الباحث القرآني

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ﴾ لا اخْتِلافَ بَيْنِهِمْ في السَّماواتِ السَّبْعِ أنَّها سَماءٌ فَوْقَ سَماءٍ. ثُمَّ قالَ: ﴿وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ يَعْنِي سَبْعًا، واخْتُلِفَ فِيهِنَّ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: وهو قَوْلُ الجُمْهُورِ أنَّها سَبْعُ أرَضِينَ طِباقًا بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ، وجُعِلَ في كُلِّ أرْضٍ مِن خَلْقِهِ مَن شاءَ، غَيْرَ أنَّهم تُقِلُّهم أرْضٌ وتُظِلُّهم أُخْرى، ولَيْسَ تُظِلُّ السَّماءُ إلّا أهْلَ الأرْضِ العُلْيا الَّتِي عَلَيْها عالَمُنا هَذا، فَعَلى هَذا تَخْتَصُّ دَعْوَةُ الإسْلامِ (p-٣٧) بِأهْلِ الأرْضِ العُلْيا ولا تَلْزَمُ مَن في غَيْرِها مِنَ الأرَضِينَ وإنْ كانَ فِيها مَن يَعْقِلُ مِن خَلْقٍ مُمَيِّزٍ. وَفي مُشاهَدَتِهِمُ السَّماءَ واسْتِمْدادِ الضَّوْءِ مِنها قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهم يُشاهِدُونَ السَّماءَ مِن كُلِّ جانِبٍ مِن أرْضِهِمْ ويَسْتَمِدُّونَ الضِّياءَ مِنها وهَذا قَوْلُ مَن جَعَلَ الأرْضَ مَبْسُوطَةً. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهم لا يُشاهِدُونَ السَّماءَ وإنَّ اللَّهَ خَلَقَ لَهم ضِياءً يَسْتَمِدُّونَهُ، وهَذا قَوْلُ مَن جَعَلَ الأرْضَ مَبْسُوطَةً. القَوْلُ الثّانِي: حَكاهُ الكَلْبِيُّ عَنْ أبِي صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها سَبْعُ أرَضِينَ مُنْبَسِطَةٌ لَيْسَ بَعْضَها فَوْقَ بَعْضٍ، تَفْرُقُ بَيْنَهُنَّ البِحارُ وتُظِلُّ جَمِيعَهُنَّ السَّماءُ، فَعَلى هَذا إنْ لَمْ يَكُنْ لِأحَدٍ مِن أهْلِ هَذِهِ الأرْضِ وُصُولٌ لِلْأُخْرى اخْتَصَّتْ دَعْوَةُ الإسْلامِ بِأهْلِ هَذِهِ الأرْضِ، وإنْ كانَ لِقَوْمٍ مِنهم وصُولٌ إلى أرْضٍ أُخْرى احْتَمَلَ أنْ تَلْزَمَهم دَعْوَةُ الإسْلامِ عِنْدَ إمْكانِ الوُصُولِ إلَيْهِمْ لِأنَّ فَصْلَ البِحارِ إذا أمْكَنَ سُلُوكُها لا يَمْنَعُ مِن لُزُومِ ما عَمَّ حُكْمُهُ، واحْتَمَلَ ألّا تَلْزَمَهم دَعْوَةُ الإسْلامِ لِأنَّها لَوْ لَزِمَتْ لَكانَ النَّصُّ بِها وارِدًا ولَكانَ الرَّسُولُ بِها مَأْمُورًا، واَللَّهُ أعْلَمُ بِصِحَّةِ ما اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ وصَوابِ ما اشْتَبَهَ عَلى خَلْقِهِ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: الوَحْيُ، قالَهُ مُقاتِلٌ، فَعَلى هَذا يَكُونُ قَوْلُهُ ﴿بَيْنَهُنَّ﴾ إشارَةً إلى ما بَيْنَ هَذِهِ الأرْضِ العُلْيا الَّتِي هي أدْناها وبَيْنَ السَّماءِ السّابِعَةِ الَّتِي هي أعْلاها. الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِالأمْرِ قَضاءُ اللَّهِ وقَدَرُهُ، وهو قَوْلُ الأكْثَرِينَ، فَعَلى هَذا يَكُونُ المُرادُ بِقَوْلِهِ " بَيْنَهُنَّ " الإشارَةَ إلى ما بَيْنَ الأرْضِ السُّفْلى الَّتِي هي أقْصاها وبَيْنَ السَّماءِ السّابِعَةِ الَّتِي هي أعْلاها. ثُمَّ قالَ ﴿لِتَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ لِأنَّ مَن قَدَرَ عَلى هَذا المُلْكِ العَظِيمِ فَهو عَلى ما بَيْنَهُما مِن خَلْقِهِ أقْدَرُ، ومِنَ العَفْوِ والِانْتِقامِ أمْكَنُ، وإنِ اسْتَوى كُلُّ ذَلِكَ في مَقْدُورِهِ ومُكْنَتِهِ. ﴿وَأنَّ اللَّهَ قَدْ أحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ أوْجَبَ التَّسْلِيمَ بِما تَفَرَّدَ بِهِ مِنَ العِلْمِ كَما أوْجَبَ التَّسْلِيمَ بِما تَفَرَّدَ بِهِ مِنَ القُدْرَةِ، ونَحْنُ نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِن خَوْضٍ فِيما اشْتَبَهَ وفِيما التَبَسَ وهو حَسْبُ مَنِ اسْتَعانَهُ ولَجَأ إلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب