الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ ويَقُولُ الأشْهادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ ألا لَعْنَةُ اللهِ عَلى الظالِمِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عن سَبِيلِ اللهِ ويَبْغُونَها عِوَجًا وهم بِالآخِرَةِ هم كافِرُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ في الأرْضِ وما كانَ لَهم مِن دُونِ اللهِ مِن أولِياءَ يُضاعَفُ لَهم العَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَمْعَ وما كانُوا يُبْصِرُونَ﴾
قَوْلُهُ: "وَمَن " اسْتِفْهامٌ بِمَعْنى التَقْرِيرِ، وكَأنَّهُ قالَ: لا أحَدَ أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى كَذِبًا، والمُرادُ بِـ "مَن" الكَفَرَةُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلَهًا آخَرَ ويَفْتَرُونَ في غَيْرِ ما شَيْءٍ، وقَوْلُهُ: أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ عِبارَةٌ عَنِ الإشادَةِ بِهِمْ والتَشْهِيرِ لِخِزْيِهِمْ وإلّا فَكَلُّ بَشَرٍ مَعْرُوضٌ عَلى اللهِ يَوْمَ القِيامَةِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وَيَقُولُ الأشْهادُ﴾، قالَتْ فِرْقَةٌ: يُرِيدُ الشُهَداءَ مِنَ الأنْبِياءِ والمَلائِكَةِ، فَيَجِيءُ قَوْلُهُ: ﴿هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ﴾ إخْبارًا عنهم وشَهادَةً عَلَيْهِمْ وقالَتْ فِرْقَةٌ: الأشْهادُ بِمَعْنى الشاهِدِينَ، ويُرِيدُ جَمِيعَ الخَلائِقِ، وفي ذَلِكَ إشادَةٌ بِهِمْ، ورُوِيَ في نَحْوِ هَذا حَدِيثٌ: « "إنَّهُ لا يَخْزى أحَدٌ يَوْمَ القِيامَةِ إلّا (p-٥٥٧)وَيَعْلَمُ ذَلِكَ جَمِيعُ مَن شَهِدَ المَحْشَرَ"،» فَيَجِيءُ قَوْلُهُ: "هَؤُلاءِ" -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- اسْتِفْهامًا عنهم وتَثْبُتًا فِيهِمْ كَما تَقُولُ إذا رَأيْتَ مُجْرِمًا قَدْ عُوقِبَ: هَذا هو الَّذِي فَعَلَ كَذا وإنْ كُنْتَ قَدْ عَلِمْتَ ذَلِكَ، ويُحْتَمَلُ الإخْبارُ عنهم. وقَوْلُهُ: ألا اسْتِفْتاحُ كَلامٍ، و"اللَعْنَةُ" الإبْعادُ، والَّذِينَ نَعْتُ لِـ الظالِمِينَ ويَحْتَمِلُ الرَفْعَ عَلى تَقْدِيرِ هُمُ الَّذِينَ، ويَصُدُّونَ يُحْتَمَلُ أنْ يُقَدَّرَ مُتَعَدِّيًا عَلى مَعْنى: يَصُدُّونَ الناسَ ويَمْنَعُونَهم مِن سَبِيلِ اللهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقَدَّرَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ عَلى مَعْنى يَصُدُّونَ هُمْ، أيْ: يُعْرِضُونَ. وسَبِيلُ اللهِ شَرِيعَتُهُ، ويَبْغُونَها مَعْناهُ: يَطْلُبُونَ لَها كَما تَقُولُ بَغَيْتُكَ خَيْرًا أو شَرًّا أيْ طَلَبْتُ لَكَ، وعِوَجًا -عَلى هَذا- مَفْعُولٌ: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: ويَبْغُونَ السَبِيلَ عَلى عِوَجٍ، أيْ فَهم لا يَهْتَدُونَ أبَدًا فَـ عِوَجًا -عَلى هَذا- مَصْدَرٌ في مَوْضِعِ الحالِ، والعِوَجُ الِانْحِرافُ والمَيْلُ المُؤَدِّي إلى الفَسادِ، وكَرَّرَ قَوْلَهُ:
هم عَلى جِهَةِ التَأْكِيدِ، وهي جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ خَبَرِ الِابْتِداءِ الأوَّلِ: ولَيْسَ هَذا مَوْضِعَ الفَصْلِ لِأنَّ الفَصْلَ إنَّما يَكُونُ بَيْنَ مَعْرِفَتَيْنِ، أو مَعْرِفَةٍ ونَكِرَةٍ تُقارِبُ المَعْرِفَةَ، لِأنَّها تَفْصِلُ ما بَيْنَ أنْ يَكُونَ ما بَعْدَها صِفَةً أو خَبَرًا وتُخَلِّصُهُ لِلْخَبَرِ. و"مُعْجِزِينَ" مَعْناهُ: مُفْلَتِينَ لا يُقْدَرُ عَلَيْهِمْ. وخُصَّ ذِكْرُ الأرْضِ لِأنَّ تَصَرُّفَ ابْنِ آدَمَ وتَمَتُّعَهُ إنَّما هو فِيها وهي قُصاراهُ لا يَسْتَطِيعُ النُفُوذَ مِنها. وقَوْلُهُ: ﴿وَما كانَ لَهم مِن دُونِ اللهِ مِن أولِياءَ﴾ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ نَفى أنْ يَكُونَ لَهم ولِيٌّ أو ناصِرٌ كائِنًا مَن كانَ.
والثانِي: أنْ يَقْصِدَ وصْفَ الأصْنامِ والآلِهَةِ بِأنَّهم لَمْ يَكُونُوا أولِياءَ حَقِيقَةً، وإنْ كانُوا هم يَعْتَقِدُونَ أنَّهم أولِياءُ.
ثُمَّ أخْبَرَ أنَّهم يُضاعَفُ لَهُمُ العَذابُ يَوْمَ القِيامَةِ، أيْ يُشَدَّدُ حَتّى يَكُونَ ضِعْفَيْ ما كانَ. ويُضاعَفُ فِعْلٌ مُسْتَأْنَفٌ ولَيْسَ بِصِفَةٍ.
وقَوْلُهُ: ﴿ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَمْعَ وما كانُوا يُبْصِرُونَ﴾ يَحْتَمِلُ خَمْسَةَ أوجُهٍ:
أحَدُها: أنْ يَصِفَ هَؤُلاءِ الكُفّارَ بِهَذِهِ الصِفَةِ عَلى مَعْنى أنَّ اللهَ خَتَمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، فَهم لا يَسْمَعُونَ سَماعًا يَنْتَفِعُونَ بِهِ ولا يُبْصِرُونَ كَذَلِكَ.
(p-٥٥٨)والثانِي: أنْ يَكُونَ وصَفَهم بِذَلِكَ مِن أجْلِ بُغْضَتِهِمْ في النَبِيِّ ﷺ فَهم لا يَسْتَطِيعُونَ أنْ يَحْمِلُوا أنْفُسَهم عَلى السَمْعِ مِنهُ والنَظَرِ إلَيْهِ ويَنْظُرُ إلى هَذا حَشْدُ الطُفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو أُذُنَيْهِ بِالكُرْسُفِ، وإبايَةُ قُرَيْشٍ وقْتَ الحُدَيْبِيَةِ أنْ يَسْمَعُوا ما نُقِلُّ إلَيْهِمْ مِن كَلامِ رَسُولِ اللهِ ﷺ حَتّى رَدَّهم عن ذَلِكَ مَشْيَخَتُهم.
والثالِثُ: أنْ يَكُونَ وصَفَ بِذَلِكَ الأصْنامَ والآلِهَةَ الَّتِي نَفى عنها- عَلى التَأْوِيلِ المُقَدَّمِ- أنْ تَكُونَ أولِياءَ.
و"ما" في هَذِهِ الوُجُوهِ نافِيَةٌ.
والرابِعُ: أنْ يَكُونَ التَقْدِيرُ: يُضاعَفُ لَهُمُ العَذابُ بِما كانُوا: بِحَذْفِ الجارِّ، وتَكُونُ ما مَصْدَرِيَّةً، وهَذا قَوْلٌ فِيهِ تَحامُلٌ. قالَهُ الفَرّاءُ، وقَرَنَهُ بِقَوْلِهِ: أُجازِيكَ ما صَنَعْتَ بِي.
والخامِسُ: أنْ تَكُونَ ما ظَرْفِيَّةً، يُضاعَفُ لَهم مُدَّةَ اسْتِطاعَتِهِمُ السَمْعَ والبَصَرَ، وقَدْ أعْلَمَتِ الشَرِيعَةُ أنَّهم لا يَمُوتُونَ فِيها أبَدًا فالعَذابُ- إذَنْ- مُتَمادٍ أبَدًا.
وقُدِّمَ السَمْعُ في هَذِهِ الآيَةِ عَلى "البَصَرِ" لِأنَّ حاسَّتَهُ أشْرَفُ مِن حاسَّةِ البَصَرِ، إذْ عَلَيْهِ تُبْنى في الأطْفالِ مَعْرِفَةُ دَلالاتِ الأسْماءِ، وإذْ هو كافٍ في أكْثَرِ المَعْقُولاتِ دُونَ البَصَرِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ.
{"ayahs_start":18,"ayahs":["وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُعۡرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمۡ وَیَقُولُ ٱلۡأَشۡهَـٰدُ هَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ كَذَبُوا۟ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِینَ","ٱلَّذِینَ یَصُدُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ وَیَبۡغُونَهَا عِوَجࣰا وَهُم بِٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ كَـٰفِرُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَمۡ یَكُونُوا۟ مُعۡجِزِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِیَاۤءَۘ یُضَـٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُوا۟ یَسۡتَطِیعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُوا۟ یُبۡصِرُونَ"],"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَمۡ یَكُونُوا۟ مُعۡجِزِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِیَاۤءَۘ یُضَـٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُوا۟ یَسۡتَطِیعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُوا۟ یُبۡصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق