الباحث القرآني
ولَمّا كانَ الإحْرامُ؛ وتَحْرِيمُ الصَّيْدِ فِيهِ؛ إنَّما هو لِقَصْدِ تَعْظِيمِ الكَعْبَةِ؛ بَيَّنَ (تَعالى) حِكْمَةَ ذَلِكَ؛ وأنَّهُ كَما جَعَلَ الحَرَمَ والإحْرامَ سَبَبًا لِأمْنِ الوَحْشِ؛ والطَّيْرِ؛ جَعَلَهُ سَبَبًا لِأمْنِ النّاسِ؛ وسَبَبًا لِحُصُولِ السَّعادَةِ؛ دُنْيا وأُخْرى؛ فَقالَ - مُسْتَأْنِفًا؛ بَيانًا لِحِكْمَةِ المَنعِ في أوَّلِ السُّورَةِ؛ مِنَ اسْتِحْلالِ مَن يَقْصِدُها لِلزِّيارَةِ -: ﴿جَعَلَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: بِما لَهُ مِنَ العَظَمَةِ؛ وكَمالِ الحِكْمَةِ؛ ونُفُوذِ الكَلِمَةِ؛ ﴿الكَعْبَةَ﴾؛ وعَبَّرَ عَنْها بِذَلِكَ لِأنَّها مَأْخُوذَةٌ مِن ”الكَعْبُ“؛ الَّذِي بِهِ قِيامُ الإنْسانِ؛ وقِوامُهُ؛ وبَيَّنَها مادِحًا بِقَوْلِهِ: ﴿البَيْتَ الحَرامَ﴾؛ أيْ: المَمْنُوعَ مِن كُلِّ جَبّارٍ دائِمًا؛ الَّذِي تَقَدَّمَ في أوَّلِ السُّورَةِ أنِّي مَنَعْتُكم مِنَ اسْتِحْلالِ مَن يَؤُمُّهُ؛ ﴿قِيامًا لِلنّاسِ﴾؛ أيْ: في أمْرِ مَعاشِهِمْ؛ ومَعادِهِمْ؛ لِأنَّها لَهم كالعِمادِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ البَيْتُ؛ فَيَأْمَنُ بِهِ الخائِفُ ويَقْوى فِيهِ الضَّعِيفُ؛ ويَقْصِدُهُ التُّجّارُ؛ والحُجّاجُ؛ والعُمّارُ؛ فَهو عِمادُ الدِّينِ والدُّنْيا.
ولَمّا ذَكَرَ ما بِهِ القِوامُ مِنَ المَكانِ؛ أتْبَعَهُ ذَلِكَ مِنَ الزَّمانِ؛ فَقالَ: ﴿والشَّهْرَ الحَرامَ﴾؛ أيْ: الَّذِي يُفْعَلُ فِيهِ الحَجُّ وغَيْرُهُ؛ يَأْمَنُ فِيهِ الخائِفُ. (p-٣٠٧)ولَمّا ذَكَرَ ما بِهِ القِوامُ مِنَ المَكانِ؛ والزَّمانِ؛ أتْبَعَهُ ما بِهِ قِوامُ الفُقَراءِ مِن شَعائِرِهِ؛ فَقالَ: ﴿والهَدْيَ﴾؛ ثُمَّ أتْبَعَهُ أعَزَّهُ؛ وأخَصَّهُ؛ فَقالَ: ﴿والقَلائِدَ﴾؛ أيْ: والهَدْيَ العَزِيزَ الَّذِي يُقَلَّدُ فَيُذْبَحُ؛ ويُقَسَّمُ عَلى الفُقَراءِ؛ وفي الآيَةِ التِفاتٌ إلى ما في أوَّلِ السُّورَةِ مِن قَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ ولا الشَّهْرَ الحَرامَ﴾ [المائدة: ٢]؛- فَقَوانِينُها أنَّ مَن قَصَدَها في شَهْرِ الحَرامِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أحَدٌ؛ ولَوْ كانَ قَتَلَ ابْنَهُ؛ ومَن قَصَدَها في غَيْرِهِ؛ ومَعَهُ هَدْيٌ؛ قَلَّدَهُ أوْ لَمْ يُقَلِّدْهُ؛ أوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ وقَلَّدَ نَفْسَهُ مِن لِحاءِ شَجَرِ الحَرَمِ؛ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ أحَدٌ؛ حَتّى أنْ بَعْضَهم يَلْقى الهَدْيَ وهو مُضْطَرٌّ؛ فَلا يَعْرِضُ لَهُ؛ ولَوْ ماتَ جُوعًا؛ وسَواءٌ في ذَلِكَ صاحِبُهُ وغَيْرُهُ؛ لِأنَّ اللَّهَ (تَعالى) أوْقَعَ في قُلُوبِهِمْ تَعْظِيمَها؛ لِأنَّهُ (تَعالى) جَبَلَ العَرَبَ عَلى الشَّجاعَةِ؛ لِيَفْتَحَ بِهِمُ البِلادَ شَرْقًا؛ وغَرْبًا؛ لِيَظْهَرَ عُمُومُ رِسالَةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ؛ فَلَزِمَ مِن ذَلِكَ شِدَّةُ حِرْصِهِمْ عَلى القَتْلِ؛ والغاراتِ؛ وعَلِمَ أنَّ ذَلِكَ إنْ دامَ بِهِمْ شَغَلَهم عَنْ تَحْصِيلِ ما يَحْتاجُونَ إلَيْهِ لِعَيْشِهِمْ؛ فَأدّى إلى فَنائِهِمْ؛ فَجَعَلَ بَيْتَهُ المُكَرَّمَ؛ وما كانَ مِن أسْبابِهِ؛ أمانًا يَكُونُ بِهِ قِوامُ مَعاشِهِمْ؛ ومَعايِشِهِمْ؛ فَكانَ ذَلِكَ بُرْهانًا ظاهِرًا عَلى أنَّ الإلَهَ عالِمٌ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ؛ وأنَّ لَهُ الحِكْمَةَ البالِغَةَ. (p-٣٠٨)ولَمّا أخْبَرَ بِعِلَّةِ التَّعْظِيمِ لِما أمَرَ بِتَعْظِيمِهِ؛ مِن نُظُمِ أُمُورِ النّاسِ؛ ذَكَرَ عِلَّةَ ذَلِكَ الجَعْلِ؛ فَقالَ: ﴿ذَلِكَ﴾؛ أيْ: الجَعْلُ العَظِيمُ الَّذِي تَمَّ أمْرُهُ عَلى ما أرادَ جاعِلُهُ - سُبْحانَهُ -؛ ﴿لِتَعْلَمُوا﴾؛ أيْ: بِهَذا التَّدْبِيرِ المُحْكَمِ؛ ﴿أنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ؛ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ؛ ﴿يَعْلَمُ ما في السَّماواتِ﴾؛ فَلِذَلِكَ رَتَّبَها تَرْتِيبًا فُصِّلَتْ بِهِ الأيّامُ واللَّيالِي؛ فَكانَتْ مِن ذَلِكَ الشُّهُورُ والأعْوامُ؛ وفَصَّلَ مِن ذَلِكَ ما فَصَّلَ لِلْقِيامِ المَذْكُورِ؛ ﴿وما في الأرْضِ﴾؛ فَلِذَلِكَ جَعَلَ فِيها ما قامَتْ بِهِ مَصالِحُ النّاسِ؛ وكَفَّ فِيهِ أشَدُّهم وأفْتَكُهم عَنْ أضْعَفِهِمْ؛ وآمَنَ فِيهِ الطَّيْرَ والوَحْشَ؛ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ مَن لَهُ عَقْلٌ رَصِينٌ؛ وفِكْرٌ مَتِينٌ إلى أنْ يَعْلَمَ أنَّ فاعِلَ ذَلِكَ مِنَ العَظَمَةِ؛ ونُفُوذِ الكَلِمَةِ؛ بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ الإخْلاصَ في العِبادَةِ؛ وأنْ يُمْتَثَلَ أمْرُهُ في إحْلالِ ما أحَلَّ مِنَ الطَّعامِ؛ وتَحْرِيمِ ما حَرَّمَ مِنَ الشَّرابِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ.
ولَمّا ذَكَرَ هَذا العِلْمَ العَظِيمَ؛ ذَكَرَ ما هو أعَمُّ مِنهُ؛ فَقالَ: ﴿وأنَّ﴾؛ أيْ: ولِتَعْلَمُوا أنَّ ﴿اللَّهُ﴾؛ أيْ: المُحِيطَ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا؛ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ فَتَمَّ لَهُ؛ ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾؛ وإلّا لَما أثْبَتَ جَمِيعَ مُقْتَضَياتِ ذَلِكَ؛ ونَفى جَمِيعَ مَوانِعِهِ حَتّى كانَ؛ ولَقَدِ اتَّخَذَ العَرَبُ - كَما في السِّيرَةِ الهِشامِيَّةِ؛ وغَيْرِها - طَواغِيتَ؛ وهي بُيُوتٌ جَعَلُوا لَها سَدَنَةً وحُجّابًا؛ وهَدايا أكْثَرُوا مِنها؛ وعَظَّمَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ ما عِنْدَها أشَدَّ تَعْظِيمٍ؛ وطافُوا بِهِ؛ فَلَمْ يَبْلُغْ (p-٣٠٩)شَيْءٌ مِنها ما بَلَغَ أمْرَ الكَعْبَةِ المُشَرَّفَةِ؛ ولا قارَبَ؛ لِيَحْصُلَ العِلْمُ بِأنَّهُ - سُبْحانَهُ - لا شَيْءَ مِثْلُهُ؛ ولا شَرِيكَ لَهُ.
{"ayah":"۞ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلۡكَعۡبَةَ ٱلۡبَیۡتَ ٱلۡحَرَامَ قِیَـٰمࣰا لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَٱلۡهَدۡیَ وَٱلۡقَلَـٰۤىِٕدَۚ ذَ ٰلِكَ لِتَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











