الباحث القرآني
﴿الْحَمْدُ﴾: هو وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيمًا، هذا الحمد؛ أن تصف المحمود بالكمال محبة وتعظيمًا، وبقولنا: محبة وتعظيمًا خرج المدح؛ لأن المدح لا يستلزم المحبة والتعظيم، بل قد يمدح الإنسان شخصًا لا يساوي فلسًا، لكن لرجاء منفعة أو دفع مضرة، أما الحمد فإنه وصف بالكمال مع المحبة والتعظيم.
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ هذا اسم علم على الله عز وجل مختص به لا يُحمد به غيره، وهو علم على الذات المقدسة تبارك وتعالى.
﴿الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ الجملة الآن ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ﴾ هل هي خبر أراد الله سبحانه وتعالى أن يخبر عباده بأنه محمود، أو هي إرشاد وتوجيه على أن نحمد الله عز وجل على هذا، أو الجميع؟
الجميع، وهو خبر من الله عن نفسه، وهو إرشاد لنا أن نحمده عز وجل على ذلك.
﴿الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾، ﴿عَبْدِهِ﴾ يعني محمدًا ﷺ، وصفه بالعبودية؛ لأنه أعبد البشر لله عز وجل، فقد وصفه الله تعالى بالعبودية في حال إنزال الكتاب عليه، وفي حال الدفاع عنه، وفي حال الإسراء به، فقال جل وعلا في حال إنزال القرآن عليه: ﴿أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾، وفي حال الدفاع عنه: ﴿وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ [البقرة ٢٣]؛ يعني محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي حال الإسراء به في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الإسراء ١]؛ يعني في أشرف مقامات النبي ﷺ وصفه الله تعالى بأنه عبده، ونِعم الوصف أن يكون الإنسان عبدًا لله حتى قال العاشق:؎لَا تَدْعُنِي إِلَّا بِيَا عَبْدَهَا ∗∗∗ فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِــــــــــــــــــــي
وقوله: ﴿أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ هو القرآن، وسمي الكتاب؛ لأنه يُكتب، أو لأنه جامع؛ لأن الكَتْب بمعنى (الجمع)، ولهذا يقال: الكَتيبة يعني المجموعة من الخيل، والقرآن صالح لهذا وهذا، فهو مكتوب، وهو أيضًا جامع؛ الكتاب.
﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾، ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ﴾ أي: لهذا القرآن ﴿عِوَجًا﴾، بل هو مستقيم؛ ولهذا قال: ﴿قَيِّمًا﴾ و﴿قَيِّمًا﴾ حال من قوله: ﴿الْكِتَابَ﴾ يعني حال كونه ﴿قَيِّمًا﴾.
فإن قال قائل: لماذا لم تجعلها صفة؛ لأن ﴿الْكِتَابَ﴾ منصوب و﴿قَيِّمًا﴾ منصوب؟
الجواب: أن ﴿قَيِّمًا﴾ نكرة، و﴿الْكِتَابَ﴾ معرفة، ولا يمكن أن توصف المعرفة بالنكرة، ومعنى ﴿قَيِّمًا﴾ يعني أنه مستقيم غاية الاستقامة، وهنا ذكر نفي العيب أولًا، ثم إثبات الكمال ثانيًا، مثال نفي العيب؟
* طالب: ﴿الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾.
* الشيخ: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾. الكمال ﴿قَيِّمًا﴾ وهكذا ينبغي أن تخلي المكان من الأذى، ثم تضع الكمال، ولهذا يقال: التخلية قبل التحلية، يعني قبل أن تحلي الشيء أخلِ المكان، عما ينافي التحلِّي، ثم حلِّه.
وفي قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا﴾ تنبيه، وهو أنه يجب الوقوف على قوله: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾؛ لأنك لو وصلت لصار في الكلام تناقض ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا﴾ كيف؟ هل العوج قيم؟ لا، إذن قف؛ ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ ﴿قَيِّمًا﴾ إلى آخره.
وما هي الحكمة في إنزال القرآن؟
بيّنها الله في قوله: ﴿لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ﴾ [الكهف ٢] ﴿لِيُنذِرَ﴾ الضمير يحتمل أن يكون عائدًا على ﴿عَبْدِهِ﴾، ويحتمل أن يكون الضمير على ﴿الْكِتَابَ﴾، وكلاهما صحيح، فالكتاب نزل على الرسول لأجل أن ينذر به، والكتاب نفسه مُنذر يُنذر الناس.
﴿لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ﴾ أي: من قِبَل الله عز وجل، والبأس هو العذاب كما قال تعالى: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ﴾ [البقرة ١٧٧]، وكقوله تعالى: ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا﴾ [الأعراف ٤]؛ يعني عذابًا.
﴿لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ نجد أن الله سبحانه وتعالى حذف المفعول في قوله: ﴿لِيُنذِرَ﴾، وذكر المفعول في قوله: ﴿يُبَشِّرَ﴾ فكيف نُقدم المفعول به ﴿لِيُنذِرَ﴾؟
نقدمه مقابل ﴿يُبَشِّرَ﴾، وهذه فائدة من فوائد علم التفسير: أن الشيء يُعرف بذكر قبيله المقابل له، إذن يبشّر المؤمنين وينذر الكافرين، وحُذِفَ المفعول لدلالة ما بعده عليه.
ذكرنا أن القرآن قد يُستدل ببعض ألفاظه على بعض بذكر مقامه؛ ومنه قوله تعالى: ﴿فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء ٧١]، ﴿ثُبَاتٍ﴾ يعني متفرقين، الدليل؟ ثم قال: ﴿أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا﴾.
﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ﴾ لا بد مع الإيمان من العمل الصالح، لا يكفي الإيمان وحده، بل لا بد من عمل صالح، ولهذا قيل لبعض السلف: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ يعني فمن أتى به دخل؟ قال: بلى، ولكن هل يَفتح المفتاح بلا أسنان؟
الجواب: لا، فلا بد من أعمال.
﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ﴾ أولًا: نسأل مَن المؤمنون؟
المؤمنون الذين آمنوا بما يجب الإيمان به، وقد بيّن الرسول عليه الصلاة والسلام ما يجب الإيمان به لجبريل لما سأله عن الإيمان فقال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» .
﴿الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ﴾ يعني يعملون الأعمال الصالحة، ومتى يكون العمل صالحًا؟ لا يمكن أن يكون صالحًا إلا إذا تضمن شيئين: الأول: الإخلاص لله عز وجل.
والثاني: المتابعة لشريعة الله؛ فالإخلاص لله بألا يقصد الإنسان بعمله سوى وجه الله عز وجل والدار الآخرة، المتابعة ألا يخرج عن شريعة الله عز وجل سواء ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام أو غيره، ومن المعلوم أن الشرائع بعد بعثة الرسول كلها منسوخة.
الإخلاص ما ضده؟ الشرك، والاتباع ضده البدعة، إذن البدعة مهما ازدادت في قلب صاحبها ومهما كان فيها من الفجور، ومهما كان فيها من ترقيق القلب، (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم؛ لأنها ليست موافقة الشيء، ولهذا نقول: كل بدعة مهما استحسنها مبتدعها فإنها غير مقبولة، بل هي ضلالة كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
من عمل عملًا على وفق الشريعة ظاهرًا، لكن القلب فيه رياء، فهذا لا يُقبل، لماذا؟
لفقد الإخلاص.
إذن لا بد من أمرين: إخلاص لله عز وجل، واتباع لرسول الله ﷺ، وإلا لم يكن صالحًا، بماذا يبشرهم؟
قال: ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾ [الكهف ٢، ٣] ﴿أَجْرًا﴾ أي: ثوابًا، وسمى الله ثواب الأعمال أجرًا؛ لأنها في مقابلة عمل، وهذا من عدله جل وعلا أن يسمي الثواب الذي يثيب به الطائع لأمره أجرًا حتى يطمئن الإنسان بضمان هذا الثواب؛ لأنه من المعروف أن الأجر إذا قام الأجير بعمله فإنه يستحقه، وسماه أجرًا حتى يطمئن العامل بأنه سوف يكافأ به.
وقوله: ﴿حَسَنًا﴾ قد جاء في آية أخرى ما هو أعلى من هذا الوصف، وهو قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس ٢٦].
وجاء في آية أخرى مثل هذه الآية: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ﴾ [الرحمن ٦٠]، فهل نأخذ بما يقتضي التساوي أو بما يقتضي الأكمل؟
بما يقتضي الأكمل، فنقول: ﴿حسنًا﴾ أي: هو أحسن شيء، ولا شك في هذا أن ثواب الجنة لا يعادله ثواب.
وقول الله عز وجل: ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾ أي: باقين فيه.
﴿أَبَدًا﴾ إلى متى؟ إلى ما لا نهاية له، فلا مرض، ولا موت، ولا جوع، ولا عطش، ولا حر، ولا برد، كل شيء كامل من جميع الوجوه، واعلم أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الجنة موجودة الآن، وأنها مؤبّدة، وأن النار موجودة الآن، وأنها مؤبّدة، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد جاء هذا في القرآن، فآيات التأبيد بالنسبة لأصحاب اليمين كثيرة، وبالنسبة لأصحاب الشمال ذُكر التأبيد في آيات ثلاث: الأولى؟ في سورة النساء.
* طالب: قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء ١٦٨، ١٦٩].
* الشيخ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ والآية الثانية؟
* طالب: في سورة الجن.
* الشيخ: لا، قبل الجن.
* طالب: في سورة الأحزاب، في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾.
* الشيخ: في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الأحزاب ٦٤، ٦٥]. الآية الثالثة؟
* طالب: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن ٢٣].
* الشيخ: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾، وإذا كان الثلاث آيات من كلام الله عز وجل قرينة للتأبيد فلا ينبغي أن يُقال بخلاف ذلك؛ لأن الشاعر يقول:؎وَلَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ جَاءَ مُعْتَبَرًا ∗∗∗ إِلَّا خِلافًا لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَــــرِ
وهذا لا حظّ له، كيف يقول الخالق العليم: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾، ثم يقول: لا أبدية؟ هذا غريب، من أغرب ما يكون!!
إذن ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾ هذا دليل على أيش؟ على أبدية النار، فانتبهوا للقاعدة في مذهب أهل السنة والجماعة: أن الجنة والنار مخلوقتان لله؛ لأن الله ذكر في الجنة ﴿أُعِدَّتْ﴾، وذكر في النار ﴿أُعِدَّتْ﴾.
ثانيًا: أنهما مؤبدتان، لا تفنيان لا هما، ولا من فيهما (...).
﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ [الكهف ٤، ٥] هذا كالإيضاح لما أُبهم في الآية السابقة، ﴿وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾، مثل: النصارى، قالوا: عيسى ابن الله، واليهود قالوا: عزير ابن الله، والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله، (...) الذكور والإناث وعزير وليس بنبي، ولكنه رجل صالح، والمسيح وهو نبي.
قال الله تعالى: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ [الكهف ٥]، ﴿مَا لَهُمْ بِهِ﴾ أي: بالولد أو بالقول؟ بالقول. ﴿مَا لَهُمْ بِهِ﴾ أي: بهذا القول، أو ما لهم به؛ أي: بالولد ﴿مِنْ عِلْمٍ﴾، وقوله: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ إذن ثبت لهم أيش؟ الجهل.
﴿وَلَا لِآبَائِهِمْ﴾ الذين قالوا مثل قولهم، ليس لهم بذلك علم، ليس إلا هنالك أوهام ظنوها حقائق وإلا ما لهم علوم.
﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾، ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾، هذه قد تُشكل على طالب العلم بأن (...)، وكلمة (...)، فيقال: كبرت كلمةٌ، ولكن الجواب عن هذا أن يقال: إن ﴿كَلِمَةً﴾ تمييز، وإن الفاعل محذوف، والتقدير: كبرت مقالتهم كلمة تخرج من أفواههم، أي: عظُمت؛ لأنها عظيمة والعياذ بالله، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ [مريم ٩٠-٩٢]، يعني مستحيل غاية الاستحالة أن يكون له ولد.
فإن قال قائل: أليس الله يقول: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [الزخرف ٨١]؟
الجواب: بلى، لكن تعليق الشرط لا يدل على وقوع المشروط ﴿إِنْ كَانَ﴾، وهل يمكن أن يكون؟ لا، نفهم من الآيات الأخرى أنه لا يمكن أن يكون، وهذا كقوله تعالى للرسول عليه الصلاة والسلام: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ﴾ [يونس ٩٤].
هل يمكن للرسول يشك؟ لا، لكن على فرض الأمر الذي لا يقع، وهذا كقوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء ٢٢]، لا يمكن أن يكون فيهما آلهة غير الله عز وجل، فتبين بهذا -يا إخواني- أن وجود الشرط لا يدل على إمكان المشروط، بل قد يكون مستحيلًا غاية الاستحالة.
﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ فهل لنا أن نستفيد من قوله: ﴿مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ أن هؤلاء يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وأنهم لا يستيقنون أن لله ولدًا؟ لأن أي عاقل لا يمكن أن يقول: إن لله ولدًا، وكيف يمكن أن يكون لله ولد، وهذا الولد من البشر تراه مثلنا يأكل، ويشرب، ويلبس، ويلحقه الجوع والعطش والحر والبرد؟! كيف يكون ولد؟!
هذا غير ممكن، ولهذا قال: ﴿إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾، ﴿إِنْ﴾ بمعنى ما يقولون.
ومن علامات (إن) النافية أن يقع بعدها (إلا). ﴿إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾ [فاطر ٢٣]، ﴿إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الأنعام ٧]، أي: ما يقول هؤلاء إلا كذبًا، والكذب: هو الخبر المخالف للواقع، والصدق: هو الخبر المطابق للواقع.
فإذا قال قائل: قَدِمَ فلان اليوم، وهو لم يَقدم؟
* طالب: كذب.
* الشيخ: هذا كذب، سواء علم أو لم يعلم، حتى وإن لم يعرف أنه جاء، خلافًا لما يقوله بعض الناس: أن الكذب ما كان عن عمد، أي: ما خالف الواقع عن عمد، لا، حتى وإن لم يكن عن عمد، ودليل ذلك قصة سُبيعة الأسلمية رضي الله عنها، حينما مات عنها زوجها وهي حامل، فوضعت بعد موته بليالٍ، ثم خلعت ثياب الحداد، ولبست الثياب الجميلة تريد أن تُخطب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك قال لها: ما أنت بناكحٍ حتى يأتي عليكِ أربعة أشهر وعشرًا؛ لأن هي وضعت بعد موت زوجها بأربعين ليلة أو أقل أو أكثر، هذا ما ذُكر، كم باقي على الحداد؟
أربعة أشهر وعشرة أيام، قال: ما أنتِ بناكحٍ حتى يأتي عليكِ أربعة أشهر وعشرًا، لبست ثياب الحداد، ثم أتت إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأخبرته بالخبر فقال لها: «كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ» مع أن الرجل ما تعمَّد، يظن أنها تعتد بأطول الأجلين، إن بقيت حاملًا بعد أربعة أشهر بقيت في الحداد، وإن وضعت بعد أربعة أشهر بقيت في الحداد، تعتد أطول الأجلين، وهذا لا شك ظن لولا السنة لكان هو المراد، لكن السنة ثبتت بأن الحامل عدتها بوضع الحمل، ولو دون أربعة أشهر وعشرًا.
الشاهد من الحديث: هو أن النبي ﷺ أطلق على قول أبي السنابل بن بعكك كذب مع أنه لم يتعمد. ﴿إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَـٰبَ وَلَمۡ یَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ","قَیِّمࣰا لِّیُنذِرَ بَأۡسࣰا شَدِیدࣰا مِّن لَّدُنۡهُ وَیُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنࣰا","مَّـٰكِثِینَ فِیهِ أَبَدࣰا","وَیُنذِرَ ٱلَّذِینَ قَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدࣰا","مَّا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمࣲ وَلَا لِـَٔابَاۤىِٕهِمۡۚ كَبُرَتۡ كَلِمَةࣰ تَخۡرُجُ مِنۡ أَفۡوَ ٰهِهِمۡۚ إِن یَقُولُونَ إِلَّا كَذِبࣰا"],"ayah":"ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَـٰبَ وَلَمۡ یَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق