الباحث القرآني
لما ذكر الضربَ ذَكَرَ هذه المحاكمة؛ لأنَّ بها يتبينّ المظلومُ من الظَّالِمِ.
قال ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿خِفْتُمْ﴾ أي: علمتم قال: وَهَذَا بِخِلافِ قوله تعالى: ﴿واللاتي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ ، فإنَّ ذلك محمول على الظَّنِّ، والفرق بَيْنَ الموضِعَيْنِ في الابْتِدَاءِ يظهرُ له أمارات النُّشُوزِ، فعند ذلِك يحصل الخَوْفُ، وأمّا بَعْدَ الوعْظِ، والهجر والضَّرْبِ إن أصرّت على النُّشُوزِ، فقد حَصَلَ العِلْمُ بالنُّشُوزِ، فَوَجَبَ حملُ الخَوْفِ ههنا على العِلْمِ.
وقال لزَّجَّاجُ: القول بأن الخَوْفَ ها هنا بمعنى اليَقِيِنِ خطأ، فإنّا لو عِلِمْنَا الشقاق عَلَى الحَقيقَةِ لم يحتج إلى الحُكمِ، وأُجيبَ بأن وجود الشقاق وإن كانَ مَعْلُوماً، إلاَّ أنا لا نَعْلم أن ذلك الشِّقاق صدر عَنْ هَذَا، أو عَنْ، ذلك، فالحَاجَة إلى الحَكَمِيْنِ لمَعْرِفَةِ هذا المَعْنَى.
قال ابْنُ الخَطيبِ: ويمكنُ أن يُقالَ: وُجود الشِّقَاقِ ف بالحَالِ مَعْلُومٌ، ومثل هذا لا يَحْصُلُ منهُ خَوْفٌ، إنَّمَا الخَوْفُ في أنَّهُ هل يَبْقَى ذلك الشِّقَاقُ أم لا، فالفَائِدَةُ في بعث الحكمين لِيْسَتْ إزالة الشِّقَاقِ الثَّابِت، فإنَّ ذلك مُحَالٌ، بل الفائِدَةُ إزالة ذلك الشِّقاق في المُسْتَقْبَلِ.
قوله: ﴿شِقَاقَ بَيْنِهِمَا﴾ فيه وجهان:
أحدهما: أنَّ الشِّقَاقَ مضاف إلى «بَيْنَ» ومعناها الظَّرْفِيَّةُ، والأصْلُ: «شقاقاً بينهما» ، ولكنَّهُ اتَّسع فيه، فأضيف الحَدَثُ إلى ظَرْفِهِ وإضافة المصدر إلى الظرف جائزة لحصوله فيه، وظرفيته باقية نحو: سَرَّنِي مسير اللَّيْلَةِ، ويعجبني صَوْمُ يَوْم عَرَفَةَ، ومنه: ﴿بَلْ مَكْرُ الليل والنهار﴾ [سبأ: 33] .
والثَّاني: أنه خَرَجَ عن الظَّرفيَّةِ، وبقي كَسَائِرِ الأسْمَاءِ، كأنه أُريد به المُعَاشرة، والمصاحبة بين الزَّوْجَيْنِ، وإلى مَيْلِ أبي البقاء قال: والبَيْنُ هنا الوَصْلُ الكائنُ بين الزوجين «وللشقاق تأويلان:
أحدهما: أن كل واحد منهما يفعل ما يَشُقُّ على صاحبه.
والثاني: أن كل واحد منهما صار في شق بالعداوة والمباينة.
فصل [معاني الشقاق]
وقد ورد الشِّقاقُ على أربعة أوْجُهٍ:
الأوَّلُ: بمعنى الخِلاَفِ كهذه الآية، أي: خلاف بينهما.
الثَّاني: الضَّلالُ، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ الظالمين لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ [الحج: 53] أي: في ضلال.
الثَّالث: أن الشِّقَاقَ: العداوة قال تعالى: ﴿وياقوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شقاقي﴾ هود: 89] أي: عداوتي، و [العداوة] وممّا يشق على صاحبه.
الرابع: أنّ كُلَّ واحدٍ منها صار في شقّ بالعداوة، والمباينة.
فصل [هل البعث خطاب للإمام أم لآحاد الناس]
قوله ﴿فابعثوا﴾ قال بعضهم: هذا خِطَابٌ للإمام، أو نائبة وقال آخرون: هَذَا خطابٌ عامٌّ للجميع، وليس حمله على البَعْضِ أولى من حَمْلِهِ على البَقِيَّةِ، فَوَجَبَ حملُهُ على الكُلِّ، فعلى هذا يكونُ أمراً لآحاد الأمة سواء وجد الإمام، أم لم يُوجَدْ، فللصَّالحين أنْ يَبْعَثُوا حكماً من أهلِهِ، وحكماً من أهْلِهَا للإصلاح، ولأنَّ هذا يَجْرِي مَجْرَى دَفْع الضَّرَر، ولكل أحد أنْ يَقُومَ به.
قوله: ﴿مِّنْ أَهْلِهِ﴾ فيه وجهان:
أحدُهُمَا: أنه متعلِّق ب ﴿فابعثوا﴾ فهي لابتداء الغاية.
والثَّاني: أن يتعلَّق بمحذُوف؛ لأنَّهَا صفة للنكِرَةِ، أي: كائناً من أهله فهي للتَّبْغيضِ.
فصل
شَرْطُ الحَكَمَيْنِ أن يكونَا عَدْلَيْنِ، ويجعلهما الحَاكِمُ حَكَمَيْنِ، والأولى أنْ يكُونَ [واحد من أهْلِهِ، وواحد من أهْلِهَا، لأنَّ أقاربهما أعرف بحالهما من الأجَانِبِ، وأشدّ طلباً للصلاح، فإن كانا] أجنبيّين [جَازَ] .
وفائدة الحكمين أن يخلو كُلّ واحد منهما بِصَاحِبِه، ويستكشف منه حقيقةَ الحَالِ، ليعرفَ رَغْبَتَهُ في الإقَامَةِ معه على النِّكَاحِ، أو المُفَارَقِةِ، ثمَّ يَجتمعُ الحكمان، فَيَفْعَلاَنِ ما هو المَصْلَحَةُ من طلاقٍ، أو خَلْع.
وهل للحكمين تَنْفِيذُ أمْرٍ يُلْزِمُ الزَّوِجَيْنِ دون إذْنِهِمَا، مثل: أن يطلق حَكَمُ الرَّجل، أو يفتدي حَكَمُ المرْأةِ بشيءٍ من مالِهَا؟
قال أبُو حَنِيفَةَ: لاَ يَجُوزُ.
وقال غيره: يَجُوزُ.
قوله: ﴿إِن يُرِيدَآ﴾ يَجُوزُ أن يَعُودَ الضميران في ﴿إِن يُرِيدَآ﴾ و ﴿بَيْنَهُمَآ﴾ على الزَّوْجَيْنِ، أي: إن يُرد الزَّوجان إصلاحاً يُوفِّق اللهُ بَيْنَ الزوجين، وأنْ يَعُودا على الحَكَمَيْنِ، وأن يُعودَ الأوَّلُ على الحَكَمَيْنِ، والثَّانِي على الزَّوْجَيْنِ، وأنْ يَكُونَ بالعكس وأُضْمِرَ الزَّوجان وإن لم يجر لهما ذكرٌ لدلاَلَةِ ذِكرِ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ عليهما. وجعل أبُو البقاءِ الضَّميرَ في ﴿بَيْنَهُمَآ﴾ عائداً على الزَّوْجَينِ فقط، سَوَاءٌ قيل بأن ضمير ﴿يُرِيدُ الله﴾ عائداً على الحكمين، او الزوجين.
فصل
قال القُرْطُبِيُّ: ويجزي إرسالُ الوَاحِدِ قال: لأن الله - تعالى - حكم في الزنا بأربعة شهود، ثم أرسل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى المرأة الزَّانية أنَيْساً وحده، وقالَ له: «إن اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» قال: وإذا جَازَ إرسال الواحد فلو حَكَّمَ الزوجان واحداً أجْزَأ إذَا رَضِيَا بذلك، وإنما خاطب الله الحكام دون الزوجين، فإن أرسل الزوجان حَكَمَيْنِ وحَكما نفذ حكمهما؛ لأن التحكيم عندنا جائز، وينفذ فعلُ الحكم في كل مسألة، إذا كان كل واحد منهما عدلاً.
وأصل التوفيق المُوافَقَةَ، وهي المُسَاوَاة في أمْرِ من الأمور، فالتَّوْفِيق اللُّطف الذي يتفق عنده فعل الطاعة. ثم قال: ﴿إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾ والمراد: الوعيد للزَّوْجَيْنِ والحَكَمَيْنِ في طريق سُلُوك المُخَالفِ الحق.
{"ayah":"وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَیۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُوا۟ حَكَمࣰا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمࣰا مِّنۡ أَهۡلِهَاۤ إِن یُرِیدَاۤ إِصۡلَـٰحࣰا یُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَیۡنَهُمَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا خَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق