الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُوا أنْفُسَكم وأهْلِيكم نارًا﴾ وِقايَةُ النَّفْسِ: بِامْتِثالِ الأوامِرِ، واجْتِنابِ النَّواهِي، ووِقايَةِ الأهْلِ: بِأنْ يُؤْمَرُوا بِالطّاعَةِ، ويُنْهَوْا عَنِ المَعْصِيَةِ. وقالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلِّمُوهم وأدِّبُوهم ﴿وَقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ﴾ وقَدْ (p-٣١٣)ذَكَرْناهُ في [البَقَرَةِ: ٢٤] ﴿عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ﴾ عَلى أهْلِ النّارِ ﴿شِدادٌ﴾ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: غِلاظُ القُلُوبِ شِدادُ الأبْدانِ. ورَوى أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: خَزَنَةُ النّارِ تِسْعَةَ عَشَرَ، ما بَيْنَ مَنكِبَيْ أحَدِهِمْ مَسِيرَةُ سَنَةٍ، وقُوَّتُهُ: أنْ يَضْرِبَ بِالمِقْمَعَةِ، فَيَدْفَعُ بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ سَبْعِينَ ألْفًا، فَيَهْوُونَ في قَعْرِ جَهَنَّمَ ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أمَرَهُمْ﴾ أيْ: لا يَخالِفُونَ فِيما يَأْمُرُ ﴿وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: لا يَتَجاوَزُونَ ما يُؤْمَرُونَ. والثّانِي: يَفْعَلُونَهُ في وقْتِهِ لا يُؤَخِّرُونَهُ، ولا يُقَدِّمُونَهُ. ويُقالُ لِأهْلِ النّارِ: ﴿ "يا أيُّها الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا اليَوْمَ.﴾ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ قَرَأ أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ، وخارِجَةُ عَنْ نافِعٍ "نُصُوحًا" بِضَمِّ النُّونِ. والباقُونَ بِفَتْحِها. قالَ الزَّجّاجُ: فَمَن فَتَحَ فَعَلى صِفَةِ التَّوْبَةِ، ومَعْناهُ: تَوْبَةٌ بالِغَةٌ في النُّصْحِ، "وَفَعُولٌ" مِن أسْماءِ الفاعِلِينَ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ لِلْمُبالَغَةِ في الوَصْفِ. تَقُولُ: رَجُلٌ صَبُورٌ، وشَكُورٌ. ومَن قَرَأ بِالضَّمِّ، فَمَعْناهُ: يَنْصَحُونَ فِيها نُصُوحًا، يُقالُ: نَصَحَتْ لَهُ نُصْحًا، ونَصاحَةً، ونُصُوحًا. وقالَ غَيْرُهُ: مَن ضَمَّ أرادَ: تَوْبَةَ نُصْحٍ لِأنْفُسِكم. وقالَ (p-٣١٤)عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ: أنْ يَتُوبَ العَبْدُ مِنَ الذَّنْبِ وهو يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أنَّهُ لا يَعُودُ. وسُئِلَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ عَنِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ، فَقالَ: نَدَمٌ بِالقَلْبِ، واسْتِغْفارٌ بِاللِّسانِ، وتَرْكٌ بِالجَوارِحِ، وإضْمارُ أنْ لا يَعُودَ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ تُكَفِّرُ كُلَّ سَيِّئَةٍ، ثُمَّ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ﴾ قَدْ بَيَّنّا مَعْنى "الخِزْيِ" في [آلِ عِمْرانَ: ١٩٢] وبَيَّنّا مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿نُورُهم يَسْعى بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ﴾ في [الحَدِيدِ: ١٢] ﴿يَقُولُونَ رَبَّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا﴾ وذَلِكَ إذا رَأى المُؤْمِنُونَ نُورَ المُنافِقِينَ يُطْفَأُ سَألُوا اللَّهَ تَعالى أنْ يُتَمِّمَ لَهم [نُورَهُمْ]، ويُبَلِّغَهم بِهِ الجَنَّةَ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَيْسَ أحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ إلّا يُعْطى نُورًا يَوْمَ القِيامَةِ. فَأمّا المُنافِقُ فَيُطْفَأُ نُورُهُ، والمُؤْمِنُ مُشْفِقٌ مِمّا رَأى مِن إطْفاءِ نُورِ المُنافِقِ، فَهم يَقُولُونَ: ﴿ "رَبَّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا" .﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب