الباحث القرآني
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"الذين ينفقون في السراء والضراء"، أعدت الجنة التي عرضها السموات والأرض للمتقين، وهم المنفقون أموالهم في سبيل الله، إما في صرفه على محتاج، وإما في تقوية مُضعِف على النهوض لجهاده في سبيل الله. [[في المطبوعة: "للجهاد"، بلامين، وأثبت ما في المخطوطة. والمضعف: الذي قد ضعفت دابته.]]
* * *
وأما قوله:"في السراء"، فإنه يعني: في حال السرور، بكثرة المال ورخاء العيش
* * *
"والسراء" مصدر من قولهم"سرني هذا الأمر مسرَّة وسرورًا"
* * *
"والضراء" مصدر من قولهم:"قد ضُرّ فلان فهو يُضَرّ"، إذا أصابه الضُّر، وذلك إذا أصابه الضيق، والجهد في عيشه. [[انظر تفسير"الضراء" فيما سلف ٣: ٣٥٠ - ٣٥٢.]]
* * *
٧٨٣٨- حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"الذين ينفقون في السراء والضراء"، يقول: في العسر واليسر.
* * *
فأخبر جل ثناؤه أن الجنة التي وصف صفتها، لمن اتقاه وأنفق ماله في حال الرخاء والسعة، [[في المخطوطة: "في حال الرضا"، وكأنها صواب أيضًا.]] وفي حال الضيق والشدة، في سبيله.
* * *
وقوله:"والكاظمين الغيظ"، يعني: والجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه.
* * *
يقال منه:"كظم فلان غيظه"، إذا تجرَّعه، فحفظ نفسه من أن تمضي ما هي قادرةٌ على إمضائه، باستمكانها ممن غاظها، وانتصارها ممن ظلمها.
وأصل ذلك من"كظم القربة"، يقال منه:"كظمتُ القربة"، إذا ملأتها ماء. و"فلان كظيمٌ ومكظومٌ"، إذا كان ممتلئًا غمٌّا وحزنًا. ومنه قول الله عز وجل، ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [سورة يوسف: ٨٤] يعني: ممتلئ من الحزن. ومنه قيل لمجاري المياه:"الكظائم"، لامتلائها بالماء. ومنه قيل:"أخذت بكَظَمِه" يعني: بمجاري نفسه.
* * *
و"الغيظ" مصدر من قول القائل:"غاظني فلان فهو يغيظني غيظًا"، وذلك إذا أحفظه وأغضبهُ.
* * *
وأما قوله:"والعافين عن الناس"، فإنه يعني: والصافحين عن الناس عقوبَةَ ذنوبهم إليهم وهم على الانتقام منهم قادرون، فتاركوها لهم.
* * *
وأما قوله:"والله يحب المحسنين"، فإنه يعني: فإن الله يحب من عمل بهذه الأمور التي وصف أنه أعدَّ للعاملين بها الجنة التي عرضُها السموات والأرض، والعاملون بها هم"احسنون"، وإحسانهم، هو عملهم بها،. كما:-
٧٨٣٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:"الذين ينفقون في السراء والضراء" الآية:"والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"، أي: وذلك الإحسان، وأنا أحب من عمل به. [[الأثر: ٧٨٣٩- سيرة ابن هشام ٣: ١١٥ وهو من تمام الآثار التي آخرها: ٧٨٣٧.]]
٧٨٤٠- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"، قوم أنفقوا في العسر واليسر، والجهد والرخاء، فمن استطاع أن يغلب الشر بالخير فليفعل، ولا قوة إلا بالله. فنِعْمت والله يا ابن آدم، الجرعة تجترعها من صبر وأنت مغيظ، وأنت مظلومٌ.
٧٨٤١- حدثني موسى بن عبد الرحمن قال، حدثنا محمد بن بشر قال، حدثنا محرز أبو رجاء، عن الحسن قال: يقال يوم القيامة: ليقم من كان له على الله أجر. فما يقوم إلا إنسان عفا، ثم قرأ هذه الآية:"والعافين عن الناس والله يحب المحسنين". [[الأثر: ٧٨٤١-"موسى بن عبد الرحمن المسروقي" سلفت ترجمته برقم: ٣٣٤٥. و"محمد بن بشر بن الفرافصة العبدي" مضت ترجمته أيضًا برقم: ٤٥٥٧. و"محرز""أبو رجاء" هو"محرز بن عبد الله الجزري"، مولى هشام بن عبد الملك. ذكره ابن حبان في الثقات وقال: "كان يدلس عن مكحول".]]
٧٨٤٢- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن رجل من أهل الشام يقال له عبد الجليل، عن عم له، عن أبي هريرة في قوله:"والكاظمين الغيظ": أن النبي ﷺ قال: من كظم غيظًا وهو يقدر على إنفاذه، ملأه الله أمنًا وإيمانًا. [[الحديث ٧٨٤٢- داود بن قيس الفراء: سبق توثيقه في: ٥٣٩٨. زيد بن أسلم: تابعي ثقة معروف، مضى في ٥٤٦٥.
وأما عبد الجليل، الذي ذكر غير منسوب، إلا بأنه من أهل الشام -: فإنه مجهول. وعمه أشد جهالة منه.
وقد ذكره الذهبي في الميزان، والحافظ في اللسان، في ترجمة"عبد الجليل"، وقالا: "قال البخاري: لا يتابع عليه".
وترجمه ابن أبي حاتم ٣ / ١ / ٣٣، وقال: "روى عنه داود بن قيس. وقال بعضهم: عن داود ابن قيس، عن زيد بن أسلم". أي كمثل رواية الطبري هنا.
وهذا الإسناد ضعيف، لجهالة اثنين من رواته. وقد نقله ابن كثير ٢: ٢٤٤، عن عبد الرزاق، به.
ونقله السيوطي ٢: ٧١ - ٧٢، ونسبه لعبد الرزاق، والطبري وابن المنذر.
وذكره في الجامع الصغير: ٨٩٩٧، ونسبه لابن أبي الدنيا في ذم الغضب؛ ولم ينسبه لغيره، فكان عجبًا!!
وفي معناه حديثان، رواهما أبو داود: ٤٧٧٧، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه. و: ٤٧٧٨، عن سويد بن وهب، عن رجل من أبناء الصحابة، عن أبيه.
وقد روى أحمد في المسند: ٦١١٤، عن علي بن عاصم، عن يونس بن عبيد، أخبرنا الحسن، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ، يكظمها ابتغاء وجه الله تعالى".
وهذا إسناد صحيح. ونقله ابن كثير ٢: ٢٤٤، من تفسير ابن مردويه. من طريق علي بن عاصم، عن يونس بن عبيد، به. ثم قال: "رواه ابن جرير. وكذا رواه ابن ماجه، عن بشر بن عمر، عن حماد بن سلمة، عن يونس بن عبيد، به". فنسبه ابن كثير -في هذا الموضع- لرواية الطبري. ولم يقع إلينا فيه في هذا الموضع. فلا ندري: أرواه ابن جرير في موضع آخر، أم سقط هنا سهوًا من الناسخين؟ فلذلك أثبتناه في الشرح احتياطًا.]]
٧٨٤٣- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"والكاظمين الغيظ" إلى"والله يحب المحسنين"، فـ"الكاظمين الغيظ" كقوله: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [سورة الشورى: ٣٧] ، يغضبون في الأمر لو وقعوا به كان حرامًا، فيغفرون ويعفون، يلتمسون بذلك وجه الله ="والعافين عن الناس" كقوله: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ إلى ﴿أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [سورة النور: ٢٢] ، يقول: لا تقسموا على أن لا تعطوهم من النفقة شيئًا واعفوا واصفحوا.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ فِی ٱلسَّرَّاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَٱلۡكَـٰظِمِینَ ٱلۡغَیۡظَ وَٱلۡعَافِینَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق