الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ إلى آخره.
﴿سَارِعُوا﴾ ولم يقل: أسرعوا؛ لأن المفاعلة تكون من اثنين في الغالب، المعنى أنه لِيَسْبِقْ بعضكم بعضًا أو ليسابق بعضكم بعضًا إلى هذا الأمر: المغفرة والجنة، وهذا كقوله تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد ٢١].
﴿سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ المغفرة: ستر الذنب والتجاوز عنه، وليست هي مجرد التجاوز عن الذنب؛ لأن أصلها من (الْمِغْفَر)، والمغفر ما يوضع على الرأس حال الحرب يتَوقَّى به السهام، وهو مفيد فائدتين وهما: الستر والوقاية، ويدل لهذا قوله تعالى حينما يحاسب عبده في الآخرة ويقرّ العبد بذنوبه فيقول: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ»[[أخرجه البخاري (٢٤٤١) من حديث ابن عمر.]] فالمغفرة إذن أيش؟ ستر الذنب والتجاوز عنه، فمن ستر الله عليه ذنبه في الدنيا فقد غفر له، ولكن لا تتم المغفرة إلا بالتجاوز عن الذنب وعدم العقوبة عليه، وإلا فإن الستر نوع من المغفرة بلا شك، فإن الإنسان لو فُضِح بذنبه -والعياذ بالله- لم يكن هذا مغفرة، لكن إذا سُتِر عليه فإن هذا فيه مهلة أن يجعل الله تعالى الأمر بينه وبين عبده لعله يتوب ولا يُعلَم بذنبه.
﴿إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ وكيف نسارع إلى المغفرة؟ المسارعة إلى المغفرة هي المسارعة إلى فعل أسباب المغفرة، المسارعة إلى فعل أسباب المغفرة، وأسباب المغفرة إما استغفار، وإما عمل صالح؛ فالاستغفار أن يقول: اللهم اغفر لي، أستغفر الله، وما أشبه ذلك، وإما عمل صالح؛ لأن من الأعمال الصالحة ما يُكفّر الله به الخطايا مثل: الصلوات الخمس، الجمعة إلى الجمعة، رمضان إلى رمضان، العمرة إلى العمرة، العمل الصالح يُذهِب العمل السيئ، فإذن المسارعة إلى المغفرة هي المسارعة إلى أسباب المغفرة، إما بالاستغفار وهو طلب المغفرة، وإما بالأعمال الصالحة التي تُذهب السيئات.
وقوله: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا﴾ مغفرة وجنة؛ لأن الإنسان لا تتم سعادته إلا بأمرين: زوال المكروه، وحصول المطلوب، ففي أي شيء يكون زوال المكروه من هذه الآية؟ بالمغفرة.
* الشيخ: حصول المطلوب؟
* الطالب: بالجنة.
* الشيخ: بالجنة، ﴿جَنَّةٍ عَرْضُهَا﴾. وقوله: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا﴾ الجنة هنا هي الدار التي أعدها الله عز وجل لأوليائه، أعدها الله للمتقين، والمتقون المؤمنون هم أولياء الله، هذه هي الجنة، أما الجنة في قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ﴾ [البقرة ٢٦٥] فهي البستان، ففرْق، جنة الدنيا هي البساتين، جنة الآخرة هي الدار التي أعدها الله عز وجل لأوليائه، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولا يمكن للإنسان أن يتصوّر ما في الجنة من النعيم، أما جنات الدنيا فكل إنسان يتصور ذلك، كل إنسان يمكن أن يتصور جنة فلان أو فلان؛ يعني بستانه على صفة كذا وكذا، لكن جنة الآخرة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وقوله: ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ في الآية الثانية: ﴿عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد ٢١] والفرق بينهما: أن التشبيه هنا بليغ، وأما التشبيه هناك فليس ببليغ، يعني من حيث الاصطلاح وإلا كل القرآن بليغ؛ لأنهم يقولون: التشبيه مؤكَّد غير مؤكد، وبليغ غير بليغ، إذا ذُكرت أداة التشبيه فهو غير بليغ، فإذا حُذِفت أداة التشبيه ووجه الشبه صار بليغًا، هنا حُذِفت أداة التشبيه ووجه الشبه، أما إذا ذُكِرت أداة التشبيه فإنه يسمى تشبيهًا مرسلًا، وإذا ذُكِر وجه الشبه صار مرسلًا غير مؤكد، أظنكم تعرفون هذا في البلاغة؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ما يخالف. نقول: فلان كالبحر كرمًا، وإن شئت فقل: في الكرم، هذا التشبيه فيه كل الأركان الأربعة؛ لأن التشبيه له أركان أربعة مثل القياس: مشبَّه، مشبَّه به، أداة تشبيه، وجه الشبه، فإذا قلت: فلان كالبحر كرمًا، أو في الكرم لا بأس، فهنا التشبيه ذُكِرت فيه الأركان الأربعة، باعتبار ذِكْر أداة التشبيه يُسمى مرسلًا، وباعتبار ذكر وجه الشبه يسمى غير بليغ؛ يعني أن هذا أدنى أنواع التشبيه، فلان إذا ذُكِر المشبّه والمشبّه به وأداة التشبيه ووجه الشبه، فهذا أدنى أنواع التشبيه، إذا حُذفت أداة التشبيه وذُكِر وجه الشبه صار مؤكدًا، لكنه غير بليغ؛ لأنك إذا قلت: فلان بحر، أكدت أنه بحر، في الكرم، نقصته شوي، فإذا حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه صار تشبيهًا بليغًا، إذا قلت: فلان بحر، فإذا قلت: رأيت بحرًا يعطي الدراهم بلا عدّ، صار هذا أبلغ من الأول، أبلغ، ويسمى هذا استعارة، معروف عندكم. على كل حال ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ هذا التشبيه ما نوعه؟
* الطلبة: بليغ.
* الشيخ: بليغ؛ لأنه حذفت منه أداة التشبيه ووجه الشبه فيكون بليغًا. ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ وأيش معنى ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾؟ يعني كعرض السماء والأرض، لكن هل يلزم من هذا أن تكون مالئة للسماء والأرض؟ أو أنها كعرض السماء والأرض وإن كانت هي في محلّ آخر؟
* طالب: الثاني.
* الشيخ: الثاني، ولذلك شكَّك بعض العلماء في الأحاديث التي فيها «أن رجلًا من اليهود سأل النبي ﷺ قال: » ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ «، كيف تكون عرضها السماوات والأرض؟ أين السماوات والأرض إذا كانت هي عرضها عرض السماوات والأرض؟ فقال الرسول: «أَيْنَ يَكُونُ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ؟» »[[ أخرجه الطبري (٦ /٥٥) من حديث عمر بن الخطاب موقوفًا عليه، وعزاه ابن كثير للبزار مرفوعًا.]]. فهذا الحديث في رفعه نظر، لماذا؟ لأن الآية لا تدل على أن الجنة ملأت السماوات والأرض وصارت في محلهما، بل تدل على أن عرضها عرض السماوات والأرض وإن كانت هي فوقهم، ولذلك نقول: إن الجنة فوق السماوات والأرض كلها، كما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ، وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهَا، أَوْ: وَفَوْقُهَا -رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ- عَرْشُ الرَّحْمَنِ»[[أخرجه البخاري (٢٧٩٠) من حديث أبي هريرة.]]. وهذا يدل على أن الجنة فوق السماوات، وأما النار فهي في أسفل السافلين، وعلى هذا فلا يكون في الآية إشكال إطلاقًا. ويحتمل أن نقول: إن هذا اليهودي أراد أن يُلَبِّس ويُشَبِّه في القرآن ويتبع ما تشابه، وإن النبي ﷺ -إذا صح الحديث- أجابه على وجه يُبْهَت فيه ولا يتكلم، وعلى مقتضى أيش؟ على مقتضى عقله، فقال: «أَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ؟». وعلى كل حال فإن معنى الآية الكريمة أن هذه الجنة عرضها عرض السماوات والأرض، وطولها؟ قال بعض أهل العلم: إنه إذا كان عرضها السماوات والأرض فطولها أعظم وأعظم؛ لأن العادة أن العرض؟
* طالب: أقصر.
* الشيخ: دون الطول، ولكن الصحيح أن عرضها واحد، ليس لها عرض وطول؛ وذلك لأنها مستديرة وليست مربعة، وإذا كانت كذلك فإن عرضها يكون طولها، هذا هو الصحيح الذي صحّحه جماعة من أهل العلم.
﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الجملة في ﴿أُعِدَّتْ﴾ هل هي في محل جر صفة لجنة، أم في محل نصب حالًا من الجنة؟
* طالب: صفة للجنة.
* الشيخ: يعني في محل جر؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: صفة للجنة، هل يجوز أن تكون في محل نصب حالًا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: لماذا؟ مع أن الجنة نكرة.
* طالب: لأنها وصفت الجنة وُصِفَت ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾.
* الشيخ: والنكرة إذا وُصِفت جاز أن تأتي منها الحال.
﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ من الذي أعدها؟
* طلبة: الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: أعدها الله عز وجل، وقد بيَّن الله ذلك في آيات أخرى مثل قوله تعالى: ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ﴾ [التوبة ١٠٠] فالْمُعِد هو الله، ولكنه ذُكِر بصيغة المجهول ليوافق قوله فيما سبق: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾. المتقون هم الذين اتخذوا وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
ثم ذكر الله من صفاتهم فقال: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾ إلى آخره [آل عمران: ١٣٤، ١٣٥].
هذه أوصافهم، أولًا: الوصف الأول: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ وحينئذٍ قد يسأل سائل: كيف بدأ بالإنفاق دون ذكر الصلاة مثلًا، والصلاة أهم من الإنفاق؟ لأنه لما نهى عن أكل الربا أضعافًا مضاعفة بدأ بضده، ضد أكل الربا وهو الإنفاق، وهذا كقوله: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم ٣٩] فإنه لما قال: ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ بدأ بذكر الإنفاق في صفات المتقين؛ ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ ينفقون ماذا؟ حُذِف المفعول ليكون دالًّا على العموم، أي: ينفقون كل ما يمكن إنفاقه من أعيان ومنافع وجاه وغير ذلك، فإن الإنسان قد ينفق أعيانًا كالثياب، ودراهم كالنقود مثلًا، وكذلك قد يُنفق منافع؛ بأن يُعير شخصًا ما ينتفع به هذا المستعير، وجاهًا بأن يتوسط لشخص أو يشفع له، فالإنفاق هنا عام: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ﴾، و﴿فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ ﴿السَّرَّاءِ﴾: ما يَسُرّ، و﴿الضَّرَّاءِ﴾: ما يَضُرّ، يعني في حال الرخاء وفي حال الشدة ينفقون، ولم يبين على مَن ينفقون، ولكن الله قد بيَّن في سورة البقرة قال: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [البقرة ٢١٥]. فينفق في جهات الخير لا في جهات الشر؛ لأنه لو أنفق في جهات الشر لخرج عن وصف المتقين، والله سبحانه وتعالى ذكر الإنفاق هنا وصفًا لمن؟ للمتقين، فلا بد أن يكون إنفاقهم فيما يُرضِي الله.
إذا قال قائل: ﴿فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾، أما في السراء والسعة والرخاء فالإنفاق وجيه، وأما في الضراء فكيف يكون الإنفاق؟ فالجواب: أنه يجب أن نعلم أن الإنفاق ليس خاصًّا بالإنفاق على البعيد عنك، بل هو عام يشمل حتى الإنفاق على ابنك وبنتك وأمك وأبيك وزوجتك بل ونفسك، حتى الإنفاق على النفس يؤجَر الإنسان عليه ويكون صدقة، «قال النبي عليه الصلاة والسلام لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كلمة جامعة نافعة مانعة، قال: «وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُهُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ». أو: «فِي فِي امْرَأَتِكَ»[[حديث متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٢٩٥)، ومسلم (١٦٢٨ / ٥) من حديث سعد بن أبي وقاص.]]. إذن نقول في الضراء: هل يمكن الإنفاق في الضراء؟ الجواب: نعم، ينفق، قد يكون الإنسان في أشد العسر وينفِق على أهله وزوجته بل وعلى نفسه.
قال: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ الكَظْم معناه: المنع مع ألم وتأثّر، الكظم يعني يكظم بألم وشدة وتأثر، والغيظ قيل: إنه أشد الغضب، أشد الغضب؛ يعني أنهم إذا غضبوا وثاروا حبَسوا غيظهم، ومعلوم أن من أشد ما يكون على الإنسان أن يحبس غيظه، ويعرف ذلك مَن يكون سريع الغضب، فإنه إذا أراد أن يكظم الغيظ يجد شدة عظيمة كأن أحدًا يصرعه صَرَعًا، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟» » قالوا: الذي لا يُصرَع -والصَّرَع معناه الطرح- قال: «إِنَّمَا الصُّرَعَةُ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»[[أخرجه مسلم (٢٦٠٨ / ١٠٦) من حديث ابن مسعود.]]. هذا هو الصرعة الذي إذا ثارت نفسه ملكها؛ ولهذا قال: ﴿الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ يعني إذا فعل بهم إنسان ما يغيظهم فإنهم يكظمون على شدة ومعاناة وألم، ويدل على أن الكظم فيه شدة ومعاناة قولُ النبي ﷺ: «إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٢٨٩)، ومسلم (٢٩٩٤ / ٥٦) واللفظ له من حديث أبي هريرة.]]. ولهذا يجد بعض الناس إذا أراد التثاؤب يجد شدة عظيمة في منع فتح فمه، مع أن المشروع أن تكظم وألا تفتح الفم، وقد ذكر بعض العلماء شيئًا يُيَسِّر لك الكظم، قال: إذا أصابك التثاؤب فعضَّ شفتك السفلى. عَضَّ شفتك السفلى إذا عضَضْتها لم يمكن فتح الفم، بس أخشى أنه يُكَوِّر الإنسان ويقطعها، على كل حال هذه لا شك أنها فيها علاج. إذن الكظم معناه الحبس لكن بشدة ومعاناة، والغيظ أشد الغضب، وإذا كانوا يكظمون الغيظ وهو أشد الغضب فما بالك بما دونه، ولكن الحالة العليا هي كظم الغيظ.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، أقول: ذكرنا في قول الله عز وجل: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ أنه ترَك الصلاة؛ لأنه لما ذكر الربا بدأ بهذا، أقول: أحسن الله إليك ما يكون هذا يعني بدأ بهذا وما بعده؛ لأن هذا فيما يتعلق بحقوق الناس، فلو تأملنا مثلًا الإنفاق في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين كل هذا مما يتعلق بالناس.
* الشيخ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾.
* الطالب: ﴿ذَكَرُوا اللَّهَ﴾.
* الشيخ: ﴿أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ﴾ [آل عمران ١٣٥].
* طالب: إي، يعني هذا فيما يتعلق بالناس بعضهم البعض، أما الصلاة؟
* الشيخ: إي نعم، نعم هذا فيما يتعلق بالناس، والربا ظلم للناس، وهذه الأشياء إحسان إلى الناس.
* طالب: أحسن الله إليك، هل يمكن الجمع بين الله ورسوله في ضمير واحد في أمر شرعي؟
* الشيخ: يمكن، فقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى» ». ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه قاله خطيب من الخطباء فقال: «بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ»[[أخرجه مسلم (٨٧٠ / ٤٨) من حديث عدي بن حاتم، ولفظه: «بِئْسَ الخَطِيبُ أَنْتَ».]]
* الطالب: يعني ذمه؟
* الشيخ: ذمه لأن المقام يقتضي أن يُفَصّل؛ لأنك ربما تتكلم بهذا عند أناس ولا يفهمون تسوية الرسول بالله، لكن عند قوم آخرين قد يفهمون، والخُطبة يجب فيها مراعاة حال المخاطَب، فلهذا ذمه الرسول عليه الصلاة والسلام لأجل هذا.
* طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، ذكرنا أن المغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه، المجاهِر بالذنب هل يتجاوز الله عنه؟
* الشيخ: إذا استغفر غفر الله له.
* الطالب: وهو مجاهر؟
* الشيخ: إي نعم، لكن إذا استغفر هل يمكن أن يفعل الذنب؟ إذا استغفر ما هو فاعل الذنب، الذي يقول: اللهم اغفر لي، أو أستغفر الله، ثم يفعل الذنب فإن حاله كحال المستهزئ بالله عز وجل، أليس كذلك؟ كما لو قلت لشخص مثلًا: أريد أن تسمح لي أنا والله أسُبّك فاسمح لي: يا فاسق، يا سارق، يا ظالم، يا مرابي، أنت تطلب منه السماح ولكن تصفه بأوصاف العيب، يعد هذا استهزاء وسخرية، ولهذا لا تجد إنسانًا يستغفر الله حقًّا إلا وهو تارك للمعاصي.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، استدارة الجنة الدليل على استدارة الجنة؟ مستديرة وليست بالطول؟
* الشيخ: إي نعم، قال العلماء: دليل ذلك أنه قال: «فَإِنَّهُ وَسَطُ الْجَنْةِ» »[[أخرجه البخاري (٢٧٩٠) من حديث أبي هريرة.]]. ولا يمكن أن يكون وسط الشيء إلا وأطرافه متساوية؛ لأنه لو كان الطول أطول ما صار وسط، صار جانب الطول أوسع.
* طالب: الشيء المربع يمكن يكون له وسط.
* الشيخ: إي نعم، المربع يمكن.
* الطالب: يتساوى من جميع (...).
* الشيخ: يمكن له وسط.
* طالب آخر: لا، لا، ما يتساوى.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: هو يضيف: يتساوى، أقول: لا، لا يتساوى من جميع الجهات.
* الشيخ: إي، يتساوى بس في الطول والعرض لكن الزوايا ما تتساوى، الأركان ما تتساوى.
* طالب: شيخ، لما ذكر الله تعالى حكم الربا أعقبه بـ: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ ما هي الحكمة من ذكر هذه الآية بعد ذكر الربا؟
* الشيخ: ما هو بواضح؟ مر علينا في سورة البقرة: ﴿وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة ٢٧٥] يعني أن الربا من أسباب دخول النار، وهذه فائدة ينبغي أن تُذكر في الفوائد.
* طالب: معنى ذلك أنه كافر يا شيخ؟
* الشيخ: لا، ما هو كافر كفرًا مخرج عن الملة، لكن لا شك أنه نوع من الكفر.
* طالب: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ يدخل فيه حتى لو كان كظم غيظه وهو لا يقدر على إنفاذ الغيظ؟ رجل ضعيف؟
* الشيخ: إي، لا، هذا لا يُمدح في الحقيقة، هذا عاجز كالعافي عن شخص وهو لا يقدر على الانتقام منه ما يُمدح هذا عليه.
* الطالب: عامة في الآية، الآية عامة؟
* الشيخ: إي، لكن الآية في سياق المدح، فمتى يكون مدحًا؟ إذا كان قادرًا على التنفيذ، أما إنسان عاجز والله يقول: أنا لو أقدر لفعلت وفعلت.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، الجنة التي أُخرِج منها آدم هي الجنة المذكورة في الآية؟
* الشيخ: الجنة التي أُخرِج منها آدم فيها خلاف بين العلماء، منهم من قال: إنها جنة الخلد، ومنهم من قال: إنها جنة الدنيا، ولكن الأقرب أنها جنة الخلد، ولا يعارض هذا أن من دخل الجنة فإنه لا يخرج منها، بل هذا مخصوص، أخرجه الله لحكمة أرادها، كما أن الرسول دخلها لما عُرِج به دخل الجنة ومع ذلك خرج منها.
* طالب: جنة الفردوس يا شيخ وجنة عدن وجنة الخلد، هل هذه نقول: أنواع جنّات أو درجات؟
* الشيخ: لا، هذه أوصاف، أوصاف لموصوف واحد إلا الفردوس فالرسول بيَّن بأنه أعلى الجنة، ولكنها أوصاف، هي جنة الخلد وجنة العدن وجنة المأوى.
* طالب: نحن قلنا يا شيخ: إن المغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة ١٠٥] فما الموقف من ذلك؟
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: هذه الآية يا شيخ كأن السؤال يوم القيامة سيكون على رؤوس الأشهاد، فما يتحقق ستر الذنب؟ ومن ثَم إن المغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه.
* الشيخ: نعم، صحيح.
* الطالب: لكن الآية يا شيخ؟
* الشيخ: أيّ آية؟
* الطالب: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾؟
* الشيخ: ويش الإشكال؟
* الطالب: الإشكال كأنه معارضة؟
* الشيخ: أبدًا ما فيه معارضة، إذا غفر الله للإنسان ما اطّلع عليه أحد، لكن هؤلاء المنافقون، المنافقون ﴿سَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، أما الله عز وجل فيراه في كل حال ولا شك، أما الرسول والمؤمنون فإما أن يروه بأعينهم وإما أن يروه بإطلاع الله لهم كما قال الله: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء ١٠٨] فقد يُطْلِع الله عز وجل الرسول ﷺ والمؤمنين على أعمال المنافقين، وهم لم يروه.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك. الآيات يا شيخ في سياق غزوة أحد يعني ما هي المناسبة ذكر الربا عقب غزوة أحد؟
* الشيخ: إي نعم، والله لعل المناسبة -والله أعلم- أنه لما ذكر غزوة أحد وهي في المدينة، وفيها كثير من اليهود الذين يتعاملون بالربا ناسب أن يذكر بعد ذلك -أو في أثناء ذلك- مسألة الربا التي كانت هي من شأن اليهود، والمنافقون أيضًا حصل منهم في غزوة أحُد أنهم رجعوا، كل ذلك حرصًا على الدنيا، والمنافق لا يُبالي أن يتعامل بالربا؛ لأنه لا يخاف الآخرة. والله أعلم.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، أصحاب المعاصي اليوم إذا نصحته يقول: أسأل الله أن يتوب عليَّ، وهو في نفسه مرتكِب المعصية، إما حالق لحيته أو يشرب دخان أو مسبل ثوبه، فهذا يكون مستهزئ، أو تقول له: أنت مستهزئ الآن؟
* الشيخ: نعم، يصح أن نقول له: يا أخي، هذا سخرية، كيف أنت مُصرّ على المعصية وتقول: اللهم اهدني؟! إذا كنت تريد الهداية فاسعَ لها، لو أن شخصًا قال: أسأل الله أن يرزقني ولدًا صالحًا ولكن لم يتزوج، ويش يكون هذا؟
* طالب: هذا مستهزئ.
* الشيخ: هل يمكن يوجد ولد بلا زوجة؟! ما يمكن، أيضًا لا يمكن يوجد توبة من الله إلا إذا تاب الإنسان: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ [التوبة ١١٨] فلا بد من أن تُحَقِّق هذه التوبة إما بعمل صالح يمحو الذنب، وإما بالاستغفار من هذا الذنب.
* طالب: يا شيخ: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ من صفات.. يعني عطف على (الذين) وهو ليس صلة للذين، صلته: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾؟
* الشيخ: نعم، حرف عطف، هذا من باب عطف الصفات مثلًا: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)﴾ [الأعلى ٢، ٣].
* * *
* طالب: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (١٣٦)﴾ [آل عمران ١٣٤ - ١٣٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾. قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا﴾.
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا﴾ فيها قراءة أخرى ما هي؟
* طالب: وسارعوا؟
* الشيخ: ﴿إِلَى مَغْفِرَةٍ﴾.
* الطالب: ما ذكرناه.
* الشيخ: ما ذكرناه؟
* الطالب: إي نعم.
* طالب آخر: بدون واو: ﴿سَارِعُوا﴾ .
* الشيخ: بدون الواو، بدون الواو.
* طلبة: ما ذكرناه.
* الشيخ: طيب وده منين جابه؟! على كل حال هي قراءة: ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ﴾ بدون واو، مر علينا بعد مثلها في البقرة: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ﴾ [البقرة ١١٥، ١١٦] فيها حذف الواو: ﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ . وهذا يعتبر نادرًا في الحقيقة؛ لأن الغالب أن القراءات لا تختلف في الكلمات فضلًا عن الحروف، أما هذه ففيها إسقاط حرف العطف. معنى المسارعة؟
* طالب: المسارعة المبادرة.
* الشيخ: هل لهذه الآية نظير في القرآن؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ .
* الشيخ: لا.
* طالب: قوله سبحانه وتعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد ٢١].
* الشيخ: في هذه الآية دليل على أن الجنة موجودة؟
* طالب: قوله: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾.
* الشيخ: هذا يدل على أنها موجودة، لا.
* طالب: قوله تعالى: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾؛ لأن الإعداد بمعنى التهيئة. أورد يهودي على النبي ﷺ -إن صح الحديث- إشكالًا في هذه الآية؟
* طالب: كما سمعت قول الله تعالى: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ قال: أين تكون السماوات والأرض؟
* الشيخ: لا، أين تكون النار؟ أين تكون النار؟ فماذا كان جواب الرسول؟
* طالب: كان جواب النبي ﷺ: «أَيْنَ يَكُونُ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ؟».
* الشيخ: إذا جاء النهار، طيب هل هذا الإيراد واجب؟
* طالب: كيف واجب؟
* الشيخ: بمعنى أنه وارد على الآية أو غير وارد؟
* الطالب: لا، ليس واردًا.
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: لأنه الآية تُشَبِّه جنة عرضها كعرض السماوات والأرض، فيدل على أن الجنة مكانها منفصل عن مكان النار، يعني يا شيخ أنا أقصد أن الآية.
* الشيخ: أنا أقصد هل هذا اليهودي الذي أورد هذا، هل إيراده صحيح أو من باب التلبيس والتشبيه والتشكيك؟
* الطالب: الإيراد نعم، صحيح.
* الشيخ: صحيح.
* الطالب: لأنه قال: ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ فكأنه أخذ مسافتها.
* طالب: أقول: يا شيخ، لا يلزم من ذلك أن تكون الجنة مالئة للسماء والأرض.
* الشيخ: يعني معناها أن الله لم يقل: ملؤها السماوات والأرض، أو: ملء لسماوات والأرض، قال: ﴿عَرْضُهَا﴾، وكما أني لو شبهت مثلًا بيتًا ببيت، قلت: هذا البيت عرض بيت فلان، هل يلزم أن يكون بيتي قد ملأ بيت فلان؟ لا. طيب إذا قلنا بذلك فهل هذه عِلّة توجب ضعف الحديث؟ لأن مثل هذا الإيراد لا يورده إلا إنسان مُلبِّس، أو نقول: إن الرسول قال:« «أَيْنَ النَّهَارُ إِذَا كَانَ اللَّيْلُ؟» » من باب قطع النزاع؟
* طالب: لعلّه الأول.
* الشيخ: إي نعم، بعض العلماء أعلَّ الحديث بهذا، وقال: إن الآية لا تدل على إيراد هذا اليهودي، ولكن لو سلّمنا جدلًا أن الحديث صحيح، فلماذا؟
* طالب: قطعًا للنزاع، الرسول عليه الصلاة والسلام خاطب هذا اليهودي بقدر عقله أو إيراده.
* الشيخ: فقال له: «أَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ؟». ونظير ذلك محاجة إبراهيم.
* الطالب: عندما خرجت الشمس فقال: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام ٧٦].
* الشيخ: لا، حين قال: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ [البقرة ٢٥٨] ولا ذهب يعالجه في أنه لا يحيي ولا يميت، بل عدل إلى شيء يقطع النزاع ولا يمكنه أن يجادل.
قوله تعالى: ﴿الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾، ويش معنى الكاظمين؟
* طالب: الكاتمين الغيظ.
* الشيخ: الكاتمين، والغيظ ما هو؟
* الطالب: شدة الغضب.
* الشيخ: شدة الغضب؛ لأن الغضب ثوران الدم أو فوران الدم يريد أن يخرج فيكتمه الإنسان على مضض. كذا؟
طيب قوله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ يعني الذين يكظمون أشد الغضب، وإذا كانوا يكظمون أشد الغضب فأسهل الغضب من باب أولى؛ لأن كظم الغضب ليس بالأمر الهيّن على النفوس لا سيما عند الإنسان العصبي، فإنه من أشد ما يكون، ولهذا قال النبي ﷺ: «مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟». قالوا: الذي لا يُصرع، قال: «إِنَّمَا الصُّرَعَةُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» »[[أخرجه مسلم (٢٦٠٨ / ١٠٦) من حديث ابن مسعود.]]. وفي رواية أخرى: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٦١١٤)، ومسلم (٢٦٠٩ / ١٠٧) من حديث أبي هريرة.]]. وصدق النبي عليه الصلاة والسلام، كم من إنسان لا يملك نفسه عند الغضب، فتجده مثلًا يكسر ماله، يُطلّق زوجته، ربما يلطم نفسه، وربما يُسقط نفسه من علو، المهم أن الغضب شديد، جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم حتى لا يدري ما يقول، ولهذا كان أصح أقوال أهل العلم أن من غضب غضبًا لا يملك نفسه به فإنه لا عبرة بقوله أيًّا كان، سواء كان طلاقًا أو خلعًا أو لعنًا أو قذفًا أو غير ذلك فإنه لا عبرة به؛ لأنه ليس له قصد، وبعض الناس -نسأل الله العافية- إذا غضب تغيب عنه الدنيا، لا يرى مَن أمامه أبدًا، ولا يسمع قول من يتكلم، ربما يتكلم بكلام مكروه، ويصيحون به وهو لا يسمعهم من شدة غضبه، ولهذا نقول: إن الغضب ثلاثة أقسام: أول، وغاية، ووسط، بداية وغاية ووسط، البداية لا تؤثر؛ لأن كل إنسان يغضب. والغاية لا حكم لها، لا حكم لها بمعنى أن كل ما صدر عن الغاضب فإنه لا حكم له، وذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه: إغاثة اللهفان في عدم وقوع طلاق الغضبان: أن ذلك بالاتفاق.
والثالث: الوسط، هذا محل خلاف بين العلماء، والصحيح أنه لا حكم لقوله وأن طلاقه لا يقع.
قال: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ العفو: ترْك المؤاخذة على الذنب، والمعنى: هم الذين إذا أساء إليهم أحد قابلوا إساءته بالعفو، وخير من ذلك أن يقابلوه بالإحسان، لكن بشرط أن يكون لديهم قدرة على الانتقام، أما من عفا لعدم القدرة على الانتقام فهذا عفو العاجز الذي لا يحمد عليه، بل يكون عفوه هذا عجزًا مذمومًا، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء ١٤٩] فأنتم إن عفوتم عن السوء قد تعفون عن قُدرة وقد تعفون عن عجز، أما الله عز وجل فإنه يعفو عن قدرة، وهذا هو محلّ المدح، أما مجرد العفو ليس بمدح حتى يكون عفوًا عن قدرة، فترك المؤاخذة على الذنب عفو وهو محمود، وخير منه أيش؟ الإحسان، ولكن يشترط في الأمرين أن يكون ذلك عن قدرة لا عن عجز، أما عن العجز فإنه مذمة، ولهذا قال الشاعر يذم قبيلته:
؎لَكِنَّ قَوْمِي وَإِنْ كَانُوا ذَوِي حَسَبٍ ∗∗∗ لَيْسُوا مِنَ الشَّرِّ فِي شَيْءٍ وَإِنْ هَانَا؎يَجْزُونَ مِنْ ظُلْمِ أَهْلِ الظُّلْمِمَغْفِـــــــــرَةً ∗∗∗ وَمِنْ إِسَاءَةِ أَهْلِ السُّوءِإِحْسَانَـــــــــــــا
لماذا؟
* الطلبة: لضعفهم.
* الشيخ: لضعفهم وعجزهم، ولهذا قال:
؎فَلَيْتَ لِي بِهِمُ قَوْمًا إِذَا رَكِبُوا ∗∗∗ شَنُّوا الْإِغَارَةَ فُرْسَانًاوَرُكْبَانَا
فالحاصل أن قوله: ﴿الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ يعني الذين لا يؤاخذون الناس بما أساؤوا به إليهم، بل ربما يحسنون إليهم ولكن أيش؟ عن قدرة، أما العفو عن عجز فليس بعفو في الحقيقة، بل هو عجز لا يُمدح عليه الإنسان، قال: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾.
وقوله: ﴿عَنِ النَّاسِ﴾ عام شامل، ولكنه ليس على عمومه بالاتفاق، فإن الإساءة إذا كانت في حق الله فهي لله وليس لأحد أن يعفوَ عنها، فلو زنى رجل بمحرَم رجل وأراد أن يعفوَ عنه، قلنا: لا يمكن، الحق ليس إليك، والله عز وجل يقول: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور ٢]، أما إذا كان حقًّا للإنسان ليس فيه شائبة حق لله فهذا يُنظر فيه، ليس على عمومه بل يُنظر فيه، إن اقتضت المصلحة العفو فالعفو خير، وإن اقتضت المصلحة المؤاخذة فالمؤاخذة خير، وإن لم تقتضِ المصلحة لا هذا ولا هذا بأن تساوى الأمران فالعفو خير؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [البقرة ٢٣٧] والدليل على هذا أن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ٤٠] فعُلم منه أن من عفا بدون إصلاح فلا أجر له، بل قد يأثم على عفوه، مثال ذلك: رجل اعتدى عليه شخص شِرّير، كلما عفا الناس عنه ازداد شرًّا، فهنا العفو خير ولَّا المؤاخذة خير؟
* طلبة: المؤاخذة خير.
* الشيخ: المؤاخذة خير، بل قد تجد إنسانًا آخر اعتدى على شخص لكنه رجل معروف بالاستقامة -أعني المعتدِي- رجل معروف بالاستقامة وعدم الاعتداء، لكن بدَرَتْ منه بادرة فحصلت منه الإساءة، فهنا أيش؟
* الطلبة: العفو.
* الشيخ: العفو أولى، ولا سيما إذا جاء هذا المعتدي يعتذر ويتعهد ألا يعود أو ما أشبه ذلك.
الثالث: رجل اعتدى على آخر وهو شرير، لكنه لم يبلغ في الشر غايته؛ يعني أحيانًا وأحيانًا، فهنا أيش؟
* الطلبة: العفو.
* الشيخ: العفو أفضل؛ لأنه يتساوى الأمران، فالعفو هنا أفضل.
وقوله: ﴿الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ يشمل حتى عن الكفار إذا لم يكونوا حربيين، فإن الإنسان إذا عفا عنهم فيما يتعلق بحقه الخاص، وكان في العفو إصلاح فإنه يدخل تحت الآية الكريمة.
قال: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ والله يحب المحسنين: يعني الذين يحسنون إلى الناس، وهل المراد بذلك المحسنين فيما سبق أو المحسنين فيما يُستقبل؟ بمعنى: هل إن قوله: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ عائد على قوله: ﴿لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ وأن هؤلاء من المحسنين، أو أنه لما ذكر العفو -وهو إسقاط الإنسان حقه عن المؤاخذة- ذكر حالًا أخرى أكمل منها وهي الإحسان فقال: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ يعني فإذا أحسنوا مع العفو كان ذلك سببًا لمحبة الله.
* طالب: الآخر، الثاني.
* الشيخ: الثاني له وجه، والأول أعم؛ لأننا إذا قلنا: (المتقين) هل هم محسنون؟ نعم، لا شك أن المتقي محسن إذا كان كما وصف النبي عليه الصلاة والسلام: «يَعْبُدُ اللَّهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاهُ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٥٠)، ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة.]]. و﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ﴾ الإنفاق؟
* طلبة: إحسان.
* الشيخ: إحسان. كظم الغيظ؟
* طلبة: إحسان.
* الشيخ: إحسان. العفو عن الناس؟
* طلبة: إحسان.
* الشيخ: إحسان، فيكون هذا أشمل، فعليه نقول: هذه الجملة فيها الترغيب والحث على فعل الخصال السابقة وأنها من الإحسان، وإذا فعل الإنسان خصلة أعلى مما سبق كانت داخلة في هذا من باب أولى؛ يعني كما لو عفا وأحسن فإننا نقول: هذه خصلة زائدة على مجرد العفو فتكون أولى بالدخول في قوله: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
في هذه الآية، وأخذنا أظن الآية الأولى فوائدها.
* طالب: لا ما أخذناها.
* الشيخ: ما أخذناها نعم، في هذه الآية ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ إلى آخره، فيها: الأمر بالمسارعة إلى المغفرة والجنة، وهل الأمر للوجوب؟
نقول: أما فيما يجب فواجب، وفيما لا يجب ليس بواجب، ولكن الإنسان يُؤمر بأن يسارع.
وفيه دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يُؤثِر غيره بالقربات؛ أن يُؤثِر غيره بالقربات؛ لأنه إذا آثر غيره بالقربات فهذا يعني التأخر، ومن أمثلة ذلك: أن يؤثر غيره بمكانه الفاضل في الصف، بأن يتأخر عن مكانه في الصف الأول لرجل آخر، فإن هذا خلاف المسارعة إلى الخيرات، صح؟
* طالب: صحيح.
* الشيخ: صحيح، ولكن إذا ترتّب على إيثار غيره بهذا المكان مصلحة أكبر من مصلحة التقدم لم يكن إيثاره من باب التأخّر عن الخيرات؛ لأنه تنازل عن فضيلة إلى فضيلة أعلى، فلا يكون هذا إيثارًا في الحقيقة يدل على زهد الإنسان بفعل الخير، بل هو إيثار فيه انتقال من خير إلى ما هو خير منه، وقد مر علينا أظن الإيثار بالقُرَب أنه ينقسم إلى؟
* طالب: ثلاثة أقسام.
* الشيخ: الأول: الإيثار بالواجب، فهذا محرم.
الثاني: الإيثار بالمستحب، فهذا مكروه.
والثالث: الإيثار بالمباح. ولكن لا يأتي هذا التقسيم بالنسبة للقُرَب؛ لأن القُرَب ما تكون مباحة، القُرَب من باب المشروع فِعله، فهو إذن قسمان -الإيثار بالقرب-: إيثار بواجب؛ فهو حرام، إيثار بمستحب؛ فهو مكروه، مثال الإيثار بالواجب؟
* طالب: أن يعطي إنسانًا مالًا وهو في حاجة لهذا المال.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: أن يعطي إنسانًا مالًا وهو في حاجة لهذا المال.
* الشيخ: أن يعطي شخصًا مالًا وهو في حاجة لهذا المال؟
* الطالب: لا يا شيخ، يعني يحج هو بحاجة، يعني ما حج مثلًا.
* الشيخ: يعنى عنده مال لا يكفي إلا لحج رجل واحد فيعطي غيره ليحج به ويدع نفسه. صحيح المثال؟
* طلبة: صحيح.
* الشيخ: صحيح، الإيثار بالمستحب؟
* طالب: تقدم في الصف في الصلاة.
* الشيخ: أن يؤثره بالمكان الفاضل في الصف. إي نعم.
* طالب: قسم ثالث، إيثار ضرورة، كأن يشوفه يكون عطشان جدًّا وعنده ماء، فهنا واجب؟
* الشيخ: لا، ما هو واجب؛ لأنه ما فيه إيثار هذا؛ لأن صاحب الماء إن كان عطشان فيشرب هو، ولا يجب عليه أن يؤثر غيره، وإن كان غير عطشان فيجب عليه أن ينقذ هذا.
* من فوائد الآية الكريمة: ما ذُكِر من أن التخلية قبل التحلية؛ لأنه قال: ﴿إِلَى مَغْفِرَةٍ﴾ ﴿وَجَنَّةٍ﴾ فبالمغفرة الزحزحة عن النار التي أوجبتها الذنوب، وبالجنة دخول الجنة: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران ١٨٥].
* ومن فوائدها؛ الآية الكريمة: أن المغفرة لا تكون إلا من الله: ﴿إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ لأن مغفرة غير الله لا تفيد، إنما تفيد في حق الإنسان الخاص، إذا سمح عنك وغفر لك فهذا يفيد، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التغابن ١٤].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان سعة الجنة؛ لقوله: ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾.
* ومن فوائدها: أن الجنة موجودة الآن؛ لقوله: ﴿أُعِدَّتْ﴾ والإعداد: التهيئة، وقد تضافرت النصوص الكثيرة على أن الجنة موجودة الآن.
* ومن فوائدها: أن أصحاب الجنة هم المتقون؛ لقوله: ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ كما قال في النار: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾، فالمتقون هم أهل الجنة.
* ومن فوائد الآية الثانية التي بعدها: فضيلة الإنفاق على كل حال؛ لقوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾.
فإن قال قائل: إذا كان الإنسان في ضرورة هو وعائلته فهل ينفق؟ نقول: لا، لا يُنفِق على أجنبي، بل ينفق على نفسه وعائلته وهو داخل في الآية؛ لأن إنفاقه على نفسه وعلى أهله صدقة.
* ومن فوائدها: الثناء على من أنفق في السراء والضراء؛ وذلك لأن الإنفاق في السراء ليس بغريب، كل إنسان يهون عليه أن ينفق إذا كان في سراء، لكن الإنفاق في الضراء هو الذي يدل على أن الإنسان ينفق طلبًا للأجر لا زهدًا في المال..
ومن فوائدها: أن أصحاب الجنة هم المتقون؛ لقوله: ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران ١٣٣]، كما قال في النار: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران ١٣١]، فالمتقون هم أهل الجنة.
* ومن فوائد الآية الثانية اللي بعدها: فضيلة الإنفاق على كل حال، لقوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ [آل عمران ١٣٤].
فإن قال قائل: إذا كان الإنسان في ضرورة هو وعائلته فهل ينفق؟ نقول: لا، لا ينفق على أجنبي، بل ينفق على نفسه وعائلته وهو داخل في الآية؛ لأن إنفاقه على نفسه وعلى أهله صدقة.
* ومن فوائدها: الثناء على من أنفق في السراء والضراء، وذلك لأن الإنفاق في السراء ليس بغريب، كل إنسان يهون عليه أن ينفق إذا كان في سراء، لكن الإنفاق في الضراء هو الذي يدل على أن الإنسان ينفق طلبًا للأجر لا زهدًا في المال.
* ومن فوائدها: أنه ينبغي للإنسان أن يكظم الغيظ؛ لأن ذلك من صفات أهل الجنة؛ لقوله: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ [آل عمران ١٣٤]، وقد ذكرنا أن لكظم الغيظ أسبابًا منها؟
* طالب: الوضوء يا شيخ.
* الشيخ: الوضوء.
* طالب: إن قائمًا يجلس أيضًا.
* الشيخ: هذه واحدة، الجلوس إن كان قائمًا، الاضطجاع إن كان قاعدًا.
* طالب: الاستعاذة من الشيطان.
* الشيخ: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
* طالب: أن يصلي.
* الشيخ: الصلاة.
* طالب: مفارقة المكان.
* الشيخ: مفارقة المكان، كل هذه من أسباب كظم الغيظ، ثم إن الإنسان إذا كظم الغيظ مرة بعد أخرى صار هذا طبيعة وسجية؛ لأنه يعتاد غلبة نفسه، فيكون له ذلك طبيعة وسجية ولا يهمه، فإن قال قائل: هل يمدح من لا يبالي بما أصابه من خير وشر؟ أو يمدح من كظم الغيظ عند وجود الشر؟
* طلبة: الثاني.
* الشيخ: الثاني؛ لأن الأول الذي لا يبالي سواء وُجد ما يثيره أم لم يوجد، ومن قال له: تفضل يا رجل كمن قال له: تفضل يا حمار!
هذا الذي لا يبالي بهذا ولا هذا ماذا نقول له؟! هذا بليد، ولا يمدح على هذا أبدًا، لكن من يعرف الخير والشر ولكنه يكظم الغيظ عند وجود الشر هذا هو الذي يمدح.
* ومن فوائد الآية: الحث على العفو عن الناس، لكنه كما ذكرنا مقيّد بما إذا كان أصلح.
* ومن فوائدها: إثبات المحبة لله عز وجل، وأنه يحب، وهل المحبة هنا صفة ثابتة لله، أو يُراد بها إرادة الإحسان أو الإحسان نفسه؟
الصحيح الأول: أنها صفة لله عز وجل، وأن إرادة الإحسان أو الإثابة غير المحبة، فإن قال قائل: المحبة لا تكون إلا بين متجانسين، ولا مجانسة بين الخالق والمخلوق؟
* طلبة: غير صحيح.
* طالب: هذا للبشر من البشر ولكن ليس من الخالق.
* طالب آخر: يا شيخ، يقال: هذا غير صحيح أصلًا.
* الشيخ: أصلًا هذا غير صحيح.
* الطالب: لأن النبي ﷺ قال: «أُحُدٌ جَبَلٌ نُحِبُّهُ وَيُحِبُّنَا».
* الشيخ: نعم، «يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٨٨٩) ومسلم (١٣٦٥ / ٤٦٢) من حديث أنس بن مالك.]]، نقول: هذا غير صحيح، أصلًا لا يلزم من المحبة تجانس المتحابّين، الإنسان يحب بعض السيارات اللي يركب، بعض البعير، الإبل، بعض الدُّور، يحبها محبة حقيقية بقلبه، أليس كذلك؟ يكون عنده قلم مسايره ولا ينشف عليه، نظيف، يحبه، يجي القلم يؤذيه يشقق الأوراق، تجده يكرهه ولّا لا؟ يكرهه، وربما كسره، فهذه الدعوى دعوى باطلة يكذبها الحس والواقع أن المحبة لا تكون إلا بين متجانسين، إذا قالوا: إن المحبة هي ميل الإنسان إلى ما يجلب له المنفعة أو يدفع عنه المضرّة، ماذا نقول؟
نقول: هذا أيضًا غير صحيح، هذا غير صحيح، وهذا وإن قُدّر أنه لازم المحبة في المخلوق فليس بلازم المحبة بالنسبة للخالق؛ لأن الله لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين، واضح يا جماعة؟
فإن قالوا: العقل لا يدل عليها، فلا يجوز إثباتها؟ فالجواب عن هذا أولًا: أن العقل ليس دليلًا في إثبات صفات الله أو نفيها، فنحن نمنع الاعتماد على العقل في إثبات الصفات أو نفيها، ونقول: من أين لكم أن المدار في إثبات الصفات أو نفيها هو العقل؟! هذه واحدة.
ثانيًا: أن نقول: هب أن العقل لم يدل عليها فإنه لا ينفيها؛ لأن دعواكم النفي في أنه لا يكون المحبة إلا بين المتجانسين دعوى باطلة، والشرع قد أيش؟ قد أثبتها، وانتفاء الدليل المعيّن الذي هو العقل -على زعمكم- لا يمنع انتفاء المدلول؛ لأن المدلول قد يثبت بدليل آخر غير ما ذكرت، فهبْ أن العقل لم يدل عليه فقد دل عليه السمع؛ الكتاب والسنة، فوجب ثبوته؛ ثبوت المحبة. أيش بقي؟
رابعًا: أن نقول: إن العقل قد دل على ثبوت المحبة لله، العقل دل على ثبوت المحبة لله، كيف ذلك؟ إثابة الطائعين يدل على أن الله أحبهم، إذ لا يمكن أن يُثيب أحد -عقلًا- إلا وهو يحبه، فيكون إثابة الطائعين دليلًا عقليًّا على ثبوت المحبة كما جعلتم أنتم التخصيص دليلًا عقليًّا على ثبوت أيش؟ الإرادة، ولا فرق بينهما، بل إن إثابة الطائعين أدلّ على المحبة من دلالة التخصيص على الإرادة، ولكن يجب أن نعلم أن محبة الله سبحانه وتعالى للإنسان ليست محبة لجماله أو لحسن ثيابه أو ما أشبه ذلك، كما تكون بين المخلوقين، بل هي محبة لإيمانه وعمله، فكلما كان الإنسان أقوى إيمانًا بالله وأكثر عبادة لله صار أحب إلى الله، ولهذا جاء في الحديث: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَجْسَامِكُمْ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»[[أخرجه مسلم (٢٥٦٤ / ٣٣) من حديث أبي هريرة. ]]. فالمدار على القلب والعمل، فكلما كان الإنسان أقوى إيمانًا بالله وأكثر عبادة له كان أحب إليه، ومن ذلك الإحسان.
* ومن فوائد الآية: الحثّ على الإحسان، من أين أخذنا الحث عليه؟ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة ١٩٥] فإن كل إنسان يعلم أن الله يحب الإحسان فسوف يُحسن، ويتقدم إلى الإحسان ويحرص عليه؛ لأن محبة الله للعبد هي غاية ما يريد، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أحبابه.
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران ٣١]، الغاية أن الله يحبك حتى الذين قالوا: إنا نحب الله، قال: طيب، إن كنتم تحبون الله فاتبعوني تحبون الله، ولّا لا؟ قال: ﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران ٣١] لأن الشأن كل الشأن أن يحبك الله لا أن تقول: إنني أحب الله، هذا هو الشأن، نسأل الله أن يحبنا وإياكم.
* طالب: بالنسبة قلنا: بالنسبة لـ.. مثلًا لما يكون واحد غضب..
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: يعني يكون بالنسبة للغضب، يعني قلنا: إذا مثلًا طلّق زوجته أو ضرب أحد أخاه، إذا مثلًا..
* الشيخ: لا، الفعل يؤاخذ به، تبغى تضرب عباد الله وتيجي تقول: أنا غضبان؟! لا، الفعل يؤاخذ به، لا، الكلام على القول اللي يصدر من لسانه هذا لا حكم له، عرفت؟
* طالب: بالنسبة، أحسن الله إليك، بالنسبة للعلاقة بين قوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ﴾ هل يجوز الصدقة بجميع المال؟
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: جواز الصدقة بجميع المال؟
* الشيخ: إي نعم، وهو كذلك، الصدقة بجميع المال جائزة، هذا أبو بكر رضي الله عنه لما حثّ النبي عليه الصلاة والسلام على الصدقة أتى بكل ماله، لكن لها شروط، يعني من يكون مثل أبي بكر في قوة التوكّل على الله سبحانه وتعالى والثقة به؟! أما إنسان يتصدق بماله كله، ثم يروح يشحت الناس بعياله، هذا ما هو بصحيح.
* طالب: شيخ، قلنا: إن الجنة موجودة الآن، ومن المعروف أن الأعمال الصالحة تُبنى بها الجنة كالذكر (...) يعني تُبنى الآن ما زالت تبنى؟
* الشيخ: لا، هي موجودة، لكنها كما يروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أن إبراهيم قال للنبي ﷺ: «أَبْلِغْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ قِيعَانٌ -قِيعَانٌ فَاضِيَةٌ- وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ»[[أخرجه الترمذي (٣٤٦٢) من حديث عبد الله بن مسعود بلفظ: «أقْرِئْ أُمّتك مِني السَّلامَ».]]، هي أصلًا موجودة، الأرض الآن موجودة ويبنى فيها، يعمر فيها.
* طالب: شيخ، بالنسبة إلى قوله تعالى: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران ١٣٤] نحن ذكرنا القدرة بدون القدرة فالعذر ليس مقبولًا.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: ذكرنا مثلًا ضرب أحدًا وأخذ منه ما معه من ماله، وهذا يكون (...) في حقه، وهذا ليس موجودًا (...).
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: مثلًا واحد ضرب الآخر.
* الشيخ: زي وأخذنا..
* الطالب: وأخذ ماله، وهذا الرجل..
* الشيخ: المأخوذ منه، المضروب المأخوذ منه.
* الطالب: قال (...): لا تأخذ.
* الشيخ: لا تؤاخذه.
* الطالب: لا تؤاخذه (...)، يعني وعفا عنه..
* الشيخ: هذه الحقيقة قد ترد علينا، يقول: إذا عفا بالنسبة لحقه؛ يعني مثلًا قال: اللهم لا تعاقبه، هل يحمد هذا ولَّا لا؟
* طلبة: يحمد.
* الشيخ: يحمد؛ لأن كلامنا عن ﴿الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ أصله إذا اعتدى عليك، ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة ١٩٤] فهذا الرجل إذا عفا عن أخذه بحقه في الدنيا وهو عاجز ما يُحمد على هذا، أما في الآخرة فربما يحمد.
على كل حال سؤال مهم هذا، يعني مثلًا إذا قلنا: العافين عن الناس مع القدرة هو الذي يمدح عليه الإنسان، لكن نقول: إذا عفوت عن حقك في الآخرة؛ لأنك في الآخرة قادر، أليس كذلك؟ تدخل في الموضوع أيضًا، حتى يمكن ما يحتاج استثناء، يعني ربما لا نستثنيها أيضًا.
* الطالب: ما وضحنا هذا، قبل ما وضح هذا.
* الشيخ: نعم، قبل قد يرد فيها إشكال، لكن ممكن أن نقول: إن عفوه عنه في الآخرة يعني قوله: اللهم لا تؤاخذه بما فعل بي، هذا عفو مع القدرة؛ لأنه في الآخرة قادر على أخذه منه، واضح؟
* طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ»[[أخرجه مسلم (٩١ / ١٤٧) من حديث عبد الله بن مسعود. ]]، ما يدل -أحسن الله إليك- إلى أن الله عز وجل مع الأعمال الصالحة يحب الشخص لجمال هيئته؟
* الشيخ: لا، يحب الجمال: التجمل، هذا المراد.
* طالب: ما الفرق؟
* الشيخ: الفرق أن الصحابة لما سألوا قالوا: يا رسول الله، الرجل يحب أن يكون نعله حسنًا وثوبه حسنًا، ما قالوا: يحب أن يكون وجهه جميلًا، قال: «إِنَّ اللّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» » يعني التجمل.
* طالب: لكن ذكرنا -أحسن الله إليك- بأن الله لا يحب في الشخص مثل المخلوقين لجمال ثيابه أو كذا، والنعل والثوب أي كسوة الصحابة من الهيئة؟
* الشيخ: لا، هذا عمل صالح؛ لأن التجمل مأمور به، كون الإنسان يتجمل في نعله وفي ثوبه إذا كان الله قد أنعم عليه هذا مأمور به، يحب الإنسان على التجمل.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (١٣٦)﴾ [آل عمران ١٣٥، ١٣٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى في بيان أوصاف المتقين الذين أُعدت لهم الجنة، قال في بيان أوصافهم: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ إلى آخره، وقبل ذلك نتكلم على إثبات أو على استذكار ما سبق من فوائد الآيتين أو الآيات السابقة، يقول الله عز وجل: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران ١٣٤]، ذكرنا أن فيها دليلًا على؟ ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فيها دليل على أيش؟
* طالب: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فيها دليل على أولًا: إثبات المحبة لله سبحانه وتعالى، وأن هذه مرتبة عالية.
* الشيخ: إثبات المحبة من أين أخذناها؟
* طالب: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ﴾.
* الشيخ: ﴿يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فأثبت المحبة، محبة الله عز وجل هل هي صفة من صفات الذات أو من صفات الفعل؟
* طالب: من صفات الذات.
* الشيخ: لو قال لك قائل: إنها من صفات الفعل؟
* طالب: أيضًا من الصفات.
* الشيخ: يعني إذن من صفات الذات والفعل، ما الفرق بينهما؟
* الطالب: صفات الفعل يفعلها الله عز وجل متى شاء، أما صفات الذات ملازمة.
* الشيخ: ومحبة الله هذه لازمة؟
* طالب: لا، ليست لازمة.
* الشيخ: إذن؟
* طالب: صفة فعل.
* الشيخ: صفة فعل، صفات الأفعال هي التي تتعلق بمشيئة الله إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها، أنكر قوم المحبة، إثبات محبة الله، أن الله يحب، نعم ما حجتهم؟
* طالب: أول الآية.
* الشيخ: أقول: ما حجتهم على إنكار المحبة بالمعنى الحقيقي؟
* طالب: قالوا: إن المحبة تقتضي رقة القلب وليونته.
* الشيخ: أو الرحمة هذيك؟
* طالب: وقالوا: إن المحبة تستوجب حسرة القلب.
* طالب آخر: حجتهم أن العقل لم يدل عليها، هم يستدلون ما دل عليه العقل فقط.
* الشيخ: إن العقل لا يدل عليها، لكن فيه أيضًا علّة عندهم غير علّة النفي هذه؟
* طالب: قالوا: إن الحب التقى بين متجانسين.
* الشيخ: المحبة لا تكون إلا بين متجانسين، فلا محبة بين الخالق والمخلوق؛ لأنها لا تكون بين متجانسين.
* طالب: نقول لهم: هذه علّة باطلة.
* الشيخ: لا ما نريد نرد عليهم، هل في علّة ثانية؟
* طالب: قالوا: إن الحب..
* الشيخ: العقل لا يدل عليها، هذه واحدة.
* الطالب: ويقال: إن الإنسان لا يحب إلا ما يجلب للإنسان منفعة أو يدفع عنه مضرة فيميل إليه.
* الشيخ: يعني أن الإنسان لا يحب إلا ما..
* الطالب: إلا ما يجلب له منفعة أو يدفع عنه مضرة.
* الشيخ: والله..
* الطالب: والله يعني لا ينفعه شيء.
* الشيخ: يعني لا يحتاج إلى نفع أحد ولا دفع مضرّته، فيه علة رابعة للعموم، يقولون: إن صفات الأفعال حادثة، والحادث لا يقوم إلا بحادث، فيجب نفيه، بماذا نرد عليهم؟ الأول: أن العقل لا يدل عليها، فبماذا نرد عليهم؟
* طالب: نحن في الأمور الغيبية يجب أن نرجع إلى النص من الكتاب ومن السنة، أما إذا قلنا: بالعقل نقول: فإن العقول متناقضة.
* الشيخ: يعني معناه أننا لا نقبل أن يكون العقل دليلًا للإثبات أو النفي في هذا الباب، كذا؟ هذه واحدة، ثاني؟
* طالب: نقول: حتى إن العقل لم يدل عليها فقد دل عليها دليل آخر.
* الشيخ: وهو؟
* الطالب: وهو السمع.
* الشيخ: السمع فوجب إثباته، الثالث؟
* الطالب: قلنا: إن الله يحب، والدليل على ذلك أنه يثيب..
* الشيخ: نقول: إن المحبة يدل عليها العقل، وما هو الدليل العقلي؟
* الطالب: الدليل العقلي عليها أن الله يثيب الصالحين على أفعالهم.
* الشيخ: إي نعم، ثواب العاملين يدل على أن الله يحبهم وإلا ما أثابهم.
* طالب: وأيضًا أن قاعدتهم هذه غير صحيحة لا أصل لها أن الحب لا يقع إلا بين متجانسين لا أصل له.
* الشيخ: هذا نرد عليهم التعليل الثاني، التعليل الثاني قولهم: إنه لا يقع، المحبة لا تكون إلا بين متجانسين غير صحيح، الدليل.
* طالب: الواقع.
* الشيخ: الدليل عندنا من الشرع ومن الواقع.
* طالب: أن النبي ﷺ لما صعد على أحد.
* الشيخ: لما أقبل.
* طالب: لما أقبل على أحد قال: «هُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٨٨٩) ومسلم (١٣٦٥ / ٤٦٢) من حديث أنس بن مالك.]]، فوقع الحب بين غير المتجانسين.
* الشيخ: هذه واحدة، والواقع؟
* طالب: الواقع أن الإنسان يحب قلمه أو سيارته.
* الشيخ: إي نعم، صحيح، مع أنها لا مجانسة بين هذا وهذا، التعليل الثالث؟
* طالب: قولهم: إن المحبة تقتضي لرقابته
* الشيخ: هذه الرحمة.
* طالب: نقول: إن الإنسان ما يحب أحدًا إلا لحاجة، نقول: هذه محبة مخلوق، أما محبة الخالق فـ(...).
* الشيخ: تمام، بقي أيضًا التعليل الرابع؟
* طالب: قالوا: إن المحبة يعني تقتضي الحدوث؛ حادثة يعني، إذا أحب فهي حادث، والحادث لا يقوم إلا بحادث، وهذه علّة باطلة؛ لأنا نقول: إنّا نرى في المخلوقات من يحب أو يكره ويقوم بأفعال حادثة وهو قديم.
* الشيخ: وهو سابق عليها.
* الطالب: سابق عليها.
* الشيخ: صح، تمام، المهم أن مذهب أهل السنة والجماعة أن كل ما وصف الله به نفسه فهو ثابت له على وجه الحقيقة، لكن بدون تمثيل ولا تكييف، ومن فوائد هذه الجملة: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾؟
* طالب: الحثّ على الإحسان.
* الشيخ: الحثّ على الإحسان؛ لأن كل إنسان إذا علم أن الله يحب الإحسان فإنه سوف يحسن، هل يؤخذ من ذلك كراهة الله للمسيئين؟
* الطالب: نعم؛ لأنه إذا يحب المحسنين لا يحب المسيئين.
* الشيخ: وهل يلزم من انتفاء المحبة ثبوت البغض؟
* الطالب: يعني عدم المحبة.
* الشيخ: عدم المحبة، قد يكون إنسان لا يحب هذا الشخص ولا يكرهه.
* الطالب: وأيضًا يستلزم الكراهة.
* الشيخ: ما أعتقد، هل أنت الآن كل شخص لا تحبه فيعني أنك تكرهه؟ أو لا تحبه ولا تكرهه؟
* الطالب: الله تبارك وتعالى إذا لا يحب أحدًا، من أعماله، يعني ما هو مقبول أعمال الغير.
* طالب آخر: يعني يستكره.
* طالب: شيخنا، أن إثبات ضد المحبة وهو البغض إنما هو صفة لله، والصفات عند أهل السنة لا تثبت باللوازم.
* الشيخ: ويش تقولون؟ يعني بعض العلماء يأخذ من مثل هذه الآية أنه إذا أثبت المحبة للمحسن لزم من ذلك إثبات الكراهة للمسيء؛ لأن كل وصف يناسب الوصف الذي رتب عليه، فإذا كانت المحبة مرتبة على الإحسان لزم أن تكون الكراهة مرتبة على الإساءة، ولكن نحن نقول: إن الإنسان قد يتوقّف في هذه القاعدة؛ لأن بين المحبة والكراهة مرتبة، ولكننا إذا تأملنا الأدلة وجدنا الله يقول: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران ٥٧]، ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة ١٩٠] فهنا لا شك أن نفي المحبة ليس معناه أنه لا يحبهم ولا يكرههم، بل إن المراد بذلك أنه يكرههم، هذا هو المعنى، ولولا ذلك ما كانت مثل هذه الآيات وعيدًا على الظالم والمعتدي.
{"ayahs_start":133,"ayahs":["۞ وَسَارِعُوۤا۟ إِلَىٰ مَغۡفِرَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِینَ","ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ فِی ٱلسَّرَّاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَٱلۡكَـٰظِمِینَ ٱلۡغَیۡظَ وَٱلۡعَافِینَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"],"ayah":"ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ فِی ٱلسَّرَّاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَٱلۡكَـٰظِمِینَ ٱلۡغَیۡظَ وَٱلۡعَافِینَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق