الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ إلى آخره.
﴿الرِّجَالُ﴾ جمع (رجل) وهو جمع تكسير، ورجل هو البالغ من بني آدم الذكور، البالغ من بني آدم الذكور يسمى رجلًا، والذكر يطلق على البالغ وغير البالغ؛ ولهذا جاء في الحديث: «وَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٧٣٧)، ومسلم (٣ / ١٦١٥) من حديث ابن عباس.]]، مع أنه لو قال: فلأولى ذكر، اكتفي به، ولو قال: لأولى رجل، لخرج بذلك الصغير فلا يكون عاصبًا، لكن جاءت كلمة (ذكر) ليبين أن الكبر ليس بشرط في استحقاق التعصيب، بل ولو كان دون الرجولة.
فإذا قال قائل: إذن ذكر (الرجل) زيادة، زيادة لا معنى لها؟ فالجواب: بلى لها معنى وهو الإشارة إلى أنه -أي الذكر- كان أولى بالتعصيب؛ لأنه رجل يترتب عليه مسؤوليات لا تترتب على المرأة.
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ ﴿قَوَّامُونَ﴾ جمع (قوّام)، و(قوّام) صيغة مبالغة من (قائم)، فلو قيل في غير القرآن: الرجال قائمون على النساء، لكان المعنى دون كلمة (قوّامون)؛ لأن (قوّامون) صيغة مبالغة تقتضي القوامة على النساء في كل حال.
وقوله: ﴿عَلَى النِّسَاءِ﴾ جمع أيش؟ جمع نسوة، وإن شئت قل: جمع (امرأة)، لكنه من غير اللفظ؛ لأنه أحيانًا يجمع المعنى على غير لفظ المفرد، فـ(إبل) جمعٌ لا واحد له من لفظه؛ جمع (بعير).
ويقول على النساء: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ الباء هنا للسببية و(ما) يجوز أن تكون مصدرية ويجوز أن تكون موصولة، فإن جعلتها موصولة صار التقدير: بالذي فضل الله بعضهم على بعض، وحينئذ نحتاج إلى عائد يعود إلى الموصول فيكون العائد محذوفًا تقديره: بما فضل الله به بعضهم على بعض، وحذف العائد المجرور مشهور في اللغة، ومنه قوله تعالى: ﴿يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ [المؤمنون ٣٣] أي: منه.
يقول: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ ﴿فَضَّلَ﴾ زاد، الفضل هو الزيادة، أي: زاد بعضهم على بعض، والمزيد هو من؟ من المزيد؟ الرجال، والمزيد عليه النساء، إذن ﴿بَعْضَهُمْ﴾ (بعض) هنا تعود على الرجال، ﴿عَلَى بَعْضٍ﴾ تعود على النساء، فما الذي فضل الله به الرجال على النساء؟
* طالب: (...).
* الشيخ: تقتضي بعد: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: فضلهم بعضهم.
* الشيخ: يعني بالقوة الظاهرة والباطنة، فبالقوة الظاهرة قوة البدن؛ ولهذا تجد الرجل، بل تجد الذكر حتى من غير بني آدم تجده أقوى من الأنثى وأكبر عضلات وأشد، هذه من القوى الظاهرة، القوى الباطنة: التحمل والصبر والذكاء والعقل وما إلى ذلك.
* طالب: والشجاعة.
* الشيخ: إي نعم، والشجاعة والعزم. المهم أن الله فضل الرجال على النساء بالقوى الظاهرة والقوى الباطنة.
السبب الثاني: قال: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ وهذا تفضيل خارجي، ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا﴾ أي: الرجال، ﴿مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ أي: على النساء، فالرجل هو المسؤول عن الإنفاق على المرأة والمرأة ضعيفة لا تستطيع أن تكتسب، فالرجل هو المسؤول.
وقوله: ﴿مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ أي: أموال الرجال، فبسبب التفضيل الجسدي القوة الظاهرة والقوة الباطنة، وبسبب التفضيل الخارجي وهو الإنفاق بالمال صار الرجل أفضل من المرأة.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، الوصية مستقلة، يوصي لهولاء ولغيرهم حسب ما يرى المصلحة.
* طالب: النبوة والرسالة (...)؟
* الشيخ: هو الظاهر؛ لأن استعداد الرجل للنبوة والرسالة أكمل من استعداد المرأة.
* * *
* طالب: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (٣٤) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (٣٥)﴾ [النساء ٣٤، ٣٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾.
هذا مبتدأ درس الليلة، وقبل البدء بذلك نهنئكم بما من الله به علينا جميعًا من إكمال هذا الشهر المبارك شهر رمضان صيامًا وقيامًا، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتجاوز عن التفريط والإهمال، ومن حكمة الله عز وجل ورحمته بعباده أنه ما انتهى هذا الشهر الكريم -الذي صيامه وقيامه سبب لتكفير السيئات ومغفرة الذنوب- إلا وأعقبه مباشرة شهور الحج إلى بيت الله الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٥٢١)، ومسلم (٤٣٨ / ١٣٥٠) من حديث أبي هريرة، واللفظ للبخاري.]]، فمواسم الخير -ولله الحمد- متعددة كثيرة؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى كتب كتابًا عنده أن رحمته سبقت غضبه؛ ولهذا كانت أسباب الرحمة أكثر بكثير من أسباب العقوبة والأخذ، كل هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بالعبد.
والذي ينبغي للمسلم إذا عمل الطاعة أن يكون إلى الرجاء أقرب منه إلى الخوف، فإذا كنا نرجو الله سبحانه وتعالى الذي منَّ علينا بالعمل أن يتقبله منا حتى ندرك هذا الفضل العظيم، فلا ينبغي أن نرجع بعده إلى سوء الأعمال والإهمال والتفريط، بل يكون ذلك حافزًا لنا على الجد والاجتهاد في العمل الصالح، من فعل العبادات الخاصة، ونفع العباد على سبيل العموم بكل ما نستطيع ولو بالكلمة الطيبة، بالأمر بالمعروف، بالنهي عن المنكر، بالتعليم، حتى بإلقاء السلام، فإن إلقاء السلام من أسباب دخول الجنة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»[[أخرجه مسلم (٩٣ / ٥٤) من حديث أبي هريرة.]]، فإفشاء السلام من أسباب المحبة، والمحبة من كمال الإيمان، والإيمان من أسباب دخول الجنة، فهي حلقات سلسلة يتبع بعضها بعضًا.
ومع الأسف إن كثيرًا من الناس ولا سيما خواص الطلبة نجدهم لا يفشون السلام فيما بينهم، يمر الواحد بأخيه فلا يلقي إليه السلام، وهذا لا شك أنه خطأ وخلاف الآداب الشرعية التي هي من ثمرات طلب العلم، والعلم إذا لم يكن نافعًا فالجهل خير منه؛ لأن الجاهل يعرف نفسه وقد يتعلم، والجاهل معذور بخلاف العالم.
كذلك يجب علينا إلقاء المودة بيننا ولا سيما الأقارب، فإن «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عَضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠١١)، وأخرجه مسلم (٦٦ / ٢٥٨٦) من حديث النعمان بن بشير واللفظ له.]].
ومما ينبغي -بل يجب- على طالب العلم إذا كان يريد العلم حقيقة أن يحرص على العلم بقدر استطاعته ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهارًا؛ لأن العلم مناله رفيع وعالٍ، وقد قيل: أعط العلم كلك تأخذ بعضه، فإن أعطيته بعضك فاتك كله، فلا بد من الحرص والجمع؛ جمع الفوائد والضوابط والقواعد؛ لأن هذا أنفع لطالب العلم من معرفة المسائل الفردية، معرفة المسائل الفردية يشترك فيها العامي وطالب العلم، لكن الجمع بين النظائر وجمع القواعد والضوابط هذه مفيدة لطالب العلم، فمثلًا نجد في كتب الفقهاء تعليلات دائمة للأحكام الشرعية.
لو أن طالب العلم قيدها -هذه التعليلات- لكانت ضوابط ينبني عليها مسائل كثيرة، وبإمكانه إذا رأى أن هذه الضابط لا ينضبط وأنه ينتقض في بعض المسائل أن يسأل ويبحث مع من هو أكبر منه في العلم ويقول: لماذا نعلل بهذا ثم تنتقض العلة؟ لأنه قد يظن طالب العلم أن هذه العلة منتقضة وهي في الحقيقة غير منتقضة، لكن يشتبه عليه الأمر فيظن أنها منتقضة، ولكنها ليست منتقضة؛ لأن الصورة التي نقضت بها يكون بينها وبين ما تقتضيه هذه القاعدة وهذا الضابط فرق لا يشعر به طالب العلم الصغير؛ لذلك ينبغي لطالب العلم أن يجمع الضوابط والقواعد والمسائل المتماثلة حتى يدرك العلم تمامًا.
أما العلم السطحي الذي يلقطه الإنسان كما يلقط الجرَّاد حبة حبة، فهذا يوشك أن يطير ولا ينتفع به صاحبه، لكن العلم الراسخ الذي يتمكن الإنسان به من تطبيق المسائل على أصولها هو ما ذكرت هنا، وأؤكد عليه بمعرفة الضوابط والقواعد والجمع والتقسيم حتى يحصل الإنسان على العلم.
ثم إنه من المعلوم ولا سيما في عصرنا الحاضر لكثرة طلبة العلم -ولله الحمد- ولقصور بعض الطلبة من وجه آخر تحصل الاختلافات، تحصل الاختلافات بين مدرسيكم مثلًا في الكلية أو بين من تسمعون من الخارج، فيحصل لبس على طالب العلم، وذلك أن بعض الناس يكون شغوفًا بالعلم محبًا للنفع فيتسرع في نشر ما يراه علمًا بين الناس من أجل أن ينتفع به الناس، ولكنه يكون فيه خلل، فيلتبس على طالب العلم؛ ولهذا يحسن إذا رأى الإنسان من الناس اختلافًا في شيء من المسائل أن يناقش فيها من يكون بينهم الاختلاف حتى يتبين الأمر؛ لأن بعض الناس ينظر إلى المسائل أو إلى الدلائل بعين واحدة، فيحصل بذلك خلل كثير، وربما يكون قاصر العلم أو قاصر الفهم فيشتبه عليه الأمر، ويكون محبًّا لنشر العلم فينشر ما تبين له أو ما ظهر له وإن كان على خلاف الحق؛ لأنه يحب أن ينشر العلم.
وما كثرة الرسائل الآن أو النشرات التي تنشر حتى على أبواب المساجد تلصَّق وعلى الجدران ببعيد، فإن من هذه النشرات ما هو خطأ قطعًا، لا يشك طالب العلم أنه خطأ، إما أحاديث موضوعة أو ضعيفة أو أحكام خطأ، كل هذا من محبة بعض الناس لنشر علمه لكن على غير أساس. فمثل هذه الأمور ينبغي التحرز منها، وأن يبحث الإنسان ويناقش حتى يكون على بينة.
أحببنا أن نقول هذه الكلمة في افتتاح الدرس بعد شهر رمضان المبارك -أعاده الله علينا وعليكم وعلى المسلمين بالخير واليمن والبركة- لأن هذه يكون الإنسان فيها نشيطًا، يجد من نفسه أن معه نشاطًا في استقبال وقته في طلب العلم، نسأل الله لنا ولكم العون.
أما الآية التي قرأتموها الآن فقد فسرناها فيما أظن أو فسرنا أكثرها؟ أليس كذلك؟ نعم.
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ ﴿قَوَّامُونَ﴾ هذه صيغة مبالغة أو نسبة، والمراد بالقيام هنا ليس القيام الذي هو الوقوف على الرجلين ولكنه قيام الولاية، فمعنى ﴿قَوَّامُونَ﴾ أي: بالولاية والسلطة، فيحتمل أن تكون نسبة، ويحتمل أن تكون مبالغة، ويحتمل المعنيين جميعًا أنها نسبة ومبالغة، فالرجل قوَّام على المرأة ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾؛ ولذلك تكون لهم الولاية والقضاء والإمارة وغير ذلك مما فيه سلطة دون النساء.
وقوله: ﴿عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (الباء) هنا للسببية، و(ما) يحتمل أن تكون مصدرية، ويحتمل أن تكون موصولة، فإن كانت مصدرية لم تحتج إلى عائد، وإن كانت موصولة احتاجت إلى العائد ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾، فعلى القول بأنها مصدرية يكون تقدير الكلام: بتفضيل الله بعضهم على بعض، وعلى أنها موصولة يكون تقدير الكلام: بالذي فضل الله به بعضهم على بعض، ويكون العائد محذوفًا بحرف الجر، كقوله تعالى: ﴿يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ [المؤمنون ٣٣] أي: منه، مما تشربون منه، وحذف العائد المجرور جائز إن اتفق الحرفان لفظًا ومعنًى.
وقوله: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ﴾ التفضيل بمعنى الزيادة، بما فضل الله به بعضهم على بعض، والتفضيل بين الرجال والنساء ظاهر، في العقل والتفكير والجسم والشجاعة وكل شيء، جميع الخصال والأخلاق نجد أن الرجال مفضلون على النساء، وهذا التفضيل باعتبار الجنس، فلا يرد علينا أنه يوجد من النساء ما هو أفضل من كثير من الرجال؛ لأننا إذا قلنا بتفضيل الجنس صار العبرة بالعموم لا بالخصوص، كما نقول مثلًا: التابعون أفضل من تابعي التابعين، لكن هذا يعني أن كل واحد من التابعين أفضل من كل واحد من تابعي التابعين؛ إذ يوجد في تابعي التابعين من هو أفضل من كثير من التابعين.
فقوله: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ أي: من حيث الجملة لا باعتبار كل فرد؛ ولهذا لا يرد علينا أو لا يورد علينا مورد فيقول: نجد رجلًا أبله لا يعرف، تقابله امرأة ذكية فاهمة تعرف؟ نقول: هذا لا عبرة به؛ لأن العبرة بماذا؟ بالجنس ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.
﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء ٣٤] هذه عطف على قوله: ﴿بِمَا فَضَّلَ﴾ أي: وبالذي أنفقوا من أموالهم؛ لأن المنفق على النساء هم الرجال، فالرجال منفقون على النساء لأنهم هم الذين يكتسبون، الزوج ينفق على زوجته ولو كانت غنية، والأب ينفق على أهله، وهو مصدر الإنفاق، فمن أجل ذلك صار لهم القوامة بتفضيلهم خِلْقةً وخُلُقًا وعقلًا وفكرًا، ولفضلهم على النساء بأيش؟ بالإنفاق، فهم قوامون بتفضيل الله إياهم وبفضلهم هم على النساء ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.
ثم قسم الله عز وجل النساء إلى قسمين فقال: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ ﴿الصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ﴾ ﴿الصَّالِحَاتُ﴾ مبتدأ، و﴿قَانِتَاتٌ﴾ خبره، ﴿حَافِظَاتٌ﴾ خبر ثان.
﴿الصَّالِحَاتُ﴾ يعني الموصوفات بالصلاح، وهنا يمكن أن نقول: إن ﴿الصَّالِحَاتُ﴾ صفة لموصوف محذوف، والتقدير: فالنساء الصالحات؛ ومَن هي الصالحة؟ الصالحة ضد الفاسدة، وهي التي قامت بحق الله وحق زوجها، هذه الصالحة.
وقوله: ﴿قَانِتَاتٌ﴾ أي: مديمات للصلاح؛ لأن القنوت يُراد به الدوام، وهو المراد هنا، ويحتمل أن المراد بالقانتات هنا: المطيعات لله، ويكون من باب التوكيد. ﴿الصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ﴾ أي: مطيعات لله، وبطاعتهن لله يكُنَّ طائعات لأزواجهن.
﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ يعني يحفظن ما غاب عن الناس، وهو السر الذي يكون في بيت الزوج ويكون بينها وبين زوجها أيضًا، فتجد المرأة الصالحة لا يمكن أن يطَّلع على ما في بيتها أحد، بل إذا سُئلتْ عما في بيتها قالت: نحن بخير. وانظر إلى إحدى امرأتي إسماعيل؛ إحداهما لما سألها إبراهيم عن حالهم شكت وتضجرت، فقال لها: إذا جاء زوجك فقولي له يغير عتبة بابه. والثانية أثنت خيرًا وقال: إذا جاء الزوج فقولي يمسك عتبة بابه. فمن النساء من تكون شكَّاية فاضحة تحدث الناس بكل ما يكون في بيتها، بل بعضهن -والعياذ بالله- يتجرأن إلى أكثر من ذلك؛ تحدث ما يكون بينها وبين زوجها حتى في أمور السر التي لا يطَّلع عليها إلا الزوج، تحدِّث، هذه ليست من الصالحات بشيء، فقدت من الصلاح بمقدار ما فقدت من الحفظ.
﴿حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ أي: بحفظ الله عز وجل، أو: بالذي حفظ الله؛ أي: أمر بحفظه وعدم إفشائه؛ فهنَّ حافظات للغيب لا يُظهِرن بحفظ الله لهنَّ ومنَّته عليهن بالحفظ، أو بالذي حفظ الله؛ أي: أمر بحفظه، والمعنيان متلازمان.
القِسم الثاني على خلاف ذلك؛ قال: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ ﴿اللَّاتِي﴾ يعني: والنساء اللاتي تخافون نشوزهن، وكيف نخاف نشوزها؟ نخاف نشوزها بظهور أماراته، والنشوز هو الارتفاع، ومنه الأرض النشز؛ أي المرتفعة، والمراد بالنشوز: ترفُّع المرأة عن زوجها بحيث لا تبذل ما يجب عليها من حقوقه، أو تبذل لكن متكرِّهة متملِّلة لا يأنس بها ولا يركن إليها، فالنشوز معناه الترفُّع عما يجب لها نحو زوجها؛ وذلك بأن لا تطيعه بما تجب عليها طاعته أو تطيع لكن متبرِّمة متكرِّهة متملِّلة لا تأتيها على ما ينبغي، هذا هو النشوز، إذا نشزت المرأة سقطت الحقوق التي لها من نفقة وغيرها؛ لأن النفقة معاوضة، إذا لم يوجد عِوضها سقطت.
﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ فالنشوز داء، النشوز داء، وهل له دواء؟ نعم؛ ذكر الله له دواء على ثلاث مراحل: الأولى قال: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾، الثانية: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾، الثالثة: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾، الرابعة لم يذكرها الله لأنها مكروهة عنده: طلقوهن. وهذه الأخيرة مع الأسف هي أول مرحلة عند كثير من الناس؛ كثير من الناس إذا خالفته زوجه بأدنى شيء طلقها، لكن المراحل الثلاث التي ذكرها الله هي المراحل الشرعية؛ أولًا: الموعظة؛ تعظها بأن تذكِّرها بما يلين به قلبها، هذا الموعظة، تذكِّرها بما يلين به قلبها، بأيش؟ بأن تذكِّرها بحق الزوج وما لها من ثواب إذا قامت به وما عليها من عقاب إذا خالفت، وتقول لها مثلًا: أنتِ إذا كنتِ مطيعة قائمة بما يجب لي عليكِ فإني سوف أقابلكِ بالمثل أو بأحسن، فتعدها خير الدنيا وخير الآخرة، وتخوفها من الله عز وجل إذا نشزت، فإن امتثلت فهذا المطلوب، وإلا قال: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ الهجر بمعنى الترك، ومنه الهجرة، وهي ترك الإنسان وطن الكفر إلى وطن الإسلام، اتركوهنَّ في المضاجع؛ يعني: لا تضاجعوهن، تكون أنت في فراش وهي في فراش، أو أنت في حجرة وهي في حجرة، هجران المضاجع، فإن استقامت فهذا هو المطلوب، وإلا ننتقل إلى المرحلة الثالثة وهي قوله: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾، وهذا فائدة القوامة التي قال: ﴿قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾، ﴿اضْرِبُوهُنَّ﴾، ولكن بماذا؟
المقصود من الضرب هو التأديب، فتضرب ضربًا يحصل به تأديبها ولا يحصل به تجريحها؛ أي: جرحها؛ فتضرب ضربًا غير مبرِّح كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في خطبة حجة الوداع قال: «وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ»[[أخرجه مسلم (١٢١٨ / ١٤٧) من حديث جابر.]]، فتُضرب، لكن ضربًا غير مبرِّح، ويجب أن يُتَّقى في ضربها ما أُمِر باتقائه كالوجه مثلًا فإنها لا تُضرب به، وسيأتي إن شاء الله في بيان الفوائد.
﴿وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ﴾ يعني: قُمْن بما يجب عليهن من الطاعة.
﴿فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾ ﴿تَبْغُوا﴾ بمعنى تطلبوا عليهن سبيلًا؛ أي: واتركوا الماضي، فإن قوله: ﴿فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾ ليس للمستقبل فقط، بل حتى للماضي، اتركوه، تناسوه، لا تأتوا له ببحث أو إثارة؛ لأن تذكير الماضي يؤدي إلى استمرار النشوز والمعصية، ﴿لَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾ كأنَّ شيئًا لم يكن.
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ الجملة هنا استئنافية للتحذير من التعالي والكبرياء على النساء؛ لأن الرجل إذا شعر بأنه قائم على المرأة وذو سلطة عليها إلى حد أن الشرع مكَّنه من ضربها في المرحلة الثالثة ربما يتعالى عليها ويتكبر، فقال عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ يعني: فاعلموا أن علوكم على النساء فوقه ما هو أعلى منه وهو علو الله عز وجل وكبرياء الله عز وجل، فلا تتعالوا عليهن ولا تتكبروا عليهن؛ لأن فوقكم من هو أعلى وأكبر وهو الله عز وجل.
ثم قال: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النساء ٣٥] وهذه المرحلة الرابعة، المرحلة الرابعة بعد المراحل الثلاث وهي؟
* الطلبة: الموعظة.
* الشيخ: الموعظة.
* الطلبة: الهجر.
* الشيخ: الهجر في المضاجع.
* الطلبة: الضرب.
* الشيخ: الضرب. إن خفن الشقاق؛ بمعنى أنها لم تثمر هذه المراحل الثلاث، فحينئذٍ يوجه الخطاب للأمَّة ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا﴾، ولم يقل: فليبعثا حكمًا، فهنا انعزل الزوجان وصار المجال مجال غيرهما، مجال من؟ مجال الحاكم الشرعي الذي يمثل الأمَّة، وعلى هذا فيكون ﴿ابْعَثُوا﴾ خطابًا للأمَّة، لكن ليس المعنى أن كل واحد في السوق وفي المسجد وفي الدكان يبعث، ينوب عن الأمَّة من؟ الحاكم الشرعي، فيكون الخطاب هنا للأمَّة مرادًا بها من يمثلها وهو الحاكم الشرعي.
﴿ابْعَثُوا﴾ أي: أرسلوا، البعث بمعنى الإرسال.
﴿ابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ (حَكَم) الْحَكَم: ذو الْحُكْم النافذ؛ يعني المحكَّم، فهو أخص من الحاكم، الْحَكَم أخص من الحاكم لأنه ذو الْحُكْم النافذ، فهو محكَّم، ﴿مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾، والْحَكَم لا بد أن يكون ذا علم، وأن يكون ذا بصيرة في الواقع، ومعلوم أنه لا بد أن يكون بالغًا عاقلًا رشيدًا عالمًا بالحكم الشرعي وعالمًا بالواقع -واقع الزوجين- وما هي المشاكل وما الذي أثار هذه المشاكل؛ لأن الْحَكَم لا بد فيه من هذه الأوصاف، أما أن يأتي إنسان عاميٌّ أو غشيمٌ ثم يريد أن يكون حَكَمًا بين الزوجين هذا لا يصح، لا بد أن يكون هذا الْحَكَم عالمًا بالشرع، عالمًا بأحوال الزوجين، ذا تعقل وتأن وبصيرة، فإذا اجتمع الْحَكَمان فهنا تأتي النية ويكون لها تدخل؛ فإما أن يريد الْحَكَم من أهل الزوج أن ينتصر الزوج والْحَكَم من أهل الزوجة أن تنتصر الزوجة وفي هذه الحال لا يوفَّق الرجلان، لا يوفَّقان؛ لأن النية هنا غير سليمة، وإما أن يكون المراد من الْحَكَم من أهل الزوج والْحَكَم من أهل المرأة الإصلاح بينهما، فحينئذٍ يقول الله عز وجل وهو القادر الصادق في قيله يقول: ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾، الضمير في قوله: ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا﴾ يعود إلى الْحَكَمين؛ لأنهما هما اللذان يريدان أن يحكما ونية الإصلاح تكون منهما لا من الزوجين؛ لأن الزوجين بينهما شقاق، كل واحد منهما يريد أن ينتصر لنفسه، فالغالب أنهما لا يريدان الإصلاح، لكن الذي يريد الإصلاح هما الْحَكَمان.
وقوله: ﴿يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ الضمير في بينهما هل يعود على الزوجين اللذين خفن الشقاق بينهما أو يعود على الْحَكَمين اللذين يُدلي كل واحد منهما بما يرى أنه حجة؟ فيه احتمالان؛ الاحتمال الأول: أن يعود إلى الزوجين؛ لأن القضية في شأنهما، قضية أيش؟ القضية الشقاق، لكن الْحَكَمان ينظران في شأن الزوجين، فيكون الضمير عائدًا إلى من؟ إلى الزوجين. ويحتمل أن يكون الضمير عائدًا إلى الْحَكَمين؛ يعني الْحَكَمان سيأتي كل واحد منهما بما يقابل الآخر، فيكون المراد ﴿يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ أي: تلتئم أقوالهما ولا يحصل بينهما نزاع، فلا ينتصر الْحَكَم من أهل الزوج للزوج ولا الْحَكَم من أهل الزوجة للزوجة.
طيب، فإذا قيل: لماذا لا نقول بأنه عام لهذا وهذا؟
فالجواب: نقول بهذا، الجواب أن نقول بهذا، ﴿يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ بين الْحَكَمين، فإذا اتفقا فإن الله تعالى أيضًا بمنِّه وكرمه يوفِّق بين الزوجين.
﴿يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ أي: عالم خبير، والخبرة هي العلم ببواطن الأمور، العلم ببواطن الأمور هو الخبرة، والعلم بالظواهر والبواطن هو العلم، وعلى هذا فيكون ذكر الخبير بعد العليم من باب ذكر الخاص بعد العام، والجملة استئنافية لبيان لطف الله عز وجل فيما يجري من الْحَكَمين بأنه عز وجل عالم خبير بما يحدث بينهما من الْحُكْم بين الزوجين.
* في هاتين الآيتين من الفوائد فوائد كثيرة:
* أولا: فضل الرجال على النساء، وجهه أن الله جعل الرجال قوامين على النساء.
* ثانيا: بيان أن أحكام الله عز وجل الكونية والشرعية معلَّلة بعلل، منين نأخذها؟
* طالب: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾.
* الشيخ: السببية يعني، ذكر السببية، إذن أفعال الله معلَّلة بعلل، كذا؟ طيب.
يلزم من كون أفعال الله أو أحكام الله الشرعية والكونية معلَّلة بعلل إثبات الحكمة وأن الله تعالى حكيم.
* ومن فوائد هاتين الآيتين الكريمتين: التفضيل بين البشر.
* طالب: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾.
* الشيخ: طيب، ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾.
فإن قال قائل: هل للمفضَّل عليه أن يحتج على الله فيقول: يا رب لِمَ فضلتَ هذا عليَّ؟
* طالب: ليس له ذلك.
* الشيخ: ليس له ذلك، لماذا؟
* الطالب: الله عز وجل (...).
* الشيخ: ما هو بواضح.
* طالب: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد ٢١]
* الشيخ: نعم، يقال للمفضَّل عليه: هل منعك الله حقك؟ إن كان الأمر كذلك فلك الحجة، وإلا ففضل الله يؤتيه من يشاء، ولهذا لما «ضرب النبي ﷺ مثلًا لليهود والنصارى وهذه الأمَّة برجل استأجر أُجَراء من الصباح إلى الظهر ومن الظهر إلى العصر فأعطى كل واحد قيراطًا قيراطًا، ومن العصر إلى الغروب أعطاهم على قيراطين قيراطين، فقال الأولون: لماذا نُعطَى على دينار ونحن أكثر عملًا؟ فقال: هل نقصتكم من أجركم شيئًا؟ قالوا: لا. قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء»[[أخرجه البخاري (٢٢٦٨) من حديث عبد الله بن عمر.]]. عرفتم؟ إذن لا حجة للمفضَّل عليه على الله عز وجل بالتفضيل. ولكن ماذا يصنع المفضَّل عليه؟
أشار الله إلى ذلك في آية سبقت فقال: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء ٣٢]، اسأل الله من فضله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن للمنفِق على المنفَق عليه فضلًا، من أين تؤخذ؟
* طالب: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كراهة السؤال، كراهة سؤال الناس.
* طالب: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾.
* الشيخ: لا.
* طالب: أن الله عز وجل بيَّن سبب التفضيل أنه سبب التفضيل الإنفاق، هو عكس السؤال.
* طالب آخر: شيخ قوله: ﴿أَمْوَالِهِمْ﴾ يعني (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ هم أنفقوا على النساء ولم يطلبوا منهم النفقة.
* الشيخ: لا.
* طالب: (...) ولم يسألوا.
* الشيخ: كون المنفق له فضل على المنفق عليه يكون سؤالك إياه ذلا؛ لأنك إذا سألته فقد أثبتَّ له فضلًا عليك، إذا سألته وأعطاك أثبتَّ له فضلًا عليك، وهذا ذل، ولهذا «بايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئًا، على أن لا يسألوا الناس شيئًا مطلقًا، حتى كان سوط أحدهم يسقط من على ظهر بعيره فينزل فيأخذه ويركب ولا يقول للناس أعطوني إياه »[[أخرجه مسلم (١٠٤٣ / ١٠٨) من حديث عوف بن مالك الأشجعي.]]؛ لأن سؤالك الناس ذل.
طيب، جعل الله للرجال فضلًا على النساء بإنفاق المال، إذن الذي ينفق عليك له فضل عليك، إذا سألته صار له فضل ولَّا لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: له فضل، إذن أذللتَ نفسك أمامه حيث جعلتَ له فضلًا عليك.
* طالب: إذا كان الإنفاق من الواجبات ففيه الذل؟ يعني إذا كان لنفقة الزوجة وهو فرض واجب ففيه ذل؟ يعني أي ذل؟
* الشيخ: ما فيه شك أنه كونه ينفق عليها لا شك أنه له سيطرة عليها بهذا الإنفاق، له فضل عليها لا شك، حتى لو هو واجب.
* طالب: الإنفاق على الأب واجب إذا كان الأب يعني لا يستطيع أن..
* الشيخ: الآن الذي ينفق على النساء -ولو كانت النفقة واجبة- يرى المنفَق عليه أن له فضلًا عليه.
* طالب: شيخ، بارك الله فيكم، قلتم في البداية بأن الضوابط تفيد طالب العلم، فكيف نعرف الضوابط ونجمعها؟
* الشيخ: إي، أنا أشرت إلى هذا، قلت لك: إن تعاليل الفقهاء رحمهم الله كلها ضوابط؛ التعليلية تجدها في الروض المربع مثلًا أو في الشرح الممتع والإقناع أو المجموع للنووي أو غيرها، كل التعاليل هذه ضوابط، وأنا قلت لكم أول ما بدأنا في درس زاد المستقنع قلت لكم: لو أن أحدكم انتدب ليجمع هذه الضوابط أو التعليلات التي يعلل بها أفادنا وأفاد نفسه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا ولاية للنساء على الرجال لا في قضاء ولا إمارة ولا أي شيء؛ لقوله: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾، فمن عكس فقد خالف سُنَّة الله عز وجل، من جعل للمرأة الولاية فقد خالف سُنَّة الله.
فإن قال قائل: أليست الأم تكون ولية على أولادها وعلى أموالهم؟
قلنا: هذه ولاية خاصة وولاية طارئة بخلاف الولاية العامة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»[[أخرجه البخاري (٤٤٢٥) من حديث أبي بكرة.]].
فإن قال قائل: نجد بعض النساء تكون رئيسة للوزراء، تكون رئيسة الجمهورية، تكون ملكة.
قلنا: ولكن انظر إلى حال المولَّى عليهم، لو لم تقم عليهم هذه المرأة لكانوا أصلح حالًا بلا شك ولكانوا أفلح وأنجح، ولكن تأخروا بمقدار ما تولت عليهم هذه المرأة، وانظر مثلًا إلى بريطانيا، كانت بريطانيا أكبر دول المستعمرين استعمارًا حتى قيل: إنها لا تغيب الشمس عن مستعمراتها. والآن تقلصت حتى صارت في المرتبة الثالثة، كل ذلك لأنها تستولي عليها النساء.
انتهينا إلى قوله تعالى: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ وقلنا: إنه يُستنبط منها كراهة السؤال -سؤال المال- لأن الله جعل للمعطي فضلًا على المعطَى، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا يَدُ الْمُعْطِي، وَالْيَدُ السُّفْلَى يَدُ الْآخِذِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٤٢٩) ومسلم (١٠٣٣ / ٩٤) من حديث عبد الله بن عمر. ]].
* ومن فوائد هاتين الآيتين قوله: ﴿مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، والمال كما هو معروف كل ما يتموَّل من أعيان ومنافع وغيرها، كل ما يتموَّل، فيؤخذ منه: أن هؤلاء لا ينفقون إلا مما تيقنوا أنه مالهم وأنهم لا يعتدون على أموال أحد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن النساء ينقسمن إلى قسمين.
* طالب: النساء تنقسم إلى قسمين: حافظات، وغير حافظات.
* طالب آخر: صالحة مطيعة لزوجها، وناشزة.
* الشيخ: نعم، صالحة مطيعة لزوجها، وناشزة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على حفظ الغيب؛ أي: على ما كان سرًّا بينك وبين أخيك. من أين تؤخذ؟
* طالب: ﴿حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ﴾.
* الشيخ: ﴿حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن للزوج السلطة على زوجته. من أين تؤخذ؟
* طالب: شيخ، ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾.
* الشيخ: طيب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: التدرج في التأديب.
* طالب: التدرج: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ بعدين ﴿اهْجُرُوهُنَّ﴾ بعدين ﴿اضْرِبُوهُنَّ﴾.
* الشيخ: طيب.
* ومن فوائدها: الإشارة إلى أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
* طالب: عند أمره بالتأديب ياشيخ، فقال..
* الشيخ: يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
* الطالب: حيث إنه ربما لا يفيد الوعظ، فينتقل إلى الهجر في المضجع أو الضرب لأنه قد يكون أكثر نتيجة.
* الشيخ: نعم، طيب.
* ومن فوائد الآية: أنه إذا أمكن التأديب بالخطاب الديني الشرعي فإنه لا يرجع إلى التأديب بالفعل المحسوس.
* طالب: ما تبغون عليهن؛ ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ﴾.
* الشيخ: لا.
* طالب: لأن الله سبحانه وتعالى جعل الهجر والضرب بعد الموعظة.
* الشيخ: بدأ بالموعظة التي هي تليين القلب بالشرع، فإذا لم يمكن فبالعقوبة.
* ومن فوائد هذه الآيات: الإشارة إلى أن فراش الزوج والزوجة واحد.
* طالب: من قوله تعالى: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾.
* الشيخ: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾، فدل ذلك على أن هجر الإنسان لفراش زوجته لا يكون إلا عند النشوز.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم نشوز المرأة على زوجها.
* طالب: هو ترتيب هذا التعذيب يدل على أنه حرام النشوز.
* الشيخ: نعم؛ حيث قوبل هذا النشوز بالموعظة ثم الهجر ثم الضرب.
* ومن فوائد الآية: الإشارة إلى أنه لا يجوز الهجر بالكلام.
* طالب: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾.
* الشيخ: لا.
* طالب: حين أتبع قوله تعالى: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ أتبعه بقوله: ﴿فِي الْمَضَاجِعِ﴾.
* الشيخ: ﴿فِي الْمَضَاجِعِ﴾، وهل يجوز الهجر في الكلام؟
الجواب: يجوز في خلال ثلاثة أيام فقط؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالْكَلَامِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠٧٧) ومسلم (٢٥٦٠ / ٢٥) من حديث أبي أيوب الأنصاري بلفظ: «يبدأ بالسلام».]].
* ومن فوائد الآيات: بطلان قول بعض علماء التربية المعاصرين الذين يقولون: إنه لا تحصل التربية بالضرب؛ من قوله: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾.
وهل في السُّنَّة الشاهد على ذلك أيضًا؟
نعم، هو قوله ﷺ: «وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ»[[أخرجه أبو داود في سننه (٤٩٥) وأحمد في مسنده (٦٧٥٦) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.]]، وبهذا يبطل قول علماء التربية الذين قالوا: إن الضرب لا يفيد وإنما يقسي القلب.
* ومن فوائد الآيات: المكافأة بالمثْل.
* طالب: عند الطاعة؛ ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾.
* الشيخ: أنه عند الطاعة لا يجوز للإنسان أن يبغي عليها سبيلا.
* ومن فوائدها: التغاضي عما مضى.
* طالب: من قوله: ﴿فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾.
* الشيخ: كيف ذلك؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لأنه يشمل ﴿فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾ يشمل الماضي والمستقبل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن الذي له العلو المطلق هو الله، فلا تتعالَ على غيرك.
* طالب: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾. «ورأى النبي ﷺ رجلًا يضرب غلامه، فقال له عليه الصلاة والسلام؛ سمع الرجل -هذا الصحابي- صوتًا: «يَا فُلَانُ، يَا فُلَانُ، اللَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ». فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأعتق العبد»[[أخرجه مسلم (١٦٥٩ / ٣٤) من حديث أبي مسعود البدري.]]. ففي هذا الإشارة.. كل إنسان يتعالى في نفسه أن يتذكر علو الله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات هذين الاسمين لله عز وجل وهما: العلي، الكبير.
هل علو الله معنوي أو حسي؟
* طالب: علو حسي ومعنوي.
* الشيخ: حسي ومعنوي، يشمل؟
* الطالب: يشمل علو الذات وعلو القدر.
* الشيخ: وعلو الصفات؛ علو الذات، وعلو الصفات يشمل القدر والقهر.
ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة ومذهب من خالفهم؟
* طالب: (...) يثبتون لله (...) بجلاله وعظمته (...).
* الشيخ: يثبتون لله المعنيين: علو الذات وعلو الصفات. من خالفهم؟
* طالب: قالوا: الله حالٌّ بين العباد.
* الشيخ: في كل مكان، هذا واحد، وطائفة أخرى؟
* الطالب: الاتحادية.
* الشيخ: لا.
* طالب: المعتزلة والأشاعرة.
* الشيخ: الذين قالوا؟
* طالب: علو الصفات دون علو الذات.
* الشيخ: إي، لكن ماذا يقولون؟ حتى الذين قالوا: بذاته في كل مكان، ينكرون علو الذات.
* طالب: يقولون: إن الله سبحانه وتعالى لا فوق ولا تحت ولا محايد.
* الشيخ: تمام، يعني إذن طائفتان متطرفتان: طائفة أثبتت أن الله في كل مكان، وطائفة نفت أن يكون الله في مكان، عرفتم؟ طائفة قالت: نقول: إن الله لا فوق العالم ولا تحته ولا داخله ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل ولا مباين ولا محايد، ولا نصفه بأي شيء من هذا. وهؤلاء في الحقيقة كما قال محمود بن سبكتكين لابن فورك؛ قال: بيِّن لي الفرق بين إلهك وبين العدم. وصحيح هذا هو العدم، والذين قالوا: الله بيأتي في كل مكان، أيضًا لم يقدروا الله حق قدره؛ لأنهم جعلوه في أماكن القذر وأماكن الشرف وأماكن اللغو وفي كل مكان، إذن نحن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى عالٍ بذاته فوق جميع الخلق، وأن كل الخلق بالنسبة إليه ليس إلا أيش؟ كحبة خردل في كف أحدنا، وليس بشيء بالنسبة لله عز وجل.
الكبير هنا المراد بالكبير ﴿عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ يعني الكبرياء أو ما هو أعم؟
* طالب: ما هو أعم.
* الشيخ: ما هو أعم؛ يعني الكبرياء الذي هو الكبر المعنوي؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الجاثية ٣٧] وقال سبحانه وتعالى: ﴿الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾ [الحشر ٢٣]، وكذلك أن كل شيء بالنسبة إلى ذاته ليس بشيء.
* من فوائد الآية الكريمة الثانية: وجوب عناية ولاة الأمور بالمجتمع.
* طالب: من قوله: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا﴾.
* الشيخ: ﴿فَابْعَثُوا﴾، والخطاب هنا قلنا لولاة الأمور.
* ومن فوائد الآية الثانية الكريمة: أن المبعوثين حَكَمان وليسا وكيلين كما قاله بعض العلماء.
* طالب: من قوله: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا﴾، والْحَكَم مستقل ولَّا وكيل؟
* طالب: مستقل.
* الشيخ: مستقل؟ طيب.
* * *
* طالب: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (٣٥) وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء ٣٥، ٣٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
نحن بصدد استنباط الفوائد والأحكام من الآية التي قرأ الأخ، وهي قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ وذكرنا فوائد، كم؟
* طالب: واحد وعشرين.
* الشيخ: واحد وعشرين فائدة.
* من فوائد الآية الكريمة: أنه لا بد أن يكون عند الْحَكَمين علم بالشرع؛ لأن الْحَكَم لا يمكن أن يحكم إلا بعد العلم، ولا بد أن يكون لديهما أمانة وثقة دينية؛ لأن غير الثقة لا يؤمَن، وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات ٦].
والحاكم مخبر وملزِم وفاصل؛ فهو مخبر عن حكم الله، ملزِم بما يحكم به، فاصلٌ بين الخصمين، فلا بد أن يكون عدلًا في دينه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الحاكم عالمًا بأحوال من يحكم فيهم؛ لقوله: ﴿مِنْ أَهْلِهِ﴾، ﴿مِنْ أَهْلِهَا﴾؛ لأن الذي من أهله وأهلها أقرب إلى العلم بحالهما من الرجل الأجنبي، وعلى هذا فلا ينبغي أن يولي قاضيًا على قوم لا يعرف طبائعهم ولا يعرف لسانهم ولا يعرف أحوالهم؛ فإن هذا يفوت به شيء كثير من القضاء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز حكم القريب لقريبه أو عليه؛ أما حكمه عليه فلا إشكال فيه لانتفاء التهمة، وأما حكمه له فقد يكون فيه تهمة، حكم القريب للقريب، فما هو الشيء الذي يمكن أن تكون فيه التهمة التي تمنع من نفوذ الحكم؟
قال بعض العلماء: إن الإنسان لا يحكم لأصله ولا لفرعه ولا لزوجه؛ لأنه متهم لقوة الصلة؛ ففرْعُه بعضٌ منه؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٧١٤) ومسلم (٢٤٤٩ / ٩٤) من حديث المسور بن مخرمة.]]، وأصله هو بعض منه، وعلى هذا فلا يحكم لأصله ولا لفرعه.
والقول الصحيح أنه يحكم لأصله وفرعه إذا قويت الثقة، ونتأكد هنا في الثقة أكثر مما نتأكد من الأجنبي أو من القريب البعيد.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى حُسن النية في الحكم؛ لقوله تعالى: ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾، وأنه يجب على الإنسان المحكَّم أن يكون رائده الإصلاح لا غير، لا إرضاء فلان ولا فلان، الإصلاح.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن النية الطيبة سبب لصلاح العمل.
* طالب: لقوله تعالى: ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾.
* الشيخ: ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾، وعلى هذا فنأخذ فائدتين معاكستين: تحريم سوء النية في الحكم، وأن سوء النية يُفضي إلى فساد الأمر؛ لأن ما حصل بشيء فات بفواته.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأمور بيد الله عز وجل، حتى الأمور الجزئية؛ لقوله: ﴿يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾، فيكون في هذا ردٌّ على المعتزلة الذين يرون أن العباد يخلقون أفعالهم ولا علاقة لله بها، وهم القدرية، هم المعتزلة قدرية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الجزاء من جنس العمل، وجهه أنهما لما أرادا الإصلاح أثابهم الله عز وجل بالتوفيق؛ لقوله: ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات صفتي العلم والخبرة من قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾، والخبرة أخصُّ من العلم؛ لأنها العلم ببواطن الأمور.
وهل يستفاد من قوله: ﴿كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ أنه الآن ليس كذلك؟
* طالب: لا، كان ولا زال.
* الشيخ: كيف نفهم كان ولا زال مع أن ﴿كَانَ﴾ فعل ماض؟
* الطالب: لأنها ليست على بابها.
* الشيخ: ليست على بابها، ما المراد بها؟
* الطالب: المراد بها التحقيق.
* الشيخ: تحقيق الصفة، تمام، فهي مسلوبة الزمان.
أظن ذكرنا أن الْحَكَمين لهما أن يفرقا ويجمعا بعوض وبغير عوض.
* إذن يستفاد من الآية الكريمة: أن لهذين الْحَكَمين التفريق والتوفيق بين الزوجين اللذين خيف الشقاق بينهما سواء بعوض أو بدون عوض.
* ومن الفوائد أيضا: أن حكمهما ملزِم؛ لأن الله سماهما حَكَمين، والْحَكَم قوله لازم وفصله فصل.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["ٱلرِّجَالُ قَوَّ ٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَاۤءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ وَبِمَاۤ أَنفَقُوا۟ مِنۡ أَمۡوَ ٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـٰفِظَـٰتࣱ لِّلۡغَیۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّـٰتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِی ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُوا۟ عَلَیۡهِنَّ سَبِیلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیࣰّا كَبِیرࣰا","وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَیۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُوا۟ حَكَمࣰا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمࣰا مِّنۡ أَهۡلِهَاۤ إِن یُرِیدَاۤ إِصۡلَـٰحࣰا یُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَیۡنَهُمَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا خَبِیرࣰا"],"ayah":"وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَیۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُوا۟ حَكَمࣰا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمࣰا مِّنۡ أَهۡلِهَاۤ إِن یُرِیدَاۤ إِصۡلَـٰحࣰا یُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَیۡنَهُمَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا خَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق