الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾، معنى الإعجاز: الامتناع من المراد بما لا يمكن معه إيقاعه؛ يقال: أعجزني فلان: أي امتنع عن مرادي فيه، ومعنى ﴿مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ فائتين هربًا فيها، كما يهرب الهارب من عدو قد جدّ في طلبه، هذا معنى قول المفسرين في (معجزين)، فإن ابن عباس قال [[ابن أبي حاتم 8/ 20.]]: سابقين. وقال مقاتل [["تفسير مقاتل" 145 أ.]]: فائتين، وقال قتادة: هُرَّابا [[ما سيق ذكره عنهم الثعلبي 7/ 38 أ، وقال به مقاتل بن حيان، ولم أجده في تفسير مقاتل بن سليمان. وانظر: ابن عطية 7/ 264، "زاد المسير" 4/ 90، القرطبي 9/ 19، ابن كثير 2/ 483.]]. قال ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 90 بنحوه.]]: خصّ الله الأرض بالذكر، وهم لا يخرجون عن قبضته في كل موضع، على عادة العرب في قولهم: لا مهرب لك مني، ولا وزر [[الوزر هو: الجبل المنيع عند أهل اللغة. انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3883، اللسان (وزر) 8/ 4823 - 4824.]] ولا نفق يعصمانك من عقابي، يعنون بالوزر الجبل، وبالنفق السَّرَب، وكلاهما من الأرض يلجأ إليه الخائف المطلوب، أعلم الله أن هؤلاء الكافرين لا يسبقونه هربًا، ولا يجدون ما يحجز بينهم وبين عذابه من جميع ما يستر من جبال الأرضين وغوامض أمكنتها، وقد قال عطاء عن ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 90، القرطبي 9/ 19.]] في هذه الآية: يريد لم يعجزوني أن آمر الأرض فتخسف بهم. وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾، قال ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 90، وهو قول الطبري 12/ 22 - 23.]]: يريد ممن يعبدون فتمنعهم مني. وقال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 45 بنحوه.]] في هذه الآية: أخبر الله أنه لا يعجزه انتقام في دار الدنيا، وأنه لا وَليّ لهم يمنعهم من انتقام الله عز وجل. قال ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 90.]]: وهذا يقتضي محذوفًا تلخيصه: من أولياء يمنعونهم من عذاب الله، ويحاولون نصرتهم، فحذف عند شهرة المعنى، ثم استأنف فقال: ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ﴾، قال ابن عباس: يعني يوم القيامة، وقال الزجاج [["معاني القرآن" 3/ 45.]]: وصف مضاعفة العذاب على قدر ما وصف من عظيم كفرهم بنبيه ﷺ وبالبعث والنشور، وقال أبو بكر [["زاد المسير" 4/ 90، والبغوي 4/ 169.]]: استحقوا مضاعفة العذاب لإضلالهم الأتباع، واقتداء غيرهم بهم [[في (ب): (به).]]. وقوله تعالى: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾، قال عطاء عن ابن عباس: ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا شيئًا من عظمتي وجبروتي، يريد: أني حلت بينهم وبين الإيمان [[الطبري 12/ 22 - 23، الثعلبي 7/ 38 أ، صحيفة علي بن أبي طلحة / 284، "زاد المسير" 4/ 91، البغوي 4/ 169.]]. وقال قتادة [[الطبري 12/ 22، الثعالبي 7/ 38 أ، ابن أبي حاتم 6/ 2018.]]: هم صم عن الحق فلا يسمعون، وعمي فلا يبصرون ولا يهتدون، وقال الوالبي عن ابن عباس [[الطبري 12/ 22، الثعلبي 7/ 38 أ، البغوي 4/ 169، ونصه: "أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة ... إلخ ".]]: حال الله بين أهل الكفر وبين أهل الطاعة في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا ففي قوله: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾، وأما في الآخرة ففي قوله: ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم: 42]، وهذا مذهب المفسرين في هذه الآية، ذكره الفراء وابن الأنباري. قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 8.]]: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ أي أضلهم الله عن ذلك في اللوح المحفوظ. وقال ابن الأنباري: ما كانوا يستطيعون السمع للحق والإبصار إليه لما سبق لهم عند الله من الشقاء. وذكر الفراء [["معاني القرآن" 2/ 8.]] وجها آخرًا فقال: فسره بعض المفسرين: يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يفعلون، ثم حذفت الباء، ومثله في الكلام: لأخزينك بما عملت وما عملت، قال أبو بكر [["زاد المسير" 4/ 91.]]: وموضع (ما) [[ساقط من (ي).]] على هذا الجواب نصب بسقوط الخافض، والناصب لها ﴿يُضَاعَفُ﴾؛ كما يقولون: تعلقت بعبد الله، وتعلقت عبد الله، قال الشاعر [[البيت لرجل من قيس في "جمهرة اللغة" 3/ 1317، و"أساس البلاغة" (غلو)، ومعناه: نشتريه غاليًا ثم نبذله ونطعمه إذا نضج في قدورنا. وبلا نسبة في: "تهذيب اللغة" 2/ 1385، 3/ 2682، "اللسان" مادة (رخص) 3/ 1616، "زاد المسير" 3/ 398، "معاني الفراء" 2/ 383، "تاج العروس" 9/ 288 (رخص)، (غلا)، "ديوان الأدب" 4/ 121.]]: نغالي اللحم للأضياف نيا ... ونبذله إذا نضج القدور وذكر أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 45.]] وجهًا آخر: أي من شدة كفرهم وعداوتهم للنبي ﷺ ما كانوا يستطيعون أن يتفهموا ما يقوله. قال أبو بكر [["زاد المسير" 1/ 346، "البحر" 2/ 766.]]: ومعنى هذا: ما كانوا يستمعون الحق ولا يبصرون ما فيه لهم [[ساقط من (ي).]] الرشد؛ لعنادهم وشدة عداوتهم، فصاروا لملازمتهم الإعراض عن الخير بمنزلة من لا يستطيعه، وإن كان مستطيعًا له في الحقيقة، كما تقول للرجل: ما تستطيع أن تنظر إلى من شدة العداوة، أي أنت بإيثارك الإعراض عني، بمنزلة من لا يستطيع النظر إلى، ومعلوم أنه لو شاء أن ينظر إليه لنظر. ثم بين جل وعز أن ضرر ذلك راجع عليهم، فقال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾، قال ابن عباس: أي صاروا إلى النار، وخسران النفس أعظم الخسران؛ لأنه ليس منها عوض. وقوله تعالى: ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ أي: بطل افتراؤهم في الدنيا فلم ينفعهم في الآخرة شيئًا [[انظر: "البحر المحيط" 5/ 212، ابن كثير 2/ 483، القرطبي 9/ 20، ابن عطية 7/ 266.]]، قال الحسن [[انظر: "تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 221.]]: ذهبت عنهم الأوثان التي كانوا يؤملون بها الانتفاع.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب