الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالحَقِّ﴾ إنَّما قالَ تَعالى: ﴿إلا بِالحَقِّ﴾ لِأنَّ قَتْلَ النَّفْسِ قَدْ يَصِيرُ حَقًّا بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا، وذَلِكَ قَتْلُهُ عَلى وجْهِ القَوَدِ وبِالرِّدَّةِ والرَّجْمِ لِلْمُحْصَنِ والمُحارِبَةِ ونَحْوِ ذَلِكَ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿سُلْطانًا﴾ قالُوا: حُجَّةً، كَقَوْلِهِ: ﴿أوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١] وقالَ الضَّحّاكُ: السُّلْطانُ أنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ القَتْلِ وبَيْنَ أخْذِ الدِّيَةِ وعَلى السُّلْطانِ أنْ يَطْلُبَ القاتِلَ حَتّى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: السُّلْطانُ لَفْظٌ مُجْمَلٌ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ في الإبانَةِ عَنِ المُرادِ لِأنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يَقَعُ عَلى مَعانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَمِنها الحُجَّةُ ومِنها السُّلْطانُ الَّذِي يَلِي الأمْرَ والنَّهْيَ وغَيْرَ ذَلِكَ، إلّا أنَّ الجَمِيعَ مُجْمِعُونَ أنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ القَوَدُ فَصارَ القَوَدُ كالمَنطُوقِ بِهِ في الآيَةِ، وتَقْدِيرُهُ فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا أيْ قَوَدًا، ولَمْ يَثْبُتْ أنَّ الدِّيَةَ مُرادَةٌ فَلَمْ نُثْبِتْها ولَمّا ثَبَتَ أنَّ المُرادَ القَوَدُ دَلَّ ظاهِرُهُ عَلى أنَّهُ إذا كانَتِ الوَرَثَةُ صِغارًا وكِبارًا أنَّ لِلْكِبارِ أنْ يَقْتَصُّوا قَبْلَ بُلُوغِ الصِّغارِ لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهم ولِيٌّ والصَّغِيرُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ، ألا تَرى أنَّهُ لا يَجُوزُ عَفْوُهُ ؟ وهَذا قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ، وعِنْدَ أبِي يُوسُفَ ومُحَمَّدٍ لا يَقْتَصُّ الكِبارُ حَتّى يَبْلُغَ الصِّغارُ فَيُقْتَصُّوا مَعَهم أوْ يَعْفُوا ورُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ الرُّجُوعُ إلى قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا يُسْرِفْ في القَتْلِ﴾ رُوِيَ عَنْ عَطاءٍ والحَسَنِ ومُجاهِدٍ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (p-٢٥)والضَّحّاكِ وطَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ: " لا يَقْتُلْ غَيْرَ قاتِلِهِ ولا يُمَثِّلْ بِهِ " وذَلِكَ لِأنَّ العَرَبَ كانَتْ تَتَعَدّى إلى غَيْرِ القاتِلِ مِنَ الحَمِيمِ والقَرِيبِ، فَلَمّا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ سُلْطانًا نَهاهُ أنْ يَتَعَدّى وعَلى هَذا المَعْنى قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصاصُ في القَتْلى الحُرُّ بِالحُرِّ والعَبْدُ بِالعَبْدِ والأُنْثى بِالأُنْثى﴾ [البقرة: ١٧٨] لِأنَّهُ كانَ لِبَعْضِ القَبائِلِ طَوْلٌ عَلى الأُخْرى فَكانَ إذا قُتِلَ مِنهُمُ العَبْدُ لا يَرْضَوْنَ إلّا أنْ يَقْتُلُوا الحُرَّ مِنهم وقالَ في هَذِهِ الآيَةِ: لا يُسْرِفْ في القَتْلِ بِأنْ يَتَعَدّى إلى غَيْرِ القاتِلِ وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: لا يُسْرِفْ في القَتْلِ، جَزَمَهُ بَعْضُهم عَلى النَّهْيِ ورَفَعَهُ بَعْضُهم عَلى مَجازِ الخَبَرِ، يَقُولُ: لَيْسَ في قَتْلِهِ سَرَفٌ لِأنَّ قَتْلَهُ مُسْتَحَقٌّ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ كانَ مَنصُورًا﴾ قالَ قَتادَةُ: " هو عائِدٌ عَلى الوَلِيِّ " وقالَ مُجاهِدٌ: " عَلى المَقْتُولِ " . وقِيلَ: " هو مَنصُورٌ إمّا في الدُّنْيا وإمّا في الآخِرَةِ، ونَصْرُهُ هو حُكْمُ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ أعْنِي لِلْوَلِيِّ " . وقِيلَ: " نَصْرُهُ أمْرُ النَّبِيِّ ﷺ والمُؤْمِنِينَ أنْ يُعِينُوهُ " . وقَوْلُهُ تَعالى ﴿فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ قَدِ اقْتَضى إثْباتَ القِصاصِ لِلنِّساءٍ لِأنَّ الوَلِيَّ هُنا هو الوارِثُ كَما قالَ: ﴿والمُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: ٧١] وقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢١٨] إلى قَوْلِهِ: ﴿بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: ٧١] وقالَ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهاجِرُوا ما لَكم مِن ولايَتِهِمْ مِن شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا﴾ [الأنفال: ٧٢] فَنَفى بِذَلِكَ إثْباتَ التَّوارُثِ بَيْنَهم إلّا بَعْدَ الهِجْرَةِ، ثُمَّ قالَ: ﴿وأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهم أوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُهاجِرِينَ﴾ [الأحزاب: ٦] فَأثْبَتَ المِيراثَ بِأنْ جَعَلَ بَعْضَهم أوْلِياءَ بَعْضٍ، وقالَ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ [الأنفال: ٧٣] فَأثْبَتَ التَّوارُثَ بَيْنَهم بِذِكْرِ الوِلايَةِ. فَلَمّا قالَ ﴿فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ اقْتَضى ذَلِكَ إثْباتَ القَوَدِ لِسائِرِ الوَرَثَةِ ويَدُلُّ عَلى أنَّ الدَّمَ مَوْرُوثٌ عَنِ المَقْتُولِ أنَّ الدِّيَةَ الَّتِي هي بَدَلٌ مِنَ القِصاصِ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ لِلرِّجالِ والنِّساءِ، ولَوْ لَمْ تَكُنِ النِّساءُ قَدْ ورِثْنَ القِصاصَ لَما ورِثْنَ بَدَلَهُ الَّذِي هو المالُ، وكَيْفَ يَجُوزُ أنْ يَرِثَ بَعْضُ الوَرَثَةِ مِن بَعْضٍ مِيراثِ المَيِّتِ ولا يَرِثُ مِنَ البَعْضِ الآخَرُ هَذا القَوْلُ مَعَ مُخالَفَتِهِ لِظاهِرِ الكِتابِ مُخالِفٌ لِلْأُصُولِ. وقَوْلُ مالِكٍ: " إنَّ النِّساءَ لَيْسَ إلَيْهِنَّ مِنَ القِصاصِ شَيْءٌ وإنَّما القِصاصُ لِلرِّجالِ فَإذا تَحَوَّلَ مالًا ورِثَتِ النِّساءُ مَعَ الرِّجالِ " ورُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ والحَسَنِ وقَتادَةَ والحَكَمِ: " لَيْسَ إلى النِّساءِ شَيْءٌ مِنَ العَفْوِ والدَّمِ "، ومِن قَوْلِ أصْحابِنا: " إنَّ القِصاصَ واجِبٌ لِكُلِّ وارِثٍ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والصِّبْيانِ بِقَدْرِ مَوارِيثِهِمْ " .
{"ayah":"وَلَا تَقۡتُلُوا۟ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِی حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومࣰا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِیِّهِۦ سُلۡطَـٰنࣰا فَلَا یُسۡرِف فِّی ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق