الباحث القرآني
ولَمّا بَيَّنَ حالَ الوِفاقِ؛ وما خالَطَهُ مِن شَيْءٍ مِنَ الأخْلاقِ الَّتِي يَقُومُ بِإصْلاحِها الزَّوْجُ؛ أتْبَعَهُ حالَ المُبايَنَةِ والشِّقاقِ؛ المُحْوِجِ إلى مَن يُنْصِفُ أحَدَهُما مِنَ الآخَرِ؛ فَقالَ: ﴿وإنْ خِفْتُمْ﴾؛ أيْ: أيُّها المُتَّقُونَ القادِرُونَ عَلى الإصْلاحِ؛ مِنَ الوُلاةِ؛ وغَيْرِهِمْ؛ ﴿شِقاقَ بَيْنِهِما﴾؛ أيْ: الزَّوْجَيْنِ؛ المَفْهُومَيْنِ مِنَ السِّياقِ؛ يَكُونُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما في شِقٍّ غَيْرِ الشِّقِّ الَّذِي فِيهِ الآخَرُ؛ (p-٢٧٣)ولا يَكُونُ ذَلِكَ إلّا وأحَدُهُما عَلى باطِلٍ؛ وأضافَ الشِّقاقَ إلى البَيْنِ؛ لِيُفِيدَ أنَّ هَذا العَمَلَ إنَّما يَكُونُ عِنْدَ الخَوْفِ مِن شِقاقٍ خاصٍّ؛ وهو أنْ يَكُونَ البَيْنُ المُضافُ إلَيْهِما - وهو الَّذِي يُمَيِّزُ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِنَ الآخَرِ - لا تُمْكِنُ في العادَةِ إزالَتُهُ؛ لِيَكُونا شَيْئًا واحِدًا؛ كَما كانا لا بَيْنَ لَهُما؛ وذَلِكَ بِظَنِّ أنَّهُ لا صَلاحَ في اجْتِماعِهِما؛ ﴿فابْعَثُوا﴾؛ أيْ: إلَيْهِما؛ لِلْإصْلاحِ بَيْنَهُما؛ بِإنْصافِ المَظْلُومِ مِنَ الظّالِمِ؛ ﴿حَكَمًا مِن أهْلِهِ﴾؛ أيْ: الزَّوْجِ؛ ﴿وحَكَمًا مِن أهْلِها﴾؛ أيْ: الزَّوْجَةِ؛ هَذا أكْمَلُ لِأنَّ أهْلَهُما أقْرَبُ إلى إزالَةِ أسْبابِ الشِّقاقِ مِن بَيْنِهِما؛ لِأنَّهم أجْدَرُ بِالِاطِّلاعِ عَلى بَواطِنِ أُمُورِهِما؛ وعَلى حَقائِقِ أحْوالِهِما؛ والزَّوْجانِ أقْرَبُ إلى إطْلاعِهِما إنْ كانا قَرِيبَيْنِ عَلى ضَمائِرِهِما؛ وأقْرَبُ إلى إخْفاءِ ذَلِكَ عَنِ الأجانِبِ؛ وفائِدَةُ الحَكَمَيْنِ أنْ يَخْلُوَ كُلٌّ مِنهُما بِصاحِبِهِ؛ ويَسْتَكْشِفَ حَقِيقَةَ الحالِ؛ لِيَعْرِفَ وجْهَ الصَّلاحِ.
ثُمَّ أجابَ مَن كَأنَّهُ قالَ: وماذا عَسى أنْ يُضِيفا؟ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ يُرِيدا﴾؛ أيْ: الحَكَمانِ؛ ﴿إصْلاحًا﴾؛ أيْ: بَيْنَهُما؛ وكَأنَّهُ نَكَّرَهُ لِأنَّ الإخْلاصَ؛ ووُجُودَ الكَمالِ؛ قَلِيلٌ؛ ﴿يُوَفِّقِ اللَّهُ﴾؛ الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ بِعِلْمِ الغَيْبِ؛ والشَّهادَةِ؛ ﴿بَيْنِهِما﴾؛ أيْ: الزَّوْجَيْنِ؛ لِأنَّ صَلاحَ النِّيَّةِ أكْبَرُ مُعِينٍ (p-٢٧٤)عَلى بُلُوغِ المَقاصِدِ؛ وهَذا دالٌّ عَلى أنَّهُ لا يَكُونُ شَيْءٌ إلّا بِاللَّهِ؛ وأنَّ الأسْبابَ إنَّما هي مِحْنَةٌ مِنَ اللَّهِ؛ يَسْعَدُ بِها مَن يُباشِرُها؛ ويَعْتَمِدُ عَلى اللَّهِ دُونَها؛ ويَشْقى بِها مَن يَجْعَلُها مَحَطَّ قَصْدِهِ؛ فَيَعْتَمِدُ عَلَيْها.
ولَمّا كانَ المُصْلِحُ قَدْ يُظَنُّ مُفْسِدًا لِصَدْعِهِ بِمَرِّ الحَقِّ مِن غَيْرِ مُداراةٍ؛ والمُفْسِدُ قَدْ يُعَدُّ مُصْلِحًا لِما يُرى مِنهُ مِنَ المُداهَنَةِ؛ والمُراءاةِ؛ والمَكْرِ؛ فَيَظُنُّ مَن يُخْلِفُ الوَعْدَ بِالتَّوْفِيقِ غَيْرَ ما في نَفْسِ الأمْرِ؛ قالَ (تَعالى) - مُزِيلًا لِهَذا الوَهْمِ؛ مُرَغِّبًا؛ ومُرَهِّبًا -: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: المُحِيطَ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ؛ ﴿كانَ عَلِيمًا﴾؛ أيْ: مُطْلَقًا؛ عَلى ما يُمْكِنُ الِاطِّلاعُ عَلَيْهِ؛ وإنْ غابَ عَنْ غَيْرِهِ؛ ﴿خَبِيرًا﴾؛ أيْ: لا يَخْفى عَلَيْهِ مِن ذَلِكَ خَفِيٌّ؛ ولا يَغِيبُ عَنْهُ خَبِيءٌ؛ فَصارَتْ هَذِهِ الآياتُ كَفِيلَةً بِغالِبِ أحْوالِ النِّكاحِ؛ ولَمْ يَذْكُرْ - سُبْحانَهُ وتَعالى - الطَّلاقَ عِنْدَما ذَكَرَ الشِّقاقَ؛ لِتَقَدُّمِهِ في ”البَقَرَةِ“؛ ولِأنَّ مَبْنى هَذِهِ السُّورَةِ عَلى التَّواصُلِ؛ والتَّوادِّ؛ دُونَ التَّفاصُلِ والتَّرادِّ؛ كَما قالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ؛ ولِهَذا - أيْ: لِبِناءِ السُّورَةِ عَلى التَّواصُلِ؛ والِائْتِلافِ؛ دُونَ التَّفاصُلِ؛ والِاخْتِلافِ - خَصَّتْ مِن حُكْمِ تَشاجُرِ الزَّوْجَيْنِ بِالإعْلامِ بِصُورَةِ الإصْلاحِ؛ والعَدالَةِ؛ إبْقاءً لِذَلِكَ التَّواصُلِ؛ فَلَمْ يَكُنِ الطَّلاقُ (p-٢٧٥)لِيُناسِبَ هَذا؛ فَلَمْ يَقَعْ لَهُ هُنا ذِكْرٌ؛ ولا إيماءٌ؛ إلّا قَوْلَهُ: ﴿وإنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِن سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠]؛ انْتَهى.
{"ayah":"وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَیۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُوا۟ حَكَمࣰا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمࣰا مِّنۡ أَهۡلِهَاۤ إِن یُرِیدَاۤ إِصۡلَـٰحࣰا یُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَیۡنَهُمَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا خَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق