الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وقد تقدم الكلام على فوائدها، فليرجع إلى ما سبق.
ثم قال الله سبحانه وتعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ قوله: ﴿سَيَقُولُ﴾ السين للتنفيس، وإذا دخلت على المضارع أخلصته للمستقبل، المضارع إذا دخلت عليه (لم) أخلصته للماضي، وإذا دخلت عليه السين أخلصته للمستقبل، وإذا كان مجردًا فهو صالح للحاضر والمستقبل، فهنا يقول: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ﴾ للمستقبل، وقوله: ﴿سَيَقُولُ﴾ تفيد أيضًا مع الاستقبال تفيد تحقيق وقوع هذا الشيء أو لا؟ وقد مر علينا أنها تدل على التحقيق، وتفيد أيضًا قرب هذا الشيء، بخلاف سوف، فإنها تدل على المستقبل البعيد.
وقوله: ﴿السُّفَهَاءُ﴾ جمع سفيه، والسفيه هو الذي لا يحسن التصرف لنفسه، وكل من خالف الحكمة في تصرفه فهو سفيه، والسفيه كما لا يؤتمن على المال؛ لقوله: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ [النساء ٥]، فهو أيضًا غير مؤتمن على الدين، فهؤلاء السفهاء سفهاء في دينهم لا في مالهم، قد يكونون في المال جيدين لكنهم سفهاء في الدين، وما هو سفه الدين؟ سفه الدين بيّنه الله في قوله: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة ١٣٠]، فكل من رغب عن ملة إبراهيم -وهي الانقياد لله عز وجل بكمال التوحيد- فإنه سفيه.
وقوله: ﴿مِنَ النَّاسِ﴾ بيان للسفهاء، وهي في موضع نصب على الحال، يعني: حال كونهم من الناس.
مقول القول: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾، هذا مقول القول في قوله: ﴿سَيَقُولُ﴾، فالجملة ﴿مَا وَلَّاهُمْ﴾ في موضع نصب على أنها مقول القول، وقوله: ﴿مَا وَلَّاهُمْ﴾ ما إعرابها؟ ويش إعراب ﴿مَا وَلَّاهُمْ﴾؟
* طالب: استفهامية ما.
* الشيخ: نعم، (ما) اسم استفهام، أي: أي شيء ولَّاهم؟
و﴿وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾ أي: صرفهم، ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾ أي: صرفهم عن قبلتهم.
وقوله: ﴿عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾ أي: ما يستقبلون، فقبلة الإنسان ما يستقبله، والمراد بها بيت المقدس؛ لأن الرسول ﷺ أول ما قدم المدينة صار متجهًا إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، يعني: إما سنة وأربعة أشهر، أو سنة وخمسة أشهر.
إذا كان مستقبلًا بيت المقدس فأين تكون الكعبة؟ أين تكون بالنسبة له؟ على يمينه ولا عن يساره ولا خلفه؟
* طالب: خلفه.
* الشيخ: تكون خلفه.
* طالب: عن يساره.
* الشيخ: تكون عن يساره؟
* الطالب: نعم.
* الطلبة: تكون خلفه.
* الشيخ: تكون خلفه تمامًا، تكون خلفه؛ ولهذا يقول ابن عمر: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٤٨)، ومسلم (٢٦٦ / ٦٢) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولفظه: مُسْتدبِرَ القبلَة.]]، فعلى هذا كان يستقبل عليه الصلاة والسلام بيت المقدس، يستقبله بأمر أو باجتهاد؟ اختلف فيه أهل العلم، فبعضهم قال: إنه باجتهاد، وإن النبي ﷺ كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر بخلافه، حتى دخل العرب في الإسلام، فكان يخالف أهل الكتاب، وقال بعض أهل العلم: إنه بأمر من الله؛ لقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام ٩٠] ﴿هُدَاهُمُ﴾ عام في كل ما يعملونه، و﴿اقْتَدِهْ﴾ يعني: اقتد، والهاء للسكت، وهذه الآية: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ في أي سورة؟
* الطلبة: الأنعام.
* الشيخ: في سورة الأنعام وهي مكية، وقالوا: إن الرسول ﷺ في مكة كان يتجه إلى بيت المقدس أيضًا، لكنه يجعل الكعبة بينه وبينه، فيصلي من ناحية ما بين الركن اليماني والحجر الأسود، هكذا قالوا..
* طالب: يستشكل على أن إبراهيم كانت قبلته الكعبة..
* الشيخ: نعم، هو يجمع بينها.
* الطالب: ولما هاجر إلى المدينة كانت إبراهيم قبلته الكعبة، والأنبياء بعضهم (...)؟
* الشيخ: يقولون: إنه -الرسول عليه الصلاة والسلام- لما قيل: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ وأمر بالاقتداء بهم صار يجمع بين الأمرين، فيصلي بين الركن اليماني والحجر الأسود، وحينئذٍ يكون متجهًا إلى الكعبة وإلى بيت المقدس، فالله أعلم بهذا؛ لأنه ما ثبت من الناحية التاريخية هذا الأمر، وإلا قد قيل به، وقيل: إنه في مكة يتجه إلى الكعبة، وفي المدينة اجتهادًا منه اتجه إلى بيت المقدس.
وعلى كل حال، فإنه بأمر الله، سواء كان باجتهاد أقره الله عليه، أو كان بأمر من الله، فبقي الرسول عليه الصلاة والسلام على هذا ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وفرح اليهود بذلك حين وافقهم على قبلتهم، ولكن لما انصرف عن هذه القبلة صار اليهود يتكلمون والمشركون يتكلمون، وقيل: والمنافقون يتكلمون، ويش السبب؟ لأيش انصرف؟ كل يوم له قبلة معناه كل يوم له دين، فهذا الرجل ليس على قدم راسخ، فصاروا -والعياذ بالله- يطعنون، وتأمل قوله: ﴿عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾ ولم يقل: عن القبلة التي كانوا عليها، فهذه الإضافة تدل على أنهم هم الذين اختاروا هذه القبلة، فكيف ينكرونها اليوم؟ ما قال: عن القبلة ﴿عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾، أضافها إليهم كأنهم يكونون هم الذين اختاروها كيف يتولون عنها اليوم؟
وقوله: ﴿الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ ماضٍ ولَّا مستقبل؟
* الطلبة: ماضٍ.
* الشيخ: ماضٍ، باعتبار قولهم ماضٍ، أما باعتبار الآية الكريمة فليست ماضية، لكن القرآن يتحدث عما سيقال. ﴿الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ الله سبحانه وتعالى أعلم نبيه ﷺ بما سيحدث وأعلمه بالجواب عليه.
ومن هنا أخذ النبي عليه الصلاة والسلام هذه القاعدة: أن يعلم بما سيحدث للإنسان، فقال لمعاذ بن جبل وقد بعثه إلى اليمن: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ»[[أخرجه مسلم (١٩ / ٢٩)، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.]] ليكون مستعدًّا، فهنا أخبره الله أن هؤلاء السفهاء سيقولون هذا القول، ثم أعلمه ما يرد عليهم.
﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ ﴿لِلَّهِ﴾ خبر مقدم، و﴿الْمَشْرِقُ﴾ مبتدأ مؤخر، وتقديم الخبر وحقه التأخير يفيد الحصر، يعني: لله وحده المشرق والمغرب، فهو الذي يوجه إن شاء إلى المشرق، وإن شاء إلى المغرب، وإن شاء إلى الشمال، وإن شاء إلى الجنوب، وخص المشرق والمغرب؛ لأن منهما تطلع والشمس وتغرب، ودائمًا تجدون أن النص بالجهات يكون على الشرق والغرب؛ لأنهما الأصل، هما الأصل.
وقوله: ﴿لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ المشرق مكان الشروق، شروق أيش؟
* طالب: الشمس والقمر.
* الشيخ: الشمس والقمر بس؟
* طالب: والنجوم.
* الشيخ: والنجوم، ذكرت المشرق والمغرب في القرآن على ثلاثة أوجه: بالإفراد، والتثنية، والجمع، الإفراد مثل هذه الآية، والتثنية؟
* طالب: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾.
* الشيخ: نعم، والجمع؟
* طالب: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ﴾.
* الشيخ: لا هذا مثنى، إيه في القرآن جمعت أيضًا المشرق والمغرب؟
* الطالب: ﴿رَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ [المعارج ٤٠]؟
* الشيخ: ويش رب المشارق والمغارب، اقرأ الآية؟
* طالب: ﴿رَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾.
* الشيخ: اقرأ الآية؟ اقرأ أول الآية؟
* الطالب: ﴿رَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾.
* الشيخ: لا.
* طالب: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾.
* الشيخ: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾، الجمع بينهما أن الإفراد باعتبار الجهة، أي: جهة المشرق والمغرب، والتثنية باعتبار مشرقي الشتاء والصيف، فإن بينهما بعدًا كبيرًا، والجمع باعتبار مشارق النجوم والقمر والشمس، أو باعتبار مشرق كل يوم ومغربه؛ لأن كل يوم للشمس مشرق ومغرب، وللقمر مشرق ومغرب.
﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ فهو المالك سبحانه وتعالى للجهات، يصرف إليها العباد كيف شاء، ونحن ليس علينا إلا السمع والطاعة، قال لنا: اتجهوا إلى كذا، سمعًا وطاعة، قال: اتجهوا إلى كذا، سمعًا وطاعة، قال: اسجدوا لله، قلنا: سمعًا وطاعة، قال: اسجدوا لآدم فسجد الملائكة، المهم أنك تكون مطيعًا لله هذا المهم، لا أن تتجه إلى كذا أو إلى كذا، فهمتم يا جماعة؟ السجود لغير الله شرك، وكان بالنسبة لآدم حين أمر الله به الملائكة طاعة وعبادة، وقتل النفس بغير حق، ولا سيما قتل الولد من أكبر الكبائر، وحين كان طاعة لله في أمر إبراهيم بقتل ولده كان قربة، فالاعتبار بطاعة الله سبحانه وتعالى.
﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿يَهْدِي﴾ يدل ويوفق، وقوله: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ مفعول ﴿يَهْدِي﴾، وهي عامة، ولكن سبق لنا أن كل شيء قيد بمشيئة الله، فهو مقرون بالحكمة، ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ ممن هو أهل للهداية، ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ المشيئة هي الإرادة الكونية، ولا تنقسم كما تنقسم الإرادة، أما الإرادة فقد سبق لنا أنها تنقسم إلى إرادة الكونية وإرادة الشرعية، أما المشيئة فهي قسم واحد فقط وهي كونية.
وقوله: ﴿إِلَى صِرَاطٍ﴾ صراط على وزن فِعال، وهي بمعنى مفعول؛ أي: مصروط، والصَّرْط هو المرور بسرعة، ومنه قول الناس: ظَرَتُّ كذا، ظَرَتُّ اللحمةَ، ويش معناه؟
* طالب: بلعت بسرعة.
* الشيخ: بلعت بسرعة؛ ولهذا يقال: ظِراط، وصِراط، وسِراط بثلاثة الحروف.
* طالب: سبعية؟
* الشيخ: لا، باللغة العربية، أما القراءة فهي الصراط والسراط بالسين والصاد، الصراط إذن بمعنى مصروط، أي: ممرور به بسرعة، قال أهل العلم: ولا يكون المرور بالصراط بسرعة إلا إذا جمع ثلاثة أوصاف: السعة، والاستقامة، والاستواء، فإذا كان واسعًا مستقيمًا مستويًا فهو صراط، وإلا فهو شويرع، وما أشبه ذلك، هذا الصراط -مثلًا- إذا صار ضيقًا ما يكون صراطًا؛ لأنه ما يمكن المرور عليه بسرعة، إذا كان ملتويًا يمينًا ويسارًا كذلك، إذا كان مرتفعًا ونازلًا فكذلك، فالصراط ما جمع ثلاثة أوصاف، الطريق الذي يجمع ثلاثة أوصاف يسمى صراطًا: السعة، والاستقامة، والاستواء.
﴿إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ هذا توكيد، يعني: صراط مستقيم في المرور عليه والعبور عليه، فهو لا يعيق وإنما هو بين واضح.
* طالب: شيخ، كيف الصراط؛ صراط الآخرة غير؟
* الشيخ: إي غير، ورد به الحديث، قيد هذا بما قيده به النص.
﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، ومن هدايته إلى الصراط المستقيم أن هدى هذه الأمة إلى القبلة التي يرضاها الرسول عليه الصلاة والسلام.
﴿وَكَذَلِكَ﴾ عندنا (كاف) وعندنا (ذا) اسم إشارة، فنحتاج إلى معرفة المشار إليه، وإلى معرفة متعلق الجار والمجرور، كذا؟ (كذلك) الكاف هنا اسم بمعنى (مثل)، وهي في محل نصب على المفعولية المطلقة، أي: مثل ذلك جعلناكم، فما هو ذلك؟ المشار إليه ما سبق، وهو جعل القبلة إلى الكعبة، أي: مثل هذا الجعل الذي جعلنا لكم -وهو اتجاهكم إلى القبلة- ﴿جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ إذن فنحن -والحمد لله- هدينا إلى الصراط المستقيم بهذه القبلة، وجعلنا أمة وسطا؛ ولهذا روى الإمام أحمد في مسنده[[أخرجه أحمد في مسنده (٢٥٠٢٩)، من حديث عائشة رضي الله عنها.]] أن مِمَّا يَحْسدُنَا عَلَيْهِ الْيَهُودُ اسْتِقَبَالَ الْكَعْبَةِ، جعلت لنا الكعبة قبلة، فهم يحسدوننا على هذه الخصلة، وكذلك على التأمين خلف الإمام، وكذلك على استقامة الصفوف، المهم أن هذه -استقبال القبلة- مما حسدونا عليه، لماذا؟ لأن الكعبة أول بيت وضع للناس وأعظم بيت في الأرض، ولا يوجد بيت قصده من أركان الإسلام إلا الكعبة، ما يوجد بيت قصده ركن من أركان الإسلام حج إلا الكعبة، فهو أفضل بيت وضع للناس وأول بيت، فإذن نحسد إذا اتجهنا إليه؛ ولهذا أثار اليهود ضجة عظيمة على التولي عن القبلة إلى الكعبة وصاروا -والعياذ بالله- مع المنافقين مع من يناصرهم من المشركين أحدثوا أمرًا عظيمًا، حتى إن بعض المسلمين ارتد -والعياذ بالله- عن الإسلام لما سمع من زخرف القول من هؤلاء اليهود وغيرهم.
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً﴾ ﴿جَعَلْنَاكُمْ﴾ فيها هذه معنى الاعتقاد ولَّا معنى التصيير؟
* الطلبة: التصيير.
* الشيخ: التصيير، يعني: صيرناكم، (الكاف) مفعول أول، و﴿أُمَّةً﴾ مفعول ثاني، ﴿جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً﴾ الأمة هنا بمعنى الجماعة، وقد مر علينا أنها تطلق في القرآن على أربعة معان؟
* طالب: بمعنى الجماعة.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: بمعنى الإيمان.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: الزمن.
* الشيخ: نعم، والرابع؟
* الطالب: الدين.
* الشيخ: الدين والملة، صح، مثالها بمعنى الجماعة هذه الآية، مثالها بمعنى الدين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ملة، دي أمة؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [المؤمنون ٥٢].
* الشيخ: نعم، ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾، وبمعنى الإمامة؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ [النحل ١٢٠].
* الشيخ: نعم، بمعنى الزمن؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف ٤٥].
* الشيخ: في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾.
﴿كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ ﴿وَسَطًا﴾ أي: عدلًا، فالوسط بمعنى العدل الخيار، ومنه الصلاة الوسطى لفضلها، يعني: الفضلى، فالوسط بمعنى العدل الخيار، بدليل قوله: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾، واعلم أنه يقال: وسَط، ويقال: وسْط، متى تكون بالسكون؟
* طالب: تكون بالسكون إذا كان وسط جماعة، إذا كان بين أشياء متعددة، وتكون بالفتح إذا كان وسط شيء واحد.
* الشيخ: نعم، إذا كان متوسط شيء واحد فهو بفتح السين، وإذا كان بين جماعة فهي بسكون السين؛ ولهذا يقولون: يكون إمامهم -أي: إمام العراة- وسْطهم، ويقال: يسن أن يقوم عند رأس الرجل في الجنازة ووسَط المرأة.
﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾ أي: عدلًا خيارًا. ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ اللام في قوله: ﴿لِتَكُونُوا﴾ للتعليل، اللام للتعليل وليست للعاقبة، وقد مر علينا الفرق بين لام العاقبة وبين لام التعليل: أن لام العاقبة تدخل على أمر غير مقصود، لكن النتيجة آلت إليه، ولام التعليل تدخل على أمر؟ مقصود، جعلنا الله أمة وسطًا لهذه الحكمة ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾.
﴿شُهَدَاءَ﴾ جمع شهيد، و﴿عَلَى النَّاسِ﴾ عامة في الدنيا وفي الآخرة، لكن في الآخرة أشد وأعظم وأبين وأظهر، فنحن الآن شهداء على الناس بأن الناس السابقين لنا أتتهم الرسل، وانقسموا إلى قسمين: مصدق ومكذب، وأن من الناس من كذب نبيه ولم يصدقه أحد، ومن الناس من تبعه الرجل والرجلان، ومنهم من تبعه الرهط، ومنهم من تبعه كثير، وأكثر من علمنا أتباعًا من الرسل بعد النبي عليه الصلاة والسلام موسى عليه الصلاة والسلام، نحن شهداء الآن، بماذا علمنا هذه الشهادة؟ من طريق..
* طالب: الوحي.
* الشيخ: نعم، من طريق أزكى الناس وأوثقهم وهو الرسول ﷺ؛ ولهذا قال: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾.
كذلك نكون شهداء على الناس يوم القيامة إذا حشر الناس، وسئل الرسل: هل بلغتم؟ فيقولون: نعم، ثم تسأل الأمم: هل بلغتم؟ فيقولون: ما جاءنا من بشير ولا نذير، ما جاءنا من أحد، فيقال: من يشهد لك؟ -للرسل- فيقول: محمد وأمته، فيستشهدون يوم القيامة ويشهدون، فيكونون شهداء على الناس، إذن ﴿شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ في أيش؟ في الدنيا والآخرة، نشهد، لكن شهادتنا في الدنيا ما يظهر لها أثر إلا إقامة الحجة على من عاند منهم وأدركناهم، أما في الآخرة فهي التي لها الأثر العظيم.
﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ النبي عليه الصلاة والسلام يشهد على أمته بأنه بلغ البلاغ المبين، وقد ثبت عنه ﷺ أنه «قَالَ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي أَعْظَمِ مَجْمَعٍ حَصَلَ لَهُ مَعَ الصَّحَابَةِ قَالَ: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:«اللَّهُمَّ اشْهَدْ» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٤٤٠٣)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، واللفظ له، ومسلم (١٦٧٩ / ٣١)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.]]، فأشهد النبي ﷺ ربه على إقرار أمته بالبلاغ، فقد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، فترك أمته على المحجة البيضاء، وما مات حتى أكمل الله به الدين، وما بقي شيء يحتاج الناس إليه في دينهم أصلًا وفرعًا إلا بينه عليه الصلاة والسلام بيانًا واضحًا، والحمد لله، فالرسول شهيد على هذه الأمة، قال الله تعالى في سورة النساء: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء ٤١] يعني: كيف تكون الحال في ذلك اليوم العظيم؟ ولهذا لما «قرأ ابن مسعود على النبي عليه الصلاة والسلام ووصل إلى هذه الآية قال له النبي عليه الصلاة والسلام: «حَسْبُكَ» (...) قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ »[[أخرجه البخاري (٥٠٥٠)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.]]، عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا أمر عظيم، فنحن شهداء على الناس، والنبي عليه الصلاة والسلام شهيد علينا، يشهد علينا بأننا بلغنا، وأقيمت علينا الحجة، وما بقي لنا عذر بأي وجه من الوجوه؛ ولهذا لا عذر لأحد بعد أن يتبين له الهدى أن يشاق الله ورسوله ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء ١١٥].
* طالب: يسن لمن يقرأ عليه القرآن أن يقول: حسبك؟
* الشيخ: إذا سار بده يقف يقول: حسبك، إي نعم، أو يقول: أوقف، ما فيه شيء.
* الطالب: أقول يعني ما يأخذ من قول الرسول: «حَسْبُكَ» أنه يعني سنة؟
* الشيخ: لا، يؤخذ منه جواز قول الإنسان للقارئ: أوقف، هذا اللي يؤخذ، ما نقول: خله يقرأ ويمل وأنت يجب عليك الاستماع.
* طالب: لا أقول: حسبك يعني؟
* الشيخ: لا، ما هو لازم، (حسبك) كلمة المراد بها الإيقاف، (حسبك) ولَّا (أوقف) حسب اللغة اللي هو يفهم.
* طالب: ما يقول: صدق الله العظيم؟
* الشيخ: لا، ما هو بها المحل يقوله، محل ثاني، إذا شاف شيء تشهد له الآية الكريمة يقول: صدق الله العظيم، أما إذا كان وقف عند القرآن لا، صدق الله العظيم هذه جاء بها القراء المتأخرون من أكياسهم، إي نعم.
* طالب: ﴿وَسَطًا﴾ ما ينزل تحت هذا المعنى أن هذه الأمة هديت إلى طريق الوسط بين الغلو؟
* الشيخ: إلَّا إلَّا، يدخل في هذا أنها وسط في دينها، وسيأتي إن شاء الله في ذكر الفوائد.
وقوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾، شوف الفتنة والاختبار ﴿مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾ وهي استقبال بيت المقدس، ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾، ﴿لِنَعْلَمَ﴾ هل معنى الآية: تجدد العلم لله، وأن الله ما يعلم إلا إذا وقع الشيء؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا، ولا أحد يقول بهذا، ولكننا قلنا في الجواب على ذلك: إن المراد علم ظهور أو علمًا يترتب عليه الجزاء؛ لأن علم الله الكائن في الأزل ما يترتب عليه الجزاء حتى يمتحن العبد وينظر، أو علم ظهور، أي: علم بأن الشيء حصل، فيعلمه أنه حاصل، وأما العلم الأول فهو علم بأنه سيحصل، وفرق بين العلم بالشيء أنه سيحصل وبين العلم بأنه قد حصل، وقال بعض أهل المعاني: إن (نعلم) هنا بمعنى الماضي، يعني: إلا لعلمنا، وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لعلمنا من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، لكن هذا وإن كان له وجه من حيث اللفظ، لكن من حيث المعنى ما له وجه؛ لأنه ما يناسب أن الله ما جعل هذه القبلة إلا لأنه يعلم من يبقى ومن لا يبقى، هذا لا وجه له، لكن ما جعلناها إلا للامتحان، حتى يعلم من يسلم ومن لا يسلم ﴿مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾، فالصحابة رضي الله عنهم اتبعوا الرسول في هذا ولَّا لا؟
* طالب: أشد الاتباع.
* الشيخ: أشد الاتباع، جاءهم رجل وهم يصلون الفجر في قباء وقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام أنزل عليه قرآن أمر أن يستقبل الكعبة، وهم ركوع فاستداروا وهم ركوع قبل (...) متجهين إلى الكعبة، هذا الاتباع العظيم، وكذلك في بني سلمة في مسجد القبلتين كذلك أخبروا فاستداروا.
(...) لأيش جاءت بالنصب ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ﴾؟
* طالب: خبر.
* الشيخ: خبر، ويش الخبر؟ تفيد في المعنى: تكونوا شهداء على الناس، ويشهد الرسول بصدقكم وعدالتكم.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾.
قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا﴾ (ما) نافية، و(جعلنا) هنا يحتمل أن تكون بمعنى التصيير بمعنى صيرنا، أو بمعنى شرعنا، فعلى القول الأول تحتاج إلى مفعولين (جعلنا): وما صيرنا القبلة التي كنت عليها، تحتاج إلى مفعولين إذا جعلناها بمعنى التصيير، وعلى الثاني ما تحتاج إلى مفعولين، يصير: وما شرعنا القبلة التي كنت عليها إلا لكذا، فهمتم يا جماعة؟
أما على المعنى الثاني -أن (جعل) بمعنى شرع- فإن الجعل يأتي بمعنى شرع في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة ١٠٣] ويش معنى ﴿مَا جَعَلَ﴾؟
* الطلبة: ما شرع.
* الشيخ: أي: ما شرع، وإلا فهو موجود قدرًا، وعلى هذا المعنى لا يبقى في الآية أي إشكال، يعني: ما شرعنا القبلة التي كنت عليها -وهي اتجاهك إلى بيت المقدس- إلا لنعلم من يتبع الرسول إذا صرفناك عنها ممن ينقلب على عقبيه، أما على قراءة التصيير (صيرنا)، فإنها تحتاج إلى مفعولين، أين المفعولان؟
* طالب: الأول الكاف الثانية.
* الشيخ: ويش الكاف الثانية مما؟
* الطالب: ﴿جَعَلْنَاكُمْ﴾، الفاعل يكون في جعلناكم.
* الشيخ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾.
* طالب: محذوف، قطعًا محذوف.
* طالب: المسجد الحرام.
* الشيخ: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلةً إلا لنعلم، وقيل: إن المفعول الأول: ﴿الْقِبْلَةَ﴾، والثاني: ﴿الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾، يعني: وما جعلنا القبلة هي التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول، وقيل بالعكس، أي: وما جعلنا التي كنت عليها القبلة، فتكون ﴿الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾ هي المفعول الأول، و﴿الْقِبْلَةَ﴾ هي المفعول الثاني.
وعندي: أن الوجه الأول من الأوجه الثلاثة هو أقربها: أن يكون المفعول الثاني محذوفًا، وأن تكون ﴿الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾ صفة للقبلة: ما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلة إلا لنعلم من يتبع الرسول، وحذف المفعول الثاني من أفعال التصيير كثير، وقد ذكره ابن مالك رحمه الله؟
* طالب:
؎وَحَذْفُ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ ∗∗∗ .......................
* الشيخ: لا، هذا في الفضلة.
* طالب:
؎............................ ∗∗∗ وَقَدْ يَكُونُ حَذْفُهُ مُلْتَزَمَا
* طالب: في أفعال المقاربة؟
* الشيخ: لا، في ظن وأخواتها، هو ذكر قاعدة عامة في الحقيقة في باب المبتدأ وهو:
؎وَحَـذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ ..... ∗∗∗ ........................
هذه عامة، وأما في باب ظن فقال:
؎وَلَا تُجِزْ هُنَا بِلَا دَلِيلِ ∗∗∗ سُقُوطَ مَفْعُولَيْنِ أَوْ مَفْعُولِ
فمفهومه: مع الدليل يجوز، وهنا ما في شك أن الدليل واضح، ﴿مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾ ما هي القبلة التي كان عليها؟
* طالب: بيت المقدس.
* الشيخ: هي اتجاهه إلى بيت المقدس.
﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ (ما) نافية و(إلا) أداة حصر، وهذا الاستثناء من أعم الأحوال، إذا صار الاستثناء مفرغًا هكذا يقولون: إنه استثناء من أعم الأحوال، يعني: ما جعلنا بأي حال من الأحوال هذه القبلة إلا لهذه الحال فقط: لنعلم من يتبع.
في قوله: ﴿جَعَلْنَا﴾، وفي قوله: ﴿نَعْلَمَ﴾ شيء من الإشكال، وذلك أن (نا) و(نعلم)، ضميران يدلان على الجمع، ومعلوم أن الله إله واحد سبحانه وتعالى، فما الجواب؟
* طالب: أنها لصيغة المعظم نفسه.
* الشيخ: أن (نا) للتعظيم هنا، أنها للتعظيم وليست للجمع، وهذا أمر كثير في القرآن مثل: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر ٩]، ما في شك أنه واحد منزل للذكر والحافظ له واحد، فيكون هذا من باب أيش؟
* الطلبة: التعظيم.
* الشيخ: التعظيم.
وقوله: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ اللام للتعليل لنعلمَ، أي: كي نعلم.
﴿مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ﴾ ذكر بعض المعربين أن (نعلم) هنا ضُمن معنى نُميز، بدليل قوله: ﴿مِمَّنْ يَنْقَلِبُ﴾، مثل ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [الأنفال ٣٧]، فقالوا: إن مثل هذا التركيب يدل على أن الفعل للتمييز: لنميز من يتبع ممن ينقلب على عقبيه، وليس هذا ببعيد، أن يكون هذا ضُمن معنى نميز مع أنه دال على العلم؛ إذ لا تمييز إلا بعد العلم، وقد ذكرنا فيما سبق أن الفعل إذا ضُمن معنى فعل آخر، فإنه يدل على معناه الأصلي وعلى معنى المضمن.
وفي قوله: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ شيء من الإشكال أيضًا وسبق قريبًا، وهو أن ظاهره: أن الله لا يعلم إلا بعد وقوع هذا الاختبار، ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى علم ما سيكون إلى يوم القيامة وإلى ما وراءها، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: كيف يقول: ما فعلنا هذا إلا لنعلم وهو عالم؟ الجواب ذكرناه من وجهين: الوجه الأول: أن المراد به العلم الذي يترتب عليه الجزاء، والعلم الذي يترتب عليه الجزاء ما يكون إلا بعد الامتحان والامتثال أو عدم الامتثال، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: فإن الله تعالى لا يمكن أن يعاقب أحدًا على حسب علمه قبل أن يمتحنه ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء ١٥]، فيكون المراد بالعلم هنا أيش؟ العلم الذي يترتب عليه الجزاء، والقول الثاني -الوجه الثاني-: أن المراد بالعلم الظهور علم الظهور؛ لأن علمه سبحانه وتعالى بما سيكون علم بأنه سيكون، فهمتم؟ وعلمه بما كان علم بأنه كان وظهر وبان، وفرق بين العلمين، فالعلم الأول علم بما سيكون، والثاني علم بما قد كان.
وقال بعض النحويين: إن (نعلم) مضارع بمعنى الماضي، نعلم فعل مضارع بمعنى الماضي، يعني: إلا قد علمنا من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وهذا وإن كان له وجه وهو أنه يُعبر بالمضارع عن الماضي أحيانًا لكنه بعيد؛ إذ لا حكمة من ذلك، لأنه يكون معنى الآية: وما جعلنا هذا إلا لأننا قد علمنا من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وحينئذٍ يقال: إذن ما الفائدة؟ فالصواب الوجهان الأولان، وأحسنهما أن يكون المراد بالعلم هنا العلم الذي يترتب عليه الجزاء؛ لأنه واضح ولا فيه تكلف.
وقوله: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ يتبع الرسول من المراد بالرسول هنا؟ محمد ﷺ فـ(أل) هنا للعهد الذهني أو لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: أو الذكري؟
* طالب: الذهني، أن يذكر.
* الشيخ: الذهني، يعني: لو ما ذكر من قبل لكنه معلوم بالأذهان أن المراد به محمد صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله: ﴿مَنْ يَتَّبِعُ﴾ الأصل في الاتباع: المشي خلف الإنسان، وهو يختلف باختلاف السياق؛ إن تعلق بأمور حسية، فمعناه أنك تمشي خلفه في الشارع، في الجادة، وما أشبه ذلك، وبأمور معنوية يكون المراد به التأسي بأفعاله وأقواله، وهنا علق بأمور حسية ولَّا معنوية؟
* الطلبة: معنوية.
* الشيخ: معنوية، فيكون المراد به التأسي في أقواله وأفعاله.
﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ شوف الفرق العظيم هذا متبع سائر خلفه، والآخر راجع ينقلب على عقبيه يرجع، ما يكفي أنه واقف، لا، راجع، وهذا أشد ما يكون في محادة الله ورسوله أن يكون الإنسان سائرًا على خط معاكس للنبي ﷺ، فيكون محادًّا لله ورسوله، وفعلًا حصل هذا، فإن بعض الذين أسلموا ارتدوا حينما صرفت القبلة وقالوا: إن محمدًا ليس على يقين من أمره، اليوم له قبلة، وغدًا له قبلة، وما علموا أن ذلك مما يؤيد رسالته، هذا في الحقيقة مما يؤيد رسالته؛ لأن الإنسان الكذاب يحرص على ألا يتناقض وألا يتراجع؛ لأن التناقض والتراجع وصمة فيه، لكن الإنسان الصدوق لا يهتم أن يقول ما أوحي إليه، سواء وافق ما كان عليه أولًا أو خالف، فهذا الذي حصل هو في الحقيقة وإن كان اليهود قد طعنوا فيه، وقالوا: إن محمدًا ليس له استقرار من أمره، وتبعهم على ذلك من تبعهم من ضعفاء الإسلام، فإنه في الواقع يدل على صدقه ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ وين العقبين؟
* الطلبة: مؤخر القدم.
* الشيخ: مؤخر القدم، الآن نشوف أسئلة، سؤالك؟
* طالب: المقصود بعلم الله أن سيكون منكم مرضى..
* الشيخ: ﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ﴾.
* طالب: ﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ﴾ [المزمل ٢٠] هنا علم الله سبحانه وتعالى علم أن سيكون منكم مرضى، وهم لم يكونوا ولكن سيكونوا، ثم إن علمه الله سبحانه وتعالى في القبلة الذين سينقلبون على عقبيهم أيضًا (...)؛ لأن الله سبحانه الله وتعالى يعلم (...)، فيكون هذا أقرب إلى كلمة يعني (...) في الماضي؟
* الشيخ: إيه، الله عالم بأنه سيكون لا شك، لكن ما الفائدة من أنه يشرع هذا وهو قد علم، فالمهم أن فائدة الشرع الذي حصل -تغيير القبلة- الفائدة العظيمة في أن الله تعالى يعلم ليعاقب أو يثيب، فكما قلنا: إن المراد بالعلم يترتب عليه الثواب والعقاب أحسن من قولنا: إن (نعلم) بمعنى (علمنا)، المعنى ما هناك فائدة.
* طالب: (...) الله يعلم؟
* الشيخ: لا، إذا قلنا: علمه يترتب عليه الثواب ما فيه مخالفة إطلاقًا.
* طالب: الأول: علم الجزاء الذي يترتب عليه المعاقبة، والثاني: علم الظهور لله سبحانه تعالى، فكيف الفرق بينهم؟
* الشيخ: الفرق بينهم أن الأول (لنعلم)، يعني معناه: أنه يكون علمنا الأكيد الذي يترتب عليه الثواب والعقاب، أما الثاني فيقولون: إن العلم الأول علم بأنه سيقع، والعلم الثاني علم بأنه قد وقع، وبينهما فرق، فأنت الآن -مثلًا- إذا علمت بأنه سيكون غدًا كذا وكذا، هذا علم بما سيكون، وطبعًا علمي أنا قد يتخلّف، لكن علم الله ما يتخلّف، فإذا وقع صار هذا علم آخر بأنه قد كان، فالفرق بين العلم الماضي الذي هو علم بأنه سيكون؛ لأنه ما هو بعلم بأنه كان، علم بأنه سيكون، الثاني علم بأنه كان، فيكون المراد بالعلم في قوله: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾، أي: العلم الذي يكون بالشيء حين وقوعه، لا العلم الذي يكون بالشيء قبل أن يقع، فيكون معلوم بأنه سيقع.
* طالب: ارتد جماعة، ذُكروا في السير؟
* الشيخ: لا ما ذكروهم، حتى المفسرين ما عينوهم قالوا: ارتد جماعة من المسلمين فقط.
* طالب: ربما من اليهود الذين يقالون: ﴿آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ [آل عمران ٧٢].
* الشيخ: ربما يكون، ولكن ظاهر القرآن الكريم ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ أنهم كانوا مسلمين وانقلبوا على أعقابهم؛ لأن اليهود منقلبون على أعقابهم من الأصل.
* طالب: الرسول قلنا: (أل) للعهد الذهني، تقدم وصف الرسول بالتعريف.
* الشيخ: وين؟
* طالب: بالألف واللام، ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾، الرسول الثانية تكون (أل) هنا للعهد الذهني؟
* الشيخ: لا، تكون للعهد الذكري، والأولى هي للعهد الذهني.
* طالب: يا شيخ، ﴿يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ أي: يمشي على الوراء؟
* الشيخ: إيه، يمشي على وراء.
﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ ﴿وَإِنْ كَانَتْ﴾ الضمير يعود على الواقعة، يعني: وإن كانت هذه الواقعة -وهي تحويل القبلة- لكبيرة، (إن) هنا تقولون إنها نافية؟ يعني: وما كانت لكبيرة؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: هذه مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، والتقدير: وإنها كانت لكبيرة.
* طالب: شاهد عليها.
* الشيخ: ما هي؟
* طالب:
؎وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَـقَـلَّ الْعَمَلُ ∗∗∗ وَتَلْزَمُ اللَّامُ إِذَا مَا تُهْمَلُ؎وَلَا يَلِي ذِي اللَّامِ............ ∗∗∗ .....................
* الشيخ: لا.
؎وَالْفِــعْــلُ إِنْ لَــمْ يَكُ..... ∗∗∗ .....................
* الطالب:
؎وَالْفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخًا فَلَا ∗∗∗ تُلْفِيهِ بِإِنْ ذِي مُوصَلَا
* الشيخ: غالبًا.
* الطالب:
؎.......................... ∗∗∗ ....... بِإِنْ ذِي مُوصَلَا
* الشيخ: هذا الفعل الناسخ الآن وهو كان.
﴿وَإِنْ كَانَتْ﴾ أين خبر (إن)؟ جملة كان واسمها وخبرها، ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً﴾ اللام هنا للتوكيد، ويجوز أن نقول: إنها للفصل بين (إن) النافية و(إن) المخففة؛ ولهذا قال ابن مالك:
؎.......................... ∗∗∗ وَتَلْزَمُ اللَّامُ إِذَا مَا تُهْمَلُ
﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً﴾ أي: عظيمة شاقة، فالكِبَر يراد به الشيء الشاق العظيم، ومنه قوله ﷺ في صاحبي القبرين: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢١٦)، ومسلم (٢٩٢ / ١١١) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.]]، في كبير أي: في أمر شاق عليهما وإن كان من كبائر الذنوب، لكنه بمعنى شاق، يعني هذه المسألة الشاقة إلا على الذين هدى الله، على من تشق هذه المسألة؟ على من يريدون أن يكون الدين بأهوائهم، على الذين يقولون فيما إذا ورد الشرع بخلاف ما يريدون: إنه أمر شاق ويكرهونه، على الذين إذا قيل لهم: هذا حرام، وهم يريدونه شق عليهم ذلك، وهذا كثير، كثير من الناس الآن يشق عليهم جدًّا بعض الأمور الشرعية، سواء كانت مما أمر بفعله أو مما نهي عن فعله، لكن من هداه الله، فإن الأمور الشرعية تكون سهلة عليه، سواء وافقت هواه أم خالفته ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [النور ٥١]، هذا قول المؤمنين، إذن نقول: ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً﴾ أي: شاقة.
﴿إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ (الذين) اسم موصول ويحتاج إلى صلة.
* طالب: ورابط.
* الشيخ: ورابط، ورابط ولا عائد؟
* طالب: عائد.
* الشيخ: عائد، لا ما هو كله واحد، الرابط في خبر المبتدأ، وأما الصلة فهي عائد، تحتاج إلى عائد.
﴿إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ والعائد ضمير، وهنا ما عندنا ضمير، والتقدير: هداهم الله، فالعائد إذن ضمير منصوب محذوف، ﴿إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ أي: هداهم الله، والمراد بالهداية هنا هداية العلم وهداية التوفيق، خذوا بالكم، هداية العلم والتوفيق، أما كونها هداية العلم، فلأن الذين يخشون الله هم العلماء ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨] العلماء بمن؟
* الطلبة: بالله.
* الشيخ: العلماء به، خلافًا للذين يقولون: المراد بالعلماء علماء العصر اللي يعرفون كيف يصنعون الذرة، وكيف يحفرون الأرض، وما أشبه ذلك، على زعمهم يكون أهل المصانع في أمريكا وروسيا وإنجلترا وفرنسا أخشى لله من المسلمين اليوم؛ لأن عندهم من العلم أكثر مما عندنا، ولكنهم كذبوا في ذلك، إنما المراد: إنما يخشى الله من عباده العلماء به، العلماء بالله، بأسمائه وصفاته، وبأحكامه، وبقضائه وقدره، هؤلاء هم الذين يخشونه، والمعنى أيضًا يقتضي ذلك؛ لأنه لا يخشى إلا من علم أنه أهل للخشية، فحينئذٍ يتعين أن يكون المراد بالعلماء العلماء بالله.
قلنا أيضًا: ﴿إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ هذه هداية العلم؛ لأنهم إذا علموا خشوا الله سبحانه وتعالى ولم يكرهوا شريعته، ولم يكبر ذلك عليهم ولم يشق، كذلك هداية التوفيق، خدوا بالكم يا جماعة وهي مهمة، هداية التوفيق إذا وفق العبد للانقياد لله سبحانه وتعالى سهل عليه دينه، سهل عليه الدين، وصار أيسر عليه من كل شيء، وبهذا نعرف أن المتبعين للحديث أقوم الناس هداية.
هداية التوفيق -أيضًا- إذا وفق العبد لقبول ما جاء به الشرع سهل عليه الأمر ولم يشق عليه، وقلت: إن أهل الحديث هم أخص الناس بهذا الوصف؛ لأنه لا يشق عليهم إذا جاء حكم عن الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتبعوه، لكن أهل التعصب من أهل المذاهب يشق عليهم، تجدهم إذا عورض مذهبهم بمقتضى نص عن الرسول عليه الصلاة والسلام بين أمرين؛ إما أن يتعنتوا ولا يبالوا ويدعوا الحديث ويتبعوا ما هم عليه من المذاهب، وهذه خطيرة، وإما أن يتبعوا ما هم عليه من المذاهب مع القلق بمخالفة النص، لكنهم لا يستطيعون أن يتركوا ما هم عليه من التعصب، وهم في قلق من مخالفة النص، أما أهل الحديث فلا يبالون، لا يبالي الواحد منهم إذا علم حديثًا أن يكون له اليوم قول وغدًا قول آخر، والإمام أحمد رحمه الله يوجد عنه أحيانًا في المسألة أقوال متعددة ومتعددة؛ لأنه كلما ظهر له دليل.
* طالب: أخذ به.
* الشيخ: أخذ به وترك الأول، وأحيانًا هو نفسه يصرح بأنه رجع عن الشيء، تبين له الأمر ورجع إليه، وهذا لا يضر الإنسان أبدًا، بل هذا مما يوجب أن يثق الناس به أكثر، إذا علموا أن الإنسان يتبع الدليل حيثما كان.
* طالب: ذكرت أن بعض الناس يكره ما أنزل الله عليهم ويريدون الدين على أهوائهم، لكن ما يكفرون يا شيخ كيف ما أنزل الله؟
* الشيخ: الله ذكر في القرآن أنهم يكفرون ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ [محمد ٢٧].
* طالب: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (٨) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد ٨، ٩].
* الشيخ: ﴿كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد ٩]، قد تكون هذه الكراهة هنا لكل الشرع؛ لأن (ما) هذه اسم موصول تعم كل الشرع، وقد يكون لبعضه، أما لكل الشرع فلا شك في كفرهم، أما لبعضه فهي محل تفصيل؛ لأنه قد يكفر بذلك وقد لا يكفر، حسب ما يكون هذا المكروه.
* طالب: فيه فرق بين أن يكره أو يشق عليه؟
* الشيخ: إي نعم؛ لأن الشاق عليه..
* الطالب: ويعني إنه صعب بس يشق عليه أن يفعل هذا..
* الشيخ: يشق عليه أن يفعل، لكن كراهة..
* الطالب: هذا مسلم ولا غير مسلم؟
* الشيخ: إيه، هذا مسلم، لكن الأول يبغضه يبغض هذا اللي حصل.
* الطالب: (...) السياق في الآية هنا على (...) الكفار أصلًا..
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: في الآية اللي ذكرها الأخ يعني.
* الشيخ: ﴿كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾.
* الطالب: على..
* الشيخ: على العموم؛ على اللي يكفرون على العموم.
* طالب: شيخ، تجد اللي يبغض اللحية (...).
* الشيخ: يعني: يلزم نفسه به، وهو ثقيل عليه، ثقيل عليه لكنه يلزم نفسه به، هذا على كل حال ناقص الإيمان؛ لأنه واجب عليه كما قال الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء ٦٥]، ما يكفي التسليم لا بد من انتفاء الحرج، يعني: الضيق في الصدر..
* طالب: (...)
* الشيخ: (...) لكنه ناقص الإيمان؛ ولهذا هو يحاول الآن يجاهد نفسه، يجاهد نفسه على أن يفعل، وهذا يرجى له في المستقبل أن يمن الله عليه بقبول الحق والرضا به.
* طالب: شيخ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب ذكر أن من لا يقبل الإسلام.
* الشيخ: أيهم؟
* طالب: من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول ولو عمل به.
* الشيخ: والله ما يظهر لي أنه على إطلاقه إذا أبغض أي شيء، إلا إذا أبغضه لكفر به، هذا قد يكون، لكن ما أظن أن مسلم بيبغض هذا الشيء لكفر به، قد يبغضه؛ لأنه مثلًا يحجزه مثلًا عن عمل يريده، مثل لو كره الصلاة في المسجد أو صلاة الجماعة أو ما أشبه ذلك، هو ما كرههم لأنه كافر بها، لكن لأنه عنده زبائن الآن عند الدكان، ورده يفوتهم، هذا قد يقع، في الحقيقة أن المسألة ما هي على إطلاقها، ولا أظن الشيخ رحمه الله أراد الإطلاق، إلا إذا أراد الكره على أنه كافر به، يبغض الله ويقول: ويش هذا الشرع مثلًا، مثل ما يوجد بعض الناس -والعياذ بالله- يكرهه ويسخر به ويحتقره فهذا نعم، هذه المسائل في الحقيقة دقيقة جدًّا، المسائل هذه دقيقة من أدق ما يكون، وقد يطلق العلماء فيها عبارات بالتحريم والتخويف، وهي في الواقع تحتاج إلى تفصيل.
* طالب: (...).
* الشيخ: إيه، لا بد من الدقة في هذا.
* طالب: بالنسبة للجهلة الذين يكرهون هذا الشيء لأنهم يظنون أنه لم يرد؟
* الشيخ: لا، هذا ما يعتبر، هذا يجب عليه أن يتعلم؛ لأنه مو مثل من علم فَكَرِهَ؛ لأنه يقول: إلى الآن ما استقر عندي أنه مما أنزل الله، نقول: هؤلاء يجب عليهم أن يتعلموا حتى يعرفوا.
* طالب: شيخ، في الجهاد ذكر الله أنه كُره؟ كيف يعنى المسألة هذه؟
* الشيخ: إيه، ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ [البقرة ٢١٦]، يعني: الإنسان يكره أن يقاتل خوفًا على نفسه من القتل، ما هو بيكره لأنه شرع الله ولا يبغيه، ولكن بعض الناس يختلفون، من المؤمنين من يحبون الجهاد والقتال، لكن طبيعة الإنسان بمقتضى الطبيعة يكره أن يقاتل خوفًا من أن يقتل.
* طالب: شيخ، في سورة النساء بين ذلك ﴿رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ [النساء ٧٧] فهم كرهوا شرعيته لكن مو الصحابة..
* الشيخ: إيه، الصحابة..
قال: ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾.
وقوله: ﴿إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ أضاف الفعل إلى نفسه؛ لأن كل شيء بقضاء الله وقدره.
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ عندنا إعراب ومعنى في هذه الآية، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ﴾ اللام في قوله: ﴿لِيُضِيعَ﴾ يسمونها؟
* طالب: لام الجحود.
* الشيخ: لام الجحود، الجحود فيه في القرآن جحود؟ جحود يعني نفي، لام النفي؛ ولهذا هذه اللام لها ضابط، وهي أن تقع بعد كون منفي، اللام التي تأتي بعد كون منفي تسمى: لام الجحود.
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ﴾ وين الكون المنفي؟
* طالب: ما كان.
* الشيخ: ما كان.
﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ [النساء ١٣٧] الكون المنفي؟
* طالب: لم يكن.
* الشيخ: لم يكن الله، ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾.
أنا غير كائن لأعاقبك؟
* طالب: هذه ليست (...).
* الشيخ: غير (ما)، معناه النفي، غير كائن، يعني: لست كائنًا لأعذبك، هذا من جهة الإعراب.
من جهة المعنى: كل ما جاءت: ما كان الله لكذا -يعني: في القرآن- فهي للأمر الممتنع غاية الامتناع، مثل: لا ينبغي وما ينبغي، إذا جاءت (لا ينبغي) في القرآن أو (ما ينبغي)، فهي للأمر المستحيل، ما هي بالأمر الذي يفضل تركه، نحن إذا قلنا: لا ينبغي أن تفعل كذا، المعنى: المفضل أن تتركه، لكن إذا وجدتم (لا ينبغي) أو (ما ينبغي)، فالمراد أنه ممتنع، مستحيل، ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ [يس ٤٠] ممكن؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: غير ممكن، ﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ [مريم ٩٢] معناه؟ ممتنع، مستحيل، «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبِغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ»[[أخرجه مسلم (١٧٩ / ٢٩٣)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.]]، المعنى: أنه مستحيل، هنا إذا قال: ما كان، أو: لم يكن، المعنى أنه غير ممكن، مستحيل.
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ﴾ أي: أن هذا منتفٍ غاية الانتفاء، ومستحيل غاية الاستحالة، ﴿لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ (يضيع) بمعنى: يتركه سدًى بدون مجازاة عليه، وقوله: ﴿إِيمَانَكُمْ﴾ المراد به صلاتهم إلى بيت المقدس، هكذا فسره أهل العلم أن المراد بالإيمان هنا صلاتهم إلى بيت المقدس، وسميت الصلاة: إيمانًا؛ إما لأن الأعمال من الإيمان، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة وهو الصحيح، واستدلوا بهذه الآية قالوا: إن الإيمان هنا الصلاة إلى بيت المقدس، فالأعمال إيمان، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا: قُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»[[أخرجه مسلم (٣٥ / ٥٨)، والطبراني في الأوسط (٩٠٠٤)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ للطبراني.]]، فقول: لا إله إلا الله، من الأعمال، من أعمال اللسان، وقوله «إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ» من أعمال الجوارح، وقوله: «وَالْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»..
* طالب: من أعمال القلوب.
* الشيخ: من أعمال القلوب، كما أن الإيمان أيضًا يطلق على الاعتقاد؛ لقوله: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسِلِهِ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٤٧٧٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم (٨ / ١)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.]] «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ» هذا اعتقاد القلب، الإيمان عند أهل السنة والجماعة يشمل: اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل القلب وعمل الجوارح، كل الأربعة.
﴿إِيمَانَكُمْ﴾ أي: صلاتكم إلى بيت المقدس ما تضيع عند الله، حتى الذين ماتوا في الفترة ما تضيع صلاتهم، ذكر بعض المفسرين: أن سبب نزول هذه الآية: أن اليهود ساروا يقولون للمسلمين: الذين صلوا منكم إلى القبلة ضاعت صلاتهم -القبلة التي قبل التحويل- ضاعت صلاتهم وليس لهم فيها ثواب، فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ إذن الإيمان في الحقيقة امتثال أمر الله ورسوله، مع أن استقبال بيت المقدس قبل أن يؤمر الناس بالتوجه إليه، وبعد أن أمروا بالانصراف عنه ليس من الشرع، وهذا كثير يراد بالشرع ما وافق الأمر، وإن كان في بعض الأحيان قد يخالف الشرع، وقد ذكرنا لذلك أمثلة كبيرة عظيمة، فالسجود لغير الله (...).
* طالب: لآدم طاعة.
* الشيخ: ولآدم تركه كفر، ترك السجود لآدم كفر، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: وقتل الابن من أعظم الكبائر، وكان في حق إبراهيم؟
* طالب: من أعظم القربات.
* الشيخ: من أعظم القربات، نقول: إذن فالحقيقة أنه لا اعتبار بنوع الفعل، الاعتبار بالأمر بالفعل، أو بالنهي عنه؛ لأن الإنسان عبد.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ رؤوف فيها قراءتان، ﴿لَرَؤُفٌ﴾ بدون واو، و﴿لَرَءُوفٌ﴾ بالواو، وكلاهما قراءتان سبعيتان.
﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ﴾ أظن هذه الجملة مؤكدة بمؤكدين: أحدهما (إن)، والثاني اللام، ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ﴾ و(الناس) أصله الأناس كما تقدم أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ولكنها لكثرة الاستعمال خففت بحذف الهمزة، مثل الله أصلها الإله، ولكثرة استعمالها خففت بحذف الهمزة.
وقوله: ﴿رَءُوفٌ﴾ قال العلماء: إن الرأفة أشد الرحمة، أشدها، فهي رحمة خاصة فيها شيء من اللطافة، والرحيم المتصف بالرحمة، وقالوا: إنه قدمت الرؤوف على الرحيم مع أن الرؤوف أبلغ من أجل مراعاة الفواصل، رحيم مراعاة الفواصل بها أبلغ من رؤوف.
وقوله: ﴿لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ ولم يقل: لرؤوف رحمن؛ لأن هذا يتعلق بفعله، أي: برحمته، وقد ذكرنا على تفسير البسملة: أن الرحمن عائد للصفة، والرحيم عائد للفعل، فهو رحمن واسع الرحمة، ورحيم يرحم بهذه الرحمة، وهذا قريب من معنى قول بعضهم: الرحمن رحمة عامة، والرحيم رحمة خاصة.
ثم قال تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾.
﴿قد﴾ هنا للتحقيق، و﴿نرى﴾ فعل مضارع بمعنى الماضي هكذا؟ لأن المعنى قد رأينا تقلب وجهك في السماء، وقيل: إنه فعل مضارع لا بمعنى الماضي وإن المقصود به الاستمرار والدوام، وهو كناية عن كثرة تقليب الرسول عليه الصلاة والسلام وجهه في السماء؛ لأن (رأينا تقلب) قد لا يدل إلا على مرة واحدة، لكن (نرى) يدل على الاستمرار.
وقوله: ﴿تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ كيف تقلبه في السماء؟ نعم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرفع بصره إلى السماء انتظارًا لنزول جبريل لتحويل القبلة؛ لأنه كان يحب أن تكون القبلة إلى الكعبة؛ حيث إنها أول بيت وُضع للناس، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الكعبة كانت قبلة الأنبياء كلهم، وأن اتجاه اليهود إلى بيت المقدس، والنصارى إلى المشرق كان من جملة تحريفهم الذي حرفوا به دينهم، هكذا ذكره أظنه مر علي في كتاب الإيمان أو في كتاب النبوات نسيت لكنه ذكر هذا.
* طالب: (...)
* الشيخ: لا، كتاب خاص أنا رأيته قبل أن (...).
وقوله ﴿فِي السَّمَاءِ﴾ ﴿تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ (في) للظرفية، ومعلوم أن وجه الرسول في بدنه، ولكن المعنى أنه ينظر في السماء، أي: في العلو.
* طالب: (في) بمعنى (إلى)؟
* الشيخ: لا، في جهة السماء، يقلبه في جهة السماء ينظر.
﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ﴾ الفاء هذه للتفريع؛ لأن ما بعدها مفرع على ما قبلها، ونولينك أي: نوجهنك، ﴿قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ﴾ وهذا التقديم ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى أعطاه ما يريد، قبل أن يبين له حكمه، ثم قال: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ﴾ (...).
من الناس الذين ليس عندهم حكمة ولا معرفة بأسرار شريعة الله، فيعترضون على تحويل النبي ﷺ من بيت المقدس إلى الكعبة، وأن الله تعالى رد عليهم، بل أمر نبيه أن يرد عليهم بقوله: ﴿لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
وأظن ذكرنا في ﴿قِبْلَتِهِمُ﴾ ثلاث قراءات.
* الطلبة: (...).
* الشيخ: ولا قراءة؟
* طلبة: ولا قراءة.
* الشيخ: إلا، قراءة فيها (...).
* طلبة: (...).
* الشيخ: القراءة المشهورة ﴿قِبْلَتِهِمُ﴾ يعني: بكسر الهاء، وضم الميم، القراءة الثانية: بضم الهاء والميم ﴿قِبْلَتِهُمُ الَّتِي﴾.
* طالب: وضم التاء؟
* الشيخ: لا، بس ضم الضمير فقط، ضم الضمير بناؤه على الضم.
الشيخ: ماذا قلنا؟
* طالب: قلنا: بجواز تعليل الأحكام بالربوبية.
* الشيخ: لا، تعليل الأحكام بمقتضى الربوبية، الأحكام الشرعية بمقتضى الربوبية لإسكات الناس حتى لا يحصل منازعة، إذا قيل: لأيش كذا؟ تقول: لأن هذا الله رب يفعل ما يشاء، لماذا أحل كذا وحرم كذا؟ تقول: لأنه رب، لماذا توجه الناس من المشرق إلى المغرب، من المغرب إلى المشرق، من بيت المقدس إلى الكعبة؟ لأن ذلك بمقتضى ربوبية الله، ﴿لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ [البقرة ١٤٢].
* ومن فوائد الآية: أن العدو يحتج على عدوه بما يثير نعرته، العدو عدو يحتج على العدو بما يثير نعرته ويُلزمه؛ لقوله: ﴿عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾، ما قالوا: عن القبلة، كأنهم يقولون: كنتم تتولون ذلك، فما الذي صرفكم عنه؟ وهذا قد يثير شعور الإنسان حتى يبقى على ما هو عليه، وقال: بالأمس تختارها واليوم تنكرها وتنبذها؟ فالخصم دائمًا يُهيج خصمه يما يثير نعرته ليقيم الحجة عليه ﴿عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾.
* ومن فوائد الآية: عموم ملك الله عز وجل؛ لقوله: ﴿لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات مشيئة الله ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، وقد مر علينا كثيرًا بأن كل آية فيها إثبات المشيئة فهي مقرونة بالحكمة؛ لأن مشيئة الله ليست مجرد مشيئة، بل هو سبحانه وتعالى ما يفعل شيئًا ولا يشرعه إلا لحكمة.
* ومنها: إثبات أن الهداية بيد الله ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾.
* ومنها: صحة احتجاج الجبرية على القول بالجبر.
* الطلبة: لا يصح.
* الشيخ: طيب، الآية أمامنا ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
* طالب: ما (...) هذه الآية يعني بالخصوص (...).
* الشيخ: نقول: الجبرية وإن احتجوا بمثل هذه الآية فلا حجة لهم؛ لأن الاحتجاج ببعض القرآن دون بعض كفر به، قال الله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة ٨٥]، القرآن من متكلم واحد، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: فمطلقه في موضع يقيَّد في موضع آخر، ومجمله يبيَّن في موضع آخر، بل إن الرسول ﷺ يقيد القرآن ويبينه ويخصصه، واضح؟ فإذن لا دليل فيه إلا مَن نظر بعينِ أعور، الأعور ينظر من جانب العين الصحيحة، لكن من جانب العين العوراء ما يرى، والواجب أن الإنسان ينظر إلى النصوص بعينين ثاقبتين، ما هو بعين واحدة، طيب، إذن هذه الفائدة باطلة، الاحتجاج بالآية على صحة مذهب الجبرية هذا باطل، تمام؟ طيب.
* ومن فوائد الآية: الثناء على هذه الأمة لأنها التي على صراط مستقيم؛ لأن أول مَن يدخل في قوله: ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ هؤلاء الأمة الذين تولوا عن بيت المقدس إلى الكعبة.
* طالب: شيخ، أرأيتم تقول: الصراط أنه هو المستقيم (...) قوله: ﴿مُسْتَقِيمٍ﴾؟
* الشيخ: نعم هذه تذكر في التفسير.
طيب إذن من فوائدها: فضيلة هذه الأمة بأنها المهدية إلى صراط مستقيم.
* ومن فوائد الآية: أن معارضة الشرع ضلال، كما أنه سفه فهو أيضًا ضلال؛ لأن الشرع هو الصراط المستقيم، فهو الهداية وما سواه ضلال واعوجاج، نعم، وانتهى الكلام على هذه الآية.
قال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية: أن ما اختاره الله لهذه الأمة من استقبال بيته فهو من أجل كونها وسطًا، من أجل كونها وسطًا اختار الله لها أن تتولى أيش؟ المسجد الحرام؛ لقوله: ﴿وَكَذَلِكَ﴾ أي ومثل ذلك الاختيار لكم اخترناكم فجعلناكم أمة وسطًا.
* ومنها: فضل هذه الأمة على جميع الأمم؛ لقوله..
* طالب: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ﴾.
* الشيخ: لا.
* طالب: ﴿وَسَطًا﴾.
* الشيخ: ﴿وَسَطًا﴾، أي: عدلًا خيارًا.
* ومنها: عدالة هذه الأمة؛ لقوله: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾، والشهيد قوله مقبول، والمراد بالأمة هنا أمة الإجابة، ومن هنا نعرف حذق أهل الفقه حيث قالوا: إن العدل من استقام على دين الله؛ لأن هذه الأمة أمة وسط إذا كانت على دين الرسول عليه الصلاة والسلام، فتكون شهيدًا وتُقبل شهادتها إذا استقامت على هذا الدين وكانت أمة حقيقية، فعليه يؤخذ من هذا حد العدل، أن العدل من استقام على دين الله.
* ومن فوائد هذه الآية: أن هذه الأمة تشهد على الأمم يوم القيامة؛ لقوله: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾، فإذا قال قائل: كيف تشهد وهي لم تَرَ؟
* طالب: نقول: لكنها سمعت.
* الشيخ: نعم، نقول: لكنها سمعت، سمعت عمن خبرُه أصدق من المعاينة، صلوات الله وسلامه عليه.
ومن فوائد الآية أيضًا: أن نبينا ﷺ يكون شهيدًا علينا يوم القيامة، شهيدًا علينا بالعدالة، وقيل كما مر: شهيدًا علينا بأنه بلّغ، وأيًّا كان فإنه من فضائل هذه الأمة.
* ومنها: إثبات رسالة النبي ﷺ؛ لقوله: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾.
* ومنها: أنه لا رسول بعده، من أين تؤخذ؟ لأن (أل) هنا للعهد، وهو يخاطب هذه الأمة، فالرسول المعهود فيها واحد، من هو؟ الرسول ﷺ، ويلزم من ذلك أن لا يكون بعده رسول.
* ومن فوائد الآية: أن الله تعالى قد يمتحن العباد بالأحكام الشرعية، إيجابًا أو تحريمًا أو نسخًا، من أين نأخذ؟ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾، انتبه، انتبه لهذا، إن الله قد يبتليك، قد يبتليك بالمال، يعطيك مالًا ليبلوك، هل تقوم بواجبه ولّا لا، وهذه محنة؛ لأن غالب من ابتُلِي بالمال طغى وشح، طغى من وجه، وشح من وجه آخر، ثم اعتدى في تموُّل المال، فضلّ في تموله والتصرف فيه وتصريفه، مفهوم يا جماعة؟ طيب، احذر من أن الله قد ينعم عليك بالعلم، والعلم عليه ضريبة، وهي أول شيء تقوى الله وخشيته، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨]، فإذا لم تَخْشَ الله بعلمك فاعلم أنه حجة عليك، امتحان من الله عز وجل ما هي هيّن الأمر، كذلك امتحان آخر لأهل العلم أن لا يكتموه -نسأل الله السلامة وأن يعيننا على بذله وتعليمه- أن لا يكتموه في أي مكان حيث دعت الحاجة إلى بيانه من السائل، بلسان الحال أو بلسان المقال؛ السائل بلسان المقال يجي (...) واحد يسألك، والسائل بلسان الحال أن يكون الناس في حاجة إلى بيان حكم الله في هذه المسألة، فهو وإن لم يسأل بلسان المقال ويجي يقول: وعلمني، لكن حال الناس تستدعي أن يبيَّن لهم الحق في هذا الأمر، مفهوم؟ هذه ضريبة أيضًا يجب عليك أن تنتبه لها، خشية الله بعلمك، ثانيًا: بيان ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران ١٨٧]، إذا أنعم الله عليك بعافية فهذا أيضًا ابتلاء، فالمهم أن الله يبتلي الإنسان بالأحكام الشرعية وبالقضاء الكوني، بالقضاء الشرعي وبالقضاء الكوني، ومر علينا أمثلة من الامتحان بتسهيل أسباب المعصية، يمتحن الإنسان بتسهيل أسباب المعصية له، وذكرنا مثلًا في هذه الأمة ومثلًا في بني إسرائيل؛ في بني إسرائيل في قضية السبت، حيث نُهُوا عن السمك يوم السبت، فصارت تأتيهم ﴿شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ﴾ [الأعراف ١٦٣]، وفي هذه الأمة ابتلاهم الله تعالى وهم مُحْرِمون بالصيد، كثير جدًّا وتناله أيديهم ورماحهم، ما يحتاج إلى سهام، يمسك الواحد الصيد بيده ولّا برمحه، (...) عليه ويأخذه، ولكن ﴿لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ﴾ [المائدة ٩٤]، فخافوه بالغيب ولّا لا؟ نعم، رضي الله عنهم، خافوه بالغيب، ما جاؤوه؛ لأنه حرام، فالله سبحانه وتعالى قد يمتحن الإنسان بالتكليف بالعبادة، وأعظم امتحان فيما أعلمه ما جرى لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في ذبح ابنه وحيده وثمرة فؤاده، ما له غيره، وبلغ معه السعي على أكمل ما يكون من تعلق القلب به، ليس صغيرًا فيُهجَر ولا كبيرًا فيُستَغنى عنه، ﴿بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ [الصافات ١٠٢] بالمصاحبة المعية، بالمصاحبة يسعى معه ويذهب معه، وأُمِرَ بأن يذبحه، ووافق؟ وافق، الابن والأب، وأسلما لله رب العالمين، وتلَّه لجبينه على وجهه؛ لئلا يرى وجهه، أو لا يرى الولد السكين فيفزع، أمر الرسول إن صح الحديث «أَنْ تُوَارَى الشِّفَارُ عَنِ الْبَهَائِمِ فِي حَدِّهَا »[[أخرجه ابن ماجه (٣١٧٢)، وأحمد (٥٨٦٤) من حديث ابن عمر.]]، وهذه محنة عظيمة، ومع ذلك قام بها، المهم يا إخواني أن الله سبحانه تعالى قد يبتلي الإنسان بأمور كونية أو شرعية ليعلم سبحانه وتعالى؛ لأنه كما قيل: عند الامتحان يُكرم المرء أو يهان، والذهب لا يُعرف جودته إلا بعرضه على النار، والعود لا يتبين رائحته إلا بمس النار، فلا بد من شيء، ولهذا قال: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾، حيث وُجِّه تَوَجَّه لا يمين ولا يسار، ﴿مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة ١٤٣] فيرجع، والعياذ بالله.
* طالب: يا شيخ، تركه (...) مثل القتل..
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: تركه لابنه ولزوجته هي محنة.
* الشيخ: إي هي محنة لكن (...)؟
* الطالب: (...) لو تارك (...) الصلاة؟
* الشيخ: لا هذا أخف بكثير.
* طالب: شيخ، هل يجوز مع بعدك عن (...)؟
* الشيخ: لا لا، ما هي أقوى من هذه، لأن هذا صبر على طاعة الله، قضية إبراهيم صبر على الطاعة وهذه صبر عن معصية.
* طالب: واحدة أكبر من (...)؟
* الشيخ: لا وهي أكبر من (...) أيضًا حتى أكبر من (...)، من حيث النوع ومن حيث الواقع؛ لأن حبس الإنسان النفس عن شهوته أهون من كونه هو يذبح ولده بيده.
* طالب: مهما بلغ من الإيمان لهذه الدرجة.
* الشيخ: يعني صعب جدًّا نسأل الله العافية، والحمد لله على كل حال.
* من فوائد الآية: أن وجوب اتباع الرسول ﷺ؛ كقوله: ﴿لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُول﴾، فالله امتحن العباد ليعلم هل يتبعون الرسول، إذن فاتباع الرسول واجب وإلا لما احتيج إلى محنة الناس عليه.
* ومنها: إثبات علم الله؛ لقوله: ﴿لِنَعْلَمَ﴾، وعلم الله محيط، علم الله محيط بأيش؟ بكل شيء ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق ١٢]، وقد سبق لنا إشكال في هذه الآية والجواب عليه.
* ومنها: أن الردة عن الإسلام انقلاب؛ لقوله: ﴿مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾، فإنها انقلاب إلى الوراء.
* ومنها: أن التقدم حقيقةً في الإسلام، وأما الرجعيون حقيقة هم المخالفون للإسلام، أليس كذلك؟ إي نعم، إحنا ما نقول هذا من عند أنفسنا أو انتصارًا لأنفسنا، نقوله من كلام الله ﴿مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾، فأي واحد يقول للناس المتمسكين بكتاب الله وسنة رسوله: هؤلاء رجعيون، نقول: بل أنت الرجعي؛ لأن الله سمى مخالفة الرسول ﷺ انقلابًا على العقب، ولا أبْلَغ من هذا الرجوع، إن الإنسان يرجع على عقبيه هذا رجوعًا أعمى - والعياذ بالله - ما يدري أيش اللي وراه.
* ومن فوائد الآية: أن تغيير القبلة شاق، شاق إلا على طائفة معينة من الناس، ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾، وهذا كما مرّ علينا في التفسير يقع كثيرًا للإنسان، تشق عليه بعض الأوامر الشرعية، واجتناب بعض النواهي الشرعية تشق عليه، لكن بتمام الإيمان تزول هذه المشقة وتكون سهلة، والعلماء اختلفوا أيهما أفضل، رجل يفعل العبادة بمشقة ويترك المعصية بمشقة، وآخر يفعل العبادة بسهولة ويترك المعصية بسهولة، أيهما أفضل؟ قال بعض العلماء: الأول أفضل؛ لأنه مجاهد يجاهد نفسه، يتعب، وقال الآخرون: بل الثاني أفضل؛ لأن العبادة كأنها امتزجت بدمه ولحمه حتى صارت سجية له لا ينبسط إلا بها، فما ترون أنتم؟
* طالب: يفرَّق بين الطاعة والمعصية، في الطاعة تستطيع فعلها، لكن في المعصية تركها مع المشقة آجر، فالثاني أفضل.
* طالب: الأول له أجر المشقة.
* الشيخ: الصحيح أن يقال: أما الذي يفعلها بسهولة ويسر وانقياد فهذا أكمل حالًا بلا شك، حاله أكمل من الأول، أليس كذلك؟ لأنه مطمئن ويفرح، والثاني حاله أدنى، ولكنه يؤجر على مجاهدة نفسه على الطاعة وعلى ترك المعصية، يؤجر، لكن الأول فرق أفضل حاله على الأول أكمل بكثير؛ لأنه يعمل بنور، بنور وإيمان ويقين وثبات، على أن هذا الثاني اللي نحن قلنا: إنه مفضول وله أجر المشقة، ربما يمن الله عز وجل عليه وهو أكرم الأكرمين، حتى تكون العبادة في نفسه سهلة يفعلها بارتياح، وهذا هو معنى قول بعض أهل العلم: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله[[انظر جامع معمر (٢٠٤٧٥)، والمدخل للبيهقي (٥١٩) عن معمر قال: كان يقال: إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله.]]، فالإنسان قد يفعل العبادة في الأول بمشقة، ويكون عنده نوع من التعب في تنفيذها، لكن إذا علم الله من نيته صدق القصد والطلب يسّر الله له الطاعة حتى كانت سجية له.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، هذا يدل على أن هذا أكمل حال تكون حاله.
* ومن فوائد الآية: إظهار المنة، إظهار منة الله عز وجل على من هداه الله، من أين نأخذ؟
* طالب: نسب الهداية إليه.
* الشيخ: نسب الهداية إليه، ﴿لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾، أتى بـ(الذين) أيضًا اسم الموصول الصريح دون (مَن)، ﴿الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾، نعم وله المنة علينا والحمد لله، نسأل الله الثبات، بالهداية، الإنسان يرى أعظم منة منّ الله بها عليه أن هداه للإسلام، لا شك أنها أعظم والله من الأكل والشرب والنكاح والمسكن وكل شيء؛ لأنها حياة الدنيا والآخرة، وملاذ الدنيا هي حياة الدنيا فقط تزول، فأعظم منة مَنَّ الله بها على الإنسان أن هداه الله، وهذه يجب إن الإنسان يشعر بها لا يمنّ بدينه على ربه، بل يعتقد أن المنة لله عليه أن هداه حتى يزداد محبة لله عز وجل، كلما فعل عبادة أحب الله عز وجل؛ لتقربه بها إليه، ولأنه هو الذي هداه إليها، وكم من أناس ضلوا، أليس كذلك؟ ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام ١١٦]، أكثر من في الأرض كلهم ضالون، فإذن يجب على الإنسان أن يشعر بهذا الشعور يا إخوان، تشعر بأن الله لما هداك للإيمان إن هذه أعظم منة منّ بها عليك، ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾، ولهذا قال الله للرسول ﷺ في شأن الأعراب: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ [الحجرات ١٧]، الجواب ﴿قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات ١٧] في دعواكم أنكم مؤمنون، فاعرفوا الحقيقة، ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، وشوف الفضل والكرم هو الذي مَنَّ علينا بالهداية ثم يقول في سورة الرحمن: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن ٦٠]، فكأننا نحن الذين أحسنا فأحسن إلينا بالجزاء، نِعَم عظيمة، مع أن له الإحسان أولًا وآخرًا، هو الذي أحسن علينا أولًا وأحسن علينا آخرًا، ولكن هذه من منّته سبحانه وتعالى ومن شكره لسعي عبده، ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإنسان ٢٢]، سبحان الله، أنت الذي تمن به علينا وتوفقنا له ثم تقول: ﴿وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾، هذه منة عظيمة في الحقيقة، الحمد لله، إذن ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾.
* ومن فوائد الآية: أن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر عمل عامل إذا كان مبنيًّا على الإيمان؛ لقوله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾، كل عمل تعمله صادرًا عن إيمان فإنه لن يضيع، ستجده مسجلًا قولًا كان أو فعلًا أو همًّا بالقلب، «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ حَسَنَةً كَامِلَةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٤٩١)، ومسلم (١٣١ / ٢٠٧) من حديث أبي هريرة.]] ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية: إثبات اسمين من أسماء الله وهما: الرؤوف والرحيم، وما تضمناه من الصفة، وهي: الرأفة والرحمة، فهذان اسمان من أسماء الله تضمنتهما هذه الآية والصفة.
وفيه أيضًا هل نقول: والأثر؟ نعم، والأثر، فإنه مر علينا أن الأسماء الحسنى إذا كانت متعدية تتضمن ثلاثة أمور: الاسم، والصفة، والأثر اللي هو الفعل، وإذا كانت غير متعدية تضمنت أمرين فقط، هما: الاسم، والصفة، فالحي يتضمن الاسم والصفة، والرحيم يتضمن الاسم والصفة والأثر اللي هو الفعل، له رحمة يرحم بها، له رحمة يرحم بها ويرسلها إلى من شاء.
* ومن فوائد الآية: إثبات عموم الرحمة لكل الناس؛ لقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، وهذه عامة، لكن إن كان الناس مؤمنين كانت رحمته متصلة خاصة متصلة بالدنيا والآخرة، وإلا فإن الكفار تشملهم رحمة الله تعالى في الدنيا وعدله في الآخرة، في الآخرة يجازون بالعدل والقسط، وفي الدنيا بالفضل والإحسان، وربما يعاقبهم الله سبحانه وتعالى بالعدل، ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
قال الله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾.
* طالب: من الفوائد أن العمل من الإيمان.
* الشيخ: إي نعم من فوائد الآية صح، أن العمل من الإيمان، من فوائد الآية أن العمل من الإيمان؛ لقوله: ﴿إِيمَانَكُمْ﴾، فإنها فُسِّرَت بالصلاة إلى بيت المقدس، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، أن العمل داخل في الإيمان، ووجه ذلك هو موجود في الأدلة الشرعية أن العمل من الإيمان، «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٩)، ومسلم (٣٥ / ٥٨) واللفظ له من حديث أبي هريرة.]]، هذا كلام رسول الله ﷺ، فالعمل لا شك أنه من الإيمان، لكن وجه ذلك أنه صادر عن إيمان، صادر عن الإيمان، فالإيمان هو الذي أوجده، ولهذا لا يعد عمل المنافق من الإيمان، السبب؟ عمل المنافق صلاته وذكره لله ونفقاته ما تعد من الإيمان؛ لأنه منزوع من الإيمان، ما هو صادر عن إيمان، ليس صادرًا عن الإيمان، أهل السنة والجماعة يُثبتون أن العمل من الإيمان، يوافقهم على ذلك المعتزلة والخوارج، يقولون: العمل من الإيمان، ويخالفهم في ذلك المرجئة، يقولون: العمل ليس من الإيمان، فهمتم؟ طيب، لكن أهل السنة والجماعة يفارقون المعتزلة والخوارج في أن المعتزلة والخوارج يقولون: إن العمل من الإيمان لكنه إذا فُقِد فُقِد الإيمان، ففاعل الكبيرة عندهم خارج من الإيمان، لكن المعتزلة يقولون إنه في منزلة بين المنزلتين، والخوارج يقولون: إنه كافر، وأهل السنة والجماعة يقولون: لا نسلِّم لكم هذا، فنقول: المؤمن العاصي مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو نقول: مؤمن ناقص الإيمان، أو نقول هو مؤمن ناقص الإيمان، نعم.
* طالب: شيخ، يستفاد من الآية قبول شهادة الأعمى من قوله: ﴿شُهَدَاء﴾؟
* الشيخ: كل والأصم و الأخرس.
* الطالب: لا أعمى بس؟
* الشيخ: لا، لازم كله فاقد الحواس، نقول: نعم شهادة الأعمى، والأصم، والأخرس، فيما يمكنه إدراكه، فيما يمكنه إدراكه مقبولة، لكن لو يجي أعمى يقول: شهدت أني رأيت الهلال، نقبله؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما تُقبل، يجي الأصم الذي ما يسمع المدفعة عند أذنه يقول: سمعت مسارّة فلان وفلان وهم جنبي؟ ما تُقبل، لكن لو يجي الأصم يقول: رأيت فلانًا يعمل كذا، وعيناه سليمتان، يُقبل، فالمهم إن الشهادة مبنية على العدالة وعلى إمكان ما شهد به، كالإدراك، لا بد من إمكان إدراكه ما شهد به، وهذا راجع إلى الأصلين في كل شيء، ترى القوة والأمانة اللي أشار الله إليهما في قوله: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص ٢٦]، ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ ﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ [النمل ٣٩]، القوة والأمانة لو تأملتموها لوجدتموها في كل الأعمال، أنهما ركنان في كل عمل، فالقوة إمكان القيام بالعمل، والأمانة الثقة، فالأخيرة الأمانة ترجع إلى الدين، والقوة ترجع إلى إمكان القيام بالعمل الذي هو يدعي ممارسته.
* طالب: تدل على أن من عمل عملًا بما سمع من شريعة الله وبما علم من شريعة الله فهو مجتهد (...) مجتهد له أجر في هذا.
* الشيخ: من وين؟
* الطالب: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾، الصحابة الذين ماتوا.
* الشيخ: لا؛ لأن دوله في وقت عملهم عملوا بالحق ما نُسخ.
* الطالب: قوله: ﴿الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ ما يدل عليه اللفظ أو ما يدل عليه السياق أنهم ليسوا على قبلة؟
* الشيخ: إي، لأن فيها استعلاء؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: لا، العمل بالشيء يعتبر استعلاء عليه استعلاء معنويًّا كما تقول: أنت على الحال التي أنا أخبره.
* طالب: شيخ، بالنسبة لسؤال ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ﴾، ذكرت إن الاعتراض على الشريعة من السفه وأن معارضة الشرع ضلال، مع أن الضلال داخل في السفه؟
* الشيخ: لا، السفه أخص من الضلال؛ لأن الضال قد يكون عن جهل به، عن جهل ما هو عن سفه، هناك مثلًا ضلال وهناك سفه، فالسفيه يعارض، يعني لأن السفه هو عبارة عن مخالفة الرشد، وهو يعارض مع علمه، وأما الضلال فهو عن جهل.
* طالب: (...) في إثبات الحكمة من اللام في قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾؟
* الشيخ: نعم، في هذه الآية أيضًا في قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ﴾ إثبات الحكمة لله، إثبات الحكمة، تؤخذ من قوله: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾؛ لأن اللام هنا للتعليل، وهذا هو الصحيح، وقد مر علينا أن بعض النحويين يقولون: إن اللام هنا ليست للتعليل لكنها للعاقبة، بمعنى إلا لأننا قد علمنا.
* طالب: شيخ، الفاسقين من هذه الأمة الذين غير عدول هل يكونوا شهداء على الناس؟
* الشيخ: ما هو بالظاهر، الظاهر ما تُقبل شهادتهم إلا إذا ماتوا على العدالة قُبلت، أو غفر الله لهم.
* طالب: ورد حديث «إن اللعانين لا يكونون شهودًا عند الله».
* الشيخ: نعم، «إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه مسلم (٢٥٩٨ / ٨٦) من حديث أبي الدرداء.]].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ذكرنا فيها رأيين في التفسير، والآن ذكرنا فيها رأيين، (...) شهيدًا عليكم بتوفيقكم فتكون لكم، وذكرنا شهيدًا عليكم بإبلاغكم أنه أبلغكم، فيكون شاهدًا لنفسه على غيره.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا لا، الأولى بمعنى لكم، المعنى الأول بمعنى لكم.
﴿ ﴾
{"ayahs_start":142,"ayahs":["۞ سَیَقُولُ ٱلسُّفَهَاۤءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِی كَانُوا۟ عَلَیۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِی كُنتَ عَلَیۡهَاۤ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِیرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمَـٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِی كُنتَ عَلَیۡهَاۤ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِیرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمَـٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق