الباحث القرآني

ثم قال الله عز وجل: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ [آل عمران ٩٨]، هنا أمر الله رسوله ﷺ أن يوبخ هؤلاء الذين من أهل الكتاب، وفي آية سبقت كان الخطاب من الله: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ [آل عمران ٧٠]، فهنا أمر من الله للرسول ﷺ أن يقول لهم: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾، (لِمَ) الاستفهام هنا للتوبيخ، واللام حرف جر، و(ما) استفهامية لكن حُذفت ألفها؛ لأن (ما) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر حُذفت ألفها، مثل: (لِمَ، عَمَّ، فِيمَ، عَلَامَ)، وما أشبه ذلك، يعني لو قلت: على ما تضربني، لا يجوز أن تقول: على ما تضربني، بل تقول: عَلَامَ تضربني، لِمَا تضربني يجوز؟ لا، تقول: لِمَ تضربني، وهكذا. يقول الله عز وجل: ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ (تكفرون) أي: تجحدونها وتتغافلون عنها وتتعامون عنها، والمراد بالآيات اللي هنا الكونية والشرعية، الكفر بالآيات الكونية يتضمن ثلاثة أمور، أولًا: أن ينكر أن الله خلقها، ثانيًا: أن يعتقد أن لله تعالى شريكًا في إيجادها، ثالثًا: أن يعتقد أن لله معينًا فيها، هذه ثلاثة أمور، كم يتضمن الكفر بآيات الله الكونية؟ * طالب: ثلاثة أمور.. وكدت ثلاثة أمور وغفلت. * الشيخ: هذه هي المشكلة. * طالب: أن يعتقد أن الله لم يخلقها، أن يعتقد أن لله معينًا في خلقها، وأن يعتقد أن مع الله شريكًا في خلقها. * الشيخ: نعم، أن ينكر خلق الله لها، يعني ينكر أن الله خلق هذه الكائنات، الثاني: أن يعتقد أن لله تعالى فيها شريكًا، يعني مثلًا الله خلق السماء وواحد آخر خلق الأرض مثلًا، الثالث: أن يعتقد أن لله تعالى معينًا فيها، يقول: هي لله، لكن فيه مَن عاونه، هذا كفر بالآيات الكونية، الكفر بالآيات الشرعية تكذيبُها بأن يكذب بأنها من عند الله أو يكذب بأخبارها أو مخالفتها، فإن كانت مخالفة تامة فهو كفر أكبر، وإن كانت مخالفة ناقصة فهو كفر أصغر، وهو ما يطلق عليه اسم الفسق، فصار الكفر بالآيات الكونية كم؟ ثلاثة أشياء، والشرعية شيئان: التكذيب والمخالفة؛ التكذيب إما أن يكون في أصلها بأن يقولك هذه ما نزلت من عند الله، أو يكذب أخبارها، أي خبر فيها إذا كذَّبه فهو تكذيب بالجميع، لأنه لا يمكن أن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، الثاني أيش؟ مخالفتها، ثم إن كانت مخالفة تامة فهو كفر أكبر، وإن كانت غير تامة فهو كفر أصغر، وهو ما يعبَّر عنه بكفر دون كفر أو بالفسوق. * طالب: شيخ، أحسن الله إليك يا شيخ ورد في الحديث: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ مَاتَ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا»[[أخرجه الدارمي (١٨٢٦) من حديث أبي أمامة.]]، هل تؤيد هذا الحديث أم لا، أنه كفر أكبر؟ * الشيخ: إي، هذا لو صح عن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يؤيدها، كان يدل دلالة واضحة. * طالب: شيخ، عفا الله عنك، الذي يعتقد أن الآيات الكونية أوجدها الله سبحانه وتعالى عبثًا فيكون كفرًا هذا؟ * الشيخ: هذا يكون منكرًا لحكمة، هذا يكون منكرًا لحكمة الله عز وجل. * طالب: فيكفر في هذه الحالة؟ * الشيخ: الظاهر أنه يكفر؛ لأن هذا تضمن الاستهزاء بالله، تضمن الاستهزاء وتكذيب الله، ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾ [المؤمنون ١١٥]، ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الدخان ٣٨]. * طالب: شيخ أحسن الله إليك، قلنا: القتل في الحرم لا يجوز؟ * الشيخ: أيش؟ * طالب: القتل في الحرم لا يجوز؟ * الشيخ: نعم. * طالب: القتل في الحق، الحدود وهذا؟ * الشيخ: القتل بحق هذا إذا كان العاصي المستحق للقتل عصى في الحرم فإنه يُقتل؛ لأنه انتهك حرمة الحرم فلم يكن له حرمة كما في قوله: ﴿إِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ [البقرة ١٩١]، وإن كان فعل حدًّا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم فالصحيح أنه لا يُقام عليه الحد ولا يُقتل، ولكنه يضيق عليه فلا يؤاكل ولا يشارب ولا يبايع، حتى إذا لم يجد أحدًا يبايعه ويؤاكله ويشاربه، فإن كان معه طعام وشراب فسوف ينفد ثم يضطر إلى الخروج، هذا هو الصحيح. * طالب: شيخ، ما رأيك في سؤال الناس الحاجات مثل السيارات والكتب وغير ذلك؟ * الشيخ: سؤالهم الحاجات؟ * طالب: هل يدخل فيه مبايعة الصحابة للنبي ﷺ أنهم لا يسألون الناس شيئًا؟ * الشيخ: هو دا داخل في قراءتنا؟ * طالب: حضرتك ذكرت أنه لا بد للعبد أن يسأل الله في كل الأمور حتى في شِسع نعله؟ * الشيخ: نعم، يعني مسألة الاستغناء عن الله، أنه لا يستغني عن الله، سؤال الناس لا شك أنه إما محرم أو مكروه، إما محرم أو مكروه، هذا هو الأصل، قد يخرج عن هذا الأصل إذا دعت الضرورة أو الحاجة فله أن يسأل، وأما سؤال الانتفاع بالمال مثل العرية والقرض وما أشبه ذلك فلا بأس به، لكن سؤال أعيان المال هذا هو الذي إما محرم وإما مكروه. * طالب: شيخ، إذا وُجِد من يقوم بمخالفات شرعية في الحرم فهل يوبَّخ توبيخًا شديدًا، فاسق أو مبتدع؟ * الشيخ: مثل؟ * طالب: يعني مثلًا إن كان فاسق مثلًا يأتي في الطواف مثلًا يمس النساء مثلًا؟ * الشيخ: إي نعم، تضاعف عليه العقوبة. * طالب: بالنسة لي أنا مثلًا هل هو (...) شديد. * الشيخ: نعم نعم، المعصية في الحرم أشد من المعصية في غير الحرم، ولهذا يجب أن يكون تعزيره أشد. * طالب: شيخ، أحسن الله إليك، ذكرنا أن مكة كانت قبلة جميع الناس، فلما حصل تحريف تغيروا عنها، شيخ، إقرار الله للنبي ﷺ في (...)؟ * الشيخ: إي نعم، هذا الإقرار من أجل موافقة اليهود؛ لأن اليهود في اعتقادهم أنهم على حق، فلو أنهم مثلًا قيل لهم أنتم على باطل لنفروا، إي نعم. * * * * طالب: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (١٠٠) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران ٩٩- ١٠١] * الشيخ: قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾، سبق الكلام على أول هذه الآية وأن الله تعالى يوبخ أهل الكتاب، بل يأمر النبي ﷺ بأن يوبّخهم لِمَ يكفرون بآيات الله. وقوله: ﴿وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾،﴾ ﴿شَهِيدٌ﴾، أي: شاهد، وأتى بصيغة المبالغة أو بالصفة المشبهة؛ لأن الله سبحانه وتعالى شهيد على أعمالهم، وأعمالهم كثيرة، وإذا كثر المشهود عليه كثرت الشهادة، وقوله: ﴿وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾ يحتمل أنه داخل في ضمن التوبيخ في قوله: ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ﴾، فيكون المعنى: لِمَ تكفرون بآيات الله مع علمكم بأن الله شهيد على ما تعملون، ويحتمل أن تكون الواو للاستئناف، وأن يكون التوبيخ انتهى عند قوله: ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾، ثم استأنف فقال: ﴿وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾، فيكون في ذلك تهديد لهؤلاء الذين يكفرون بآيات الله، تهديد بماذا؟ بكون الله شهيدًا على ما يعملون، وإذا كان شهيدًا على ما يعملون فسوف يجازيهم عليه في الدنيا وفي الآخرة بما يستحقون. في هذه الآية من الفوائد: أَمْر النبي ﷺ أن يوبخ أهل الكتاب على كفرهم بآيات الله، ويتعدى هذا الحكم إلى غيرهم، فيتفرع من هذه الفائدة أن كل من كفر بآيات الله فهو مستحق للتوبيخ، وقد سبق لنا أن الكفر بآيات الله يشمل الكونية والشرعية وبيّنّا أنواع الكفر فيهما. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات شهادة الله سبحانه وتعالى على كل ما يعمل بنو آدم؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾، و(ما) اسم موصول يفيد العموم. * ومن فوائدها: تهديد من يكفر بآيات الله؛ لأن مثل هذه الصيغة ﴿وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾ يراد بها توبيخ مَن فعل ما لا يرضي الله عز وجل بأن الله شهيد عليه وسوف يحصي عمله ثم يجازيه على ذلك. * ومن فوائد الآية: إحاطة الله تعالى بكل شيء، وأنه وسع كل شيء؛ لقوله: ﴿عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾، فمن يحصي بني آدم من أهل الكتاب وغيرهم ومن يحصي أعمالهم، لكن الله عز وجل واسع عليم يحصي كل شيء ولا يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم. وربما * يستفاد من هذه الآية من قوله: ﴿شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾ أنه لا يحاسَب العبدُ على ما حدّث به نفسه كما صح ذلك عن رسول الله ﷺ في قوله: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٥٢٦٩)، ومسلم (١٢٧ / ٢٠١) من حديث أبي هريرة.]]، فحديث النفس عن الوساوس التي تكون في الصدر لا يؤاخَذ عليه الإنسان إلا إذا عمل وركن إليها واعتقدها وجعلها من أعمال القلب فحينئذ يحاسَب عليها، أو نطق بها بلسانه، أو عمل بمقتضاها بجوارحه فحينئذ يحاسب عليها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب