الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم حتى لا تكون فتنة = يعني: حتى لا يكون شركٌ بالله، وحتى لا يُعبد دونه أحدٌ، وتضمحلَّ عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكونَ العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان، كما قال قتادة فيما:
٣١١٣- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال: حتى لا يكون شرك.
٣١١٤- حدثنا الحسن بن يحيى، قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"وقاتلوهم حَتى لا تكون فتنة" قال: حتى لا يكون شرك.
٣١١٥ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال: الشرك"ويكون الدِّين لله".
٣١١٦- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٣١١٧ - حدثني موسى بن هارون، قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال: أما الفتنة فالشرك.
٣١١٨ - حدثني محمد بن سعد، قال، حدثني أبي، قال، حدثني عمي، قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وقاتلوهم حتى لا تكونَ فتنة"، يقول: قاتلوا حتى لا يكون شِرك.
٣١١٩ - حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"وقاتلوهم حَتى لا تكونَ فتنة" أي شركٌ.
٣١٢٠- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال: حتى لا يكون كفر، وقرأ ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ [سورة الفتح: ١٦] .
٣١٢١- حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح، قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" يقول: شركٌ.
* * *
وأما"الدين"، الذي ذكره الله في هذا الموضع [[انظر معنى"الدين" فيما سلف ١: ١٥٥، ٢٢١.]] فهو العبادة والطاعة لله في أمره ونهيه، من ذلك قول الأعشى:
هُوَ دَانَ الرِّبَابَ، إِذْ كَرِهُوا الدِّي ... نَ، دِرَاكًا بِغَزْوَةٍ وَصِيَالِ [[ديوانه: ١٢ وسيأتي في التفسير ٣: ١٤١ (بولاق) ، قالها في مدح الأسود بن المنذر اللخمي، أخي النعمان بن المنذر لأمه، وأم الأسود من تيم الرباب. هذا قول أبي عبيدة، والصواب ما قال غيره: أنه قالها في مدح المنذر بن الأسود، وكان غزا الحليفين أسدا وذبيان، ثم أغار على الطف، فأصاب نعما وأسرى وسبيا من رهط الأعشى بني سعد بن ضبيعة بن ثعلبة، والأعشى غائب. فلما قدم وجد الحي مباحا. فأتاه فأنشده، وسأله أن يهب له الأسرى ويحملهم، ففعل.
والرباب (بكسر الراء) هم بنو عبد مناة بن أد: تيم وعدي وعوف وثور، اجتمعوا فتحالفوا مع بني عمهم ضبة بن أد، على بني عمهم تميم بن أد. فجاؤوا برب (تمر مطبوخ) فغمسوا فيه أيديهم، فسموا"الرباب"، ثم خرجت ضبة عنهم، واكتفت بعددها.
وقوله: "دان الرباب" أي أذلهم واستعبدهم وحملهم على الطاعة. وقوله: "دراكا"، متتابعا يدرك بعضه بعضا. والصيال: السطرة. صال على عدوه: وثب عليه وسطا. يقول تابع غزوهم والسطو حتى دانو بالطاعة.]]
يعني بقوله:"إذ كرهوا الدين"، إذ كرهوا الطاعة وأبوْها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
٣١٢٢- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"ويكونَ الدِّينُ لله" يقول: حتى لا يُعبد إلا الله، وذلك"لا إله إلا الله"، عليه قاتل النبيُّ ﷺ وإليه دعا، فقال النبي ﷺ:"إنّي أمرتُ أن أقاتِل الناسَ حتى يَقولوا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عَصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها وحسابهم على الله".
٣١٢٣- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"ويكون الدِّينُ لله" أن يقال:"لا إله إلا الله". ذُكِر لنا أن نبيَّ الله ﷺ كان يقول:"إنّ الله أمرَني أن أقاتِل الناسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله". ثم ذكر مثل حديث الربيع.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"فإن انتهوا" فإن انتهى الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم، ودَخلوا في ملّتكم، وأقرُّوا بما ألزمكم الله من فرائضه، وتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان، فدعوا الاعتداءَ عليهم وقتالَهم وجهادَهم، فإنه لا ينبغي أن يُعتدى إلا على الظالمين -وهم المشركون بالله، والذين تركوا عبادته وعبدوا غيرَ خالقهم.
* * *
فإن قال قائل: وهل يجوز الاعتداء على الظالم فيقال:"فَلا عُدوان إلا على الظالمين"؟ [[انظر معنى"العدوان" فيما سلف ٢: ٣٠٧، وهذا الجزء ٣: ٣٧٦، ٥٦٤.]] .
قيل: إن المعنى في ذلك على غير الوجه الذي إليه ذهبتَ، وإنما ذلك على وَجه المجازاة، لما كان من المشركين من الاعتداء، يقول: افعلوا بهم مثل الذي فعلوا بكم، كما يقال:"إن تَعاطيتَ منّي ظلما تعاطيته منك"، والثاني ليس بظلم، كما قال عمرو بن شأس الأسديّ:
جَزَيْنَا ذَوِى العُدْوَانِ بِالأمْسِ قَرْضَهُمْ ... قِصَاصًا، سَواءً حَذْوَكَ النَّعْلَ بِالنَّعْلِ [[لم أجد البيت، وشعر عمرو بن شأس على كثرته وجودته، قد ضاع أكثره.]]
وإنما كان ذلك نظير قوله: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [سورة البقرة: ١٥] و ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ [سورة التوبة: ٧٩] وقد بينا وجه ذلك ونظائره فيما مَضى قبلُ [[انظر ما سلف ١: ٣٠١-٣٠٦.]] .
* * *
وبالذي قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
٣١٢٤ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"فلا عُدوان إلا على الظالمين" والظالم الذي أبى أن يقول:"لا إله إلا الله".
٣١٢٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع."فلا عُدوان إلا على الظالمين" قال: هم المشركون.
٣١٢٦ - حدثني المثنى، قال، ثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا عثمان بن غياث، قال، سمعت عكرمة في هذه الآية:"فلا عدوان إلا على الظالمين"، قال: هُم من أبى أن يقول:"لا إله إلا الله".
* * *
وقال آخرون: معنى قوله:"فلا عدوان إلا على الظالمين" فلا تقاتل إلا من قاتل.
* ذكر من قال ذلك:
٣١٢٧ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فإن انتهوا فلا عُدوان إلا على الظالمين" يقول: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم.
٣١٢٨- حدثني المثنى، قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٣١٢٩ - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قال:"فإن انتهوا فلا عُدوان إلا على الظالمين" فإنّ الله لا يحب العُدوان على الظالمين ولا على غيرهم، ولكن يقول: اعتدُوا عليهم بمثل ما اعتدوْا عليكم.
* * *
قال أبو جعفر: فكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في قوله:"فإن انتهوْا فلا عُدوان إلا على الظالمين" لا يجوز أن يقول:"فإن انتهوا" إلا وقد علم أنهم لا يَنتهون إلا بعضهم، فكأنه قال: فإن انتهى بعضُهم، فلا عُدوان إلا على الظالمين منهم، فأضمر كما قال: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [سورة البقرة: ١٩٦] يريد: فعليه ما استيسر من الهدي، وكما يقول:"إلى مَن تقصد أقصد" يعني: إليه.
وكان بعضهم ينكر الإضمار في ذلك ويتأوله: فإن انتهوا فإن الله غفورٌ رحيم لمن انتهى، ولا عُدوان إلا على الظالمين الذين لا ينتهون.
{"ayah":"وَقَـٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةࣱ وَیَكُونَ ٱلدِّینُ لِلَّهِۖ فَإِنِ ٱنتَهَوۡا۟ فَلَا عُدۡوَ ٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق