قوله: ﴿جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ﴾ الآية.
إنما سميت الكعبة كعبة لتربيعها، قاله عكرمة ومجاهد. وقيل: لتربيع أعلاها.
* * *
ومعنى ﴿قِيَٰماً﴾ أي: جعلها بمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر أتباعه، فهي تحجزهم عن ظلم بعضهم بعضاً، وقيل: جعلها مصالح لأمورهم، كالرئيس الذي يصلح أمر من يتبعه، وكذلك ﴿ٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ﴾ جعل ذلك أيضاً قياماً للناس.
والناس - هنا -: مَن كان في الجاهلية، كان الرجل لا يخاف إذا دخل في الحرَم ولو لَقِي من قتل أباه أو أخاه، لم يخف الفاعل في الحرَم، وإذا لَقِي الهدي لم يَعرِضْ له القاطع ولا الجائع، وكان الرجل إذا أراد الحج تقلد بقلادة من شعر، وإذا رجع تقلد بقلادة من لحاء شجر الحرم، فلا يعرض له ولا يؤذى حتى يصل (إلى) أهله.
وقيل: الناس هنا: جميع الناس.
قال ابن عباس: قياماً لدينهم ومَعْلَماً لحجهم. قال ابن زيد: كان الناس كلهم فيهم ملوك يدفع بعضهم عن بعض، ولم يكن في العرب ملوك يدفع عن بعضهم (ظلم بعض)، فجعل الله لهم البيت الحرام قياماً، يدفع بعضهم عن بعض، وكذلك الشهر الحرام لا يؤذى أحد في الحرم، ولا في الشهر الحرام وإنْ كان ذا جناية، وهذا (كله منسوخ) بالحدود (و) بقوله: ﴿فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]، لا يمنع الحرم من الاقتصاص من جان، ولا من إقامة حد على من وجب عليه الحد، وهذا إجماع.
وقيل ﴿قِيَٰماً﴾ يأتمون بها ويقومون بشرائعها. وقيل: (معنى) ﴿قِيَٰماً لِّلنَّاسِ﴾: أي: بالحج يَسْلَمُون من استعجال العقوبات.
قال بعض العلماء لو ترك الناس الحج عاماً واحداً ما أنظِروا.
قوله: ﴿ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ﴾ الآية.
(ذلك) إشارة إلى ما تقدم من قوله: ﴿جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ﴾ الآية، فالمعنى: ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما تحدثون وما تصنعون، كما يعلم ما في السموات و ﴿مَا فِي ٱلأَرْضِ﴾، ولتعلموا أن الله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء من أموركم.
قال المبرد: كانت الجاهلية تعظم البيت الحرام و ﴿ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ﴾، كانوا يُسَمُّون رجباً: الاصم"، لأنه (لا) يسمع فيه وقع السلاح، فأعلم الله ما يكون منهم من إغارة بعضهم على بعض، فألهمهم (الله) ألا يقاتلوا في الأشهر الحرم، ولا عند البيت الحرام ولا مَن كان معه القلائد، ثم أعلمهم أن الذي ألهمهم هذا يعلم ما السماوات وما في الأرض.
وفي تكرير الاسم في قوله: ﴿وَأَنَّ ٱللَّهَ﴾، ولم يقل: "وأنه"، معنى التعظيم.
{"ayah":"۞ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلۡكَعۡبَةَ ٱلۡبَیۡتَ ٱلۡحَرَامَ قِیَـٰمࣰا لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَٱلۡهَدۡیَ وَٱلۡقَلَـٰۤىِٕدَۚ ذَ ٰلِكَ لِتَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ"}