِّها"؛» فَقَوْلُهُ: «"لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أمْرٌ"؛» يُسْقِطُ اعْتِبارَ الوَلِيِّ في العَقْدِ؛ وقَوْلُهُ: «"اَلْأيِّمُ أحَقُّ بِنَفْسِها مِن ولِيِّها"؛» يَمْنَعُ أنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ في مَنعِها العَقْدَ عَلى نَفْسِها؛ كَقَوْلِهِ ﷺ: «"اَلْجارُ أحَقُّ بِصَقَبِهِ"؛» «وقَوْلِهِ لِأُمِّ الصَّغِيرِ: "أنْتِ أحَقُّ بِهِ ما لَمْ تَنْكِحِي"؛» فَنَفى بِذَلِكَ كُلِّهِ أنْ يَكُونَ لَهُ مَعَها حَقٌّ؛ ويَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ؛ «عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ في المَرْأةِ الَّتِي وهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ﷺ؛ فَقالَ ﷺ: ما لِي في النِّساءِ مِن أرَبٍ"؛ فَقامَ رَجُلٌ فَسَألَهُ أنْ يُزَوِّجَها لَهُ؛ فَزَوَّجَها لَهُ؛» ولَمْ يَسْألْها هَلْ لَها ولِيٌّ؛ أمْ لا؛ ولَمْ يَشْتَرِطِ الوَلِيَّ في جَوازِ عَقْدِها؛ «وخَطَبَ النَّبِيُّ ﷺ أُمَّ سَلَمَةَ فَقالَتْ: ما أحَدٌ مِن أوْلِيائِي شاهِدٌ؛ فَقالَ لَها النَّبِيُّ ﷺ: "ما أحَدٌ مِن أوْلِيائِكِ؛ شاهِدٌ ولا غائِبٌ؛ يَكْرَهُنِي"؛ فَقالَتْ لِابْنِها - وهو غُلامٌ صَغِيرٌ -: قُمْ فَزَوِّجْ أُمَّكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ» -؛ فَتَزَوَّجَها ﷺ بِغَيْرِ ولِيٍّ؛ فَإنْ قِيلَ: لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ ولِيَّها؛ ووَلِيَّ المَرْأةِ الَّتِي وهَبَتْ نَفْسَها لَهُ؛ لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ﴾؛ قِيلَ لَهُ: هو أوْلى بِهِمْ فِيما يَلْزَمُهُ مِنَ اتِّباعِهِ؛ وطاعَتِهِ فِيما يَأْمُرُهم بِهِ؛ فَأمّا أنْ يَتَصَرَّفَ عَلَيْهِمْ في (p-١٠٣)أنْفُسِهِمْ وأمْوالِهِمْ فَلا؛ ألا تَرى أنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَها - حِينَ قالَتْ لَهُ: لَيْسَ أحَدٌ مِن أوْلِيائِي شاهِدٌ -: "وما عَلَيْكِ مِن أوْلِيائِكِ؟ وأنا أوْلى بِكِ مِنهُمْ"؛ بَلْ قالَ: "ما أحَدٌ مِنهم يَكْرَهُنِي"؟ وفي هَذا دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ ولِيًّا لَهُنَّ في النِّكاحِ؛ ويَدُلُّ عَلَيْهِ؛ مِن جِهَةِ النَّظَرِ؛ اتِّفاقُ الجَمِيعِ عَلى جَوازِ نِكاحِ الرَّجُلِ إذا كانَ جائِزَ التَّصَرُّفِ في مالِهِ؛ كَذَلِكَ المَرْأةُ؛ لَمّا كانَتْ جائِزَةَ التَّصَرُّفِ في مالِها وجَبَ جَوازُ عَقْدِ نِكاحِها؛ والدَّلِيلُ عَلى أنَّ العِلَّةَ في جَوازِ نِكاحِ الرَّجُلِ ما وصَفْنا؛ أنَّ الرَّجُلَ إذا كانَ مَجْنُونًا؛ غَيْرَ جائِزِ التَّصَرُّفِ في مالِهِ؛ لَمْ يَجُزْ نِكاحُهُ؛ فَدَلَّ عَلى صِحَّةِ ما وصَفْنا.
واحْتَجَّ مَن خالَفَ في ذَلِكَ بِحَدِيثِ شَرِيكٍ؛ عَنْ سِماكٍ؛ عَنْ أُبَيٍّ؛ أخِي مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ؛ عَنْ مَعْقِلٍ؛ «أنَّ أُخْتَ مَعْقِلٍ كانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ؛ فَطَلَّقَها؛ ثُمَّ أرادَ أنْ يُراجِعَها؛ فَأبى عَلَيْها مَعْقِلٌ؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٢]»؛ وقَدْ رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أيْضًا هَذِهِ القِصَّةُ؛ وأنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيها؛ وأنَّهُ ﷺ دَعا مَعْقِلًا؛ وأمَرَهُ بِتَزْوِيجِها؛ وهَذا الحَدِيثُ غَيْرُ ثابِتٍ عَلى مَذْهَبِ أهْلِ النَّقْلِ؛ لِما في سَنَدِهِ مِنَ الرَّجُلِ المَجْهُولِ؛ الَّذِي رَوى عَنْهُ سِماكٌ؛ وحَدِيثُ الحَسَنِ مُرْسَلٌ؛ ولَوْ ثَبَتَ لَمْ يَنْفِ دَلالَةَ الآيَةِ عَلى جَوازِ عَقْدِها مِن قِبَلِ أنَّ مَعْقِلًا فَعَلَ ذَلِكَ؛ فَنَهاهُ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُ؛ فَبَطَلَ حَقُّهُ في العَضْلِ؛ فَظاهِرُ الآيَةِ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِطابًا لِلْأزْواجِ؛ لِأنَّهُ قالَ: ﴿وإذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٢]؛ فَقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٢]؛ إنَّما هو خِطابٌ لِمَن طَلَّقَ؛ وإذا كانَ كَذَلِكَ كانَ مَعْناهُ عَضْلَها عَنِ الأزْواجِ بِتَطْوِيلِ العِدَّةِ عَلَيْها؛ كَما قالَ: ﴿ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرارًا لِتَعْتَدُوا﴾ [البقرة: ٢٣١]؛ وجائِزٌ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿ولا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩]؛ خِطابًا لِلْأوْلِياءِ؛ ولِلْأزْواجِ؛ ولِسائِرِ النّاسِ؛ والعُمُومُ يَقْتَضِي ذَلِكَ.
واحْتَجُّوا أيْضًا بِما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «"أيُّما امْرَأةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ ولِيِّها فَنِكاحُها باطِلٌ"؛» وبِما رُوِيَ مِن قَوْلِهِ: «"لا نِكاحَ إلّا بِوَلِيٍّ"؛» وبِحَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «"لا تُزَوِّجُ المَرْأةُ المَرْأةَ؛ ولا تُزَوِّجُ المَرْأةُ نَفْسَها؛ فَإنَّ الزّانِيَةَ هي الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَها"؛» فَأمّا الحَدِيثُ الأوَّلُ فَغَيْرُ ثابِتٍ؛ وقَدْ بَيَّنّا عِلَلَهُ في شَرْحِ الطَّحاوِيِّ؛ وقَدْ رُوِيَ في بَعْضِ الألْفاظِ: «"أيُّما امْرَأةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوالِيها"؛» وهَذا عِنْدَنا عَلى الأمَةِ؛ تُزَوِّجُ نَفْسَها بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلاها؛ وقَوْلُهُ: «"لا نِكاحَ إلّا بِوَلِيٍّ"؛» لا يَعْتَرِضُ عَلى مَوْضِعِ الخِلافِ؛ لِأنَّ هَذا عِنْدَنا نِكاحٌ بِوَلِيٍّ؛ لِأنَّ المَرْأةَ ولِيُّ نَفْسِها؛ كَما أنَّ الرَّجُلَ ولِيُّ نَفْسِهِ؛ لِأنَّ الوَلِيَّ هو الَّذِي يَسْتَحِقُّ الوِلايَةَ عَلى مَن يَلِي عَلَيْهِ؛ والمَرْأةُ تَسْتَحِقُّ الوِلايَةَ؛ والتَّصَرُّفَ عَلى نَفْسِها في مالِها؛ فَكَذَلِكَ في بُضْعِها؛ وأمّا حَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ فَمَحْمُولٌ عَلى وجْهِ الكَراهَةِ لِحُضُورِ المَرْأةِ مَجْلِسَ الإمْلاكِ؛ لِأنَّهُ (p-١٠٤)مَأْمُورٌ بِإعْلانِ النِّكاحِ؛ ولِذَلِكَ يُجْمَعُ لَهُ النّاسُ؛ فَكُرِهَ لِلْمَرْأةِ حُضُورُ ذَلِكَ المَجْمَعِ؛ وقَدْ ذُكِرَ أنَّ قَوْلَهُ: «"اَلزّانِيَةُ هي الَّتِي تُنْكِحُ نَفْسَها"؛» مِن قَوْلِ أبِي هُرَيْرَةَ؛ وقَدْ رُوِيَ في حَدِيثٍ آخَرَ؛ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ هَذا الحَدِيثُ؛ وذُكِرَ فِيهِ أنَّ أبا هُرَيْرَةَ قالَ: كانَ يُقالُ: "اَلزّانِيَةُ هي الَّتِي تُنْكِحُ نَفْسَها"؛ وعَلى أنَّ هَذا اللَّفْظَ خَطَأٌ بِإجْماعِ المُسْلِمِينَ؛ لِأنَّ تَزْوِيجَها نَفْسَها لَيْسَ بِزِنًا عِنْدَ أحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ؛ والوَطْءُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِيهِ؛ فَإنْ حَمَلْتَهُ عَلى أنَّها زَوَّجَتْ نَفْسَها؛ ووَطِئَها الزَّوْجُ؛ فَهَذا أيْضًا لا خِلافَ فِيهِ أنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا؛ لِأنَّ مَن لا يُجِيزُهُ إنَّما يَجْعَلُهُ نِكاحًا فاسِدًا؛ يُوجِبُ المَهْرَ؛ والعِدَّةَ؛ ويَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ إذا وطِئَ؛ وقَدِ اسْتَقْصَيْنا الكَلامَ في هَذِهِ المَسْألَةِ؛ في شَرْحِ الطَّحاوِيِّ.
وقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ذَلِكم أزْكى لَكم وأطْهَرُ﴾ [البقرة: ٢٣٢]؛ يَعْنِي: إذا لَمْ تَعْضُلُوهُنَّ؛ لِأنَّ العَضْلَ رُبَّما أدّى إلى ارْتِكابِ المَحْظُورِ مِنهُما عَلى غَيْرِ وجْهِ العَقْدِ؛ وهو مَعْنى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «"إذا أتاكم مَن تَرْضَوْنَ دِينَهُ؛ وخُلُقَهُ؛ فَزَوِّجُوهُ؛ إلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرْضِ وفَسادٌ كَبِيرٌ"؛» وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ شاذانَ قالَ: حَدَّثَنا مُعَلّى قالَ: حَدَّثَنا حاتِمُ بْنُ إسْماعِيلَ قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هُرْمُزٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «"إذا جاءَكم مَن تَرْضَوْنَ دِينَهُ؛ وخُلُقَهُ؛ فَأنْكِحُوهُ؛ إلّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرْضِ وفَسادٌ عَرِيضٌ"».
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ﴾ حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ المَرْوَزِيِّ قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ أبِي الرَّبِيعِ الجُرْجانِيُّ قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ﴾ قالَ: أخْبَرَنِي أبُو سَلَمَةَ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «أنا أوْلى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِن نَفْسِهِ فَأيُّما رَجُلٍ ماتَ وتَرَكَ دَيْنًا فَإلَيَّ وإنْ تَرَكَ مالًا فَهو لِوَرَثَتِهِ». وقِيلَ في مَعْنى: ﴿النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ﴾ إنَّهُ أحَقُّ بِأنْ يَخْتارَ ما دَعا إلَيْهِ مِن غَيْرِهِ ومِمّا تَدْعُوهُ إلَيْهِ أنْفُسُهم. وقِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ أحَقُّ أنْ يَحْكُمَ في الإنْسانِ بِما لا يَحْكُمُ بِهِ في نَفْسِهِ لِوُجُوبِ طاعَتِهِ؛ لِأنَّها مَقْرُونَةٌ بِطاعَةِ اللَّهِ تَعالى.
قالَ أبُو بَكْرٍ: الخَبَرُ الَّذِي قَدَّمْنا لا يُنافِي ما عَقَّبْناهُ بِهِ مِنَ المَعْنى ولا يُوجِبُ الِاقْتِصارَ بِمَعْناهُ عَلى قَضاءِ الدَّيْنِ المَذْكُورِ فِيهِ وذَلِكَ لِأنَّهُ جائِزٌ أنْ يَكُونَ مُرادُهُ أنَّهُ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ في أنْ يَخْتارُوا ما أدْعُوهم إلَيْهِ دُونَ ما تَدْعُوهم أنْفُسُهم إلَيْهِ وأوْلى بِهِمْ في الحُكْمِ عَلَيْهِمْ ولُزُومِهِمُ اتِّباعَهُ وطاعَتَهُ، ثُمَّ أخْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَضاءِ دُيُونِهِمْ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾ قِيلَ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُنَّ كَأُمَّهاتِهِمْ في وُجُوبِ الإجْلالِ والتَّعْظِيمِ.
والثّانِي: تَحْرِيمُ نِكاحِهِنَّ
ولَيْسَ المُرادُ أنَّهُنَّ كالأُمَّهاتِ في كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَما جازَ لِأحَدٍ مِنَ النّاسِ أنْ يَتَزَوَّجَ بَناتِهِنَّ؛ لِأنَّهُنَّ يَكُنَّ أخَواتٍ لِلنّاسِ، وقَدْ زَوَّجَ النَّبِيُّ ﷺ بَناتِهِ، ولَوْ كُنَّ أُمَّهاتٍ في الحَقِيقَةِ ورِثْنَ المُؤْمِنِينَ، وقَدْ رُوِيَ في حَرْفِ عَبْدِ اللَّهِ: ( وهو أبٌ لَهم ) ولَوْ صَحَّ ذَلِكَ كانَ مَعْناهُ أنَّهُ كالأبِ لَهم في الإشْفاقِ عَلَيْهِمْ وتَحَرِّي مَصالِحِهِمْ، كَما قالَ تَعالى: ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكم عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكم بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٢٨]
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكم مَعْرُوفًا﴾ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ أنَّها نَزَلَتْ في جَوازِ وصِيَّةِ المُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ والنَّصْرانِيِّ. وعَنِ الحَسَنِ: ( أنْ تَصِلُوا أرْحامَكم ) . وقالَ عَطاءٌ: ( هو المُؤْمِنُ والكافِرُ بَيْنَهُما قَرابَةٌ إعْطاؤُهُ لَهُ (p-٢٢٤)أيّامَ حَياتِهِ ووَصِيَّتُهُ لَهُ ) . وحَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ أبِي الرَّبِيعِ الجُرْجانِيُّ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ قالَ: أخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿إلا أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكم مَعْرُوفًا﴾ قالَ: ( إلّا أنْ يَكُونَ لَكَ ذُو قَرابَةٍ لَيْسَ عَلى دِينِكَ فَتُوصِي لَهُ بِشَيْءٍ هو ولِيُّكَ في النَّسَبِ ولَيْسَ ولِيَّكَ في الدِّينِ ) .
{"ayah":"ٱلنَّبِیُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَ ٰجُهُۥۤ أُمَّهَـٰتُهُمۡۗ وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضࣲ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ إِلَّاۤ أَن تَفۡعَلُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕكُم مَّعۡرُوفࣰاۚ كَانَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











