الباحث القرآني
ولَمّا أبْرَزَ هَذا الأمْرَ في صِيغَةِ النَّهْيِ - أعادَهُ بِصِيغَةِ الأمْرِ اهْتِمامًا بِهِ وتَأْكِيدًا لَهُ، وأظْهَرَ لَهم وصْفًا آخَرَ هو غايَةُ الوَصْفِ الأوَّلِ مَعَ ما ضُمَّ إلَيْهِ مِنَ الإرْشادِ إلى الإنْقاذِ مِنَ المَعاطِبِ فَقالَ: ﴿وذَرِ﴾ أيْ: اتْرُكْ أيَّ تَرْكٍ كانَ ولَوْ كانَ عَلى أدْنى الوُجُوهِ ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ أيْ: كَلَّفُوا أنْفُسَهم في اتِّباعِ الهَوى بِمُخالَفَةِ العَقْلِ المُسْتَقِيمِ والطَّبْعِ الفِطْرِيِّ السَّلِيمِ بِأنْ أخَذُوا ﴿دِينَهُمْ﴾ عَلى نَمَطِ الأسْخَفِ مِن دُنْياهُمْ؛ ولَمّا كانَ (p-١٤٨)الدِّينُ مَلَكَةً راسِخَةً في النَّفْسِ، ولا شَيْءَ مِن كَيْفِيّاتِ النَّفْسِ أرْسَخُ مِنها ولا أثْبَتُ، وهو أشْرَفُ ما عِنْدَ الإنْسانِ، وكانَ اللَّعِبُ ضِدَّهُ لا شَيْءَ أسْرَعُ مِن انْقِضائِهِ ولا أوْهى مِن بِنائِهِ - قالَ ذامًّا لَهم بِأنَّهم بَدَّلُوا مَقْصُودَ هَذِهِ السُّورَةِ - الَّذِي هو مِنَ الِاسْتِدْلالِ عَلى التَّوْحِيدِ الَّذِي لا أشْرَفَ مِنهُ مُطْلَقًا ولا أعْلى ولا أنْفَسَ بِوَجْهٍ ولا أحْلى - بِما لا أدْنى مِنهُ ولا أوْهى ولا أمْحَقَ لِلْمُرُوءَةِ ولا أدْهى: ﴿لَعِبًا﴾ ولَمّا كانَ رُبَّما قِيلَ: إنَّهم إذا انْقَضى اللَّعِبُ عادُوا إلى الِاشْتِغالِ بِالدِّينِ، أتْبَعَهُ الباعِثَ عَلَيْهِ إشارَةً إلى أنَّهُ كُلَّما مَلُّوا اللَّعِبَ بَعَثُوا النُّفُوسَ إلَيْهِ بِاللَّهْوِ كَما تَرى الرّاقِصَ كُلَّما فَتَرَ في رَقْصِهِ بَعَثُوهُ عَلَيْهِ بِتَقْوِيَةِ اللَّهْوِ أوْ الِانْتِقالِ مِن فَنٍّ إلى آخَرَ مِن فُنُونِهِ وشَأْنٍ بَدِيعٍ مِن شُؤُونِهِ، فَقالَ: ﴿ولَهْوًا﴾ أيْ: في الِاسْتِهْزاءِ بِالدِّينِ الحَقِّ بِالمُكاءِ والتَّصْدِيَةِ وبِالبَحائِرِ والسَّوائِبِ وغَيْرِ ذَلِكَ، فَلا تُبالِ بِهِمْ ولا يُشْغَلْ قَلْبُكَ بِهِمْ ﴿وغَرَّتْهُمُ﴾ أيْ: خَدَعَتْهم ﴿الحَياةُ الدُّنْيا﴾ الَّتِي هم مِن أعْرَفِ النّاسِ بِزَوالِها، وأنَّ كُلَّ مَن بِها هالِكٌ، فَمِنَّتُهم النِّعَمُ الَّتِي مَنَّ عَلَيْهِمْ - سُبْحانَهُ - بِها فِيما لا يَنالُونَهُ مِنَ السَّعادَةِ إلّا بِاتِّباعِ أوامِرِهِ واجْتِنابِ نَواهِيهِ.
ولَمّا كانَ رُبَّما أفْهَمَ ذَلِكَ تَرْكَهم في كُلِّ حالَةٍ، نَفاهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وذَكِّرْ بِهِ﴾ أيْ: تَحْدِيثِ الآياتِ، وهي القُرْآنُ المُتَجَدِّدُ إنْزالُهُ، (p-١٤٩)والضَّمِيرُ في الحَقِيقَةِ لِلْآياتِ، أيْ: دَعْهم يَفْعَلُوا ما أرادُوا، لا تُبالِ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ، ولا تَتْرُكْ وعْظَهم بِهَذا القُرْآنِ، أيْ: ما عَلَيْكَ إلّا البَلاغُ، لَمْ نُكَلِّفْكَ في هَذِهِ الحالَةِ أكْثَرَ مِنهُ ﴿أنْ تُبْسَلَ﴾ قالَ في ( المُجْمَلِ ): البَسْلُ: النَّخْلُ، وأبْسَلْتُهُ: أسْلَمْتُهُ لِلْهَلَكَةِ، فالمَعْنى: كَراهَةَ أنْ تُخْلى وتُسْلَمَ ﴿نَفْسٌ بِما﴾ أيْ: بِسَبَبِ ما ﴿كَسَبَتْ﴾ في دُنْياها كائِنَةً ﴿لَيْسَ لَها مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أيْ: المُنْفَرِدِ بِالعَظَمَةِ ﴿ولِيٌّ﴾ أيْ: يَتَوَلّى نَصْرَها ﴿ولا شَفِيعٌ﴾ يُنْقِذُها بِشَفاعَتِهِ.
ولَمّا كانَ الفِداءُ مِن أسْبابِ الخَلاصِ - قالَ: ﴿وإنْ تَعْدِلْ﴾ أيْ: تِلْكَ النَّفْسُ لِأجْلِ التَّوَصُّلِ إلى الفِكاكِ ﴿كُلَّ عَدْلٍ﴾ أيْ: كُلَّ شَيْءٍ يُظَنُّ أنَّهُ يَعْدِلُها ولَوْ كانَ أنْفَسَ شَيْءٍ؛ ( ولَمّا ) كانَ الضّارُّ عَدَمَ الأخْذِ، لا كَوْنُهُ مِن مُعَيَّنٍ، بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ قَوْلُهُ: ﴿لا يُؤْخَذْ مِنها﴾ ولَمّا أنْتَجَ ذَلِكَ قَطْعًا أنَّ مَن هَذا حالُهُ هالِكٌ، قالَ: ﴿أُولَئِكَ﴾ أيْ: الَّذِينَ عَمِلُوا هَذِهِ الأعْمالَ البَعِيدَةَ عَنِ الخَيْرِ ﴿الَّذِينَ أُبْسِلُوا﴾ أيْ: أُسْلِمُوا ﴿بِما كَسَبُوا﴾ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ قَوْلَهُ: ﴿لَهم شَرابٌ مِن حَمِيمٍ﴾ أيْ: هو غايَةُ الحَرِّ يُصْهَرُ بِهِ (p-١٥٠)ما في بُطُونِهِمْ بِما اعْتَقَدُوا في الآياتِ ما ظَهَرَ عَلى ألْسِنَتِهِمْ ﴿وعَذابٌ ألِيمٌ﴾ أيْ: يَعُمُّ دائِمًا ظَواهِرَهم وبَواطِنَهم بِما ظَهَرَ عَلَيْهِمْ مِن ذَلِكَ بَعْدَ ما بَطَنَ ﴿بِما﴾ أيْ: بِسَبَبِ ما ﴿كانُوا يَكْفُرُونَ﴾ أيْ: يُجَدِّدُونَ مِن تَغْطِيَةِ الآياتِ.
{"ayah":"وَذَرِ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ دِینَهُمۡ لَعِبࣰا وَلَهۡوࣰا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۚ وَذَكِّرۡ بِهِۦۤ أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ بِمَا كَسَبَتۡ لَیۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِیࣱّ وَلَا شَفِیعࣱ وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلࣲ لَّا یُؤۡخَذۡ مِنۡهَاۤۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ أُبۡسِلُوا۟ بِمَا كَسَبُوا۟ۖ لَهُمۡ شَرَابࣱ مِّنۡ حَمِیمࣲ وَعَذَابٌ أَلِیمُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق