الباحث القرآني

ولَمّا كانَ المُرادُ بِما مَضى مِن قِتالِهِمْ كَفَّ أذاهم بِأيِّ فِعْلٍ كانَ حَقَّقَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وقاتِلُوهُمْ﴾ أيْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ نَسَبْناهم إلى قِتالِكم وإخْراجِكم وفِتْنَتِكم أعَمُّ مِن أنْ يَكُونُوا كُفّارًا أوْ لا ﴿حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ أيْ تُوجَدُ فِتْنَةٌ بِأنْ لا يَقْدِرُوا أنْ يُؤْذُوا أحَدًا مِن أهْلِ الإسْلامِ لِيَرُدُّوهُ عَنْ دِينِهِ أوْ يُخْرِجُوهُ مِن دارِهِ أوْ يَخْلَعُوهُ مِن مالِهِ أوْ يَغْلِبُوهُ عَلى حَقِّهِ، فَقِتالُ كُلِّ مَن وقَعَ مِنهُ ذَلِكَ كُفْرًا أوْ بَغْيًا في سَبِيلِ اللَّهِ حَتّى يَفِيءَ إلى أمْرِ اللَّهِ ﴿ويَكُونَ الدِّينُ﴾ أيِ الطّاعَةُ والعِبادَةُ. ولَمّا كانَ (p-١١٤)هَذا في أوائِلِ ما بَعْدَ الهِجْرَةِ قَبْلَ أنْ يَرَوْا مِن نَصْرِ اللَّهِ لَهم ما يُقَوِّي عَزائِمَهم أعْراهُ مِنَ التَّأْكِيدِ فَقالَ: ”الله“ أيِ الَّذِي لا كُفُؤَ لَهُ خاصًّا بِهِ بِأنْ يَكُونَ أمْرُ المُسْلِمِينَ ظاهِرًا، لَيْسَ لِلشَّيْطانِ فِيهِ نَصِيبٌ، لا يَقْدِرُ أحَدٌ مِن أهْلِ الكُفْرِ ولا أهْلِ البَغْيِ عَلى التَّظاهُرِ بِأذى أحَدٍ مِنهُمْ، وذَلِكَ بِأنْ لا يَبْقى مُشْرِكٌ أصْلًا ولا يَبْقى كِتابِيٌّ إلّا أُلْزِمَ الصَّغارَ بِالجِزْيَةِ، والحِكْمَةُ في إبْقائِهِمْ دُونَ المُشْرِكِينَ أنَّ لَهم كُتُبًا أُمْهِلُوا لِحُرْمَتِها ولِيَنْظُرُوا فِيها فَيَقِفُوا عَلى الحَقِّ مِنها فَإنَّها وإنْ كانَتْ قَدْ وقَعَ فِيها التَّحْرِيفُ قَدْ بَقِيَ فِيها ما يَهْدِي المُوَفَّقَ لِأنَّها لَمْ يَعُمَّها التَّحْرِيفُ، وأمّا أهْلُ الأوْثانِ فَلَيْسَ لَهم ما يُرْشِدُهم إلى الحَقِّ فَكانَ إمْهالُهم زِيادَةً في شِرْكِهِمْ مَقْطُوعًا بِها مِن غَيْرِ فائِدَةٍ تُنْتَظَرُ. قالَ الحَرالِيُّ: فَفي طَيِّهِ إشْعارٌ بِما وقَعَ وهو واقِعٌ وسَيَقَعُ مِن قِتالِ طائِفَةِ الحَقِّ لِطائِفَةِ البَغْيِ سائِرَ اليَوْمِ المُحَمَّدِيِّ بِما تَخَلَّصَ مِنَ الفِتْنَةِ (p-١١٥)ويَخْلُصُ الدِّينُ لِلَّهِ تَوْحِيدًا ورِضًا وثَباتًا عَلى حالِ السَّلَفِ الصّالِحِ وزَمانِ الخِلافَةِ والنُّبُوَّةِ - انْتَهى. ﴿فَإنِ انْتَهَوْا﴾ أيْ كَلَّفُوا أنْفُسَهُمُ الرُّجُوعَ عَمّا اسْتَوْجَبُوا بِهِ القِتالَ فَقَدْ تَرَكُوا الظُّلْمَ، والنَّهْيَ قالَ الحَرالِيُّ: الحُكْمُ المانِعُ مِنَ الفِعْلِ المُتَرامِي إلَيْهِ بِمَنزِلَةِ أثَرِ العَقْلِ المُسَمّى نُهًى لِمَنعِهِ عَمّا تَهْوِي إلَيْهِ النَّفْسُ مِمّا يَسْتَبْصِرُ فِيهِ النُّهى، قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «لِيَلِيَنِي مِنكم أُولُو الأحْلامِ والنُّهى» فَمَن لَمْ يَكُنْ مِن أهْلِ النُّهى كانَ نَهاهُ النُّهى وهو الحُكْمُ المَذْكُورُ - انْتَهى. ﴿فَلا عُدْوانَ﴾ أيْ فَلا سَبِيلَ يَقَعُ فِيهِ العَدُوُّ الشَّدِيدُ لِلْقِتالِ عَلَيْهِمْ، فَإنَّهُ لا عُدْوانَ ﴿إلا عَلى الظّالِمِينَ﴾ قالَ الحَرالِيُّ: فَذَكَرَ الظُّلْمَ الشّامِلَ (p-١١٦)لِوُجُوهِ إيقاعِ الأمْرِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ مِن أعْلى الدِّينِ إلى أدْناهُ - انْتَهى. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: فَإنِ انْتَهَوْا عَنِ الشِّرْكِ فَقَدِ انْتَفى عَنْهُمُ اسْمُ الظُّلْمِ فَلا تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ، فَإنِ اعْتَدَيْتُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطانًا عَلَيْكم لِظُلْمِكم لَهم مَن يَعْتَدِي عَلَيْكُمْ، فَإنَّهُ لا عُدْوانَ إلّا عَلى الظّالِمِينَ الَّذِينَ دَخَلْتُمْ في مُسْماهم وخَرَجُوا مِن مُسْماهم بِالِانْتِهاءِ، فَلا عُدْوانَ إلّا عَلَيْكم لا عَلَيْهِمْ، ومَعْنى العُدْوانِ القَتّالُ بِغايَةِ العَدُوِّ والشِّدَّةِ والعَزْمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب