الباحث القرآني
﴿وَكَذَلِكَ﴾ إشارَةٌ إلى مَفْهُومِ الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ، أيْ كَما جَعَلْناكم مَهْدِيِّينَ إلى الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، أوْ جَعَلْنا قِبْلَتَكم أفْضَلَ القِبَلِ. ﴿جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا﴾ أيْ خِيارًا، أوْ عُدُولًا مُزَكِّينَ بِالعِلْمِ والعَمَلِ. وهو في الأصْلِ اسْمٌ لِلْمَكانِ الَّذِي تَسْتَوِي إلَيْهِ المِساحَةُ مِنَ الجَوانِبِ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلْخِصالِ المَحْمُودَةِ لِوُقُوعِها بَيْنَ طَرَفَيْ إفْراطٍ وتَفْرِيطٍ، كالجُودِ بَيْنَ الإسْرافِ والبُخْلِ، والشَّجاعَةِ بَيْنَ التَّهَوُّرِ والجُبْنِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلى المُتَّصِفِ بِها مُسْتَوِيًا فِيهِ الواحِدُ والجَمْعُ، والمُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ كَسائِرِ الأسْماءِ الَّتِي وُصِفَ بِها، واسْتُدِلَّ بِهِ عَلى أنَّ الإجْماعَ حُجَّةٌ إذْ لَوْ كانَ فِيما اتَّفَقُوا عَلَيْهِ باطِلٌ لانْثَلَمَتْ بِهِ عَدالَتُهم ﴿لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكم شَهِيدًا﴾ عِلَّةٌ لِلْجَعْلِ، أيْ لِتَعْلَمُوا بِالتَّأمُّلِ فِيما نُصِبَ لَكم مِنَ الحُجَجِ، وأنْزَلَ عَلَيْكم مِنَ الكِتابِ أنَّهُ تَعالى ما بَخِلَ عَلى (p-111)أحَدٍ وما ظَلَمَ، بَلْ أوْضَحَ السُّبُلَ وأرْسَلَ الرُّسُلَ، فَبَلَّغُوا ونَصَحُوا. ولَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا حَمَلَهُمُ الشَّقاءُ عَلى اتِّباعِ الشَّهَواتِ، والإعْراضِ عَنِ الآياتِ، فَتَشْهَدُونَ بِذَلِكَ عَلى مُعاصِرِيكم وعَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكم أوْ بَعْدِكم.
رُوِيَ «أنَّ الأُمَمَ يَوْمَ القِيامَةِ يَجْحَدُونَ تَبْلِيغَ الأنْبِياءِ، فَيُطالِبُهُمُ اللَّهُ بِبَيِّنَةِ التَّبْلِيغِ - وهو أعْلَمُ بِهِمْ - إقامَةً لِلْحُجَّةِ عَلى المُنْكِرِينَ، فَيُؤْتى بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَيَشْهَدُونَ، فَتَقُولُ الأُمَمُ مِن أيْنَ عَرَفْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: عَلِمْنا ذَلِكَ بِإخْبارِ اللَّهِ تَعالى في كِتابِهِ النّاطِقِ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ الصّادِقِ، فَيُؤْتى بِمُحَمَّدٍ ﷺ فَيُسْألُ عَنْ حالِ أُمَّتِهِ، فَيَشْهَدُ بِعَدالَتِهِمْ»
وَهَذِهِ الشَّهادَةُ وإنْ كانَتْ لَهم لَكِنْ لَمّا كانَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ كالرَّقِيبِ المُهَيْمِنِ عَلى أُمَّتِهِ عُدِّي بِعَلى، وقُدِّمَتِ الصِّلَةُ لِلدَّلالَةِ عَلى اخْتِصاصِهِمْ يَكُونُ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ. ﴿وَما جَعَلْنا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها﴾ أيِ الجِهَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها، وهي الكَعْبَةُ فَإنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ يُصَلِّي إلَيْها بِمَكَّةَ، ثُمَّ لَمّا هاجَرَ أُمِرَ بِالصَّلاةِ إلى الصَّخْرَةِ تَألُّفًا لِلْيَهُودِ. أوِ الصَّخْرَةُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما (كانَتْ قِبْلَتُهُ بِمَكَّةَ بَيْتَ المَقْدِسِ إلّا أنَّهُ كانَ يَجْعَلُ الكَعْبَةَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ) فالمُخْبَرُ بِهِ عَلى الأوَّلِ الجَعْلُ النّاسِخُ، وعَلى الثّانِي المَنسُوخِ. والمَعْنى أنَّ أصْلَ أمْرِكَ أنْ تَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، وما جَعَلْنا قِبْلَتَكَ بَيْتَ المَقْدِسِ.
﴿إلا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ﴾ إلّا لِنَمْتَحِنَ بِهِ النّاسَ ونَعْلَمَ مَن يَتْبَعُكَ في الصَّلاةِ إلَيْها، مِمَّنْ يَرْتَدُّ عَنْ دِينِكَ إلْفًا لِقِبْلَةِ آبائِهِ. أوْ لِنَعْلَمَ الآنَ مَن يُتْبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ لا يَتْبَعُهُ، وما كانَ لِعارِضٍ يَزُولُ بِزَوالِهِ. وعَلى الأوَّلِ مَعْناهُ: ما رَدَدْناكَ إلى الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إلّا لِنَعْلَمَ الثّابِتَ عَلى الإسْلامِ مِمَّنْ يَنْكِصُ عَلى عَقِبَيْهِ لِقَلَقِهِ وضَعْفِ إيمانِهِ. فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ عِلْمُهُ تَعالى غايَةَ الجَعْلِ وهو لَمْ يَزَلْ عالِمًا. قُلْتُ: هَذا وأشْباهُهُ بِاعْتِبارِ التَّعَلُّقِ الحالِيِّ الَّذِي هو مَناطُ الجَزاءِ، والمَعْنى لِيَتَعَلَّقَ عِلْمُنا بِهِ مَوْجُودًا. وقِيلَ: لِيَعْلَمَ رَسُولُهُ والمُؤْمِنُونَ لَكِنَّهُ أسْنَدَهُ إلى نَفْسِهِ لِأنَّهم خَواصُّهُ، أوْ لِتَمَيُّزِ الثّابِتِ مِنَ المُتَزَلْزِلِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ فَوُضِعَ العِلْمُ مَوْضِعَ التَّمْيِيزِ المُسَبَّبِ عَنْهُ، ويَشْهَدُ لَهُ قِراءَةُ « لِيُعْلَمَ» عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، والعِلْمُ إمّا بِمَعْنى المَعْرِفَةِ، أوْ مُعَلَّقٌ لِما في مَن مِن مَعْنى الِاسْتِفْهامِ، أوْ مَفْعُولُهُ الثّانِي مِمَّنْ يَنْقَلِبُ، أيْ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مُتَمَيِّزًا مِمَّنْ يَنْقَلِبُ. ﴿وَإنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً﴾ إنْ هي المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، واللّامُ هي الفاصِلَةُ.
وَقالَ الكُوفِيُّونَ: هي النّافِيَةُ واللّامُ بِمَعْنى إلّا. والضَّمِيرُ لَمّا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما جَعَلْنا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها﴾ مِنَ الجَعْلَةِ، أوِ الرِّدَّةِ، أوِ التَّوْلِيَةِ، أوِ التَّحْوِيلَةِ، أوِ القِبْلَةِ. وقُرِئَ « لَكَبِيرَةٌ» بِالرَّفْعِ فَتَكُونُ كانَ زائِدَةً ﴿إلا عَلى الَّذِينَ هَدى اللَّهُ﴾ إلى حِكْمَةِ الأحْكامِ الثّابِتِينَ عَلى الإيمانِ والِاتِّباعِ ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمانَكُمْ﴾ أيْ ثَباتَكم عَلى الإيمانِ. وقِيلَ: إيمانَكم بِالقِبْلَةِ المَنسُوخَةِ، أوْ صَلاتَكم إلَيْها لِما رُوِيَ: أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا وُجِّهَ إلى الكَعْبَةِ قالُوا: كَيْفَ بِمَن ماتَ يا رَسُولَ اللَّهِ قَبْلَ التَّحْوِيلِ مِن إخْوانِنا فَنَزَلَتْ: ﴿إنَّ اللَّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ فَلا يُضِيعُ أُجُورَهم ولا يَدَعُ صَلاحَهُمْ، ولَعَلَّهُ قَدَّمَ الرَّءُوفَ وهو أبْلَغُ مُحافَظَةً عَلى الفَواصِلِ وقَرَأ الحَرَمِيّانِ وابْنُ عامِرٍ وحَفْصٌ لَرَءُوفٌ بِالمَدِّ، والباقُونَ بِالقَصْرِ.
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِی كُنتَ عَلَیۡهَاۤ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِیرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمَـٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











