الباحث القرآني

(مكية [إلا آية 38 ومن آية 83 إلى غاية آية 101 فمدنية] وآياتها 110 [نزلت بعد الغاشية] ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لقن الله عباده وفقههم كيف يثنون عليه ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي نعمة الإسلام، وما أنزل على عبده محمد ﷺ من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم وفوزهم وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ولم يجعل له شيئا من العوج قط، والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان، والمراد نفى الاختلاف والتناقض عن معانيه، وخروج شيء منه من الحكمة والإصابة فيه. فإن قلت: بم انتصب قَيِّماً؟ قلت: الأحسن أن ينتصب بمضمر ولا يجعل حالا من الكتاب، لأنّ قوله وَلَمْ يَجْعَلْ معطوف على أنزل، فهو داخل في حيز الصلة، فجاعله حالا من الكتاب فاصل بين الحال وذى الحال ببعض الصلة، وتقديره: ولم يجعل له عوضا جعله قيما، لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة. فإن قلت: ما فائدة الجمع بين نفى العوج وإثبات الاستقامة، وفي أحدهما غنى عن الاخر؟ قلت: فائدته التأكيد، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند السير والتصفح. وقيل: قيما على سائر الكتب مصدقا لها، شاهدا بصحتها. وقيل: قيما بمصالح العباد وما لا بدّ لهم منه من الشرائع. وقرئ قيما. «أنذر» متعدّ إلى مفعولين، كقوله نَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً فاقتصر على أحدهما، وأصله لِيُنْذِرَ الذين كفروا بَأْساً شَدِيداً والبأس من قوله بِعَذابٍ بَئِيسٍ وقد بؤس العذاب وبؤس الرجل بأسا وبآسة مِنْ لَدُنْهُ صادرا من عنده. وقرئ: من لدنه، بسكون الدال مع إشمام الضمة وكسر النون وَيُبَشِّرَ بالتخفيف والتثقيل. فإن قلت: لم اقتصر على أحد مفعولي أنذر؟ قلت: قد جعل المنذر به هو الغرض المسبوق إليه، فوجب الاقتصار عليه. والدليل عليه تكرير الإنذار في قوله وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً متعلقا بالمنذرين من غير ذكر المنذر به، كما ذكر المبشر به في قوله أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً استغناء بتقدّم ذكره. والأجر الحسن: الجنة ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ أى بالولد أو باتخاذه، يعنى أنّ قولهم هذا لم يصدر عن علم ولكن عن جهل مفرط وتقليد للآباء، وقد اشتملته [[قوله «وقد اشتملته» لعله: استملته، بإهمال السين وسكون الميم. (ع)]] آباؤهم من الشيطان وتسويله. فإن قلت: اتخاذ الله ولدا في نفسه محال، فكيف قيل: ما لهم به من علم [[قال محمود: «إن قلت اتخاذ الله ولدا في نفسه محال فكيف قيل لهم ... الخ» قال أحمد: قد مضى له في قوله تعالى وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً أن ذلك وارد على سبيل التهكم، وإلا فلا سلطان على الشرك حتى ينزل. ونظيره: ولا يرى الضب بها ينجحر وقد قدمت حينئذ أن الكلام وارد على سبيل الحقيقة والأصل، وأن نفى إنزال السلطان تارة يكون لاستحالة إنزاله ووجوده، وتارة يكون، لأنه لم يقع وإن كان ممكنا، والله أعلم.]] ؟ قلت: معناه ما لهم به من علم، لأنه ليس مما يعلم لاستحالته، وانتفاء العلم بالشيء إمّا للجهل بالطريق الموصل إليه، وإما لأنه في نفسه محال لا يستقيم تعلق العلم به. قرئ: كبرت كلمة، وكلمة: بالنصب على التمييز والرفع على الفاعلية، والنصب أقوى وأبلغ. وفيه معنى التعجب، كأنه قيل: ما أكبرها كلمة. وتَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ صفة للكلمة تفيد استعظاما لاجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم، فإن كثيرا مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس ويحدّثون به أنفسهم من المنكرات لا يتمالكون أن يتفوّهوا به ويطلقوا به ألسنتهم، بل يكظمون عليه تشوّرا [[قوله «تشورا من إظهاره» أى تباعدا من إظهاره، كأنه عورة. وفي الصحاح «الشوار» الفرج. ومنه قيل: شور به، كأنه أبدى عورته. (ع)]] من إظهاره، فكيف بمثل هذا المنكر؟ وقرئ كبرت بسكون الباء مع إشمام الضمة. فإن قلت: إلام يرجع الضمير في كبرت؟ قلت: إلى قولهم اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً وسميت كلمة كما يسمون القصيدة بها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب