الباحث القرآني

أخبر أنه خلق العالم ليعرف عباده كمال قدرته وإحاطة علمه وذلك يستلزم معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وتوحيده. * (فائدة) سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن تفسير قوله تعالى الله الذي ﴿خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ ومِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ فقال للسائل: ما يُؤَمِّنُكَ أنْ لَوْ أخْبَرْتُكَ بِها لَكَفَرْتَ .... يَعْنِي لَوْ أخْبَرْتُكَ بِتَفْسِيرِها لَكَفَرْتَ بِها، وكُفْرُكَ بِها تَكْذِيبُكَ بِها. فالمسألة الدقيقة اللطيفة التي تبذل لغير أهلها كالمرأة الحسناء التي تهدى إلى ضرير مقعد كما قيل خود تزف إلى ضرير مقعد وكان أبو علي إذا وقع شيء في خلال مجلسه من تشويش الوقت يقول هذا من غيرة الحق يريد أن لا يجري ما يجري من صفاء الوقت. * (فصل: جمع السماء واشتقاقها) فإن قلت: فلم جمعوا السماء فقالوا: سماوات وهلا راعوا فيها ما راعوا في الأرض فإنها مقابلة فما الفرق بينهما؟ قيل: بينهما فرقان فرق لفظي وفرق معنوي. أما اللفظي فإن الأرض على وزن ألفاظ المصادر الثلاثة وهو فعل كضرب. وأما السماوات كان نظيرها في المصادر التلاء والجلاء فهي بأبنية الأسماء أشبه، وإنما الذي يماثل الأرض في معناها ووزنها السفل والتحت وهما لا يثنيان ولا يجمعان، وفي مقابلتهما الفوق والعلو وهما كذلك لا يجمعان. على أنه قد قيل: إن السماوات ليس جمع سماء، وإنما هي جمع سماوة وسماوة كل شيء أعلاه وأما جمع سماء فقياسه أسمية كأكسية وأغطية أو سماوات، وليس هذا بشيء فإن السماوة هي أعلى الشيء خاصة ليست باسم لشيء عال وإنما هي اسم لجزئه العالي. وأما السماء فاسم لهذا السقف الرفيع بجملته فالسماوات جمعه لا جمع أجزاء عالية منه على أنه كل عال. وأحسن من هذا الفرق أن يقال لو جمعوا أرضا على قياس جموع التكسير لقالوا آرض كأفلس أو آراض كأجمال أو أروض كفلوس فاستثقلوا هذا اللفظ إذ ليس فيه من الفصاحة والحسن والعذوبة ما في لفظ السماوات وأنت تجد السمع ينبو عنه بقدر ما يستحسن لفظ السماوات ولفظ السماوات يلج في السمع بغير استئذان لنصاعته وعذوبته ولفظ الأراضي لا يأذن له السمع إلا على كره ولهذا تفادوا من جمعه إذا أرادوه بثلاثة ألفاظ تدل على التعدد كما قال تعالى: ﴿خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ ومِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ كل هذا تفاديا من أن يقال أراض وآرض الفرق المعنوي، فإن الكلام متى اعتمد به على السماء المحسوسة التي هي السقف وقصد به إلى ذاتها دون معنى الوصف صح جمعها جمع السلامة، لأن العدد قليل، وجمع السلامة بالقليل أولى لما تقدم من قربه من التثنية القريبة من الواحد، ومتى اعتمد الكلام على الوصف ومعنى العلى والرفعة جرى اللفظ مجرى المصدر الموصوف به في قولك: قول عدول وزور. وأما الأرض فأكثر ما تجيء مقصودا بها معنى التحت والسفل دون أن يقصد ذواتها وأعدادها وحيث جاءت مقصودا بها الذات والعدد أتي بلفظ يدل على البعد كقوله: ﴿وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ وفرق ثان وهو أن الأرض لها نسبة لا إلى السماوات وسعتها بل هي بالنسبة إليها كحصاة في صحراء فهي وإن تعددت وتكبرت فهي بالنسبة إلى السماء كالواحد القليل فاختير لها اسم الجنس وفرق ثالث أن الأرض هي دار الدنيا التي بالإضافة إلى الآخرة كما يدخل الإنسان إصبعه في اليم فما تعلق بها هو مثال الدنيا من الآخرة والله سبحانه لم يذكر الدنيا إلا مقللا لها محقرا لشأنها وأما السماوات فليست من الدنيا هذا على أحد القولين في الدنيا فإنه اسم للمكان فإن السماوات مقر ملائكة الرب تعالى ومحل دار جزائه ومهبط ملائكته ووحيه فإذا اعتمد التعبير عبر عنها بلفظ الجمع إذ المقصود ذواتها لا مجرد العلو والفوق. وأما إذا أريد الوصف الشامل للسماوات وهو معنى العلو والفوق أفردوا ذلك بحسب ما يتصل به من الكلام والسياق فتأمل قوله: ﴿أأمِنتُمْ مَن في السَّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإذا هي تَمُورُ (١٦) أمْ أمِنتُمْ مَن في السَّماءِ أنْ يُرْسِلَ عَلَيْكم حاصِبًا﴾ كيف أفردت هنا لما كان المراد الوصف الشامل والفوق المطلق، ولم يرد سماء معينة مخصوصة. ولما لم تفهم الجهمية هذا المعنى أخذوا في تحريف الآية عن مواضعها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب