الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ قَدْ مَضَّى الْكَلَامُ فِيهِ فِي الْأَنْعَامِ [[راجع ج ٧ ص ١٣٠.]]. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً﴾. فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً﴾ أَيْ بِغَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ الْقَتْلَ. (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ) أي لمستحق دمه .. قال خويز: الْوَلِيُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا، لِأَنَّهُ أَفْرَدَهُ بِالْوِلَايَةِ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ. وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ" مَا يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ الْمَرْأَةِ عَنْ مُطْلَقِ لَفْظِ الْوَلِيِّ، فَلَا جَرَمَ، لَيْسَ لِلنِّسَاءِ حَقٌّ فِي القصاص لذلك ولا أثر وَلَيْسَ لَهَا الِاسْتِيفَاءُ. وَقَالَ الْمُخَالِفُ: إِنَّ الْمُرَادَ ها هنا بِالْوَلِيِّ الْوَارِثُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [[راجع ج ٨ ص ٢٠٢ وص ٥٥ وص ٥٨.]] "، وَقَالَ:" وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ [[راجع ج ٨ ص ٢٠٢ وص ٥٥ وص ٥٨.]] مِنْ شَيْءٍ"، وَقَالَ: "وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ" فَاقْتَضَى ذَلِكَ إِثْبَاتَ الْقَوَدِ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْوَلِيَّ فِي ظَاهِرِهِ عَلَى التَّذْكِيرِ وَهُوَ وَاحِدٌ، كَأَنَّ مَا كَانَ بِمَعْنَى الْجِنْسِ يَسْتَوِي الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِيهِ، وَتَتِمَّتُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. (سُلْطاناً) أَيْ تَسْلِيطًا إِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَالضَّحَّاكُ وَأَشْهَبُ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: السُّلْطَانُ أَمْرُ اللَّهِ. ابْنُ عَبَّاسٍ: السُّلْطَانُ الْحُجَّةُ. وَقِيلَ: السُّلْطَانُ طَلَبُهُ حَتَّى يُدْفَعَ إِلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ، وَأَوْضَحُهَا [[في ج: أظهرها.]] قَوْلُ مَالِكٍ: إِنَّهُ أَمْرُ اللَّهِ. ثُمَّ إِنَّ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَقَعْ نَصًّا فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ: الْقَتْلُ خَاصَّةً. وَقَالَ أَشْهَبُ: الْخِيرَةُ، كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ" الْبَقَرَةِ [[راجع ج ٢ ص ٢٤٤ فما بعد.]] "هَذَا الْمَعْنَى. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: لَا يَقْتُلُ غَيْرَ قَاتِلِهِ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ ومجاهد وصعيد بْنُ جُبَيْرٍ. الثَّانِي: لَا يَقْتُلُ بَدَلَ وَلِيِّهِ اثْنَيْنِ كَمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ. الثَّالِثُ: لَا يُمَثَّلُ بِالْقَاتِلِ، قَالَهُ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ، وَكُلُّهُ مُرَادٌ لِأَنَّهُ إِسْرَافٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ [[راجع ج ٢ ص ٢٤٤ فما بعد.]] "الْقَوْلُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ" يُسْرِفْ "بِالْيَاءِ، يُرِيدُ الْوَلِيَّ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" تُسْرِفْ "بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ حُذَيْفَةَ. وَرَوَى الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ لِلْقَاتِلِ الْأَوَّلِ، وَالْمَعْنَى عِنْدَنَا فَلَا تُسْرِفْ أَيُّهَا الْقَاتِلُ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: هُوَ عَلَى مَعْنَى الْخِطَابِ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ أَيْ لَا تَقْتُلُوا غَيْرَ الْقَاتِلِ. وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ" فلا تسرفوا في القتل". الثالثة- قوله تعالى: (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) أَيْ مُعَانًا، يَعْنِي الْوَلِيَّ. فَإِنْ قِيلَ: وَكَمْ مِنْ وَلِيٍّ مَخْذُولٍ لَا يَصِلُ إِلَى حَقِّهِ. قُلْنَا: الْمَعُونَةُ تَكُونُ بِظُهُورِ الْحُجَّةِ تَارَةً وَبِاسْتِيفَائِهَا أُخْرَى، وَبِمَجْمُوعِهِمَا ثَالِثَةً، فَأَيُّهَا كَانَ فَهُوَ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَرَوَى ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ مَنْصُورًا. النَّحَّاسُ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ نَصَرَهُ بِوَلِيِّهِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ "فَلَا تُسْرِفُوا فِي الْقَتْلِ إِنَّ وَلِيَّ المقتول كان منصورا". قال النحاس: إلا بين بِالْيَاءِ وَيَكُونُ لِلْوَلِيِّ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: لَا يُسْرِفُ إِنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ، فَهَذَا لِلْوَلِيِّ. وَقَدْ يَجُوزُ بِالتَّاءِ وَيَكُونُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى تَحْوِيلِ الْمُخَاطَبَةِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: هَذَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ القرآن في شأن القتل. وهى مكية [[المروي عن الحسن أنها مدينة كما في الالومى. وهو المتبادر لأنها عن الأحكام.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب