الباحث القرآني

ولَمْا تُقَدَّمْ [ أنْ -] فائِدَةَ الذِّكْرِ النَّقْلُ مِن خَلْقٍ إلى خَلْقٍ، وكانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ تَحْوِيلَ جَبَلٍ مِن مَكانِهِ أيْسَرُ مِن تَحْوِيلِ شَخْصٍ عَنْ خَلْقِهِ وشَأْنِهِ، وتَقَدَّمَ أنَّ أجْرَ المُجاهَدَةِ في ذَلِكَ الجَنّاتُ المَوْصُوفَةُ، وكانَ ذَلِكَ يَحْتاجُ إلى قُدْرَةٍ تامَّةٍ، دَلَّ عَلى قُدْرَتِهِ سُبْحانَهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ جَمِيعُ صِفاتِ الكَمالِ الَّتِي القُدْرَةُ الشّامِلَةُ (p-١٧٢)إحْداها، [ ثُمَّ -] أخْبَرَ عَنْهُ بِما يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ لِأنَّ الصَّنْعَةَ تَدُلُّ عَلى الصّانِعِ وعَلى ما لَهُ مِنَ الصِّفاتِ فَقالَ: ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ أيْ أوَجَدَ وحْدَهُ مِنَ العَدَمِ بِقُدْرَتِهِ عَلى وفْقِ ما دَبَّرَ بِعِلْمِهِ عَلى هَذا المِنوالِ البَدِيعِ القَرِيبِ ﴿سَبْعَ سَماواتٍ﴾ أيْ وإنَّهم يُشاهِدُونَ عَظَمَةَ ذَلِكَ ويَشْهَدُونَ أنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلّا تامُّ العِلْمِ كامِلُ القُدْرَةِ، ثُمَّ زادَ عَلى ذَلِكَ ما أنْتُمْ أعْرَفُ بِهِ فَقالَ: ﴿ومِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ أيْ سَبْعًا كَما دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما في الصَّحِيحَيْنِ «مَن أخَذَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ طَوَّقَهُ مِن سَبْعِ أرْضِينَ» [ ولَفْظُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: «خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ إلى سَبْعِ أرْضِينَ» -]، وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ السَّجْدَةِ ما يَنْفَعُ في ذَلِكَ، وظاهَرَهُ يَدُلُّ عَلى أنَّها كَما هي مِثْلُها في العَدَدِ فَهي مِثْلُها في الكُرَيَّةِ وإحاطَةِ كُلِّ واحِدَةٍ مِنها بالَّتِي تَحْتَها، وأنَّ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْها هي السّابِعَةُ العُلْيا كالسَّماءِ السّابِعَةِ الَّتِي سَقْفُها الكُرْسِيُّ لِأنَّ ذَلِكَ أدُلُّ عَلى [ ما -] السِّياقُ لَهُ مِن تَمامِ العِلْمِ وشُمُولِ القُدْرَةِ في الِاسْتِدْلالِ عَلَيْهِ [ بِقَوْلِهِ-]: ﴿يَتَنَـزَّلُ﴾ أيْ بِالتَّدْرِيجِ ﴿الأمْرُ﴾ [ أيِ -] الَّذِي يَجُودُ بِهِ الرَّحْمَنُ مِنَ التَّدْبِيرِ مِن (p-١٧٣)أمْرِ الدِّينِ والتَّكْوِينِ مِنَ العَرْشِ والكُرْسِيِّ ﴿بَيْنَهُنَّ﴾ بِالوَحْيِ مِنَ السَّماءِ السّابِعَةِ العُلْيا إلى الأرْضِ السّابِعَةِ السُّفْلى وأنْتُمْ تَرَوْنَهُنَّ بِلا فُرُوجٍ فَأنْفُذُ بَيْنَهُنَّ حَتّى نَفَذَ فِيهِنَّ، [و-] ذَلِكَ - واللَّهُ أعْلَمُ - هو ما يُرِيدُ مِن عَظِيمِ تَدْبِيرِهِ بِإنْزالِ الكُتُبِ وإرْسالِ الرُّسُلِ وإثْباتِ شَرِيعَةٍ ومَحْوِ أُخْرى وتَوْجِيهِ الأسْبابِ إلى المُسَبِّباتِ مِنَ المَطَرِ والنَّباتِ واللَّيْلِ والنَّهارِ والفُصُولِ وخَلْقِ الحَيَواناتِ والمَعادِنِ وسائِرِ النَّباتاتِ، وتَرْدِيدِ المَلائِكَةِ بِسائِرِ المَصْنُوعاتِ، هَذا ما دَلَّ عَلَيْهِ ظَواهِرُ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وأوَّلَها بَعْضُهم بِأنَّها سَبْعَةُ أقالِيمَ، وهو مَرْدُودٌ بَعْدَ القاعِدَةِ في أنَّ التَّأْوِيلَ بِغَيْرِ دَلِيلِ لِعْبٍ بِما يَأْتِي مِن صَرِيحِ الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ والكَلامِ الضّابِطِ فِيما يُؤَوَّلُ وما لا يُؤَوَّلُ أنَّ النَّقْلِيّاتِ أرْبَعَةُ أقْسامٍ: قَطْعِيُّ السَّنَدِ والدَّلالَةِ، ظَنِّيُّهُما، ظَنِّيُّ السَّنَدِ قَطْعِيُّ الدَّلالَةِ، عَكْسُهُ: قَطِّعِيُّ السَّنَدِ ظَنِّيُّ الدَّلالَةِ، فالأوَّلُ يَجِبُ اعْتِقادُ ظاهِرِهِ، ومَن خالَفَهُ كَفَرَ، والبَقِيَّةُ يَجِبُ اعْتِقادُ ظَواهِرِها ما لَمْ تُعارِضْ، فَإنْ عُورِضَتْ بِقَطْعِيٍّ وجَبَ العُدُولُ عَنِ الظّاهِرِ إجْماعًا، فَمَنِ اعْتَقَدَهُ كَفَرَ، ثُمَّ لِلنّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ مَذْهَبانِ: أمّا السَّلَفُ فَيُفَوِّضُونَ المُرادَ إلى اللَّهِ تَعالى، وأمّا الخَلَفُ فَإنْ كانَ لِذَلِكَ مُحَمَلٌ واحِدٌ عَيِّنُوهُ، وإنْ كانَ ثَمَّ مَحامِلَ سَرَدُوها ولَمْ يُعَيِّنُوا شَيْئًا مِنها مَعَ اعْتِرافِهِمْ بِأنَّهم لَيْسُوا عَلى قَطْعٍ مِن أنَّ المُرادَ شَيْءٌ مِمّا ذَكَرُوهُ، وإنَّما هو شَيْءٌ يَلِيقُ بِالمَقامِ والعِلْمِ عِنْدَ اللَّهِ وبِأنَّ طَرِيقَ السَّلَفِ أقْرَبُ وأسْلَمُ وبِأنَّهُ (p-١٧٤)ما حَمَلَهم عَلى التَّأْوِيلِ إلّا انْتِشارُ المُبْتَدِعِينَ وإشْهارُهم بِدَعَتِهِمْ بَيْنَ النّاسِ، قالَ الإمامُ عَلاءُ الدِّينِ القَوْنُويُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى في بابِ السِّيَرِ مِن شَرْحِهِ الحاوِي: قالَ الإمامُ - يَعْنِي إمامَ الحَرَمَيْنِ: ولَوْ بَقِيَ النّاسُ عَلى ما كانُوا عَلَيْهِ مِن صَفْوَةِ الإسْلامِ لَما أوْجَبْنا التَّشاغُلَ بِعِلْمِ الكَلامِ بَلْ رُبَّما نَهَيْنا عَنْهُ، وأمّا الآنَ وقَدْ ثارَتِ البِدَعُ فَلا سَبِيلَ إلى تَرْكِها تَلْتَطِمُ أمْواجُها فَلا بُدَّ مِن إعْدادِ ما يُدْعى بِهِ إلى المَسْلَكِ الحَقِّ وتَحِلُّ بِهِ الشُّبَهُ، فَصارَ الِاشْتِغالُ بِأدِلَّةِ المَعْقُولِ وحَلَّ الشُّبَهِ مِن فُرُوضِ الكِفاياتِ، ومَنِ اسْتَرابَ في أصْلٍ مَن أصُولِ الِاعْتِقادِ فَعَلَيْهِ السَّعْيُ في إزاحَتِهِ إلى أنْ يَسْتَقِيمَ عَقْدُهُ - انْتَهى. ثُمَّ إنَّكَ تَجِدُ العُلَماءَ يَخْتَلِفُونَ في بَعْضِ الأدِلَّةِ فَبَعْضُهم يُجْرِيها عَلى الظّاهِرِ وبَعْضُهم يُؤَوِّلُ، وذَلِكَ لِلِاخْتِلافِ في المَعارِضِ هَلْ هو قَطْعِيُّ الدَّلالَةِ [ أمْ لا-]، وهَذا المَوْضِعُ مِنهُ، لَإنَّ ظَواهِرَ الكِتابِ [ والسُّنَّةِ -] تَدُلُّ عَلى أنَّ الأرْضِينَ مِثْلُ السَّماواتِ في العَدَدِ في أنَّ بَيْنَهُما خَلاءٌ، و[ في -] أنَّ في كُلِّ واحِدَةٍ مَخْلُوقاتٌ لا يَعْلَمُها إلّا اللَّهُ، بَلْ بَعْضُ الأخْبارِ يَكادُ يَقْطَعُ بِهِ في ذَلِكَ، ولَكِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أنْ يَكُونَ ظَنِّيًّا فَأكْثَرُ العُلَماءِ ومُحَقِّقُوهم عَلى أنَّ المُعارِضَ - وهو ما قالَهُ (p-١٧٥)أهْلُ عِلْمِ الهَيْئَةِ مِنَ الأدِلَّةِ عَلى كَوْنِها واحِدَةً - لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ، فَأوَّلُوا كَوْنَها سَبْعَةً بِالأقالِيمِ السَّبْعَةِ، وقَدْ رَأيْتُ في التَّعَدُّدِ [ حَقِيقَةً -] حَدِيثًا صَرِيحًا لَكِنْ لا أدْرِي حالَهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ بُرْجانَ في اسْمِهِ تَعالى المَلِكِ مِن شَرْحِهِ لِلْأسْماءِ الحُسْنى قالَ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «أتَدْرُونَ ما تَحْتَ هَذِهِ الأرْضِ، قالُوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: [ ماءٌ-]، أتُدْرُونَ ما تَحْتَ ذَلِكَ، قالُوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، [ قالَ هَواءٌ، أتُدْرُونَ ما تَحْتَ ذَلِكَ: قالُوا اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: أرْضٌ، أتُدْرُونَ ما تَحْتَ ذَلِكَ؟ قالُوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ -] - حَتّى عَدَّ سَبْعَ أرْضِينَ» ثُمَّ رَأيْتُهُ في التِّرْمِذِيِّ عَنْ أبِي رَزِينٍ العُقَيْلِيِّ ولَفْظُهُ: «هَلْ تَدْرُونَ ما الَّذِي تَحْتَكُمْ، قالُوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: إنَّها الأرْضُ، ثُمَّ قالَ: هَلْ تَدْرُونَ ما تَحْتَ ذَلِكَ؟ قالُوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: إنَّ تَحْتَها أرْضًا أُخْرى بَيْنَهُما خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ - حَتّى عَدَّ سَبْعَ أرْضِينَ بَيْنَ كُلِّ أرْضِينَ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ» ثُمَّ رَأيْتُ في الفِرْدَوْسِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ: «”ما بَيْنَ السَّماءِ إلى السَّماءِ [ مَسِيرَةَ -] خَمْسِمِائَةِ عامٍ، وعَرَضَ كُلَّ سَماءٍ وثَخانَةَ كُلِّ سَماءٍ خَمْسِمِائَةِ عامٍ، وما بَيْنَ السَّماءِ السّابِعَةِ وبَيْنَ الكُرْسِيِّ (p-١٧٦)والعَرْشِ مِثْلُ ذَلِكَ، وما بَيْنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عامٍ، والأرْضُونَ وعَرْضُهُنَّ وثَخانَتُهُنَّ مِثْلُ ذَلِكَ“» . ولَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ الصَّنْعَةَ تَنْبِيهًا عَلى التَّفَكُّرِ فِيها والِاعْتِبارِ بِها، ذَكَرَ أنَّ ثَمَرَتَها العِلْمُ بِصِفاتِهِ بَعْدَ العَجْزِ عَنْ إحاطَةِ العِلْمِ عَقِبَ ذاتِهِ تَعالى [ فَقالَ-]: ﴿لِتَعْلَمُوا﴾ أيْ بِهَذا العالَمِ الَّذِي أوْجَدَهُ بِتَسْوِيَةِ كُلِّ واحِدٍ مِنَ القَبِيلَيْنِ سَبْعًا كُلُّ واحِدَةٍ بَيْنَها وبَيْنَ الأُخْرى مَسافَةٌ بَعِيدَةٌ مَعَ الكَثافَةِ الزّائِدَةِ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّهُ لا يُفَصَّلُ [ الجِسْمُ -] ولا سِيَّما الكَثِيفُ عَنْ آخَرَ مِثْلَهُ إلّا فاصَلٌ قاهِرٌ بِقُوَّةٍ باهِرَةٍ وقُدْرَةٍ ظاهِرَةٍ وعِلْمٍ شامِلٍ لِما يَحْتاجُ إلَيْهِ ذَلِكَ، فَكَيْفَ إذا كانَ عَلى هَذا المِنهاجِ البَدِيعِ والوَجْهِ المَنِيعِ عَلى مَرِّ الدُّهُورِ والأحْقابِ وتَعاقُبِ الشُّهُورِ والأعْوامِ عَلى حِسابٍ مَعْلُومٍ ونِظامٍ مَنظُومٍ، لا يُدْرِكُهُ إلّا أعْلى النّاسِ حِسابًا وأعْظَمُهم صَوابًا، مَعَ المَنافِعِ الَّتِي تُفَضَّلُ عَنْ سُكّانِها، والمَرافِقُ الَّتِي تُنَزِّهُ الخالِقَ بِآثارِها وأعْيانِها، وتُوقِظُ الغافِلَ وتُنَبِّهُ الجاهِلَ وتَدْمَغُ المُعانِدَ بِبُرْهانِها، فَإنَّهُ لا يَسْعُ أحَدًا المُنازَعَةُ في خَلْقِهِ لَها، ومَن خَلَقَها قَدَرَ عَلى تَدْبِيرِها (p-١٧٧)عَلى الوَجْهِ المَذْكُورِ، ومَن كانَ كَذَلِكَ كانَ مُنَزَّهًا عَنِ الشَّرِيكِ قَطْعًا، ومَن كانَ كَذَلِكَ قَدَرَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ فَلِذا قالَ: ﴿أنَّ اللَّهَ﴾ أيِ المَلِكَ الأعْلى الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ كُلُّها ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ أيْ مِن غَيْرِ هَذا العالَمِ مُمْكِنٌ أنْ يَدْخُلَ تَحْتَ المَشِيئَةِ فَإنَّهُ بِمَعْنى مَفْعُولٍ مِن عالَمٍ آخَرَ مِثْلِ هَذا العالَمِ، وأبْدَعُ مِنهُ وأبْدَعُ مِن ذَلِكَ الإبْداعِ إلى ما لا نِهايَةَ لَهُ بِالِاسْتِدْلالِ بِهَذا العالَمِ، فَإنَّ مَن قَدَرَ عَلى إيجادِ ذَرَّةٍ مِنَ العَدَمِ قَدَرَ عَلى إيجادِ ما هو دُونَها ومِثْلُها وفَوْقَها إلى ما لا نِهايَةَ لَهُ لِأنَّهُ [ لا -] فَرْقَ في ذَلِكَ بَيْنَ قَلِيلٍ ولا كَثِيرٍ جَلِيلٍ أوْ حَقِيرٍ ﴿ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ﴾ [الملك: ٣] وإيّاكَ أنْ تَلْتَفِتَ إلى مَن قالَ: [ إنَّهُ -] لَيْسَ في الإمْكانِ أبْدَعُ مِن هَذا العالَمِ، فَإنَّهُ مَذْهَبٌ فَلْسَفِيٌّ خَبِيثٌ، والآيَةُ نَصٌّ عَلى إبْطالِهِ وإنْ نَسَبَهُ بَعْضُ المُلْحِدِينَ إلى الغَزالِيِّ فَإنِّي لا أشُكُّ أنَّهُ مَدْسُوسٌ عَلَيْهِ فَإنَّهُ مَذْهَبٌ فَلْسَفِيٌّ خَبِيثٌ بِشَهادَةِ الغَزالِيِّ كَما بَيَّنْتُ ذَلِكَ في كِتابِي ”تَهْدِيمُ الأرْكانِ عَلى مَن قالَ لَيْسَ في الإمْكانِ أبْدَعُ مِمّا كانَ“ وكِتابِي [ ”دَلالَةُ البُرْهانِ عَلى أنَّ في الإمْكانِ أبْدَعُ مِمّا كانَ“ وكِتابِي -] ”إطْباقُ الأغْلالِ في أعْناقِ الضَّلالِ“ ومَعَ كَوْنِهِ مَذْهَبُ (p-١٧٨)الفَلاسِفَةِ أخَذَهُ أكْفَرُ المارِقِينَ ابْنُ عَرَبِيٍّ وأوْدَعَهُ فُصُوصَهُ وغَيْرَ ذَلِكَ مِن كُتُبِهِ واسْتَنَدَ [ فِيهِ -] في بَعْضِها إلى الغَزالِيِّ إتْقانًا لِمَكْرِهِ - أعاذَنا اللَّهُ مِن شَرِّهِ، والغَزالِيُّ بَرِيءٌ مِنهُ بِشَهادَةِ ما وجَدَ مِن عَقائِدِهِ في الإحْياءِ وغَيْرِهِ ﴿قَدِيرٌ﴾ أيْ بالِغُ القُدْرَةِ. ولَمّا كانَتْ إحاطَةُ العِلْمِ دالَّةً عَلى تَمامِ القُدْرَةِ وإلَيْهِما يَرْجِعُ جَمِيعُ الأسْماءِ والصِّفاتِ قالَ: ﴿قَدْ أحاطَ﴾ لِتَمامِ قُدْرَتِهِ ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ مُطْلَقًا، ولَمّا أسْنَدَ الإحاطَةَ إلَيْهِ سُبْحانَهُ تَعْظِيمًا لَها، بَيْنَ جِهَتِها بِتَمْيِيزٍ مُحَوِّلٍ عَنِ الفاعِلِ فَقالَ: ﴿عِلْمًا﴾ فَلَهُ الخِبْرَةُ التّامَّةُ بِما يَأْمُرُ بِهِ مِنَ الأحْكامِ في العِلْمِ بِمَصالِحِهِ ومَفاسِدِهِ فَعامَلُوهُ مُعامَلَةَ مَن يَعْلَمُ إحاطَةَ عِلْمِهِ فَيَعْلَمُ أنَّهُ رَقِيبٌ عَلَيْهِ فَإذا طَلَّقْتُمْ فافْعَلُوا ما أمَرَكم بِهِ لِتُسْلِمُوا في الدِّينِ وتَسْعَدُوا في الآخِرَةِ والأُولى، ودَبِّرُوا في جَمِيعِ أُمُورِكم مِثْلَ ما دَبَّرَ بِهِ أمْرَكم في تَرْبِيَتِكم ومَسْكَنِكم أرْضَهُ وسَقْفَهُ فَإنَّهُ جَعَلَ فِيهِ جَمِيعَ ما تَحْتاجُونَهُ وبَسَطَهُ نَوالَهُ عَلى مَن يُرْضِيهِ ومَن يُسْخِطُهُ ونَشَرَ حِلْمَهُ وفَضْلَهُ وأخَّرَ بَأْسَهُ وعَدْلَهُ فَقَدَ عائِقَ آخِرَها أوَّلَها وبَيْنَ مُجْمَلِها ومُفَصِّلِها واللَّهُ يَعْلَمُ بِذاتِ الصُّدُورِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب