الباحث القرآني
﴿أُولَئِكَ﴾ المَوْصُوفُونَ بِما يُوجِبُ التَّدْمِيرَ ﴿لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ﴾ لِلَّهِ تَعالى مُفْلِتِينَ أنْفُسَهم مِن أخْذِهِ لَوْ أرادَ ذَلِكَ (p-32)﴿فِي الأرْضِ﴾ مَعَ سِعَتِها وإنْ هَرَبُوا مِنها كُلَّ مَهْرَبٍ وجَعَلَها بَعْضُهم كِنايَةً عَنِ الدُّنْيا ﴿وما كانَ لَهم مِن دُونِ اللَّهِ مِن أوْلِياءَ﴾ يَنْصُرُونَهم مِن بَأْسِهِ، ولَكِنْ أخَّرَ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ تَقْتَضِيهِ، و(مِن) زائِدَةٌ لِاسْتِغْراقِ النَّفْيِ، وجَمَعَ ( أوْلِياءُ ) إمّا بِاعْتِبارِ أفْرادِ الكَفَرَةِ كَأنَّهُ قِيلَ: وما كانَ لِأحَدٍ مِنهم مِن ولِيٍّ، أوْ بِاعْتِبارِ تَعَدُّدِ ما كانُوا يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ تَعالى فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيانًا لِحالِ آلِهَتِهِمْ مِن سُقُوطِها عَنْ رُتْبَةِ الوِلايَةِ ﴿يُضاعَفُ لَهُمُ العَذابُ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ بَيَّنَ فِيها ما يَكُونُ لَهم ويَحِلُّ بِهِمْ، وادَّعى أنَّها تَتَضَمَّنُ حِكْمَةَ تَأْخِيرِ المُؤاخَذَةِ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّها مِن كَلامِ الأشْهادِ، وهي دُعائِيَّةٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ عامِرٍ، ويَعْقُوبُ –يُضَعَّفُ- بِالتَّشْدِيدِ ﴿ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾ أيْ أنَّهم كانُوا يَسْتَثْقِلُونَ سَماعَ الحَقِّ الَّذِي جاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ ويَسْتَكْرِهُونَهُ إلى أقْصى الغاياتِ حَتّى كَأنَّهم لا يَسْتَطِيعُونَهُ، وهو نَظِيرُ قَوْلِ القائِلِ: العاشِقُ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْمَعَ كَلامَ العاذِلِ، فَفي الكَلامِ اسْتِعارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ، ولا مانِعَ مِنِ اعْتِبارِ الِاسْتِعارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ بَدَلَها، وإنْ قِيلَ بِهِ، وبِالجُمْلَةِ لا تَرُدُّ الآيَةُ عَلى المُعْتَزِلَةِ وكَذا عَلى أهْلِ السُّنَّةِ لِأنَّهم لا يَنْفُونَ الِاسْتِطاعَةَ رَأْسًا وإنْ مَنَعُوا إيجادَ العَبْدِ لِشَيْءٍ ما، وكَأنَّهُ لَمّا كانَ قُبْحُ حالِهِمْ في عَدَمِ إذْعانِهِمْ لِلْقُرْآنِ الَّذِي طَرِيقُ تَلَقِّيهِ السَّمْعُ أشَدُّ مِنهُ في عَدَمِ قَبُولِهِمْ سائِرَ الآياتِ المَنُوطَةِ بِالإبْصارِ. بالَغَ سُبْحانَهُ في نَفْيِ الأوَّلِ عَنْهم حَسْبَما عَلِمْتُ واكْتَفى في الثّانِي بِنَفْيِ الإبْصارِ فَقالَ عَزَّ قائِلًا: ﴿وما كانُوا يُبْصِرُونَ﴾ أيْ أنَّهم كانُوا يَتَعامَوْنَ عَنْ آياتِ اللَّهِ تَعالى المَبْسُوطَةِ في الأنْفُسِ والآفاقِ، وكَأنَّ الجُمْلَةَ جَوابُ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ عَنْ عِلَّةِ مُضاعَفَةِ العَذابِ كَأنَّهُ قِيلَ: ما لَهُمُ اسْتَوْجَبُوا تِلْكَ المُضاعَفَةَ؟ فَقِيلَ: لِأنَّهم كَرِهُوا الحَقَّ أشَدَّ الكَراهَةِ واسْتَثْقَلُوا سَماعَهُ أعْظَمَ الِاسْتِثْقالِ وتَعامَوْا عَنْ آياتِ المَلِكِ المُتَعالِ، ولا يُشْكِلُ عَلى هَذا قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ومَن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إلا مِثْلَها وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ بِناءً عَلى أنَّ المُرادَ بِمِثْلِ السَّيِّئَةِ ما تَقْتَضِيهِ مِنَ العِقابِ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، فَلَعَلَّ ما فَعَلُوهُ مِنَ السَّيِّئاتِ يَقْتَضِي تِلْكَ المُضاعَفَةَ فَتَكُونُ هي المَثَلَ كَما أنَّ مَثَلَ سَيِّئَةِ الكُفْرِ هو الخُلُودُ في النّارِ، وقِيلَ: إنَّ المُضاعَفَةَ لِافْتِرائِهِمْ وكَذِبِهِمْ عَلى رَبِّهِمْ وصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى وبَغْيِهِمْ إيّاها العِوَجَ وكُفْرِهِمْ بِالآخِرَةِ عَلى ما يَدُلُّ عَلَيْهِ نِسْبَةُ مُضاعَفَةِ العَذابِ إلى هَؤُلاءِ المَوْصُوفِينَ بِتِلْكَ الصِّفاتِ، وبِهِ جَمَعَ بَيْنَ ما هُنا وقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ومَن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ الآيَةَ، ولَعَلَّ التَّعْلِيلَ بِما تُفِيدُهُ الجُمْلَةُ عَلى هَذا لِأنَّهُ الأصْلُ الأصِيلُ لِسائِرِ قَبائِحِهِمْ ومَعاصِيهِمْ.
وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ المُضاعَفَةَ لِحِفْظِ الأصْلِ إذْ لَوْلا ذَلِكَ لارْتَفَعَ ولَمْ يُبْقِ عَذابًا لِلْإلْفِ بِطُولِ الأمَدِ وفِيهِ ما فِيهِ، وقِيلَ: إنَّ الجُمْلَةَ بَيانٌ لِما نَفى مِن وِلايَةِ الآلِهَةِ، فَإنَّ ما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ بِمَعْزِلٍ عَنِ الوِلايَةِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ( يُضاعَفُ ) إلَخِ.. اعْتِراضٌ وسَطٌ بَيْنَهُما نَعْيًا عَلَيْهِمْ مِن أوَّلِ الأمْرِ بِسُوءِ العاقِبَةِ، وفِيهِ أنَّهُ مُخالِفٌ لِلسِّياقِ ومُسْتَلْزِمٌ تَفْكِيكَ الضَّمائِرِ. وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ أنْ تَكُونَ (ما) مَصْدَرِيَّةً ظَرْفِيَّةً أيْ يُضاعَفُ لَهُمُ العَذابَ مُدَّةَ اسْتِطاعَتِهِمُ السَّمْعَ وإبْصارِهِمْ، والمَعْنى أنَّ العَذابَ وتَضْعِيفَهُ دائِمٌ لَهم مُتَمادٍ، وأجازَ الفَرّاءُ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً وحُذِفَ حَرْفُ الجَرِّ مِنها كَما يُحْذَفُ مِن أنْ وأنْ، وفِيهِ بُعْدُ -لَفْظًا ومَعْنًى- .
{"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَمۡ یَكُونُوا۟ مُعۡجِزِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِیَاۤءَۘ یُضَـٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُوا۟ یَسۡتَطِیعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُوا۟ یُبۡصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق