الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ أوْلى بِهِمْ مِن بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ لِإرْسالِهِ إلَيْهِمْ وفَرْضِ طاعَتِهِ عَلَيْهِمْ، وقالَهُ مُقاتِلُ بْنُ حَيّانَ.
الثّانِي: أنَّهُ أوْلى بِهِمْ فِيما رَآهُ لَهُ بِأنْفُسِهِمْ، قالَهُ عِكْرِمَةُ.
الثّالِثُ: أنَّهُ كانَ في الحَرْفِ الأوَّلِ: هو أبٌ لَهم.
وَكانَ سَبَبُ نُزُولِها «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمّا أرادَ غُزاةَ تَبُوكَ أمَرَ النّاسَ بِالخُرُوجِ فَقالَ قَوْمٌ مِنهُمْ: نَسْتَأْذِنُ آباءَنا وأُمَّهاتِنا فَأنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ»، حَكاهُ النَّقّاشُ.
الرّابِعُ: أنَّهُ أوْلى بِهِمْ في قَضاءِ دُيُونِهِمْ وإسْعافِهِمْ في نَوائِبِهِمْ عَلى ما رَواهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبِي عَمْرَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « (ما مِن مُؤْمِنٍ إلّا أنا أوْلى النّاسِ بِهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ اقْرَأُوا إنْ شِئْتُمْ ﴿النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ﴾ فَأيُّما مُؤْمِنٍ تَرَكَ مالًا فَلْتَرِثْهُ عُصْبَتُهُ مَن كانُوا، وإنْ تَرَكَ دَيْنًا أوْ ضِياعًا فَلْيَأْتِنِي فَأنا مَوْلاهُ.
»
(p-٣٧٤)﴿وَأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾ يَعْنِي مَن ماتَ عَنْها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن أزْواجِهِ هُنَّ كالأُمَّهاتِ في شَيْئَيْنِ:
أحَدُهُما: تَعْظِيمُ حَقِّهِنَّ.
الثّانِي: تَحْرِيمُ نِكاحِهِنَّ.
وَلَيْسَ كالأُمَّهاتِ في النَّفَقَةِ والمِيراثِ.
واخْتُلِفَ في كَوْنِهِنَّ كالأُمَّهاتِ في المَحْرَمِ وإباحَةِ النَّظَرِ عَلى الوَجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: هُنَّ مَحْرَمٌ لا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِنَّ لِتَحْرِيمِ نِكاحِهِنَّ.
الثّانِي: أنَّ النَّظَرَ إلَيْهِنَّ مُحَرَّمٌ لِأنَّ تَحْرِيمَ نِكاحِهِنَّ إنَّما كانَ حِفَظًا لِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهِنَّ، فَكانَ مِن حِفْظِ حَقِّهِ تَحْرِيمُ النَّظَرِ إلَيْهِنَّ ولِأنَّ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها كانَتْ إذا أرادَتْ دُخُولَ رَجُلٍ عَلَيْها أمَرَتْ أُخْتَها أسْماءَ أنْ تُرْضِعَهُ لِيَصِيرَ ابْنًا لِأُخْتِها مِنَ الرَّضاعَةِ فَيَصِيرَ مَحْرَمًا يَسْتَبِيحُ النَّظَرَ.
وَأمّا اللّاتِي طَلَّقَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في حَياتِهِ فَقَدِ اخْتُلِفَ في ثُبُوتِ هَذِهِ الحُرْمَةِ لَهُنَّ عَلى ثَلاثَةِ أوْجُهٍ:
أحَدُها: تَثْبُتُ لَهُنَّ هَذِهِ الحُرْمَةُ تَغْلِيبًا لِحُرْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ .
الثّانِي: لا يَثْبُتُ لَهُنَّ ذَلِكَ بَلْ هَذِهِ كَسائِرِ النِّساءِ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ أثْبَتَ عِصْمَتَهُنَّ وقالَ: أزْواجِي في الدُّنْيا هُنَّ أزْواجِي في الآخِرَةِ.
الثّالِثُ: أنَّ مَن دَخَلَ بِها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنهُنَّ ثَبَتَتْ حُرْمَتُها ويُحَرَّمُ نِكاحُها وإنْ طَلَّقَها حِفاظًا لِحُرْمَتِهِ وحِراسَةً لِخَلْوَتِهِ، ومَن لَمْ يَدْخُلْ بِها لَمْ يَثْبُتْ لَها هَذِهِ الحُرْمَةُ، وقَدْ هَمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ بِرَجْمِ امْرَأةٍ فارَقَها النَّبِيُّ ﷺ فَنَكَحَتْ بَعْدَهُ فَقالَتْ: لِمَ هَذا وما ضَرَبَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِجابًا ولا سُمِّيتُ لِلْمُؤْمِنِينَ أُمًّا، فَكَفَّ عَنْها.
وَإذا كانَ أزْواجُ النَّبِيِّ ﷺ أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ فِيما ذَكَرْناهُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِنَّ هَلْ هُنَّ أُمَّهاتُ المُؤْمِناتِ عَلى وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّهُنَّ أُمَّهاتُ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ تَعْظِيمًا لِحَقِّهِنَّ عَلى الرِّجالِ والنِّساءِ.
الثّانِي: أنَّ هَذا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالرِّجالِ المُؤْمِنِينَ دُونَ النِّساءِ لِاخْتِصاصِ الحَظْرِ (p-٣٧٥)والإباحَةِ بِالرِّجالِ دُونَ النِّساءِ.
وَقَدْ رَوى الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عائِشَةَ أنَّ امْرَأةً قالَتْ لَها يا أُمّاهُ فَقالَتْ لَسْتُ بِأُمٍّ لَكِ أنا أُمُّ رِجالِكم.
﴿وَأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهم أوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُهاجِرِينَ﴾ قِيلَ إنَّهُ أرادَ بِالمُؤْمِنِينَ الأنْصارَ، وبِالمُهاجِرِينَ قُرَيْشًا.
وَفِيهِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّ هَذا ناسِخٌ لِلتَّوارُثِ بِالهِجْرَةِ، حَكى سَعِيدٌ عَنْ قَتادَةَ قالَ: كانَ نَزَلَ في الأنْفالِ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهاجِرُوا ما لَكم مِن ولايَتِهِمْ مِن شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا﴾ فَتَوارَثَ المُسْلِمُونَ بِالهِجْرَةِ فَكانَ لا يَرِثُ الأعْرابِيُّ المُسْلِمُ مِن قَرِيبِهِ المُهاجِرِ المُسْلِمِ شَيْئًا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ في هَذِهِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ ﴿وَأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهم أوْلى بِبَعْضٍ﴾ الثّانِي: أنَّ ذَلِكَ ناسِخٌ لِلتَّوارُثِ بِالحِلْفِ والمُؤاخاةِ في الدِّينِ رَوى هِشامُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوّامِ قالَ أُنْزِلَ فِينا خاصَّةً مَعْشَرَ قُرَيْشٍ والأنْصارِ لَمّا قَدِمْنا المَدِينَةَ قَدِمْنا ولا أمْوالَ لَنا فَوَجَدْنا الأنْصارَ نِعْمَ الإخْوانُ فَآخَيْناهم فَأوْرَثُونا وأوْرَثْناهم، فَآخى أبُو بَكْرٍ خارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ وآخَيْتُ أنا كَعْبَ بْنَ مالِكٍ، فَلَمّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ قُتِلَ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ فَجِئْتُ فَوَجَدْتُ السِّلاحَ قَدْ أثْقَلَهُ فَواللَّهِ لَقَدْ ماتَ ما ورِثَهُ غَيْرِي حَتّى أنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ فَرَجَعْنا إلى مَوارِيثِنا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي كِتابِ اللَّهِ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: في القُرْآنِ، قالَهُ قَتادَةُ.
الثّانِي: في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ الَّذِي قَضى أحْوالَ خَلْقِهِ، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ.
﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُهاجِرِينَ﴾ يَعْنِي أنَّ التَّوارُثَ بِالأنْسابِ أوْلى مِنَ التَّوارُثِ بِمُؤاخاةِ المُؤْمِنِينَ وبِهِجْرَةِ المُهاجِرِينَ ما لَمْ يَخْتَلِفْ بِالمُتَناسِبِينَ دِينٌ فَإنِ اخْتَلَفَ بَيْنَهُما الدِّينُ فَلا تَوارُثَ بَيْنِهِما رَوى شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ أبِي أُمامَةَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «لا يَتَوارَثُ أهْلُ مِلَّتِينِ» .
(p-٣٧٦)﴿إلا أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكم مَعْرُوفًا﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ أرادَ الوَصِيَّةَ لِلْمُشْرِكِ مِن ذَوِي الأرْحامِ، قالَهُ قَتادَةُ.
الثّانِي: أنَّهُ عَنى الوَصِيَّةَ لِلْحُلَفاءِ الَّذِي آخى بَيْنَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
الثّالِثُ: أنَّهُ أرادَ الَّذِينَ آخَيْتُمْ تَأْتُونَ إلَيْهِمْ مَعْرُوفًا، قالَهُ مُقاتِلُ بْنُ حَيّانَ.
الرّابِعُ: أنَّهُ عَنى وصِيَّةَ الرَّجُلِ لِإخْوانِهِ في الدِّينِ، قالَهُ السُّدِّيُّ.
﴿كانَ ذَلِكَ في الكِتابِ مَسْطُورًا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: كانَ التَّوارُثُ بِالهِجْرَةِ والمُؤاخاةِ في الكِتابِ مَسْطُورًا قَبْلَ النَّسْخِ.
والثّانِي: كانَ نَسْخُهُ بِمِيراثِ أُولِي الأرْحامِ في الكِتابِ مَسْطُورًا قَبْلَ التَّوارُثِ.
الثّالِثُ: كانَ أنْ لا يَرِثَ مُسْلِمٌ كافِرًا في الكِتابِ مَسْطُورًا.
وَفي الكِتابُ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، قالَهُ إبْراهِيمُ التَّيْمِيُّ.
الثّانِي: في الذِّكْرِ، قالَهُ مُقاتِلُ بْنُ حَيّانَ.
الثّالِثُ: في التَّوْراةِ أمَرَ بَنِي إسْرائِيلَ أنْ يَصْنَعُوا مِثْلَهُ في بَنِي لاوِي بْنِ يَعْقُوبَ حَكاهُ النَّقّاشُ.
الرّابِعُ: في القُرْآنِ، قالَهُ قَتادَةُ.(p-٣٧٧)
{"ayah":"ٱلنَّبِیُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَ ٰجُهُۥۤ أُمَّهَـٰتُهُمۡۗ وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضࣲ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ إِلَّاۤ أَن تَفۡعَلُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕكُم مَّعۡرُوفࣰاۚ كَانَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











