الباحث القرآني
﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ﴾ الَّذِينَ كُلِّفُوهُ وأُمِرُوا بِإقامَةِ مَواجِبِهِ.
﴿لَعِبًا ولَهْوًا﴾ حَيْثُ سَخِرُوا بِهِ واسْتَهْزَءُوا، أوْ بَنَوْا أمْرَ دِينِهِمْ عَلى ما لا يَكادُ يَتَعاطاهُ العاقِلُ بِطَرِيقِ الجِدِّ، وإنَّما يَصْدُرُ عَنْهُ لَوْ صَدَرَ بِطَرِيقِ اللَّعِبِ واللَّهْوِ، كَعِبادَةِ الأصْنامِ، وتَحْرِيمِ البَحائِرِ والسَّوائِبِ، ونَحْوِ ذَلِكَ.
والمَعْنى: أعْرِضْ عَنْهم ولا تُبالِ بِأفْعالِهِمْ وأقْوالِهِمْ، وقِيلَ: هو تَهْدِيدٌ لَهم، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَرْهم يَأْكُلُوا ويَتَمَتَّعُوا ...﴾ الآيَةَ.
﴿وَغَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا﴾ واطْمَأنُّوا بِها حَتّى زَعَمُوا أنْ لا حَياةَ بَعْدَها أبَدًا.
﴿وَذَكِّرْ بِهِ﴾؛ أيْ: بِالقرآن، مَن يَصْلُحُ لِلتَّذْكِيرِ.
﴿أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ﴾؛ أيْ: لِئَلّا تُبْسَلَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنْ تَضِلُّوا ...﴾ الآيَةَ، أوْ مَخافَةَ أنْ تُبْسَلَ، أوْ كَراهَةَ أنْ تُبْسَلَ نُفُوسٌ كَثِيرَةٌ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ﴾، وتُرْتَهَنَ لِسُوءِ عَمَلِها.
وَأصْلُ الإبْسالِ والبَسْلِ: المَنعُ، ومِنهُ: أسَدٌ باسِلٌ؛ لِأنَّ فَرِيسَتَهُ لا تُفْلِتُ مِنهُ، أوْ لِأنَّهُ مُمْتَنِعٌ، والباسِلُ: الشُّجاعُ؛ لِامْتِناعِهِ مِن قِرْنِهِ، وهَذا بَسْلٌ عَلَيْكَ؛ أيْ: حَرامٌ مَمْنُوعٌ.
وَقَدْ جُوِّزَ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ المَجْرُورُ في " بِهِ " راجِعَها إلى الإبْسالِ، مَعَ عَدَمِ جَرَيانِ ذِكْرِهِ كَما في ضَمِيرِ الشَّأْنِ، وتَكُونُ الجُمْلَةُ بَدَلًا مِنهُ مُفَسِّرًا لَهُ، لِما في الإبْهامِ أوَّلًا والتَّفْسِيرِ ثانِيًا مِنَ التَّفْخِيمِ وزِيادَةِ التَّقْرِيرِ، كَما في قَوْلِهِ:
عَلى جُودِهِ لَضَنَّ بِالماءِ حاتِمِ
بِجَرِّ حاتِمٍ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِن ضَمِيرِ جُودِهِ؛ فالمَعْنى: وذَكِّرْ بِارْتِهانِ النُّفُوسِ وحَبْسِها بِما كَسَبَتْ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيْسَ لَها مِن دُونِ اللَّهِ ولِيٌّ ولا شَفِيعٌ﴾ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِلْإخْبارِ بِذَلِكَ. وقِيلَ: في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى أنَّهُ حالٌ مِن ضَمِيرِ كَسَبَتْ. وقِيلَ: في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلى أنَّهُ وصْفٌ لِنَفْسٌ، والأظْهَرُ أنَّهُ حالٌ مِن نَفْسٌ، فَإنَّهُ في قُوَّةِ نَفْسٌ كافِرَةٌ، أوْ نُفُوسٌ كَثِيرَةٌ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ﴾ .
وَ" ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ هو حالٌ مِن " ﴿وَلِيٌّ﴾ "، كَما بُيِّنَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأنْذِرْ بِهِ ...﴾ الآيَةَ. وقِيلَ: هو خَبَرٌ لِلَيْسَ، فَيَكُونُ " لَها " حِينَئِذٍ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ عَلى البَيانِ.
﴿وَإنْ تَعْدِلْ﴾؛ أيْ: إنْ تَفْدِ تِلْكَ النَّفْسُ.
﴿كُلَّ عَدْلٍ﴾؛ أيْ: كُلَّ فِداءٍ، عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ.
﴿لا يُؤْخَذْ مِنها﴾ عَلى إسْنادِ الفِعْلِ إلى الجارِّ والمَجْرُورِ لا إلى ضَمِيرِ العَدْلِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا يُؤْخَذُ مِنها عَدْلٌ﴾؛ فَإنَّهُ المَفْدِيُّ بِهِ لا المَصْدَرُ كَما نَحْنُ فِيهِ.
﴿أُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى المَوْصُولِ بِاعْتِبارِ اتِّصافِهِ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإيذانِ بِبُعْدِ دَرَجَتِهِمْ في سُوءِ الحالِ، ومَحَلُّهُ الرَّفْعُ عَلى الِابْتِداءِ، والخَبَرُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا﴾ والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، سِيقَتْ إثْرَ تَحْذِيرِهِمْ مِنَ الإبْسالِ المَذْكُورِ، لِبَيانِ أنَّهُمُ المُبْتَلَوْنَ بِذَلِكَ؛ أيْ: أُولَئِكَ المُتَّخِذُونَ دِينَهم لَعِبًا ولَهْوًا، المُغْتَرُّونَ بِالحَياةِ الدُّنْيا، هُمُ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَهم شَرابٌ مِن حَمِيمٍ﴾ اسْتِئْنافٌ آخَرُ مُبَيِّنٌ لِكَيْفِيَّةِ الإبْسالِ المَذْكُورِ وعاقِبَتِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالٍ نَشَأ مِنَ الكَلامِ، كَأنَّهُ قِيلَ: ماذا لَهم حِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا ؟ فَقِيلَ: لَهم شَرابٌ مِن ماءٍ مَغْلِيٍّ، يَتَجَرْجَرُ في بُطُونِهِمْ وتَتَقَطَّعُ بِهِ أمْعاؤُهم.
﴿وَعَذابٌ ألِيمٌ﴾ بِنارٍ تَشْتَعِلُ بِأبْدانِهِمْ.
﴿بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾؛ أيْ: بِسَبَبِ كُفْرِهِمُ المُسْتَمِرِّ في الدُّنْيا، وقَدْ جُوِّزَ أنْ يَكُونَ " لَهم شَرابٌ ... " إلَخْ حالًا مِن ضَمِيرِ أُبْسِلُوا، وتَرْتِيبِ (p-149)ما ذُكِّرَ مِنَ العَذابَيْنِ عَلى كُفْرِهِمْ، مَعَ أنَّهم مُعَذَّبُونَ بِسائِرِ مَعاصِيهِمْ أيْضًا حَسْبَما يَنْطِقُ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: " بِما كَسَبُوا "؛ لِأنَّهُ العُمْدَةُ في إيجابِ العَذابِ، والأهَمُّ في بابِ التَّحْذِيرِ، أوْ أُرِيدَ بِكُفْرِهِمْ ما هو أعَمُّ مِنهُ، ومِن مُسْتَتْبَعاتِهِ مِنَ المَعاصِي والسَّيِّئاتِ.
هَذا وقَدْ جُوِّزَ أنْ يَكُونَ " أُولَئِكَ " إشارَةً إلى النُّفُوسِ المَدْلُولِ عَلَيْها بِنَفْسٌ، مَحَلُّهُ الرَّفْعُ بِالِابْتِداءِ والمَوْصُولُ الثّانِي صِفَتُهُ، أوْ بَدَلٌ مِنهُ، " ولَهم شَرابٌ ... " إلَخْ خَبَرُهُ، والجُمْلَةُ مَسُوقَةٌ لِبَيانِ تَبِعَةِ الإبْسالِ.
{"ayah":"وَذَرِ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ دِینَهُمۡ لَعِبࣰا وَلَهۡوࣰا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۚ وَذَكِّرۡ بِهِۦۤ أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ بِمَا كَسَبَتۡ لَیۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِیࣱّ وَلَا شَفِیعࣱ وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلࣲ لَّا یُؤۡخَذۡ مِنۡهَاۤۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ أُبۡسِلُوا۟ بِمَا كَسَبُوا۟ۖ لَهُمۡ شَرَابࣱ مِّنۡ حَمِیمࣲ وَعَذَابٌ أَلِیمُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق