الباحث القرآني
قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً﴾ إلى قوله ﴿هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ﴾.
والمعنى: من أعظم جرماً ممن اختلق على الله سبحانه، الكذب، أي: كذب بآياته، وحججه، وهو النبي ﷺ، وما جاء به.
﴿أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ﴾، يوم القيامة، فيسألهم عن أعمالهم في الدنيا.
قال ابن جريج: ذلك الكافر، والمنافق.
﴿وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ﴾: الذين شهدوا على أعمالهم، وحفظوها عليهم:
﴿هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ﴾ في الدنيا ﴿أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ﴾: أي: غضبه، وإبعاده من رحمته.
قال مجاهد: الأشهاد هنا: الملائكة الحفظة، وكذلك قال قتادة. وقال الضحاك: الأشهاد: الأنبياء، والرسل، صلوات الله عليهم، يقولون: هؤلاء الذين كذبوا بما جئنا به من عند ربنا.
ثم بين تعالى الظالمين مَنْ هُمْ فقال: ﴿ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾: أي: يُزَيِّغون أن يدخلوا في الإيمان. ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾: أي: يلتمسون لسبيل الله عز وجل، العوج والزيغ. وسبيل الله هو الإيمان به، وبما جاء من عنده، وهم مع ذلك ﴿بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونُ﴾: أي: جاحدون، لا يصدقون بالبعث، ﴿عَلَىٰ رَبِّهِمْ﴾: وقف.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ﴾ والمعنى: أولئك الذين هذه صفتهم، لم يكونوا معجزين ربهم، سبحانه، في الأرض بهرب، أو باستخفاء، إذا أراد عقابهم. ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾: أي: ليس لهم من يمنعهم من الله عز وجل، إذا أراد الانتقام منهم.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ﴾ ولا يعقلون عن الله عز وجل. ﴿وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ﴾. ولا يهتدون إلى رشدهم. وقيل: إن المعنى يضاعف لهم العذاب أبداً: أي: وقت استطاعتهم السمع والبصر.
وقيل: إن "ما" للنفي، فيحسن الابتداء بها على هذا، ولا يحسن على القولين الأولين.
ومعنى النفي هنا أن الضمير في "يستطيعون"، و "يبصرون": الأصنام، والنفي عنها: أي: لم تكن تسمع، ولا تبصر. وهذا التأويل مروي عن ابن عباس.
وقيل: المعنى: إن الضمير "لهم"، والنفي "عنهم": أي: لم يكونوا ليسمعوا شيئاً ينفعهم من الإيمان، ولا يبصرونه، لأن الله، عز وجل، حال بينهم وبين ذلك، لما سبق في علمه، فهو مثل قوله: ﴿يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤]: أي: بين الكافر والإيمان، وبين المؤمن والكافر. ومثله ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة: ١٣]، ومثله ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً﴾ [يونس: ٩٩] بالله، عز وجل. ختم على قلوبهم، وعلى أبصارهم بكفرهم. قال ذلك قتادة، فقال: فهم صمٌّ عن الحق، فما يسمعونه، بُكْمٌ، فما ينطقون به. عميٌ فلا يبصرون.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه، إن المعنى: لا يستطيعون أن يسمعوا سماع منتفع بما يسمع، ولا يبصرون إبصار مُهتَدٍ، لاشتغالهم بالكفر.
قال الزجاج: ذلك كان منهم لبغضهم النبي ﷺ، فلا يسمعون عنه، ولا يفهمون ما يقول.
قال الفراء: سبق لهم في اللوح المحفوظ أنه يضلهم.
* * *
قوله: ﴿أَوْلِيَآءَ﴾ وقف عند نافع، ﴿ٱلْعَذَابُ﴾: وقف إن جعلت "ما" نَفياً خاصة.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ﴾ أي: غبنوا أنفسهم حظها من رحمة الله عز وجل.
﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾: أي: بَطُلَ كذبهم، وافتراؤهم على الله، سبحانه.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ﴾، و ﴿لاَ جَرَمَ﴾ عند سيبويه، والخليل بمعنى: حق. وأن في موضع رفع، وجيء بـ "لا" عند الخليل ليعلم أن المخاطب لم يُبتدأ به كلامه، وإنما خاطب غيره.
وقال الزجاج: لا هنا نفي لما ظنوا أنهم ينفعهم كأنه كان المعنى: لا ينفعهم ذلك.
﴿جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ﴾، أي: كسب ذلك الفعل لهم الخُسْرَان، فـ "أن" عنده في موضع نصب.
وقال الكسائي: المعنى: "لا صَدَّ، ولا مَنْعَ عن أنهم". فإنَّ في موضع نصب أيضاً، فحذف الخافض. وحُكِيَ: "لاجَرَ" بغير ميم لغة ناسٍ من فُزَارة.
وحكى الفراء: "لاذَا جَرَمْ لغة لبني عامر.
وقال الفراء: هي كلمة كانت في الأصل، والله أعلم، بمنزلة: لا بد أنك قائم، ولا محالة أنك قائم، فكثرت حتى صارت منزلة "حقاً".
تقول العرب: لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنت إليك، وأصلها من جرمت، أي: كسبت الشيء.
وذكر ابن مجاهد عن بعض القراء، وهو حمزة: ولا جرم بالمد، وكان يأخذ به بمعنى الآية: حقٌّ أنَّ هؤلاء الذين هذه صفتهم، هم الأخسرون في الآخرة: باعوا منازلهم في الجنة، بمنازلهم في النار، وذلك هو الخسران المبين.
{"ayahs_start":18,"ayahs":["وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُعۡرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمۡ وَیَقُولُ ٱلۡأَشۡهَـٰدُ هَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ كَذَبُوا۟ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِینَ","ٱلَّذِینَ یَصُدُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ وَیَبۡغُونَهَا عِوَجࣰا وَهُم بِٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ كَـٰفِرُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَمۡ یَكُونُوا۟ مُعۡجِزِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِیَاۤءَۘ یُضَـٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُوا۟ یَسۡتَطِیعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُوا۟ یُبۡصِرُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَفۡتَرُونَ","لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ"],"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَمۡ یَكُونُوا۟ مُعۡجِزِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِیَاۤءَۘ یُضَـٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُوا۟ یَسۡتَطِیعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُوا۟ یُبۡصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق