الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ﴾ [المائدة ٩٧] هذه أربعة أشياء جعلها الله تعالى قيامًا للناس، أولًا: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ هذا الجعل هل هو جعل شرعي، أو جعل كوني، أو هما جميعًا؟ الظاهر الثالث: أن الله جعل ذلك كونًا وشرعًا.
وقوله: ﴿الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ الكعبة في الأصل هو البناء المربع، لكن قوله: ﴿الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ خرج به كل مربع سوى الكعبة المشرفة، وعلى هذا فيكون قوله: ﴿الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ وصفًا مخرجًا لغيره وليس بيانًا أو بدلًا، بل هو وصف مخرج لغيره من الكعبات، وقوله: ﴿الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ أي: ذو الحرمة، وحرمة مكة أمر معروف.
وقوله: ﴿قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ وفي قراءة: ﴿قِيَمًا لِلنَّاسِ﴾ ، ﴿قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ أي: تقوم به مصالح دينهم ومصالح دنياهم، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النساء ٥] أي: تقوم بها مصالح الدين والدنيا، إذن الكعبة جعلها الله تعالى قيامًا للناس تقوم بها مصالح دينهم ودنياهم، أما مصالح الدين فظاهر؛ حج وعمرة بما فيهما من الأنساك، وأما مصالح الدنيا فقد قال الله تعالى مشيرًا إليها: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ﴾ [الحج ٢٨]، ثم إن هذه الكعبة يجبى إليها ثمرات كل شيء رزقًا من عند الله عز وجل.
وقوله: ﴿وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ أي: وجعل الشهر الحرام قيامًا للناس، وهل المراد به الجنس أو شهر واحد؟ المراد الجنس، فيشمل الأشهر الأربعة وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، وإنما جعل الله الأشهر الحرم قيامًا للناس؛ لأنهم يأمنون فيها؛ حيث إن القتال فيها محرم، حتى في الجاهلية لا يمكن أن يكون قتال في هذه الأشهر الأربعة: ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، رجب، أما الثلاثة الأولى فلأنها أشهر الحج؛ يعني: الأشهر التي يسافر الناس فيها إلى مكة ويرجعون منها، يسافرون في ذي القعدة ويرجعون في المحرم، ومن المعلوم أن المحرم ليس من أشهر الحج لكن بدله أيش؟ شوال، لكنه من حرمات الحج؛ إذ إن الناس يسافرون في شهر ذي القعدة للحج ويرجعون في شهر محرم؛ ولهذا كانوا في الجاهلية لا يمكن أن يعتدي أحد على أحد في هذه الأشهر أبدًا، حتى لو وجد قاتل أبيه لم يقتله.
رجب هذا أيضًا شهر معظم في الجاهلية كالأشهر الثلاثة لا يمكن القتال فيه، فيأمن الناس في هذه الأشهر وتقوم مصالحهم، يسافرون ويؤوبون إلى بلادهم لا أحد يتعرض لهم.
هذا الثالث أو الرابع؟ الثالث: الهدي جعله الله تعالى قيامًا للناس في دينهم ودنياهم؛ أما في دينهم فبالثواب الذي ينالونه من الله عز وجل، وأما في دنياهم فالبيع والشراء، والأكل، والانتفاع بالجلود، وما أشبه ذلك، فالهدي إذن قيام للناس.
وأما قوله: ﴿وَالْقَلَائِدَ﴾ ففيها قولان؛ القول الأول: أنهم كانوا في الجاهلية إذا حج الإنسان أو اعتمر صنع قلادة من لحاء الشجر؛ من الثمر أو غيره قلادة يتقلد بها ليعلم أنه حاج فيحترم، شوف عجائب! عادات غريبة، إذا حج أو اعتمر صنع قلادة يتقلدها، إذا رآه أحد قال: هذا حاج أو معتمر.
القول الثاني: أن المراد بالقلائد ما يقلد الهدي؛ لأن الهدي يقلد في رقبته بما يشعر أنه هدي وهو: آذان القِرَب، النعال الخلقة البالية تعلق في أعناق الهدي إشارة إلى أنه هدي فيحترم، حتى قال بعضهم: إن الرجل في الجاهلية يأكل العصب من الجوع ولا يمكن أن يذبح أو ينحر هذا الهدي؛ لأن عليه علامة وهي القلائد.
القلائد تكون في الغنم، وتكون في الإبل، وتكون في البقر، وتزيد الإبل بالإشعار وهو شق سنامها حتى يسيل الدم، فيعرف الناس أن هذه من الهدي، هذه كلها جعلها الله تعالى قيامًا للناس.
فلننظر إلى الإعراب ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا﴾ أين مفعول ﴿جَعَلَ﴾ الأول؟
* طلبة: ﴿الْكَعْبَةَ﴾.
* الشيخ: ﴿الْكَعْبَةَ﴾، والثاني: ﴿قِيَامًا﴾.
وقوله: ﴿وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ أيضًا معطوفة على ﴿الْكَعْبَةَ﴾، وعلى هذا فيكون المفعول الثاني في المعطوفات مقدَّرًا؛ أي: والشهر الحرام قيامًا، والهدي قيامًا، والقلائد قيامًا للناس.
* طالب: أهل الجاهلية يعظمون الأشهر الحرم هل أخذوا هذا من دين سابق، أم يعني..؟
* الشيخ: لا أعلم أنه من دين سابق، لكنه جارٍ بينهم ومعروف، لكن لا أعلم أنه من دين سابق.
* طالب: الحكمة يا شيخ في تحريم صيد البر في الإحرام، والحل البحر أحل للمحرم، هل هو يتفاضل يا شيخ أو هذه حكمة جعلها الله للناس؟
* الشيخ: لا، يتفاضل، إحنا ذكرنا في تحريم صيد البر أن الحكمة من ذلك لئلا يتلهى الإنسان وينساب وراء الصيود، وأما البحر فلا يتأتى فيه ذلك؛ أولًا: إن البحر لا يكاد أحد يحرم من البحر إلا من مرَّ به، وثانيًا: أن البحر حتى لو فرضنا أن أحدًا من الناس أحرم من البر فيجوز أن يخوض البحر ويصيد، لكن هذا نادر؛ ولهذا لا حكم له.
* الطالب: يعني التحليل والتحريم ما بينهما تفاضل؟
* الشيخ: لا، بينهما فرق واضح، أحل صيد البحر؛ لأن الناس لا يتلهون به كثيرًا في حال الإحرام، أما في الحرم فليس في حدود الحرم بحر، لكن لو فرض أن بحيرة اصطناعية صار فيها سمك فإنه يكون حلالًا؛ لأنه من صيد البحر.
* طالب: شيخ -بارك الله فيكم- على الساحل؛ ساحل البحر حيوانات لا دم لها.
* الشيخ: لا دم لها؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: إي، مثل؟
* الطالب: ما يعني ما هي معروفه إلا عند أهل الساحل أسماء غريبة يعني.
* الشيخ: لكنها تعيش في البر ولا..؟
* الطالب: تعيش في البر وربما تعيش في البحر، وآخر ما رأيت بالساحل.
* الشيخ: هذه يقول بعض العلماء: إذا كان أكثر حياتها في البحر فهي بحرية ولو عاشت في البر، وبعضهم يقول: لا، ما دام عاشت في البر فإنها ليست بحرية، إلا إذا كان عيشها في البر كحركة المذبوح؛ يعني: لما خرج بالسمكة بقيت تضطرب حتى ماتت، هذه لا عبرة بها.
* الطالب: والطيور التي تتغذى على السمك؟
* الشيخ: على السمك؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: برية.
* الطالب: برية، لكن كل أكلها جميعًا السمك فقط.
* الشيخ: ما يخالف.
* الطالب: حلال أم حرام؟
* الشيخ: لا، حرام صيدها؛ لأنها من صيد البر.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (٩٩) قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة ٩٧ - ١٠٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ مر علينا أن السمك والحيتان الميت حلال فمن أين يؤخذ؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾.
* الشيخ: وجه الدلالة؟
* الطالب: يعني: كل ما في البحر هو حلال.
* الشيخ: لكن ما وجه الدلالة من أن الميت يكون حلالًا؟
* طالب: صيد البر بمعنى المصيد.
* الشيخ: لا، نتكلم عن صيد البحر، إذا وجد ميتًا هل هو حلال ولَّا حرام، أخوك يقول أنه حلال وأتى بالآية لكن لم يبين وجه الاستدلال؟
* الطالب: ﴿وَطَعَامُهُ﴾ يا شيخ.
* الشيخ: ﴿وَطَعَامُهُ﴾.
* الطالب: يعني: غير المصيد الذي يكون ميتًا أصلًا، طعامه، هذا معناه.
* الشيخ: إذن طعامه ما وجد؟
* الطالب: ميتًا.
* الشيخ: ميتًا، تمام هكذا جاء عن ابن عباس رضي الله عنه[[أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٢٠٠٠٧) من حديث ابن عباس.]].
قوله: ﴿وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ استنبطنا منها دليلًا على أيش؟
* طالب: هو أنه يجوز ادِّخار اللحم.
* الشيخ: يجوز ادِّخار اللحم وأكله بعد ادِّخاره، هل هذا يقيد بشيء؟
* الطالب: نعم يا شيخ.
* الشيخ: ما هو؟
* الطالب: ما لم ينتن، فيكون ضارًّا.
* الشيخ: ما لم ينتن فيكون ضارًّا، وحينئذٍ لا.
من أين نأخذ أنه يحرم؟
* طالب: مفهوم الآية: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ﴾.
* الشيخ: ترى ما هو لازم نأخذ الحكم من هذه الآية.
* الطالب: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة ٣].
* الشيخ: لا، ما أدري، ما هو حرام.
* الطالب: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»[[أخرجه ابن ماجه (٢٣٤١) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.]].
* الشيخ: معنا شيء أبين منه وأصح منه؛ لأن الحديث هذا فيه ما فيه من كلام أهل العلم، أتقرأ القرآن؟ قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء ٢٩] أفهمت؟ أجب قل: نعم ولَّا لا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: طيب هذه الآية تدل على هذا.
فإن قال قائل: هذه الآية تدل على أن الشيء الذي يؤدي إلى الهلاك هو الحرام، وما دون القتل فلا يدخل في الآية؟
* طالب: يجاب عنه «بحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في غزوة ذات السلاسل؛ حيث تيمم لما خاف البرد وقال: له النبي ﷺ: «أَصَلَّيْتَ بَأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَالَ:» ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [[أخرجه أبو داود (٣٣٤) من حديث عمرو بن العاص.]]، (...) النبي ﷺ وهو (...).
* الشيخ: أحسنت، نقول: الآية وإن كانت تدل على أن المنهي عنه هو القتل، لكن استدل بها عمرو بن العاص رضي الله عنه على جواز التيمم لخوف البرد أو المرض، فأقره النبي ﷺ على ذلك.
صيد البر المحرم؟
* طالب: صيد البر محرم؛ لقوله تعالى: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾.
* الشيخ: إي، ما هو صيد البر؟
* الطالب: صيد البر هو ما صيد من الحيوانات وغيرها.
* الشيخ: إي، لكن ما هو الحرام؟ كل ما في البر حرام؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: خطأ.
* طالب: كل حيوانٍ.
* الشيخ: كل حيوانٍ.
* الطالب: برِّي.
* الشيخ: برِّي.
* الطالب: متوحش.
* الشيخ: متوحش.
* الطالب: حلال.
* الشيخ: حلال.
ما معنى قولك: بري؟
* الطالب: البري غير المستأنس.
* الشيخ: خطأ، المتوحش ولًّا المستأنس؟
* الطالب: البري اللي يعيش في البر.
* الشيخ: يعني ما لا يعيش إلا في البر.
ما الفائدة من قوله: ﴿إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾؟
* طالب: الفائدة من قوله: ﴿تُحْشَرُونَ﴾ أن الحشر إلى الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.
* الشيخ: لكن الفائدة من ذكرها بعد أن قال: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾؟
* الطالب: تفيد اليوم الآخر.
* الشيخ: لكن ما الفائدة من كونها تأتي بعد قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾؟
* طالب: التهديد.
* الشيخ: التهديد؛ يعني: أنه لا مفر لكم من الله عز وجل فاتقوه.
ما الفائدة من تقديم الجار؟
* الطالب: الحصر.
* الشيخ: الحصر، أحسنت.
هل هناك قاعدة تؤسس عليها هذا الجواب؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: ما هي؟
* الطالب: إذا قدم ما حقه التأخير فإنه يفيد الحصر.
* الشيخ: أحسنت، تمام، هذه قاعدة معروفة عند البلاغيين والأصوليين.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ هذا الجعل شرعي أو قدري؟
* طالب: لا، شرعي.
* الشيخ: شرعي فقط؟
* الطالب: قدري كله.
* الشيخ: شرعي وقدري.
* الطالب: لا، شرعي.
* الشيخ: أجب هل هو شرعي ولا قدري؟
* الطالب: شرعي وقدري.
* الشيخ: شرعي وقدري.
﴿الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ هل هو عطف بيان أو هو قيد؟
* طالب: عطف.
* طالب آخر: قيد.
* الشيخ: قَيْد، يخرج؟
* الطالب: يخرج جميع الكعبات غير كعبة مكة.
* الشيخ: غير الكعبة المشرفة، تمام، يعني: لو أن إنسانًا بنى كعبة؛ يعني بناء مربعًا وقال: هذه كعبة حجوا لها، نقول: لا؛ لأن الكعبة التي جعلها الله قيامًا هي البيت الحرام وهي الخاصة.
قوله: ﴿الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ واحد ولَّا ثلاثة ولَّا أربعة ولَّا خمسة؟
* طالب: جنس يا شيخ.
* الشيخ: يشمل؟
* الطالب: كل الأشهر الحرم.
* الشيخ: كل الأشهر الحرم، وعددها؟
* الطالب: أربعة.
* الشيخ: أربعة، ما هي؟
* الطالب: ذو القِعدة.
* الشيخ: ذو القَعدة.
* الطالب: ذو الحَجة.
* الشيخ: ذو الحِجة أفصح.
* الطالب: محرم، ورجب.
* الشيخ: أحسنت، تمام، إذن هذا عام.
ما وجه كون هذه الأشهر قيامًا للناس؟
* الطالب: قوله: ﴿قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ (...) يحرم فيها القتال.
* الشيخ: يحرم فيها القتال، فيأمن الناس في أسفارهم وفي أوطانهم؛ لأنها أشهر محترمة حتى في..
قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ ﴿ذَلِكَ﴾ المشار إليه الجعل؛ يعني: جعلنا ذلك لا عن جهل مثلًا، بل هو عن علم.
﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ فقد جعل الله تعالى ذلك عن علم بما في هذه الأربعة من المصالح، فجعلها الله قيامًا للناس، وإنما ذكر الله عز وجل هذا من أجل أن يطمئن الناس أن الله جعلها قيامًا، وهذا الجعل صادر عن علم من الله عز وجل.
وقوله: ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ (ما) من صيغ العموم فيشمل كل ما في السماوات وما في الأرض، و(السماوات) جمع (سماء)، وعددها سبعة، ثبت ذلك بالقرآن والسنة؛ قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [المؤمنون ٨٦]، والسنة متواترة في هذا أو مشهورة في هذا.
وقوله: ﴿الْأَرْضِ﴾ جاءت بالإفراد لكن عددها سبع؛ لقوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢]، من المعلوم أن المثلية هنا لا يمكن أن تكون في الحجم والسعة وما أشبه ذلك؛ للفرق العظيم بين السماء والأرض، لكن المثلية في العدد، بدليل ما جاء في السنة: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٥٢)، ومسلم (١٦١٠ / ١٣٧) واللفظ له من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.]]، إذن الأرض المراد بها الجنس، فيشمل الأرضين السبع.
﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ يعني: ولتعلموا أيضًا ﴿أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ عز وجل، إن الله بكل شيء عليم لا يخفى عليه شيء، وعلم الله تبارك وتعالى من صفاته الذاتية، فهو عالم بما يكون إلى يوم القيامة وإلى ما وراء يوم القيامة، وهو لم يزل عليمًا بذلك من الأزل، لا يطرأ على علمه نسيان، ولا يسبقه جهل، سبحانه وتعالى.
* في الآية هذه فوائد كثيرة؛ منها: أن الله سبحانه وتعالى عظَّم هذه الكعبة المشرفة؛ حيث جعلها قيامًا للناس تقوم بها أمور دينهم ودنياهم.
* ومنها: أن لله سبحانه وتعالى أن يفضل ما شاء من خلقه، وهذا أمر معلوم، وله أمثلة في القرآن والسنة، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الإسراء ٥٥]، وقال تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ [البقرة ٢٥٣]، وقال الله تعالى: ﴿يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ [الرعد ٤]، فلله سبحانه وتعالى أن يفضل ما شاء من خلقه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الكعبة حرام؛ أي: محترمة معظمة؛ ولهذا كان ما حولها حرامًا لا يقتل صيده ولا يقطع شجره.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: رحمة الله تبارك وتعالى بالخلق؛ حيث يجعل لهم من مخلوقاته ما تقوم به مصالح دينهم ودنياهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تعظيم الأشهر الحرم وأنها قيام للناس، وتعظيمها جاء في القرآن والسنة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا﴾ أي: من هذه الشهور ﴿أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة ٣٦]، وكذلك جاء في السنة كما قال النبي ﷺ مقررًا ذلك: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٤٠٦)، ومسلم (١٦٧٩ / ٣٠) من حديث أبي بكرة.]].
فإن قال قائل: وهل يحرم فيها القتال؟
فالجواب: أن العلماء اختلفوا في هذا؛ فمنهم من قال: إن تحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ، ومنهم من قال: إنه محكم، فالأول عليه الجمهور: أنه منسوخ؛ لعموم الأدلة الدالة على قتال المشركين بدون تقييد، والثاني هو الراجح: أن الأشهر القتال فيها ممنوع، وما جاء عامًّا أو مطلقًا في النصوص الأخرى فهو كغيره من العمومات والمطلقات يكون مقيدًا بما دل عليه الكتاب والسنة من تحريم القتال في الأشهر الحرم.
فإن قال قائل: أليس النبي ﷺ قاتل في الأشهر الحرم؛ كغزوة حنين؟
فالجواب: بلى، لكن هذا كان امتدادًا لفتح مكة، وفتح مكة لم يكن في الأشهر الحرم بل كان في رمضان، وعلى هذا فنقول: إذا اعتدى الكفار علينا في الأشهر الحرم، فلنا أن نقاتل ولو في الأشهر الحرم؛ لأن قتالنا هذا دفاع، والإنسان يجب عليه أن يدافع عن نفسه في أي مكان وفي أي زمان، حتى مثلًا في مكة القتال فيها حرام ولَّا غير حرام؟ حرام إلى يوم القيامة، لكن لو قاتَلَنا أهلُ مكة أو قاتلنا أحدٌ من غير أهلها في مكة فإننا نقاتله؛ لقول الله تعالى: ﴿فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة ١٩١].
إذن نقول: إذا ابتدأ العدو بقتالنا في الأشهر الحرم فلنا أن نقاتله، ثم هل هذا على سبيل الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة؟ ينظر فيه، لكن الكلام على أن تحريم القتال في الأشهر الحرم باقٍ إلا إذا كان امتدادًا لغزو قبله أو ابتدؤونا هم أعداؤنا بقتال.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تعظيم الهدي والترغيب فيه؛ لقوله: ﴿وَالْهَدْيَ﴾؛ يعني: أن الله جعله قيامًا للناس.
ولكن هل الهدي مربوط بالنسك، أو يجوز أن يهدي الإنسان إلى البيت ولو لم يكن نسك؟
الجواب: الثاني؛ أنه يجوز للإنسان أن يبعث الهدي إلى مكة وإن كان في بلده، كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل[[أخرجه البخاري (٥٥٦٦) من حديث عائشة رضي الله عنها.]].
فإن قال قائل: وهل الهدي يسن سوقه في العمرة كالحج؟
فالجواب: نعم، يُسن، «كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة الحديبية، فإنه ساق الهدي في عمرة»[[أخرجه البخاري (١٦٩٤)، وأحمد في المسند (١٨٩١٠) واللفظ له من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم.]].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: مشروعية القلائد؛ لقوله: ﴿وَالْقَلَائِدَ﴾، ووجه ذلك أن فيها إظهارًا لشعائر الله عز وجل؛ لأن كل من رأى هذه النعم المقلدة عرف أنها هدي فعظمها واحترمها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الحكمة في أحكام الله عز وجل؛ لقوله: ﴿ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا﴾، واللام هنا للتعليل، ومن أسماء الله تبارك وتعالى الحكيمُ؛ الذي يضع الأشياء في مواضعها.
* ويتفرع على هذه الفائدة العظيمة: أن نؤمن بأن كل ما شرعه الله أو فعله الله فهو لحكمة، وحينئذٍ لا يلزمنا أن نبحث عن الحكمة أو نتمحل حكمة بعيدة قد تكون غير مرادة لله عز وجل، إن تبينت لنا الحكمة بسهولة فلا شك أن هذا من نعمة الله ويزيد الإنسان طمأنينة، وإن لم تتبين فإننا نعلم أنها لحكمة، لكن عقولنا قاصرة عن إدراك حكمة الله عز وجل فيما شرع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحث على معرفة صفات الله عز وجل؛ لقوله: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾، فينبغي لك أن تبحث عن صفات الله تبارك وتعالى، سواء الصفات التي ليس لها أسماء أو الصفات التي تتضمنها الأسماء، ابحث؛ لأنك كلما ازددت معرفة بالله وأسمائه وصفاته ازددت يقينًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: التحذير من مخالفة الله عز وجل، وجهه: إثبات العلم؛ أن الله يعلم ما في السماوات والأرض؛ لأن كل إنسان يهم بمعصية، سواء كان ترك واجب أو فعل محرم، إذا أيقن أن الله عالم به فإنه يخاف ويمسك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان عموم علم الله سبحانه وتعالى لما في السماوات والأرض، نأخذه مِن؟ من اسم الموصول ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾.
* ومن فوائده: إثبات أن السماوات ذات عدد، لكن كم هذا العدد؟ بُيِّن في أدلة أخرى أنه سبع سماوات.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تكرار الثناء على الله عز وجل؛ لأن الله كرر عموم علمه بقوله: ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، ثم أكد العموم بما هو أعم في قوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ يعني: هذا يعم ما في السماوات وما في الأرض مما يكون بعد فناء السماء والأرض، ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
واعلم أن العلم -أعني صفة العلم- من أعم الصفات إن لم تكن أعم الصفات؛ لأن العلم يتعلق بالواجب، والممكن والمستحيل، والسابق واللاحق، فهي أعم ما يكون من الصفات -أعني العلم- فمن تعلقها بالمستحيل قول الله تبارك وتعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء ٢٢]، وهل يمكن أن يكون فيهما آلهة إلا الله؟ لا يمكن، ومع ذلك أخبرنا الله عز وجل بنتيجة هذا لو فرض، وأنهما -أي السماوات والأرض- تفسدا.
ومن تعلقها -أي تعلق العلم بالواجب- كل ما أخبر الله به عن نفسه من صفات الكمال فهو علم بالواجب؛ لأنه يجب لله صفات الكمال.
وتعلقها بالممكن كل ما أخبر الله به عن مخلوقاته، فهو من باب تعلق العلم بالممكن.
{"ayah":"۞ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلۡكَعۡبَةَ ٱلۡبَیۡتَ ٱلۡحَرَامَ قِیَـٰمࣰا لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَٱلۡهَدۡیَ وَٱلۡقَلَـٰۤىِٕدَۚ ذَ ٰلِكَ لِتَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق