الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُضاعَفُ لَهُمُ العَذابُ﴾ الآيَةَ، بَيَّنَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ الكُفّارَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ النّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ويَبْغُونَها عِوَجًا يُضاعَفُ لَهُمُ العَذابُ يَوْمَ القِيامَةِ؛ لِأنَّهم يُعَذَّبُونَ عَلى ضَلالِهِمْ، ويُعَذَّبُونَ أيْضًا عَلى إضْلالِهِمْ غَيْرَهم، كَما أوْضَحَهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهم عَذابًا فَوْقَ العَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ﴾ [النحل: ٨٨] .
وَبَيَّنَ في مَوْضِعٍ آخَرَ أنَّ العَذابَ يُضاعَفُ لِلْأتْباعِ والمَتْبُوعِينَ، وهو قَوْلُهُ في الأعْرافِ ﴿حَتّى إذا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعًا قالَتْ أُخْراهم لِأُولاهم رَبَّنا هَؤُلاءِ أضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذابًا ضِعْفًا مِنَ النّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ الآيَةَ [الأعراف: ٣٨]، قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وما كانُوا يُبْصِرُونَ﴾، في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ لِلْعُلَماءِ أوْجُهٌ، بَعْضُها يَشْهَدُ لَهُ القُرْآنُ:
الأوَّلُ وهو اخْتِيارُ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ في تَفْسِيرِهِ، ونَقَلَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ: أنَّ مَعْنى ﴿ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾ الآيَةَ [هود: ٢٠]: أنَّهم لا يَسْتَطِيعُونَ أنْ يَسْمَعُوا الحَقَّ سَماعَ مُنْتَفِعٍ، ولا أنْ يُبْصِرُوهُ إبْصارَ مُهْتَدٍ؛ لِاشْتِغالِهِمْ بِالكُفْرِ الَّذِي كانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ عَنِ اسْتِعْمالِ جَوارِحِهِمْ في طاعَةِ اللَّهِ تَعالى، وقَدْ كانَتْ لَهم أسْماعٌ وأبْصارٌ.
وَيَدُلُّ لِهَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنا لَهم سَمْعًا وأبْصارًا وأفْئِدَةً فَما أغْنى عَنْهم سَمْعُهم ولا أبْصارُهم ولا أفْئِدَتُهم مِن شَيْءٍ إذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ [الأحقاف: ٢٦] .
الثّانِي وهو أظْهَرُها عِنْدِي: أنَّ عَدَمَ الِاسْتِطاعَةِ المَذْكُورَ في الآيَةِ إنَّما هو لِلْخَتْمِ الَّذِي خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وأسْماعِهِمْ، والغِشاوَةِ الَّتِي جَعَلَ عَلى أبْصارِهِمْ.
وَيَشْهَدُ لِهَذا القَوْلِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وعَلى سَمْعِهِمْ وعَلى أبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ﴾ [البقرة: ٧]، وقَوْلُهُ: ﴿إنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفي آذانِهِمْ وقْرًا﴾، ونَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَذَلِكَ الخَتْمُ والأكِنَّةُ عَلى القُلُوبِ جَزاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى لَهم عَلى مُبادَرَتِهِمْ إلى الكُفْرِ (p-١٧٦)وَتَكْذِيبِ الرُّسُلِ بِاخْتِيارِهِمْ ومَشِيئَتِهِمْ كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ آياتٌ كَثِيرَةٌ
• كَقَوْلِهِ: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥]،
• وقَوْلِهِ ﴿فَلَمّا زاغُوا أزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥]،
• وقَوْلِهِ ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ الآيَةَ [البقرة: ١٠]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهم رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ﴾ الآيَةَ [التوبة: ١٢٥]،
• وقَوْلِهِ ﴿وَنُقَلِّبُ أفْئِدَتَهم وأبْصارَهم كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوَّلَ مَرَّةٍ﴾ الآيَةَ [الأنعام: ١١٠]،
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
الثّالِثُ: أنَّ المَعْنى: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ، أيْ: لِشِدَّةِ كَراهِيَتِهِمْ لِكَلامِ الرُّسُلِ، عَلى عادَةِ العَرَبِ في قَوْلِهِمْ: لا أسْتَطِيعُ أنْ أسْمَعَ كَذا: إذا كانَ شَدِيدَ الكَراهِيَةِ والبُغْضِ لَهُ، ويَشْهَدُ لِهَذا القَوْلِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ في وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا المُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا﴾ [الحج: ٧٢]، وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرْآنِ﴾ الآيَةَ [فصلت: ٢٦]، وقَوْلُهُ ﴿وَإنِّي كُلَّما دَعَوْتُهم لِتَغْفِرَ لَهم جَعَلُوا أصابِعَهم في آذانِهِمْ﴾ .
الرّابِعُ: أنْ ”ما“ مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ، أيْ يُضاعَفُ لَهُمُ العَذابُ مُدَّةَ كَوْنِهِمْ يَسْتَطِيعُونَ أنْ يَسْمَعُوا ويُبْصِرُوا، أيْ يُضاعَفُ لَهُمُ العَذابُ دائِمًا.
الخامِسُ: أنْ ”ما“ مَصْدَرِيَّةٌ في مَحَلِّ نَصْبٍ بِنَزْعِ الخافِضِ، أيْ يُضاعَفُ لَهُمُ العَذابُ بِسَبَبِ كَوْنِهِمْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ والإبْصارَ في دارِ الدُّنْيا، وتَرَكُوا الحَقَّ مَعَ أنَّهم يَسْتَطِيعُونَ إدْراكَهُ بِأسْماعِهِمْ وأبْصارِهِمْ، وقَدْ قَدَّمْنا في سُورَةِ النِّساءِ قَوْلَ الأخْفَشِ الأصْغَرِ بِأنَّ النَّصْبَ بِنَزْعِ الخافِضِ مَقِيسٌ مُطْلَقًا عِنْدَ أمْنِ اللَّبْسِ.
السّادِسُ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وما كانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: ٢٠] مِن صِفَةِ الأصْنامِ الَّتِي اتَّخَذُوها أوْلِياءَ مِن دُونِ اللَّهِ، فَيَكُونُ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ ﴿وَما كانَ لَهم مِن دُونِ اللَّهِ مِن أوْلِياءَ﴾ [هود: ٢٠] وتَكُونُ جُمْلَةُ ﴿يُضاعَفُ لَهُمُ العَذابُ﴾ [هود: ٢٠] اعْتِراضِيَّةً، وتَقْرِيرُ المَعْنى عَلى هَذا القَوْلِ: وما كانَ لَهم مِن دُونِ اللَّهِ مِن أوْلِياءَ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وما كانُوا يُبْصِرُونَ، أيِ الأصْنامُ الَّتِي اتَّخَذُوها أوْلِياءَ مِن دُونِ اللَّهِ، وما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ لا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ ولِيًّا لِأحَدٍ.
وَيَشْهَدُ لِمَعْنى هَذا القَوْلِ قَوْلُهُ تَعالى في ”الأعْرافِ“: ﴿ألَهم أرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أمْ لَهم أيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أمْ لَهم أعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أمْ لَهم آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها﴾ الآيَةَ [الأعراف: ١٩٥]، ونَحْوُها مِنَ الآياتِ.
وَقَدْ قَدَّمْنا في تَرْجَمَةِ هَذا الكِتابِ المُبارَكِ: أنَّ الآيَةَ الكَرِيمَةَ قَدْ تَكُونُ فِيها أقْوالٌ، (p-١٧٧)وَكُلُّها يَشْهَدُ لَهُ قُرْآنٌ فَنَذْكُرُ الجَمِيعَ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَمۡ یَكُونُوا۟ مُعۡجِزِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِیَاۤءَۘ یُضَـٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُوا۟ یَسۡتَطِیعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُوا۟ یُبۡصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق