الباحث القرآني

تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام قَالَ - رَضِي الله عَنهُ -: اعْلَم أَن سُورَة الْأَنْعَام مَكِّيَّة، روى يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه قَالَ: سُورَة الْأَنْعَام نزلت جملَة بِمَكَّة لَيْلًا، مَعهَا سَبْعُونَ ألف ملك يحدونها بالتسبيح. وَقد روى هَذَا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي، وَفِي تَمام الْخَبَر عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من قَرَأَهَا فِي لَيْلَة اسْتغْفر لَهُ السبعون ألف ملك أُولَئِكَ ليله ونهاره إِلَى أَن يصبح "، وَفِي بعض الرِّوَايَات: " أَن تِلْكَ الْمَلَائِكَة كَانَ لَهُم زجل بالتسبيح، وَكَانَت الأَرْض ترتج، وَالنَّبِيّ يَقُول: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم حَتَّى نزلت " وَفِي رِوَايَة الْكَلْبِيّ عَن [أبي] صَالح عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْعَام جملَة بِمَكَّة إِلَّا آيَتَيْنِ: قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قل تَعَالَوْا﴾ الْآيَة. وَقَوله: ﴿مَا قدرُوا الله حق قدره﴾ الْآيَة وَفِي بعض الرِّوَايَات: " إِلَّا ثَلَاث آيَات: من قَوْله: ﴿قل تَعَالَوْا﴾ إِلَى آخر الْآيَات الثَّلَاث، وَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: سُورَة الْأَنْعَام من نَجَائِب الْقُرْآن، وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: من قَرَأَ سُورَة الْأَنْعَام فقد انْتهى فِي رضَا ربه. بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ﴿الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا﴾ قَوْله - تَعَالَى -: ﴿الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ حُكيَ عَن كَعْب الْأَحْبَار أَنه قَالَ: هَذِه الْآيَة أول آيَة فِي التَّوْرَاة، وَآخر آيَة فِي التَّوْرَاة: قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَقل الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا﴾ الْآيَة. فَقَوله: ﴿الْحَمد لله﴾ مَعْنَاهُ: احمدوا الله، ذكر الْخَبَر بِمَعْنى الْأَمر، وَفَائِدَته: الْأَمر بِالْحَمْد وَتَعْلِيم الْحَمد؛ فَإِنَّهُ لَو قَالَ: احمدوا الله؛ دعت الْحَاجة إِلَى بَيَان كَيْفيَّة الْحَمد، وَقَوله: ﴿الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ إِنَّمَا خصهما بِالذكر؛ لِأَنَّهُمَا أعظم الْمَخْلُوقَات فِيمَا يرى الْعباد؛ وَلِأَن فيهمَا العبر وَالْمَنَافِع للعباد. ﴿وَجعل الظُّلُمَات والنور﴾ والجعل: بِمَعْنى الْخلق، ثمَّ اخْتلفُوا، قَالَ بَعضهم: الظُّلُمَات: اللَّيْل، والنور: النَّهَار، وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ بالظلمات: الْكفْر، وبالنور: الْإِيمَان، وَيدخل فِي الظُّلُمَات جَمِيع الظُّلُمَات، حَتَّى ظلمَة الْقلب، وظلمة الشَّك، وَنَحْو ذَلِك. وَيدخل فِي النُّور جَمِيع الْأَنْوَار، حَتَّى نور الْقلب، وَنور الْيَقِين، وَنَحْو ذَلِك، وَقيل: أَرَادَ بالظلمات: الْجَهْل، وبالنور: الْعلم، وَقيل: أَرَادَ بالظلمات: الْمعْصِيَة، وبالنور: الطَّاعَة. وروى عَن قَتَادَة أَنه قَالَ: إِن الله - تَعَالَى - خلق السَّمَاء قبل الأَرْض، وَاللَّيْل قبل النَّهَار، وَالْجنَّة قبل النَّار، وَقد قَالَ غَيره: خلق الأَرْض قبل السَّمَاء، وَسَيَأْتِي. ﴿ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ﴾ قَالَ الْكسَائي: عدل الشَّيْء بالشَّيْء: إِذا ساواه بِهِ، وَمِنْه الْعدْل. وَمَعْنَاهُ: يعدلُونَ بِاللَّه غير الله، وَقَالَ مُجَاهِد: مَعْنَاهُ: ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يشركُونَ، والمعنيان متقاربان؛ لِأَن من سَاوَى غير الله بِاللَّه؛ فقد أشرك. وَقيل: قَوْله: ﴿ثمَّ الَّذين كفرُوا﴾ معنى لطيف، وَهُوَ مثل قَول الْقَائِل: أَنْعَمت عَلَيْك كَذَا، وتفضلت عَلَيْك بِكَذَا ثمَّ لَا تشكرني، ثمَّ تكفر بنعمتي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب