الباحث القرآني
﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٣] ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ في السَّرّاءِ والضَّرّاءِ والكاظِمِينَ الغَيْظَ والعافِينَ عَنِ النّاسِ واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ .
أعْقَبَ وصْفَ الجَنَّةِ بِذِكْرِ أهْلِها لِأنَّ ذَلِكَ مِمّا يَزِيدُ التَّنْوِيهَ بِها، ولَمْ يَزَلِ العُقَلاءُ يَتَخَيَّرُونَ حُسْنَ الجِوارِ كَما قالَ أبُو تَمّامٍ:
؎مَن مَبْلَغٌ أفَناءَ يَعْرُبَ كُلِّها أنِّي بَنَيْتُ الجارَ قَبْلَ المَنزِلِ
وجُمْلَةُ ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٣] اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ لِأنَّ ذِكْرَ الجَنَّةِ عَقِبَ ذِكْرِ النّارِ المَوْصُوفَةِ بِأنَّها أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ يُثِيرُ في نُفُوسِ السّامِعِينَ أنْ يَتَعَرَّفُوا مَنِ الَّذِينَ أُعِدَّتْ لَهم: فَإنْ أُرِيدَ بِالمُتَّقِينَ أكْمَلُ ما يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّقْوى، فَإعْدادُها لَهم لِأنَّهم أهْلُها - فَضْلًا مِنَ اللَّهِ تَعالى - الَّذِينَ لا يَلِجُونَ النّارَ أصْلًا - عَدْلًا مِنَ اللَّهِ تَعالى - فَيَكُونُ مُقابِلَ قَوْلِهِ ﴿واتَّقُوا النّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٣١]، ويَكُونُ عُصاةُ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ التّائِبِينَ قَدْ أخَذُوا بِحَظِّ الدّارَيْنِ، لِمُشابِهَةِ حالِهِمْ حالَ الفَرِيقَيْنِ عَدْلًا مِنَ اللَّهِ وفَضْلًا، وبِمِقْدارِ الِاقْتِرابِ مِن أحَدِهِما يَكُونُ الأخْذُ بِنَصِيبٍ مِنهُ، وأُرِيدَ المُتَّقُونَ في الجُمْلَةِ فالإعْدادُ لَهم بِاعْتِبارِ أنَّهم مُقَدَّرُونَ مِن أهْلِها في العاقِبَةِ.
وقَدْ أجْرى عَلى المُتَّقِينَ صِفاتِ ثَناءٍ وتَنْوِيهٍ، هي لَيْسَتْ جِماعَ التَّقْوى، ولَكِنَّ اجْتِماعَها في مَحَلِّها مُؤْذِنٌ بِأنَّ المَحَلَّ المَوْصُوفَ بِها قَدِ اسْتَكْمَلَ ما بِهِ التَّقْوى، وتِلْكَ هي مُقاوَمَةُ الشُّحِّ المُطاعِ، والهَوى المُتَّبَعِ.
الصِّفَةُ الأُولى: الإنْفاقُ في السَّرّاءِ والضَّرّاءِ. والإنْفاقُ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ وهو الصَّدَقَةُ وإعْطاءُ المالِ والسِّلاحِ والعُدَّةِ في سَبِيلِ اللَّهِ. والسَّرّاءُ فَعْلاءُ، اسْمٌ لِمَصْدَرِ (p-٩١)سَرَّهُ سَرًّا وسُرُورًا. والضَّرّاءُ مِن ضَرَّهُ، أيْ في حالَيِ الِاتِّصافِ بِالفَرَحِ والحُزْنِ، وكَأنَّ الجَمْعَ بَيْنَهُما هُنا لِأنَّ السَّرّاءَ فِيها مَلْهاةٌ عَنِ الفِكْرَةِ في شَأْنِ غَيْرِهِمْ، والضَّرّاءَ فِيها مَلْهاةٌ وقِلَّةُ مَوْجِدَةٍ. فَمُلازَمَةُ الإنْفاقِ في هَذَيْنِ الحالَيْنِ تَدُلُّ عَلى أنَّ مَحَبَّةَ نَفْعِ الغَيْرِ بِالمالِ، الَّذِي هو عَزِيزٌ عَلى النَّفْسِ، فَقَدْ صارَ لَهم خُلُقًا لا يَحْجُبُهم عَنْهُ حاجِبٌ ولا يَنْشَأُ ذَلِكَ إلّا عَنْ نَفْسٍ طاهِرَةٍ.
الصِّفَةُ الثّانِيَةُ: الكاظِمِينَ الغَيْظَ. وكَظْمُ الغَيْظِ إمْساكُهُ وإخْفاؤُهُ حَتّى لا يَظْهَرَ عَلَيْهِ، وهو مَأْخُوذٌ مِن كَظَمَ القِرْبَةَ إذا مَلَأها وأمْسَكَ فَمَها، قالَ المُبَرِّدُ: فَهو تَمْثِيلٌ لِلْإمْساكِ مَعَ الِامْتِلاءِ، ولا شَكَّ أنَّ أقْوى القُوى تَأْثِيرًا عَلى النَّفْسِ القُوَّةُ الغاضِبَةُ فَتَشْتَهِي إظْهارَ آثارِ الغَضَبِ، فَإذا اسْتَطاعَ إمْساكَ مَظاهِرِها، مَعَ الِامْتِلاءِ مِنها، دَلَّ ذَلِكَ عَلى عَزِيمَةٍ راسِخَةٍ في النَّفْسِ، وقَهْرِ الإرادَةِ لِلشَّهْوَةِ، وهَذا مِن أكْبَرِ قُوى الأخْلاقِ الفاضِلَةِ.
الصِّفَةُ الثّالِثَةُ: العَفْوُ عَنِ النّاسِ فِيما أساءُوا بِهِ إلَيْهِمْ. وهي تَكْمِلَةٌ لِصِفَةِ كَظْمِ الغَيْظِ بِمَنزِلَةِ الِاحْتِراسِ لِأنَّ كَظْمَ الغَيْظِ قَدْ تَعْتَرِضُهُ نَدامَةٌ فَيَسْتَعْدِي عَلى مَن غاظَهُ بِالحَقِّ، فَلَمّا وُصِفُوا بِالعَفْوِ عَمَّنْ أساءَ إلَيْهِمْ دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ كَظْمَ الغَيْظِ وصْفٌ مُتَأصِّلٌ فِيهِمْ، مُسْتَمِرٌّ مَعَهم. وإذا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الصِّفاتُ في نَفْسٍ سَهُلَ ما دُونَها لَدَيْها.
وبِجِماعِها يَجْتَمِعُ كَمالُ الإحْسانِ ولِذَلِكَ ذَيَّلَ اللَّهُ تَعالى ذِكْرَها بِقَوْلِهِ ﴿واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ لِأنَّهُ دالٌّ عَلى تَقْدِيرِ أنَّهم بِهَذِهِ الصِّفاتِ مُحْسِنُونَ واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ فِی ٱلسَّرَّاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَٱلۡكَـٰظِمِینَ ٱلۡغَیۡظَ وَٱلۡعَافِینَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق