الباحث القرآني
(p-٣٦)
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ومَن يُؤْمِن بِاللَّهِ ويَعْمَلْ صالِحًا يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها أبَدًا قَدْ أحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا﴾ ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ ومِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأنَّ اللَّهَ قَدْ أحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ .
قَوْلُهُ: ﴿ومَن يُؤْمِن بِاللَّهِ﴾ فِيهِ مَعْنى التَّعَجُّبِ والتَّعْظِيمِ لِما رَزَقَ اللَّهُ المُؤْمِنَ مِنَ الثَّوابِ، وقُرِئَ (يُدْخِلْهُ) بِالياءِ والنُّونِ، و﴿قَدْ أحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا﴾ قالَ الزَّجّاجُ: رَزَقَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ الَّتِي لا يَنْقَطِعُ نَعِيمُها، وقِيلَ: (رِزْقًا) أيْ طاعَةً في الدُّنْيا وثَوابًا في الآخِرَةِ، ونَظِيرُهُ ﴿رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنا عَذابَ النّارِ﴾ (البَقَرَةِ: ٢٠١) . قالَ الكَلْبِيُّ: خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ مِثْلَ القُبَّةِ، ومِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ في كَوْنِها طِباقًا مُتَلاصِقَةً كَما هو المَشْهُورُ أنَّ الأرْضَ ثَلاثُ طَبَقاتٍ: طَبَقَةٌ أرْضِيَّةٌ مَحْضَةٌ، وطَبَقَةٌ طِينِيَّةٌ، وهي غَيْرُ مَحْضَةٍ، وطَبَقَةٌ مُنْكَشِفَةٌ بَعْضُها في البَحْرِ وبَعْضُها في البَرِّ، وهي المَعْمُورَةُ، ولا بَعُدَ في قَوْلِهِ: ﴿ومِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ مِن كَوْنِها سَبْعَةَ أقالِيمَ عَلى حَسَبِ سَبْعِ سَماواتٍ، وسَبْعِ كَواكِبَ فِيها وهي السَّيّارَةُ، فَإنَّ لِكُلِّ واحِدٍ مِن هَذِهِ الكَواكِبِ خَواصَّ تَظْهَرُ آثارُ تِلْكَ الخَواصِّ في كُلِّ إقْلِيمٍ مِن أقالِيمِ الأرْضِ، فَتَصِيرُ سَبْعَةً بِهَذا الِاعْتِبارِ، فَهَذِهِ هي الوُجُوهُ الَّتِي لا يَأْباها العَقْلُ، وما عَداها مِنَ الوُجُوهِ المَنقُولَةِ عَنْ أهْلِ التَّفْسِيرِ، فَذَلِكَ مِن جُمْلَةِ ما يَأْباها العَقْلُ مِثْلَ ما يُقالُ: السَّماواتُ السَّبْعُ أوَّلُها: مَوْجٌ مَكْفُوفٌ، وثانِيها: صَخْرٌ، وثالِثُها: حَدِيدٌ، ورابِعُها: نُحاسٌ، وخامِسُها: فِضَّةٌ، وسادِسُها: ذَهَبٌ، وسابِعُها: ياقُوتٌ، وقَوْلُ مَن قالَ: بَيْنَ كُلِّ واحِدَةٍ مِنها مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ وغِلَظُ كُلِّ واحِدَةٍ مِنها كَذَلِكَ، فَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَ أهْلِ التَّحْقِيقِ، اللَّهُمَّ إلّا أنْ يَكُونَ نُقِلَ مُتَواتِرًا، ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ أكْثَرَ مِن ذَلِكَ واللَّهُ أعْلَمُ بِأنَّهُ ما هو وكَيْفَ هو، فَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، وقُرِئَ (مِثْلَهُنَّ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى ﴿سَبْعَ سَماواتٍ﴾ وبِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ وخَبَرُهُ ﴿ومِنَ الأرْضِ﴾ . وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾ قالَ عَطاءٌ: يُرِيدُ الوَحْيَ بَيْنَهُنَّ إلى خَلْقِهِ في كُلِّ أرْضٍ وفي كُلِّ سَماءٍ، وقالَ مُقاتِلٌ: يَعْنِي الوَحْيَ مِنَ السَّماءِ العُلْيا إلى الأرْضِ السُّفْلى، وقالَ مُجاهِدٌ: ﴿يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾ بِحَياةِ بَعْضٍ ومَوْتِ بَعْضٍ وسَلامَةِ هَذا وهَلاكِ ذاكَ مَثَلًا، وقالَ قَتادَةُ: في كُلِّ سَماءٍ مِن سَماواتِهِ وأرْضٍ مِن أرْضِهِ خَلْقٌ مِن خَلْقِهِ، وأمْرٌ مِن أمْرِهِ، وقَضاءٌ مِن قَضائِهِ، وقُرِئَ (يَنْزِلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ) .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِتَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ قُرِئَ (لِيَعْلَمُوا) بِالياءِ والتّاءِ أيْ لِكَيْ تَعْلَمُوا إذا تَفَكَّرْتُمْ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ، وما جَرى مِنَ التَّدْبِيرِ فِيها أنَّ مَن بَلَغَتْ قُدْرَتُهُ هَذا المَبْلَغَ الَّذِي لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ كانَتْ قُدْرَتُهُ ذاتِيَّةً لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ عَمّا أرادَهُ، وقَوْلُهُ: ﴿أنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ مِن قِبَلِ ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ﴿وأنَّ اللَّهَ قَدْ أحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ يَعْنِي بِكُلِّ شَيْءٍ مِنَ الكُلِّيّاتِ والجُزْئِيّاتِ لا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ في الأرْضِ ولا في السَّماءِ، عالِمٌ بِجَمِيعِ الأشْياءِ وقادِرٌ عَلى الإنْشاءِ بَعْدَ الإفْناءِ، فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ، وإمامِ المُتَّقِينَ، وخاتَمِ النَّبِيِّينَ، وعَلى آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِينَ.
{"ayahs_start":11,"ayahs":["رَّسُولࣰا یَتۡلُوا۟ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ مُبَیِّنَـٰتࣲ لِّیُخۡرِجَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَیَعۡمَلۡ صَـٰلِحࣰا یُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا","ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَ سَبۡعَ سَمَـٰوَ ٰتࣲ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ یَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَیۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عِلۡمَۢا"],"ayah":"ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَ سَبۡعَ سَمَـٰوَ ٰتࣲ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ یَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَیۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عِلۡمَۢا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق