الباحث القرآني

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الْأَنْعَامِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: هِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْهَا نزلنا بِالْمَدِينَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾] الانعام: ٩١] نزلت في مالك بن الصيف وكعب ابن الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيَّيْنِ وَالْأُخْرَى قَوْلُهُ: "وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ"] الانعام: ١٤١] نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْأَنْصَارِيِّ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَتْ فِي مُعَاذِ بن جبل وقاله الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ سُورَةُ "الْأَنْعَامِ" مَكِّيَّةٌ إِلَّا سِتَّ آيَاتٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ "وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ" إِلَى آخِرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ وَ "قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ"] الانعام: ١٥١] إِلَى آخِرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهِيَ الْآيَاتُ الْمُحْكَمَاتُ وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: "قُلْ لَا أَجِدُ" نَزَلَ بِمَكَّةَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً غَيْرَ السِّتِّ الْآيَاتِ وَشَيَّعَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مَعَ آيَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَلَكٍ وَهِيَ "وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ"] الانعام: ٥٩] نَزَلُوا بِهَا لَيْلًا لَهُمْ زَجَلٌ [[زجل: صوت رفيع عال.]] بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْكُتَّابَ فَكَتَبُوهَا مِنْ لَيْلَتِهِمْ. وَأَسْنَدَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ مَوْلَى الْحَضَارِمَةِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو بَكْرٍ الْعُمَرِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بن طلحة ابن عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ نَافِعٍ أَبِي سَهْلِ [[في ج وب وى: أبي سهيل، وفي غيرهما: ابن سهيل. والصحيح ما أثبتناه عن التهذيب.]] بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ مَعَهَا مَوْكِبٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ سَدَّ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ) وَالْأَرْضُ لَهُمْ تَرْتَجُّ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ [[في ح الجمل عن القرطبي: ثم خر ساجدا.]]. وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[من ع.]] قَالَ: الْأَنْعَامُ مِنْ نَجَائِبِ [[نجائب القرآن ونواجيه: أفاضل سوره. (النهاية).]] الْقُرْآنِ. وَفِيهِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: فَاتِحَةُ "التَّوْرَاةِ" فَاتِحَةُ الْأَنْعَامِ وَخَاتِمَتُهَا خاتمة "هُودٍ". وَقَالَهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ أَيْضًا. وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ "التَّوْرَاةَ" افْتُتِحَتْ بِقَوْلِهِ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ"] الانعام: ١ [الْآيَةَ وَخُتِمَتْ بِقَوْلِهِ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ" [[راجع ج ١٠ ص ٣٤٤.]]] الاسراء: ١١١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ "الانعام" إلى قوله: "وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ"] الانعام: ٣] وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَكْتُبُونَ لَهُ مِثْلَ عِبَادَتِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَنْزِلُ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَمَعَهُ مِرْزَبَّةٌ [[المرزبة (بالتخفيف) ويقال لها: الإرزبة (بالهمزة والتشديد). المطرقة الكبيرة التي تكون للحداد. (النهاية).]] مِنْ حَدِيدٍ، فَإِذَا أَرَادَ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوَسْوِسَ لَهُ أَوْ يُوحِيَ فِي قَلْبِهِ شَيْئًا ضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبْعُونَ حِجَابًا فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "امْشِ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي وَكُلْ مِنْ ثِمَارِ جَنَّتِي وَاشْرَبْ مِنْ مَاءِ الْكَوْثَرِ وَاغْتَسِلْ مِنْ مَاءِ السَّلْسَبِيلِ فَأَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ". وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنْ سُورَةِ "الْأَنْعَامِ" "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ" إلى قوله: "وَما كانُوا مُهْتَدِينَ" [[راجع ج ٧ ص ٩٦.]]] الانعام: ١٤٠]. تَنْبِيهٌ- قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذِهِ السُّورَةُ أَصْلٌ [[في ع: أمثل.]] فِي مُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُبْتَدِعِينَ وَمَنْ كَذَّبَ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَهَذَا يَقْتَضِي إِنْزَالَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ مِنَ الْحُجَّةِ وَإِنْ تَصَرَّفَ ذَلِكَ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَعَلَيْهَا بَنَى الْمُتَكَلِّمُونَ أُصُولَ الدِّينِ لِأَنَّ فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ تَرُدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ دُونَ السُّوَرِ الَّتِي تَذْكُرُ وَالْمَذْكُورَاتِ وَسَنَزِيدُ [[في ب وج وع وى: وستري ذلك مبينا.]] ذَلِكَ بَيَانًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِحَوْلِ الله تعالى] وعونه [[[من ك.]]. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ. الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى "الْحَمْدُ لِلَّهِ" بَدَأَ سُبْحَانَهُ فَاتِحَتَهَا بِالْحَمْدِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ أَيْ إِنَّ الْحَمْدَ كُلَّهُ لَهُ فَلَا شَرِيكَ لَهُ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدِ افْتُتِحَ غَيْرُهَا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَكَانَ الِاجْتِزَاءُ بِوَاحِدَةٍ يُغْنِي عَنْ سَائِرِهِ فَيُقَالُ: لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُ مَعْنًى فِي مَوْضِعِهِ لَا يُؤَدِّي عَنْهُ غَيْرُهُ مِنْ أَجْلِ عَقْدِهِ بِالنِّعَمِ الْمُخْتَلِفَةِ وَأَيْضًا فَلِمَا فِيهِ مِنَ الْحُجَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى الَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى (الْحَمْدِ) فِي الْفَاتِحَةِ [[راجع ج ١ ص ١٣١ وما بعدها.]]. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ أَخْبَرَ عَنْ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ فَقَالَ: الَّذِي خَلَقَ أَيِ اخْتَرَعَ وَأَوْجَدَ وَأَنْشَأَ وَابْتَدَعَ. وَالْخَلْقُ يَكُونُ بِمَعْنَى الِاخْتِرَاعِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَكِلَاهُمَا مُرَادٌ هُنَا وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حُدُوثِهِمَا فَرَفَعَ السَّمَاءَ بِغَيْرِ عَمَدٍ وَجَعَلَهَا مُسْتَوِيَةً مِنْ غَيْرِ أَوَدٍ [[الأود: العوج.]] وَجَعَلَ فِيهَا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَيْنِ وَزَيَّنَهَا بِالنُّجُومِ وَأَوْدَعَهَا السَّحَابَ وَالْغُيُومَ عَلَامَتَيْنِ وَبَسَطَ الْأَرْضَ وَأَوْدَعَهَا الْأَرْزَاقَ وَالنَّبَاتَ وَبَثَّ فِيهَا من كل دابة آيات وجعل فِيهَا الْجِبَالَ أَوْتَادًا وَسُبُلًا فِجَاجًا وَأَجْرَى فِيهَا الْأَنْهَارَ وَالْبِحَارَ وَفَجَّرَ فِيهَا الْعُيُونَ مِنَ الْأَحْجَارِ دَلَالَاتٍ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَأَنَّهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ وَبَيَّنَ بِخَلْقِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أنه خالق كل شي. الثَّالِثَةُ- خَرَّجَ مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يونس وهرون بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله ابن رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِيَدَيَّ فَقَالَ: (خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الجمعة فيما بين العصر إلى الليل). قُلْتُ: أَدْخَلَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثَ تَفْسِيرًا لِفَاتِحَةِ هَذِهِ السُّورَةِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَزَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ لِمُخَالَفَةِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَأَهْلُ التَّوَارِيخِ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ إِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ عَنْ حَدِيثِ أَبَى هُرَيْرَةَ (خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ). فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِيَدَيَّ قَالَ عَلِيٌّ: وَشَبَّكَ بِيَدِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى فَقَالَ لِي: شَبَّكَ بِيَدِي أَيُّوبُ بْنُ خَالِدٍ وَقَالَ لِي شَبَّكَ بِيَدِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ وَقَالَ لِي: شَبَّكَ بِيَدِي أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَالَ لِي: شَبَّكَ بِيَدِي أَبُو الْقَاسِمِ [رَسُولُ اللَّهِ] [[من ج.]] ﷺ فَقَالَ: (خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ السَّبْتِ) فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: وَمَا أَرَى إِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ أَخَذَ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ إِلَّا أَنَّ مُوسَى بْنَ عُبَيْدَةَ ضَعِيفٌ. وَرُوِيَ عَنْ بَكْرِ بْنِ الشَّرُودِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ- وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا أَحَدٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ابْتَدَأَ الْخَلْقَ فَخَلَقَ الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ ويوم الاثنين وخلق السموات يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَخَلَقَ الْأَقْوَاتَ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ وَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ خَلَقَ آدَمَ خَرَّجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. قُلْتُ: وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ الْخَلْقَ يَوْمَ الْأَحَدِ لَا يَوْمَ السَّبْتِ وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي "الْبَقَرَةِ" [[راجع ج ١ ص ٢٥٦ - ٢٥٥ وما بعدها.]] عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ. وَتَقَدَّمَ فِيهَا الِاخْتِلَافُ أَيُّمَا خُلِقَ أَوَّلًا الْأَرْضُ أَوِ السماء [[راجع ج ١ ص ٢٥٦ - ٢٥٥ وما بعدها.]] مستوفى. والحمد لله. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ﴾ ذَكَرَ بَعْدَ خَلْقِ الْجَوَاهِرِ خَلْقَ الْأَعْرَاضِ لِكَوْنِ الْجَوْهَرِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ وَمَا لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ. وَالْجَوْهَرُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ الْحَامِلُ لِلْعَرَضِ وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى ذِكْرِهِ فِي الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى فِي اسْمِهِ "الْوَاحِدِ". وَسُمِّيَ الْعَرَضُ عَرَضًا لِأَنَّهُ يَعْرِضُ فِي الْجِسْمِ وَالْجَوْهَرِ فَيَتَغَيَّرُ بِهِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَالْجِسْمُ هُوَ الْمُجْتَمَعُ وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجِسْمِ جَوْهَرَانِ مُجْتَمِعَانِ وَهَذِهِ الِاصْطِلَاحَاتُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهَا مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهَا. وَقَدِ اسْتَعْمَلَهَا الْعُلَمَاءُ وَاصْطَلَحُوا عَلَيْهَا وَبَنَوْا عَلَيْهَا كَلَامَهُمْ وَقَتَلُوا بِهَا خُصُومَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي "الْبَقَرَةِ". وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِالظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ فَقَالَ السُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ سَوَادُ اللَّيْلِ وَضِيَاءُ النَّهَارِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا خُرُوجٌ عَنِ الظَّاهِرِ. قُلْتُ: اللَّفْظُ يَعُمُّهُ وَفِي التَّنْزِيلِ: "أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ" [[راجع ج ٧ ص ٧٨.]]] الانعام: ١٢٢]. وَالْأَرْضُ هُنَا اسْمٌ لِلْجِنْسِ فَإِفْرَادُهَا فِي اللَّفْظِ بِمَنْزِلَةِ جَمْعِهَا وَكَذَلِكَ "وَالنُّورَ" وَمِثْلُهُ "ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا" [[راجع ج ١٢ ص ١١.]]] غافر: ٦٧] وَقَالَ الشَّاعِرُ: كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمْ تَعِفُّوا وَقَدْ تَقَدَّمَ [[تمام البيت: فإن زمانكم زمن خميص يقول الشاعر: كلوا في بعض بطنكم حتى تعتادوا ذلك فإن الزمان ذو مخمصة وجدب.]]. وَجَعَلَ هُنَا بِمَعْنَى خَلَقَ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. قُلْتُ: وَعَلَيْهِ يَتَّفِقُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى فِي النَّسَقِ فَيَكُونُ الْجَمْعُ مَعْطُوفًا عَلَى الْجَمْعِ وَالْمُفْرَدُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمُفْرَدِ فَيَتَجَانَسُ اللَّفْظُ وَتَظْهَرُ الْفَصَاحَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيلَ: جَمَعَ "الظُّلُماتِ" وَوَحَّدَ "النُّورَ" لِأَنَّ الظُّلُمَاتِ لَا تَتَعَدَّى وَالنُّورَ يَتَعَدَّى. وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْمَعَانِي قَالَ: "جَعَلَ" هُنَا زَائِدَةً وَالْعَرَبُ تَزِيدُ "جَعَلَ" فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَقَدْ جَعَلْتُ أَرَى الِاثْنَيْنِ أَرْبَعَةً ... وَالْوَاحِدَ [[ورد البيت في ج ١ ص ٢٢٨ (والأربع اثنين) والصواب ما هنا.]] اثْنَيْنِ لَمَّا هدني الكبر قَالَ النَّحَّاسُ: جَعَلَ بِمَعْنَى خَلَقَ وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى خَلَقَ لَمْ تَتَعَدَّ إِلَّا إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَمَحَامِلُ جَعَلَ فِي (الْبَقَرَةِ) [[راجع ج ١ ص ٢٢٨.]] مُسْتَوْفًى. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ وَالْمَعْنَى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَجْعَلُونَ لِلَّهِ عَدْلًا وَشَرِيكًا وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَحْدَهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَ "ثُمَّ" دَالَّةٌ عَلَى قُبْحِ فعل الكافرين لان المعنى: أن خلقه السموات وَالْأَرْضَ قَدْ تَقَرَّرَ وَآيَاتَهُ قَدْ سَطَعَتْ وَإِنْعَامَهُ بِذَلِكَ قَدْ تَبَيَّنَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ عَدَلُوا بِرَبِّهِمْ فَهَذَا كَمَا تَقُولُ: يَا فُلَانُ أَعْطَيْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ وَأَحْسَنْتُ إِلَيْكَ ثُمَّ تَشْتُمُنِي وَلَوْ وَقَعَ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ لَمْ يلزم التوبيخ كلزومه بثم والله أعلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب