الباحث القرآني
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا﴾، مَعْنى ”اَلْأُمَّةُ“: اَلْجَماعَةُ، أيَّ جَماعَةٍ كانَتْ، إلّا أنَّ هَذِهِ الجَماعَةَ وُصِفَتْ بِأنَّها وسَطٌ، وفي ”أُمَّةً وسَطًا“، قَوْلانِ: قالَ بَعْضُهُمْ: ”وَسَطًا“: عَدْلًا، وقالَ بَعْضُهُمْ: أخْيارًا، واللَّفْظانِ مُخْتَلِفانِ، والمَعْنى واحِدٌ، لِأنَّ العَدْلَ خَيِّرٌ، والخَيِّرُ عَدْلٌ، وقِيلَ في صِفَةِ النَّبِيِّ ﷺ: ”إنَّهُ مِن أوْسَطَ قَوْمِهِ جِنْسًا“، أيْ: مِن خِيارِها، والعَرَبُ تَصِفُ الفاضِلَ النَّسَبِ بِأنَّهُ: مِن أوْسَطِ قَوْمِهِ، وهَذا يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ أهْلُ اللُّغَةِ، لِأنَّ العَرَبَ تَسْتَعْمِلُ التَّمْثِيلَ كَثِيرًا، فَتُمَثِّلُ القَبِيلَةَ بِالوادِي، والقاعِ، وما أشْبَهَهُ، فَخَيْرُ الوادِي وسَطُهُ، فَيُقالُ: ”هَذا مِن وسَطِ قَوْمِهِ“، و”مِن وسَطِ الوادِي“، و”سَرَرِ الوادِي“، و”سِرارَةُ الوادِي“، و”سِرُّ الوادِي“، ومَعْناهُ كُلُّهُ: مِن خَيْرِ مَكانٍ فِيهِ، فَكَذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ مِن خَيْرِ مَكانٍ في نَسَبِ العَرَبِ، ”وَكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا“، أيْ: خِيارًا.
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ﴾، ”تَكُونُوا“، في مَوْضِعِ نَصْبٍ، المَعْنى: ”جَعَلْناكم خِيارًا، لِأنْ تَكُونُوا شُهَداءَ“، فَنُصِبَ ”تَكُونُوا“، بِـ”أنْ“، و”شُهَداءَ“، نَصْبٌ، خَبَرُ ”تَكُونُوا“، إلّا أنَّ ”شُهَداءَ“، (p-٢٢٠)لا يُنَوَّنُ، لِأنَّهُ لا يَنْصَرِفُ، لِأنَّ فِيهِ ألِفَ التَّأْنِيثِ، وألِفُ التَّأْنِيثِ يُبْنى مَعَها الِاسْمُ، ولَمْ يُلْحَقْ بَعْدَ الفَراغِ مِنَ الِاسْمِ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَنْصَرِفْ ”شُهَداءَ“ .
فَإنْ قالَ قائِلٌ: فَلِمَ جُعِلَ الجَمْعُ بِألِفِ التَّأْنِيثِ؟ قِيلَ: كَما جُعِلَ التَّأْنِيثُ في نَحْوِ قَوْلِكَ: ”جَرِيبٌ“، و”أجْرِبَةٌ“، و”غُرابٌ“، و”أغْرِبَةٌ“، و”ضارِبٌ“، و”ضَرَبَةٌ“، و”كاتِبٌ“، و”كَتَبَةٌ“، وتَأْوِيلُ ”﴿لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ﴾“، فِيهِ قَوْلانِ: جاءَ في التَّفْسِيرِ أنَّ أُمَمَ الأنْبِياءِ تَكْذِبُ في الآخِرَةِ، إذا سُئِلَتْ عَمَّنْ أُرْسِلَ إلَيْها، فَتَجْحَدُ أنْبِياءَها، هَذا فِيمَن جَحَدَ في الدُّنْيا مِنهُمْ، فَتَشْهَدُ هَذِهِ الأُمَّةُ بِصِدْقِ الأنْبِياءِ، وتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ، ويَشْهَدُ النَّبِيُّ ﷺ لِهَذِهِ الأُمَّةِ بِصِدْقِهِمْ، وإنَّما جازَتْ هَذِهِ الشَّهادَةُ، وإنْ لَمْ يَكُونُوا لِيُعايِنُوا تِلْكَ الأُمَمَ، لِإخْبارِ النَّبِيِّ ﷺ، فَهَذا قَوْلٌ، وقالَ قَوْمٌ: ”﴿لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ﴾“، أيْ: مُحْتَجِّينَ عَلى سائِرِ مَن خالَفَكُمْ، ويَكُونَ الرَّسُولُ مُحْتَجًّا عَلَيْكُمْ، ومُبَيِّنًا لَكُمْ، والقَوْلُ الأوَّلُ أشْبَهُ بِالتَّفْسِيرِ، وأشْبَهُ بِقَوْلِهِ: ”وَسَطًا“، لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَحْتَجُّ عَلى المُسْلِمِينَ وغَيْرِهِمْ.
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَإنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إلا عَلى الَّذِينَ هَدى اللَّهُ﴾، يَعْنِي قِبْلَةَ بَيْتِ المَقْدِسِ، أيْ: ”وَإنْ كانَ اتِّباعُها لَكَبِيرَةً“، اَلْمَعْنى: إنَّهُ كَبِيرٌ عَلى غَيْرِ المُخْلِصِينَ، فَأمّا مَن أخْلَصَ فَلَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ عَلَيْهِ، كَما قالَ: ﴿إلا عَلى الَّذِينَ هَدى اللَّهُ﴾، أيْ: فَلَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ عَلَيْهِمْ، وهَذِهِ اللّامُ دَخَلَتْ عَلى ”إنْ“، لِأنَّ اللّامَ إذا لَمْ تَدْخُلُ مَعَ ”إنْ“، اَلْخَفِيفَةِ، كانَ الكَلامُ جَحْدًا، فَلَوْلا اللّامُ كانَ المَعْنى: ”ما كانَتْ كَبِيرَةً“، فَإذا جاءَتْ ”إنْ“، واللّامُ، فَمَعْناهُ التَّوْكِيدُ لِلْقِصَّةِ، واللّامُ تَدْخُلُ في (p-٢٢١)الخَبَرِ، ونَحْنُ نَشْرَحُ دُخُولَها عَلى الخَفِيفَةِ في مَوْضِعِها، إنْ شاءَ اللَّهُ.
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمانَكُمْ﴾، هَذِهِ اللّامُ هي الَّتِي يُسَمِّيها النَّحْوِيُّونَ ”لامَ الجُحُودِ“، وهي تَنْصِبُ الفِعْلَ المُسْتَأْنَفَ، وقَدْ أحْكَمْنا شَرْحَها قَبْلَ هَذا المَوْضِعِ، ومَعْنى ”﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمانَكُمْ﴾“، أيْ: مَن كانَ صَلّى إلى بَيْتِ المَقْدِسِ قَبْلَ أنْ تُحَوَّلَ القِبْلَةُ إلى البَيْتِ الحَرامِ بِمَكَّةَ، فَصَلاتُهُ غَيْرُ ضائِعَةٍ، وثَوابُهُ قائِمٌ، وقِيلَ: إنَّهُ كانَ قَوْمٌ قالُوا: فَما نَصْنَعُ بِصَلاتِنا الَّتِي كُنّا صَلَّيْناها إلى بَيْتِ المَقْدِسِ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمانَكُمْ﴾، أيْ: تَصْدِيقَكم بِأمْرِ تِلْكَ القِبْلَةِ، وقِيلَ أيْضًا: إنَّ جَماعَةً مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ تُوُفُّوا وهم يُصَلُّونَ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، قَبْلَ نَقْلِ القِبْلَةِ إلى بَيْتِ اللَّهِ الحَرامِ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ صَلاتِهِمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمانَكم إنَّ اللَّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، إنْ شِئْتَ قُلْتَ: ”لَرَؤُوفٌ“، وإنْ شِئْتَ: ”لَرَوُوفٌ رَحِيمٌ“، فَهَمَزْتَ، وخَفَّفْتَ، ومَعْنى الرَّأْفَةِ كَمَعْنى الرَّحْمَةِ.
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِی كُنتَ عَلَیۡهَاۤ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِیرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمَـٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق