الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا﴾ الآيَةَ؛ أيْ: خِيارًا عُدُولًا، ويَدُلُّ لِأنَّ الوَسَطَ الخِيارُ العُدُولُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠] وذَلِكَ (p-٤٦)مَعْرُوفٌ في كَلامِ العَرَبِ ومِنهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
؎هُمُ وسْطٌ يَرْضى الأنامُ لِحُكْمِهِمْ إذا نَزَلَتْ إحْدى اللَّيالِي بِمُعْظَمِ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكم شَهِيدًا﴾ لَمْ يُبَيِّنْ هُنا هَلْ هو شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيا أوِ الآخِرَةِ ؟ ولَكِنَّهُ بَيَّنَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: أنَّهُ شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ في الآخِرَةِ وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الأرْضُ ولا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٤١، ٤٢] .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما جَعَلْنا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إلّا لِنَعْلَمَ﴾ الآيَةَ، ظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ قَدْ يَتَوَهَّمُ مِنهُ الجاهِلُ أنَّهُ تَعالى يَسْتَفِيدُ بِالِاخْتِبارِ عِلْمًا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا - بَلْ هو تَعالى عالِمٌ بِكُلِّ ما سَيَكُونُ قَبْلَ أنْ يَكُونَ، وقَدْ بَيَّنَ أنَّهُ لا يَسْتَفِيدُ بِالِاخْتِبارِ عِلْمًا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ بِقَوْلِهِ جَلَّ وعَلا: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما في صُدُورِكم ولِيُمَحِّصَ ما في قُلُوبِكم واللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] فَقَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ: (لِيَبْتَلِيَ) دَلِيلٌ قاطِعٌ عَلى أنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ بِالِاخْتِبارِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عالِمًا بِهِ، سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا؛ لِأنَّ العَلِيمَ بِذاتِ الصُّدُورِغَنِيٌّ عَنِ الِاخْتِبارِ وفي هَذِهِ الآيَةِ بَيانٌ عَظِيمٌ لِجَمِيعِ الآياتِ الَّتِي يَذْكُرُ اللَّهُ فِيها اخْتِبارَهُ لِخَلْقِهِ، ومَعْنى ﴿إلّا لِنَعْلَمَ﴾ أيْ: عِلْمًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوابُ والعِقابُ فَلا يُنافِي أنَّهُ كانَ عالِمًا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وفائِدَةُ الِاخْتِبارِ ظُهُورُ الأمْرِ لِلنّاسِ. أمّا عالِمُ السِّرِّ والنَّجْوى فَهو عالِمٌ بِكُلِّ ما سَيَكُونُ كَما لا يَخْفى.
وَقَوْلِهِ: ﴿مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ أشارَ إلى أنَّ الرَّسُولَ هو مُحَمَّدٌ ﷺ بِقَوْلِهِ مُخاطِبًا لَهُ: ﴿وَما جَعَلْنا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها﴾ الآيَةَ؛ لِأنَّ هَذا الخِطابَ لَهُ إجْماعًا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ﴾ أيْ: صَلاتَكم إلى بَيْتِ المَقْدِسِ عَلى الأصَحِّ، ويَسْتَرْوِحُ ذَلِكَ مِن قَوْلِهِ قَبْلَهُ: ﴿وَما جَعَلْنا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها﴾ ولا سِيَّما عَلى القَوْلِ بِاعْتِبارِ دَلالَةِ الِاقْتِرانِ، والخِلافُ فِيها مَعْرُوفٌ في الأُصُولِ.
⁕ ⁕ ⁕
* قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب):
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما جَعَلْنا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إلّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ﴾ الآيَةَ.
قَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ: ”إلّا لِنَعْلَمَ“ يُوهِمُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ عالَمًا بِمَن يَتَّبَعُ الرَّسُولَ (p-٢١٦)مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ، مَعَ أنَّهُ تَعالى عالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ وُقُوعِهِ، فَهو يَعْلَمُ ما سَيَعْمَلُهُ الخَلْقُ، كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ آياتٌ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ: ﴿هُوَ أعْلَمُ بِكم إذْ أنْشَأكم مِنَ الأرْضِ وإذْ أنْتُمْ أجِنَّةٌ في بُطُونِ أُمَّهاتِكم فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ﴾ [ ٥٣ ]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَهم أعْمالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هم لَها عامِلُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٣]: والجَوابُ عَنْ هَذا أنَّ مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ”إلّا لِنَعْلَمَ“ أيْ عِلْمًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوابُ والعِقابُ، فَلا يُنافِي كَوْنَهُ عالِمًا بِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وقَدْ أشارَ تَعالى إلى أنَّهُ لا يَسْتَفِيدُ بِالِاخْتِبارِ عِلْمًا جَدِيدًا لِأنَّهُ عالِمٌ بِما سَيَكُونُ حَيْثُ قالَ تَعالى: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما في صُدُورِكم ولِيُمَحِّصَ ما في قُلُوبِكم واللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] . فَقَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ: ”لِيَبْتَلِيَ“: دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ لا يُفِيدُهُ الِاخْتِبارُ عِلْمًا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ ذَلِكَ، بَلْ هو تَعالى عالِمٌ بِكُلِّ ما سَيَعْمَلُهُ خَلْقُهُ وعالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ وُقُوعِهِ، كَما لا خِلافَ فِيهِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ: ﴿لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ﴾ الآيَةَ [سبإ: ٣] .
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِی كُنتَ عَلَیۡهَاۤ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِیرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمَـٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق