الباحث القرآني
﴿ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا يُسْرِفْ في القَتْلِ إنَّهُ كانَ مَنصُورًا﴾
مَعْلُومَةٌ حالَةُ العَرَبِ في الجاهِلِيَّةِ مِنَ التَّسَرُّعِ إلى قَتْلِ النُّفُوسِ فَكانَ حِفْظُ النُّفُوسِ مِن أعْظَمِ القَواعِدِ الكُلِّيَّةِ لِلشَّرِيعَةِ الإسْلامِيَّةِ، ولِذَلِكَ كانَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النَّفْسِ مِن أهَمِّ الوَصايا الَّتِي أوْصى بِها الإسْلامُ أتْباعَهُ في هَذِهِ الآياتِ الجامِعَةِ، وهَذِهِ هي الوَصِيَّةُ التّاسِعَةُ.
والنَّفْسُ هُنا الذّاتُ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] وقَوْلِهِ ﴿أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ في الأرْضِ فَكَأنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] وقَوْلِهِ ﴿وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان: ٣٤]، وتُطْلَقُ النَّفْسُ عَلى الرُّوحِ الإنْسانِيِّ وهي النَّفْسُ النّاطِقَةُ.
والقَتْلُ: الإماتَةُ بِفِعْلِ فاعِلٍ، أيْ إزالَةُ الحَياةِ عَنِ الذّاتِ.
وقَوْلُهُ ﴿حَرَّمَ اللَّهُ﴾ حُذِفَ العائِدُ مِنَ الصِّلَةِ إلى المَوْصُولِ؛ لِأنَّهُ ضَمِيرٌ مَنصُوبٌ بِفِعْلِ الصِّلَةِ وحَذْفُهُ كَثِيرٌ، والتَّقْدِيرُ: حَرَّمَها اللَّهُ، وعَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِعَيْنِ النَّفْسِ، والمَقْصُودُ تَحْرِيمُ قَتْلِها.
(p-٩٢)ووُصِفَتِ النَّفْسُ بِالمَوْصُولِ والصِّلَةِ بِمُقْتَضى كَوْنِ تَحْرِيمِ قَتْلِها مَشْهُورًا مِن قَبْلِ هَذا النَّهْيِ، إمّا لِأنَّهُ تَقَرَّرَ مِن قَبْلُ بِآياتٍ أُخْرى نَزَلَتْ قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ وقَبْلَ آيَةِ الأنْعامُ حُكْمًا مُفَرِّقًا، وجَمَعَتِ الأحْكامَ في هَذِهِ الآيَةِ وآيَةِ الأنْعامِ، وإمّا لِتَنْزِيلِ الصِّلَةِ مَنزِلَةَ المَعْلُومِ؛ لِأنَّها مِمّا لا يَنْبَغِي جَهْلُهُ فَيَكُونُ تَعْرِيضًا بِأهْلِ الجاهِلِيَّةِ الَّذِينَ كانُوا يَسْتَخِفُّونَ بِقَتْلِ النَّفْسِ بِأنَّهم جَهِلُوا ما كانَ عَلَيْهِمْ أنْ يَعْلَمُوهُ، تَنْوِيهًا بِهَذا الحُكْمِ، وذَلِكَ أنَّ النَّظَرَ في خَلْقِ هَذا العالَمِ يَهْدِي العُقُولَ إلى أنَّ اللَّهَ أوْجَدَ الإنْسانَ؛ لِيُعَمِّرَ بِهِ الأرْضَ، كَما قالَ تَعالى ﴿هُوَ أنْشَأكم مِنَ الأرْضِ واسْتَعْمَرَكم فِيها﴾ [هود: ٦١]، فالإقْدامُ عَلى إتْلافِ نَفْسِ هَدْمٌ لِما أرادَ اللَّهُ بِناءَهُ، عَلى أنَّهُ قَدْ تَواتَرَ وشاعَ بَيْنَ الأُمَمِ في سائِرِ العُصُورِ والشَّرائِعِ مِن عَهْدِ آدَمَ صَوْنُ النُّفُوسِ مِنَ الِاعْتِداءِ عَلَيْها بِالإعْدامِ، فَبِذَلِكَ وُصِفَتْ بِأنَّها الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، أيْ عُرِفَتْ بِمَضْمُونِ هَذِهِ الصِّلَةِ.
واسْتُثْنِيَ مِن عُمُومِ النَّهْيِ القَتْلُ المُصاحِبُ لِلْحَقِّ، أيِ الَّذِي يَشْهَدُ الحَقُّ أنَّ نَفْسًا مُعَيَّنَةً اسْتَحَقَّتِ الإعْدامَ مِنَ المُجْتَمَعِ، وهَذا مُجْمَلٌ يُفَسِّرُهُ في وقْتِ النُّزُولِ ما هو مَعْرُوفٌ مِن أحْكامِ القَوَدِ عَلى وجْهِ الإجْمالِ.
ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الآياتُ سِيقَتْ مَساقَ التَّشْرِيعِ لِلْأُمَّةِ، وإشْعارًا بِأنْ سَيَكُونُ في الأُمَّةِ قَضاءٌ، وحُكْمٌ فِيما يُسْتَقْبَلُ أُبْقِيَ مُجْمَلًا حَتّى تُفَسِّرَهُ الأحْكامُ المُسْتَأْنَفَةُ مِن بَعْدُ، مِثْلَ آيَةِ ﴿وما كانَ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلّا خَطَأً﴾ [النساء: ٩٢] إلى قَوْلِهِ ﴿وأعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٣] .
فالباءُ في قَوْلِهِ بِالحَقِّ لِلْمُصاحَبَةِ، وهي مُتَعَلِّقَةٌ بِمَعْنى الِاسْتِثْناءِ، أيْ إلّا قَتْلًا مُلابِسًا لِلْحَقِّ.
والحَقُّ بِمَعْنى العَدْلِ، أوْ بِمَعْنى الِاسْتِحْقاقِ، أيْ حَقُّ القَتْلِ، كَما في الحَدِيثِ: «فَإذا قالُوها أيْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهم وأمْوالَهم إلّا بِحَقِّها» .
ولَمّا كانَ الخِطابُ بِالنَّهْيِ لِجَمِيعِ الأُمَّةِ كَما دَلَّ عَلَيْهِ الفِعْلُ في سِياقِ النَّهْيِ كانَ تَعْيِيمُ الحَقِّ المُبِيحِ لِقَتْلِ النَّفْسِ مَوْكُولًا إلى مَن لَهم تَعْيِينُ الحُقُوقِ.
(p-٩٣)ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الآيَةُ نازِلَةً قَبْلَ الهِجْرَةِ فَتَعْيِينُ الحَقِّ يَجْرِي عَلى ما هو مُتَعارَفٌ بَيْنَ القَبائِلِ، وهو ما سَيُذْكَرُ في قَوْلِهِ تَعالى عَقِبَ هَذا ﴿ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا﴾ الآيَةَ.
وحِين كانَ المُسْلِمُونَ وقْتَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ مُخْتَلِطِينَ في مَكَّةَ بِالمُشْرِكِينَ، ولَمْ يَكُنِ المُشْرِكُونَ أهْلًا لِلثِّقَةِ بِهِمْ في الطّاعَةِ لِلشَّرائِعِ العادِلَةِ، وكانَ قَدْ يَعْرِضُ أنْ يَعْتَدِيَ أحَدُ المُشْرِكِينَ عَلى أحَدِ المُسْلِمِينَ بِالقَتْلِ ظُلْمًا أمَرَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ بِأنَّ المَظْلُومَ لا يَظْلِمُ، فَقالَ ﴿ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ أيْ قَدْ جَعَلَ لِوَلِيِّ المَقْتُولِ تَصَرُّفًا في القاتِلِ بِالقَوَدِ أوِ الدِّيَةِ.
والسُّلْطانُ: مَصْدَرٌ مِنَ السُّلْطَةِ كالغُفْرانِ، والمُرادُ بِهِ ما اسْتَقَرَّ في عَوائِدِهِمْ مِن حُكْمِ القَوَدِ.
وكَوْنُهُ حَقًّا لِوَلِيِّ القَتِيلِ يَأْخُذُ بِهِ أوْ يَعْفُو أوْ يَأْخُذُ الدِّيَةَ ألْهَمَهُمُ اللَّهُ إلَيْهِ؛ لِئَلّا يَنْزُوا أوْلِياءَ القَتِيلِ عَلى القاتِلِ أوْ ذَوِيهِ لِيَقْتُلُوا مِنهم مَن لَمْ تَجْنِ يَداهُ قَتْلًا، وهَكَذا تَسْتَمِرُّ التِّراتُ بَيْنَ أخْذٍ ورَدٍّ، فَقَدْ كانَ ذَلِكَ مِن عَوائِدِهِمْ أيْضًا.
فالمُرادُ بِالجَعْلِ ما أرْشَدَ اللَّهُ إلَيْهِ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ مِن عادَةِ القَوَدِ.
والقَوَدُ مِن جُمْلَةِ المُسْتَثْنى بِقَوْلِهِ ﴿إلّا بِالحَقِّ﴾؛ لِأنَّ القَوَدَ مِنَ القاتِلِ الظّالِمِ هو قَتْلٌ لِلنَّفْسِ بِالحَقِّ، وهَذِهِ حالَةٌ خَصَّها اللَّهُ بِالذِّكْرِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ العُدْوانِ في بَقِيَّةِ أيّامِ الجاهِلِيَّةِ، فَأمَرَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ بِقَبُولِ القَوَدِ، وهَذا مَبْدَأُ صَلاحٍ عَظِيمٍ في المُجْتَمَعِ الإسْلامِيِّ، وهو حَمْلُ أهْلِهِ عَلى اتِّباعِ الحَقِّ والعَدْلِ حَتّى لا يَكُونَ الفَسادُ مِن طَرَفَيْنِ فَيَتَفاقَمُ أمْرُهُ، وتِلْكَ عادَةٌ جاهِلِيَّةٌ، قالَ الشَّمَيْذَرُ الحارِثِيُّ:
؎فَلَسْنا كَمَن كُنْتُمْ تُصِيبُونَ سَلَّةً فَنَقْبَلُ ضَيْمًا أوْ نُحَكِّمُ قاضِيا
؎ولَكِنَّ حُكْمَ السَّيْفِ فِينا مُسَلَّطٌ ∗∗∗ فَنَرْضى إذا ما أصْبَحَ السَّيْفُ راضِيا
(p-٩٤)فَنَهى اللَّهُ المُسْلِمِينَ عَنْ أنْ يَكُونُوا مِثالًا سَيِّئًا يُقابِلُوا الظُّلْمَ بِالظُّلْمِ كَعادَةِ الجاهِلِيَّةِ بَلْ عَلَيْهِمْ أنْ يَتَّبِعُوا سَبِيلَ الإنْصافِ فَيَقْبَلُوا القَوَدَ، ولِذَلِكَ قالَ ﴿فَلا يُسْرِفْ في القَتْلِ﴾ .
والسَّرَفُ: الزِّيادَةُ عَلى ما يَقْتَضِيهِ الحَقُّ، ولَيْسَ خاصًّا بِالمالِ كَما يُفْهَمُ مِن كَلامِ أهْلِ اللُّغَةِ، فالسَّرَفُ في القَتْلِ هو أنْ يُقْتَلَ غَيْرُ القاتِلِ، أمّا مَعَ القاتِلِ وهو واضِحٌ كَما قالَ المُهَلْهَلُ في الأخْذِ بِثَأْرِ أخِيهِ كُلَيْبٍ:
؎كُلُّ قَتِيلٍ في كُلَيْبٍ غُرَّةٌ ∗∗∗ حتى يَعُمُّ القَتْلُ آلَ مُرَّةَ
وأمّا قَتْلُ غَيْرِ القاتِلِ عِنْدَ العَجْزِ عَنْ قَتْلِ القاتِلِ فَقَدْ كانُوا يَقْتَنِعُونَ عَنِ العَجْزِ عَنِ القاتِلِ بِقَتْلِ رَجُلٍ مِن قَبِيلَةِ القاتِلِ، وكانُوا يَتَكايَلُونَ الدِّماءَ، أيْ يَجْعَلُونَ كَيْلَها مُتَفاوِتًا بِحَسَبِ شَرَفِ القَتِيلِ، كَما قالَتْ كَبْشَةُ بِنْتُ مَعْدِي كَرِبَ:
؎فَيَقْتُلُ جَبْرًا بِامْرِئٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ∗∗∗ بَواءً ولَكِنْ لا تَكايُلَ بِالدَّمِ
البَواءُ: الكُفْءُ في الدَّمِ، تُرِيدُ فَيَقْتُلُ القاتِلَ وهو المُسَمّى جَبْرًا، وإنْ لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا لِعَبْدِ اللَّهِ أخِيها، ولَكِنَّ الإسْلامَ أبْطَلَ التَّكايُلَ بِالدَّمِ.
وضَمِيرُ ﴿يُسْرِفْ﴾ بِياءِ الغَيْبَةِ، في قِراءَةِ الجُمْهُورِ، يَعُودُ إلى الوَلِيِّ مَظِنَّةِ السَّرَفِ في القَتْلِ بِحَسَبِ ما تَعَوَّدُوهُ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ بِتاءِ الخِطابِ أيْ خِطابٍ لِلْوَلِيِّ. وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ كانَ مَنصُورًا﴾ اسْتِئْنافٌ، أيْ أنَّ ولِيَّ المَقْتُولِ كانَ مَنصُورًا بِحُكْمِ القَوَدِ، فَلِماذا يَتَجاوَزُ الحَدَّ مِنَ النَّصْرِ إلى الِاعْتِداءِ والظُّلْمِ بِالسَّرَفِ في القَتْلِ، حَذَّرَهُمُ اللَّهُ مِنَ السَّرَفِ في القَتْلِ، وذَكَّرَهم بِأنَّهُ جَعَلَ لِلْوَلِيِّ سُلْطانًا عَلى القاتِلِ.
وقَدْ أكَّدَ ذَلِكَ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ وبِإقْحامِ (كانَ) الدّالِّ عَلى أنَّ الخَبَرَ مُسْتَقِرُّ الثُّبُوتِ، وفِيهِ إيماءٌ إلى أنَّ مَن تَجاوَزَ حَدَّ العَدْلِ إلى السَّرَفِ في القَتْلِ لا يُنْصَرُ.
(p-٩٥)ومِن نُكَتِ القُرْآنِ وبَلاغَتِهِ وإعْجازِهِ الخَفِيِّ الإتْيانُ بِلَفْظِ (سُلْطانٍ) هُنا الظّاهِرِ في مَعْنى المَصْدَرِ، أيِ السُّلْطَةِ والحَقِّ والصّالِحِ لِإرادَةِ إقامَةِ السُّلْطانِ، وهو الإمامُ الَّذِي يَأْخُذُ الحُقُوقَ مِن المُعْتَدِينَ إلى المُعْتَدى عَلَيْهِمْ حِينَ تَنْتَظِمُ جامِعَةُ المُسْلِمِينَ بَعْدَ الهِجْرَةِ، فَفِيهِ إيماءٌ إلى أنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لِلْمُسْلِمِينَ دَوْلَةً دائِمَةً، ولَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَ نُزُولِ الآيَةِ سُلْطانٌ.
وهَذا الحُكْمُ مَنُوطٌ بِالقَتْلِ الحادِثِ بَيْنَ الأشْخاصِ وهو قَتْلُ العُدْوانِ، فَأمّا القَتْلُ الَّذِي هو لِحِمايَةِ البَيْضَةِ والذَّبِّ عَنِ الحَوْزَةِ، وهو الجِهادُ، فَلَهُ أحْكامٌ أُخْرى، وبِهَذا تَعْلَمُ التَّوْجِيهَ لِلْإتْيانِ بِضَمِيرِ جَماعَةِ المُخاطَبِينَ عَلى ما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكم خَشْيَةَ إمْلاقٍ﴾ [الإسراء: ٣١] وما عُطِفَ عَلَيْهِ مِنَ الضَّمائِرِ.
واعْلَمْ أنَّ جُمْلَةَ ﴿ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ﴾ [الأنعام: ١٥١] عَطْفَ قِصَّةٍ عَلى قِصَّةٍ؛ اهْتِمامًا بِهَذا الحُكْمِ بِحَيْثُ جُعِلَ مُسْتَقِلًّا، فَعُطِفَ عَلى حُكْمٍ آخَرَ، وإلّا فَمُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ تَكُونَ مَفْصُولَةً، إمّا اسْتِئْنافًا لِبَيانِ حُكْمِ حالَةٍ تَكْثُرُ، وإمّا بَدَلَ بَعْضٍ مِن جُمْلَةِ ﴿إلّا بِالحَقِّ﴾ .
و(مَن) مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ مُرادٌ بِها العُمُومُ، أيْ وكُلُّ الَّذِي يُقْتَلُ مَظْلُومًا، وأُدْخِلَتِ الفاءُ في جُمْلَةِ خَبَرِ المُبْتَدَأِ؛ لِأنَّ المَوْصُولَ يُعامَلُ مُعامَلَةَ الشَّرْطِ إذا قُصِدَ بِهِ العُمُومُ، والرَّبْطُ بَيْنَهُ وبَيْنَ خَبَرِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ هو في المَعْنى مُقَدِّمَةٌ لِلْخَبَرِ بِتَعْجِيلِ ما يُطَمْئِنُ نَفْسَ ولِيِّ المَقْتُولِ، والمَقْصُودُ مِنَ إلَخْبَرِ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلا يُسْرِفْ في القَتْلِ﴾، فَكانَ تَقْدِيمُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ تَمْهِيدًا لِقَبُولِ النَّهْيِ عَنِ السَّرَفِ في القَتْلِ؛ لِأنَّهُ إذا كانَ قَدْ جَعَلَ لَهُ سُلْطانًا فَقَدْ صارَ الحُكْمُ بِيَدِهِ، وكَفاهُ ذَلِكَ شِفاءً لِغَلِيلِهِ.
(p-٩٦)ومِن دَلالَةِ الإشارَةِ أنَّ قَوْلَهُ ﴿فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ إشارَةٌ إلى إبْطالِ تَوَلِّي ولِيِّ المَقْتُولِ قَتْلَ القاتِلِ دُونَ حُكْمٍ مِنَ السُّلْطانِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةٌ لِلْخَطَأِ في تَحْقِيقِ القاتِلِ، وذَرِيعَةٌ لِحُدُوثِ قَتْلٍ آخَرَ بِالتَّدافُعِ بَيْنَ أوْلِياءِ المَقْتُولِ وأهْلِ القاتِلِ، ويَجُرُّ إلى الإسْرافِ في القَتْلِ الَّذِي ما حَدَثَ في زَمانِ الجاهِلِيَّةِ إلّا بِمِثْلِ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ، فَضَمِيرُ ﴿فَلا يُسْرِفْ﴾ عائِدٌ إلى ولِيُّهُ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ كانَ مَنصُورًا﴾ تَعْلِيلٌ لِلْكَفِّ عَنِ الإسْرافِ في القَتْلِ، والضَّمِيرُ عائِدٌ إلى ولِيُّهُ.
و(في) مِن قَوْلِهِ ﴿فِي القَتْلِ﴾ لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ؛ لِأنَّ الإسْرافَ يَجُولُ في كَسْبٍ ومالٍ ونَحْوِهِ، فَكَأنَّهُ مَظْرُوفٌ في جُمْلَةِ ما جالَ فِيهِ.
ولَمّا رَأى بَعْضُ المُفَسِّرِينَ أنَّ الحُكْمَ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ لا يُناسِبُ إلّا أحْوالَ المُسْلِمِينَ الخالِصِينَ اسْتَبْعَدَ أنْ تَكُونَ الآيَةُ نازِلَةً بِمَكَّةَ فَزَعَمَ أنَّها مَدَنِيَّةٌ، وقَدْ بَيَّنّا وجْهَ مُناسَبَتِها، وأبْطَلْنا أنْ تَكُونَ مَكِّيَّةً في صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ.
{"ayah":"وَلَا تَقۡتُلُوا۟ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِی حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومࣰا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِیِّهِۦ سُلۡطَـٰنࣰا فَلَا یُسۡرِف فِّی ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق