الباحث القرآني

ولَمّا أبْلَغَ سُبْحانَهُ في عِتابِ أزْواجِ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ صِيانَتِهِنَّ عَنِ التَّسْمِيَةِ إكْرامًا لَهُ ﷺ وعَلِمَ اتِّصافَهُنَّ بِهَذِهِ الصِّفاتِ العَظِيمَةِ عَلى سَبِيلِ الرُّسُوخِ مِن دَوامِ صُحْبَتِهِ ﷺ لَهُنَّ لِيَكُنْ مِن جُمْلَةِ أزْواجِهِ في الجَنَّةِ وكانَ اتِّصافُهُنَّ بِذَلِكَ الَّذِي أدّاهُنَّ إلى السَّعادَةِ العُظْمى إنَّما هو بِحُسْنِ تَأْدِيبِ أوْلِيائِهِنَّ لَهُنَّ وإكْمالِ ذَلِكَ الأدَبِ بِحُسْنِ عِشْرَتِهِ ﷺ وتَأدُّبِهِنَّ بِكَرِيمِ أخْلاقِهِ أثْمَرَ ذَلِكَ أمْرَ الأُمَّةِ بِالتَّأسِّي بِهِ في هَذِهِ الأخْلاقِ الكامِلَةِ والتَّأسِّي بِأوْلِيائِهِنَّ في ذَلِكَ لِيَعْرِفْنَ حَقَّ اللَّهِ وحَقَّ الأزْواجِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ صَلاحُ ذاتِ البَيْنِ المُثْمِراتِ لِلْخَيْرِ كُلِّهِ فَقالَ تَعالى مُتَّبِعًا لِهَذِهِ المَوْعِظَةِ الخاصَّةِ بِمَوْعِظَةٍ عامَّةٍ دالَّةٍ عَلى وُجُوبِ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ لِلْأقْرَبِ فالأقْرَبِ ﴿يا أيُّها﴾ مُخاطَبَةً لِأدْنى الأسْنانِ إشارَةً إلى أنَّ مِن فَوْقِهِمْ (p-١٩٧)تَأسّى مِن حِينِ دُخُولِهِ في الإسْلامِ فَهو غَنِيٌّ عَنْ أمْرٍ جَدِيدٍ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ أقَرُّوا بِذَلِكَ ﴿قُوا أنْفُسَكُمْ﴾ أيِ اجْعَلُوا لَها وِقايَةً بِالتَّأسِّي بِهِ ﷺ في أدَبِهِ مَعَ الخَلْقِ والخالِقِ في لِينِهِ لِمَن يَسْتَحِقُّ اللِّينَ مِنَ الخَلْقِ تَعْظِيمًا لِلْخالِقِ فَعامِلُوهُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ بِما يُعامِلُكم بِهِ مِنَ الأدَبِ، وكَذا كُونُوا مَعَ بَقِيَّةِ الخَلْقِ. ولَمّا كانَ الإنْسانُ راعِيًا لِأهْلِ بَيْتِهِ مَسْؤُولًا عَنْ رَعِيَّتِهِ قالَ تَعالى: ﴿وأهْلِيكُمْ﴾ مِنَ النِّساءِ والأوْلادِ وكُلِّ مَن يَدْخُلُ في هَذا الِاسْمِ قُوهم ﴿نارًا﴾ بِالنُّصْحِ والتَّأْدِيبِ لِيَكُونُوا مُتَخَلِّقِينَ بِأخْلاقِ أهْلِ النَّبِيِّ ﷺ كَما رَوى أحْمَدُ والطَّبَرانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ العاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَفَعَهُ: «ما نَحَلَ والِدٌ ولَدًا أفْضَلَ مِن أدَبٍ حَسَنٍ» ولَمّا كانَتِ الأشْياءُ لا تُعَظَّمُ في نَفْسِها [و -] عِنْدَ المُخْبِرِ بِها إلّا بِإخْبارِهِ بِما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الأوْصافِ قالَ: ﴿وقُودُها﴾ أيِ الَّذِي تُوقَدُ بِهِ ﴿النّاسُ والحِجارَةُ﴾ [ أيْ -] ألْيَنُ الأشْياءِ وأصْلَبُها، فَما بَيْنَ ذَلِكَ هو لَها وقُودٌ بِطَرِيقِ الأوْلى. ولَمّا وصَفَها بِغايَةِ الأدَبِ في الِائْتِمارِ أتْبَعَهُ وصْفُ القُوامِ فَقالَ مُعَبِّرًا بِأداةِ الِاسْتِعْلاءِ [ دَلالَةً عَلى تَمَكُّنِهِمْ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيها -]: (p-١٩٨)﴿عَلَيْها مَلائِكَةٌ﴾ [ أيْ يَكُونُ أمْرُها عَلى سَبِيلِ الِاسْتِعْلاءِ -] فَلا تَعْصِيهِمْ شَيْئًا لِتَأْدِيبِ اللَّهِ لَها ﴿غِلاظٌ﴾ أيْ [ في -] الأبْدانِ والقُلُوبِ فَظاظَةٌ عَلى أهْلِها لِاسْتِحْقاقِهِمْ لِذَلِكَ بِعِصْيانِهِمُ المَلِكَ الأعْلى. ولَمّا كانَ الغِلَظُ قَدْ يَكُونُ مَعَ الرَّخاوَةِ قالَ: ﴿شِدادٌ﴾ [ أيْ -] في كُلِّ شَيْءٍ يُحاوِلُونَهُ بِالقَوْلِ والفِعْلِ حَتّى رُوِيَ أنَّ الواحِدَ مِنهم يُلْقِي بِالدُّفْعَةِ الواحِدَةِ في النّارِ مِنَ الكُفّارِ سَبْعِينَ ألْفًا. ولَمّا كانَ المَعْنى أنَّهم يُوقِعُونَ غِلْظَتَهم وشِدَّتَهم بِأهْلِ المَعاصِي عَلى مَقادِيرِ اسْتِحْقاقِهِمْ. بَيْنَ ذَلِكَ بِما يَخْلَعُ القُلُوبَ لِكَوْنِهِ بِأمْرِ اللَّهِ تَعالى فَقالَ: ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ﴾ أيِ المَلِكَ الأعْلى في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ ﴿ما أمَرَهُمْ﴾ أيْ أوْقَعَ الأمْرَ لَهم بِهِ في زَمَنٍ ما. ولَمّا كانَ المُطِيعُ مِنّا قَدْ يَخِلُّ بِبَعْضِ المَأْمُورِ بِهِ في ذاتِهِ بِنَقْصِ رُكْنٍ أوْ شَرْطٍ أوْ وقْتٍ لِنِسْيانٍ، أوْ نَوْمٍ ونَحْوِهِ أوْ بِتَرْكٍ مَندُوبٍ ونَحْوِهِ أوْ ما في مَعْناهُ بِوَسْوَسَةٍ أوْ حَدِيثِ نَفْسٍ ونَحْوِهِ يُقَصِّرُ عَنْ إيقاعِهِ عَلى أعْلى الدَّرَجاتِ كَما قالَ ﷺ فِيما أخْرَجَهُ ابْنُ ماجَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما والطَّيالِسِيُّ عَنْ ثَوْبانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «اسْتَقِيمُوا ولَنْ تُحْصُوا» قالَ نافِيًا لِذَلِكَ عَنْهُمْ: ﴿ويَفْعَلُونَ﴾ أيْ مُجَدِّدِينَ مَعَ كُلِّ أمْرٍ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِمْرارِ ﴿ما يُؤْمَرُونَ﴾ أيْ ما يَقَعُ (p-١٩٩)لَهُمُ الأمْرُ بِهِ في أيِّ وقْتٍ [ كانَ مِن غَيْرِ نَقْصٍ -] ما، وبُنِيَ الفِعْلُ لِما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ كِنايَةً عَنْ سُهُولَةِ انْقِيادِهِمْ وإشارَةً إلى أنَّ الَّذِي أمَرَهم مَعْلُومٌ أنَّهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب