الباحث القرآني

وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠) أَيْ لَا تُعَلِّقْ قَلْبَكَ بهم فإنهم أهل تعنت إن كُنْتَ مَأْمُورًا بِوَعْظِهِمْ. قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مَنْسُوخٌ، نَسَخَهُ "فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" [[راجع ج ٨ ص ٧١.]]. وَمَعْنَى "لَعِباً وَلَهْواً" أَيِ اسْتِهْزَاءً بِالدِّينِ الَّذِي دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: اسْتَهْزَءُوا بِالدِّينِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ. وَالِاسْتِهْزَاءُ لَيْسَ مُسَوَّغًا فِي دِينٍ. وَقِيلَ: "لَعِباً وَلَهْواً" بَاطِلًا وَفَرَحًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ [[راجع ج ٦ ص ٤١٣ فما بعده.]] هَذَا. وَجَاءَ اللَّعِبُ مُقَدَّمًا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ، وقد نظمت. إِذَا أَتَى لَعِبٌ وَلَهْوٌ [[هكذا الشطر في الأصول ولعل الأصل: إذا سألت عن إلخ.]] ... وَكَمْ مِنْ مَوْضِعٍ هُوَ فِي الْقُرْآنِ فَحَرْفٌ فِي الْحَدِيدِ وَفِي الْقِتَالِ ... وَفِي الْأَنْعَامِ مِنْهَا مَوْضِعَانِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالدِّينِ هُنَا الْعِيدُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا يُعَظِّمُونَهُ وَيُصَلُّونَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ قَوْمٍ اتَّخَذُوا عِيدَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا إِلَّا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ فإنهم اتخذوه وصلاة وَذِكْرًا وَحُضُورًا بِالصَّدَقَةِ، مِثْلَ الْجُمُعَةِ وَالْفِطْرِ وَالنَّحْرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ أَيْ لَمْ يَعْلَمُوا إِلَّا ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَذَكِّرْ بِهِ﴾ أَيْ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالْحِسَابِ. (أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ) أَيْ تُرْتَهَنُ وَتُسْلَمُ لِلْهَلَكَةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ. وَالْإِبْسَالُ: تَسْلِيمُ الْمَرْءِ لِلْهَلَاكِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ. أَبْسَلْتُ وَلَدِي أَرْهَنْتُهُ، قَالَ عَوْفُ بْنُ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرٍ: وَإِبْسَالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ ... بَعَوْنَاهُ وَلَا بِدَمٍ مُرَاقِ "بَعَوْنَاهُ" بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَعْنَاهُ جَنَيْنَاهُ. وَالْبَعْوُ الْجِنَايَةُ. وَكَانَ حَمَلَ عَنْ غَنِيٍّ لِبَنِي قُشَيْرٍ دَمَ ابْنَيِ السُّجَيْفَةِ [[كذا في ك. والذي في اللسان وشرح القاموس: السجفيه. والذي في الجواهري وفي اوب وج وز: السحيفه بالحاء المهملة بدل الجحيم.]] فَقَالُوا: لَا نَرْضَى بِكَ، فَرَهَنَهُمْ بَنِيهِ طَلَبًا لِلصُّلْحِ. وَأَنْشَدَ النَّابِغَةُ (الْجَعْدِيُّ) [[من ج، ع، ك، ز.]]: وَنَحْنُ رَهَنَّا بِالْأُفَاقَةِ [[الإفاقة (ككناسة): موضع في أرض الحزن قرب الكوفه. أو هو ماء لبنى يربوع، ويوم الإفاقة من أيام العرب.]] عَامِرًا ... بِمَا كَانَ فِي الدَّرْدَاءِ رَهْنًا فَأُبْسِلَا الدَّرْدَاءُ: كَتِيبَةٌ كَانَتْ لَهُمْ. (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ [[راجع ج ٣ ص ٢٨٣ وص ٢٧٣ وج ٤ ص ١٠٩.]] وَلا شَفِيعٌ) ٦ (تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ.) قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْها﴾ الْآيَةَ. الْعَدْلُ الْفِدْيَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْبَقَرَةِ" [[راجع ج ١ ص ٣٧٨ وص ٣٨٠.]]. وَالْحَمِيمُ الْمَاءُ الْحَارُّ، وَفِي التنزيل" يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ [[راجع ج ١٢ ص ٢٥.]] "الآية." يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ" [[راجع ج ١٧ ص ١٧٥.]]. وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ. وَقِيلَ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: "وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ" تهديد، كقول: "ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا" [[راجع ج ١٠ ص ٢.]] وَمَعْنَاهُ لَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ التَّبْلِيغُ وَالتَّذْكِيرُ بِإِبْسَالِ النُّفُوسِ. فَمَنْ أُبْسِلَ فَقَدْ أُسْلِمَ وَارْتُهِنَ. وَقِيلَ: أَصْلُهُ التَّحْرِيمُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: هَذَا بَسْلٌ عَلَيْكَ أَيْ حَرَامٌ، فَكَأَنَّهُمْ حَرَّمُوا الْجَنَّةَ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الْجَنَّةُ. قَالَ الشَّاعِرُ [[هو الأعشى ميمون.]]: أَجَارَتُكُمْ بَسْلٌ عَلَيْنَا مُحَرَّمٌ ... وَجَارَتُنَا حِلٌّ لكم وحليلها والإبسال: التحريم. والإبسال: التحريم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب