الباحث القرآني
(p-٣٨٧)قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهم لَعِبًا ولَهْوًا وغَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُنْيا وذَكِّرْ بِهِ أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِن دُونِ اللهِ ولِيٌّ ولا شَفِيعٌ وإنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنها أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهم شَرابٌ مِن حَمِيمٍ وعَذابٌ ألِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾
هَذا أمْرٌ بِالمُتارَكَةِ؛ وكانَ ذَلِكَ بِحَسَبِ قِلَّةِ أتْباعِ الإسْلامِ حِينَئِذٍ؛ قالَ قَتادَةُ: ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ؛ وما جَرى مُجْراهُ بِالقِتالِ؛ وقالَ مُجاهِدٌ: اَلْآيَةُ إنَّما هي لِلتَّهْدِيدِ؛ والوَعِيدِ؛ فَهي كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ذَرْنِي ومَن خَلَقْتُ وحِيدًا﴾ [المدثر: ١١] ؛ ولَيْسَ فِيها نَسْخٌ لِأنَّها مُتَضَمِّنَةٌ خَبَرًا؛ وهو التَهْدِيدُ؛ وقَوْلُهُ: ﴿لَعِبًا ولَهْوًا﴾ ؛ يُرِيدُ: "إذْ يَعْتَقِدُونَ أنْ لا بَعْثَ؛ فَهم يَتَصَرَّفُونَ بِشَهَواتِهِمْ تَصَرُّفَ اللاعِبِ اللاهِي".
﴿وَغَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُنْيا﴾ ؛ أيْ: خَدَعَتْهُمْ؛ مِن "اَلْغُرُورُ"؛ وهو الإطْماعُ بِما لا يُتَحَصَّلُ؛ فاغْتَرُّوا بِنِعَمِ اللهِ تَعالى ورِزْقِهِ؛ وإمْهالِهِ؛ وطَمَعُهم ذَلِكَ فِيما لا يُتَحَصَّلُ مِن رَحْمَتِهِ تَعالى.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ويُتَخَرَّجُ في "غَرَّتْهُمُ"؛ هُنا؛ وجْهٌ آخَرُ؛ مِن "اَلْغَرُورُ"؛ بِفَتْحِ الغَيْنِ؛ أيْ: "مَلَأْتُ أفْواهَهُمْ؛ وأشْبَعْتُهُمْ"؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ ولَمّا التَقَيْنا بِالحُلَيْبَةِ غَرَّنِي ∗∗∗ بِمَعْرُوفِهِ حَتّى خَرَجْتُ أفُوقُ
ومِنهُ: "غَرَّ الطائِرُ فَرْخَهُ"؛ ولا يُتَّجَهُ هَذا المَعْنى في تَفْسِيرِ "غَرَّ"؛ في كُلِّ مَوْضِعٍ.
وأضافَ الدِينَ إلَيْهِمْ؛ عَلى مَعْنى أنَّهم جَعَلُوا اللَعِبَ واللهْوَ دِينًا؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: "اِتَّخَذُوا دِينَهُمُ؛ الَّذِي كانَ يَنْبَغِي لَهُمْ؛ لَعِبًا ولَهْوًا"؛ والضَمِيرُ في "بِهِ"؛ عائِدٌ عَلى الدِينِ؛ وقِيلَ: عَلى القُرْآنِ.
(p-٣٨٨)وَ"أنْ تُبْسَلَ"؛ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ؛ أيْ: "لِئَلّا تُبْسَلَ؛ أو كَراهِيَةَ أنْ تُبْسَلَ؛ ومَعْناهُ: "تُسْلَمَ"؛ قالَ الحَسَنُ؛ وعِكْرِمَةُ ؛ وقالَ قَتادَةُ: "تُحْبَسَ؛ وتُرْتَهَنَ"؛ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: "تُفْضَحَ"؛ وقالَ الكَلْبِيُّ ؛ وابْنُ زَيْدٍ: "تُجْزى"؛ وهَذِهِ كُلُّها مُتَقارِبَةٌ بِالمَعْنى؛ ومِنهُ قَوْلُ الشَنْفَرى:
؎ هُنالِكَ لا أرْجُو حَياةً تَسُرُّنِي ∗∗∗ ∗∗∗ سَمِيرَ اللَيالِي مُبْسَلًا بِالجَرائِرِ
وقالَ بَعْضُ الناسِ: هو مَأْخُوذٌ مِن "اَلْبَسْلُ"؛ أيْ مِن "اَلْحَرامُ"؛ كَما قالَ الشاعِرُ:
؎ بَكَرَتْ تَلُومُكَ بَعْدَ وهْنٍ في النَدى ∗∗∗ ∗∗∗ بَسْلٌ عَلَيْكِ مَلامَتِي وعِتابِي
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا بَعِيدٌ.
و"نَفْسٌ"؛ تَدُلُّ عَلى الجِنْسِ؛ ومَعْنى الآيَةِ: "وَذَكِّرْ بِالقُرْآنِ؛ والدِينِ؛ وادْعُ إلَيْهِ؛ لِئَلّا تُبْسَلَ نَفْسُ التارِكِ لِلْإيمانِ بِما كَسَبَتْ مِنَ الكُفْرِ؛ وآثَرَتْهُ مِن رَفْضِ الإسْلامِ".
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿لَيْسَ لَها مِن دُونِ اللهِ﴾ ؛ في مَوْضِعِ الحالِ؛ و"مِن"؛ لِابْتِداءِ الغايَةِ؛ ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ زائِدَةً؛ و"دُونِ"؛ ظَرْفُ مَكانٍ؛ وهي لَفْظَةٌ تُقالُ بِاشْتِراكٍ؛ وهي - في هَذِهِ الآيَةِ - الدالَّةُ عَلى زَوالِ مَن أُضِيفَتْ إلَيْهِ مِن نازِلَةِ القَوْلِ؛ كَما في المَثَلِ: "وَأُمِرَّ دُونَ عُبَيْدَةَ الوَذَمُ".
(p-٣٨٩)والوَلِيُّ؛ والشَفِيعُ هُما طَرِيقا الحِمايَةِ والغَوْثِ في جَمِيعِ الأُمُورِ؛ ﴿وَإنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ﴾ ؛ أيْ: "وَإنْ تُعْطِ كُلَّ فِدْيَةٍ؛ وإنْ عَظُمَتْ؛ فَتَجْعَلْها عَدْلًا لَها؛ لا يُقْبَلْ مِنها"؛ وحَكى الطَبَرِيُّ عن قائِلٍ: إنَّ المَعْنى: "وَإنْ تَعْدِلْ": مِن "اَلْعَدْلُ"؛ اَلْمُضادِّ لِلْجَوْرِ؛ ورَدَّ عَلَيْهِ؛ وضَعَّفَهُ بِالإجْماعِ عَلى أنَّ تَوْبَةَ الكافِرِ مَقْبُولَةٌ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ولا يَلْزَمُ هَذا الرَدُّ؛ لِأنَّ الأمْرَ إنَّما هو يَوْمَ القِيامَةِ؛ ولا تُقْبَلُ فِيهِ تَوْبَةٌ؛ ولا عَمَلٌ؛ والقَوْلُ نَصٌّ لِأبِي عُبَيْدَةَ ؛ و"اَلْعِدْلُ"؛ في اللُغَةِ مُماثِلُ الشَيْءِ مِن غَيْرِ جِنْسِهِ؛ وقِيلَ: "اَلْعِدْلُ"؛ بِالكَسْرِ: اَلْمِثْلُ؛ و"اَلْعَدْلُ"؛ بِالفَتْحِ: اَلْقِيمَةُ؛ و"أُولَئِكَ"؛ إشارَةٌ إلى الجِنْسِ المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "تُبْسَلَ نَفْسٌ"؛ و"أُبْسِلُوا"؛ مَعْناهُ: أُسْلِمُوا بِما اجْتَرَحُوهُ مِنَ الكُفْرِ؛ والحَمِيمُ: اَلْماءُ الحارُّ؛ ومِنهُ "اَلْحَمّامُ"؛ و"اَلْحَمَّةُ"؛ ومِنهُ قَوْلُ أبِي ذُؤَيْبٍ:
؎ ................. ∗∗∗ ∗∗∗ إلّا الحَمِيمَ فَإنَّهُ يَتَبَصَّعُ
و"ألِيمٌ": "فَعِيلٌ"؛ بِمَعْنى "مُفْعِلٌ"؛ أيْ: "مُؤْلِمٌ".
{"ayah":"وَذَرِ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ دِینَهُمۡ لَعِبࣰا وَلَهۡوࣰا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۚ وَذَكِّرۡ بِهِۦۤ أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ بِمَا كَسَبَتۡ لَیۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِیࣱّ وَلَا شَفِیعࣱ وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلࣲ لَّا یُؤۡخَذۡ مِنۡهَاۤۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ أُبۡسِلُوا۟ بِمَا كَسَبُوا۟ۖ لَهُمۡ شَرَابࣱ مِّنۡ حَمِیمࣲ وَعَذَابٌ أَلِیمُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق