الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ﴾ الآياتِ. أخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ قالَ «مَرَّ شَأْسُ بْنُ قَيْسٍ - وكانَ شَيْخًا قَدْ عَسا في الجاهِلِيَّةِ، عَظِيمَ الكُفْرِ، شَدِيدَ الضَّغَنِ عَلى المُسْلِمِينَ، شَدِيدَ الحَسَدِ لَهم - عَلى نَفَرٍ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ، في مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهم يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ، فَغاظَهُ ما رَأى مِن أُلْفَتِهِمْ وجَماعَتِهِمْ، وصَلاحِ ذاتِ بَيْنَهِمْ عَلى الإسْلامِ، بَعْدَ الَّذِي كانَ بَيْنَهم مِنَ العَداوَةِ في الجاهِلِيَّةِ، فَقالَ: قَدِ اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ البِلادِ، واللَّهِ ما لَنا مَعَهم إذا اجْتَمَعَ مَلَؤُهم بِها مِن قَرارٍ. فَأمَرَ فَتًى شابًّا مَعَهُ مِن يَهُودَ، فَقالَ: اعْمِدْ إلَيْهِمْ فاجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمَّ ذَكِّرْهم يَوْمَ بُعاثٍ وما كانَ قَبْلَهُ، وأنْشِدْهم بَعْضَ ما كانُوا تَقاوَلُوا فِيهِ مِنَ الأشْعارِ. وكانَ يَوْمُ بُعاثٍ يَوْمًا اقْتَتَلَتْ فِيهِ الأوْسُ والخَزْرَجُ، وكانَ الظَّفَرُ فِيهِ لِلْأوْسِ عَلى الخَزْرَجِ، فَفَعَلَ، فَتَكَلَّمَ القَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ وتَنازَعُوا وتَفاخَرُوا حَتّى تَواثَبَ رَجُلانِ مِنَ الحَيَّيْنِ عَلى الرُّكَبِ؛ أوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ أحَدُ بَنِي حارِثَةَ مِنَ الأوْسِ، وجَبّارُ بْنُ صَخْرٍ أحَدُ بَنِي سَلِمَةَ مِنَ (p-٦٩٩)الخَزْرَجِ، فَتَقاوَلا، ثُمَّ قالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: إنْ شِئْتُمْ واللَّهِ رَدَدْناها الآنَ جَذَعَةً. وغَضِبَ الفَرِيقانِ جَمِيعًا، وقالُوا: قَدْ فَعَلْنا. السِّلاحَ السِّلاحَ، مَوْعِدُكُمُ الظّاهِرَةُ. والظّاهِرَةُ الحَرَّةُ، فَخَرَجُوا إلَيْها، وانْضَمَّتِ الأوْسُ بَعْضُها إلى بَعْضٍ، والخَزْرَجُ بَعْضُها إلى بَعْضٍ، عَلى دَعْواهُمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها في الجاهِلِيَّةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَيَ مَن مَعَهُ مِنَ المُهاجِرِينَ مِن أصْحابِهِ حَتّى جاءَهُمْ، فَقالَ: ”يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، اللَّهَ اللَّهَ، أبِدَعْوى الجاهِلِيَّةِ وأنا بَيْنَ أظْهُرِكُمْ، بَعْدَ إذْ هَداكُمُ اللَّهُ إلى الإسْلامِ، وأكْرَمَكم بِهِ، وقَطَعَ بِهِ عَنْكم أمْرَ الجاهِلِيَّةِ، واسْتَنْقَذَكم بِهِ مِنَ الكُفْرِ، وألَّفَ بِهِ بَيْنَكُمْ، تَرْجِعُونَ إلى ما كُنْتُمْ عَلَيْهِ كُفّارًا؟“ . فَعَرَفَ القَوْمُ أنَّها نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطانِ، وكَيْدٌ مِن عَدُوِّهِمْ لَهم، فَألْقَوُا السِّلاحَ مِن أيْدِيهِمْ، وبَكَوْا، وعانَقَ الرِّجالُ بَعْضُهم بَعْضًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سامِعِينَ مُطِيعِينَ، قَدْ أطْفَأ اللَّهُ عَنْهم كَيْدَ عَدُوِّ اللَّهِ شَأْسٍ، وأنْزَلَ اللَّهُ في شَأْنِ شَأْسِ بْنِ قَيْسٍ وما صَنَعَ: ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ واللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾، وأنْزَلَ في أوْسِ بْنِ قَيْظِيٍّ وجَبّارِ ابْنِ صَخْرٍ، ومَن كانَ مَعَهُما مِن قَوْمِهِما، الَّذِينَ صَنَعُوا ما صَنَعُوا: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ يَرُدُّوكم بَعْدَ إيمانِكم كافِرِينَ﴾ . إلى قَوْلِهِ: ﴿وأُولَئِكَ لَهم عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران»: ١٠٥] . (p-٧٠٠)وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ، مِن طَرِيقِ أبِي نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «كانَتِ الأوْسُ والخَزْرَجُ في الجاهِلِيَّةِ بَيْنَهم شَرٌّ، فَبَيْنَما هم يَوْمًا جُلُوسٌ ذَكَرُوا ما بَيْنَهم حَتّى غَضِبُوا وقامَ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ بِالسِّلاحِ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ فَذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ، فَرَكِبَ إلَيْهِمْ، فَنَزَلَتْ: ﴿وكَيْفَ تَكْفُرُونَ﴾ الآيَةُ والآيَتانِ بَعْدَها» . وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: «كانَ بَيْنَ هَذَيْنَ الحَيَّيْنِ مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ قِتالٌ في الجاهِلِيَّةِ، فَلَمّا جاءَ الإسْلامُ اصْطَلَحُوا وألَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، فَجَلَسَ يَهُودِيٌّ في مَجْلِسٍ فِيهِ نَفَرٌ مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ، فَأنْشَدَ شِعْرًا قالَهُ أحَدُ الحَيَّيْنِ في حَرْبِهِمْ، فَكَأنَّهم دَخَلَهم مِن ذَلِكَ، فَقالَ الحَيُّ الآخَرُونَ: قَدْ قالَ شاعِرُنا كَذا وكَذا. فاجْتَمَعُوا وأخَذُوا السِّلاحَ واصْطَفُّوا لِلْقِتالِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكم تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٣] . فَجاءَ النَّبِيُّ ﷺ حَتّى قامَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَقَرَأهُنَّ ورَفَعَ صَوْتَهُ، فَلَمّا سَمِعُوا صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالقُرْآنِ أنْصَتُوا لَهُ وجَعَلُوا يَسْتَمِعُونَ، فَلَمّا فَرَغَ ألْقَوُا السِّلاحَ وعانَقَ بَعْضُهم بَعْضًا وجَثَوْا يَبْكُونَ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: «كانَ جِماعُ قَبائِلِ الأنْصارِ بَطْنَيْنِ؛ الأوْسَ والخَزْرَجَ، وكانَ بَيْنَهُما في الجاهِلِيَّةِ حَرْبٌ ودِماءٌ وشَنَآنٌ، حَتّى مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالإسْلامِ وبِالنَّبِيِّ ﷺ، فَأطْفَأ اللَّهُ الحَرْبَ الَّتِي (p-٧٠١)كانَتْ بَيْنَهُمْ، وألَّفَ بَيْنَهم بِالإسْلامِ، فَبَيْنا رَجُلٌ مِنَ الأوْسِ ورَجُلٌ مِنَ الخَزْرَجِ قاعِدانِ يَتَحادَثانِ، ومَعَهُما يَهُودِيٌّ جالِسٌ، فَلَمْ يَزَلْ يُذَكِّرُهُما بِأيّامِهِما والعَداوَةِ الَّتِي كانَتْ بَيْنَهُمْ، حَتّى اسْتَبّا، ثُمَّ اقْتَتَلا، فَنادى هَذا قَوْمَهُ، وهَذا قَوْمَهُ، فَخَرَجُوا بِالسِّلاحِ، وصُفَّ بَعْضُهم لِبَعْضٍ، فَجاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَمْ يَزَلْ يَمْشِي بَيْنَهم إلى هَؤُلاءِ وإلى هَؤُلاءِ لِيُسَكِّنَهُمْ، حَتّى رَجَعُوا، فَأنْزَلَ اللَّهُ في ذَلِكَ القُرْآنَ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ يَرُدُّوكم بَعْدَ إيمانِكم كافِرِينَ﴾ [آل عمران»: ١٠٠] . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ في الآيَةِ قالَ: نَزَلَتْ في ثَعْلَبَةَ بْنِ عَنَمَةَ الأنْصارِيِّ، وكانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ أُناسٍ مِنَ الأنْصارِ كَلامٌ، فَمَشى بَيْنَهم يَهُودِيٌّ مِن قَيْنُقاعَ، فَحَمَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ، حَتّى هَمَّتِ الطّائِفَتانِ مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ أنْ يَحْمِلُوا السِّلاحَ فَيُقاتِلُوا، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ يَرُدُّوكم بَعْدَ إيمانِكم كافِرِينَ﴾ . يَقُولُ: إنْ حَمَلْتُمُ السِّلاحَ فاقْتَتَلْتُمْ كَفَرْتُمْ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ. قالَ: كانُوا إذا سَألَهم أحَدٌ: هَلْ تَجِدُونَ مُحَمَّدًا؟ قالُوا: لا. فَصَدُّوا النّاسَ عَنْهُ، وبَغَوْا مُحَمَّدًا ﷺ عِوَجًا؛ هَلاكًا. (p-٧٠٢)وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ في الآيَةِ: يَقُولُ: لِمَ تَصُدُّونَ عَنِ الإسْلامِ وعَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ مَن آمَنَ بِاللَّهِ، وأنْتُمْ شُهَداءُ فِيما تَقْرَءُونَ مِن كِتابِ اللَّهِ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وأنَّ الإسْلامَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي لا يَقْبَلُ غَيْرَهُ، ولا يَجْزِي إلّا بِهِ، يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهم في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ﴿يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ﴾ . قالَ: هُمُ اليَهُودُ والنَّصارى، نَهاهم أنْ يَصُدُّوا المُسْلِمِينَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، ويُرِيدُونَ أنْ يَعْدِلُوا النّاسَ إلى الضَّلالَةِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا﴾ الآيَةَ: قَدْ تَقَدَّمَ اللَّهُ إلَيْكم فِيهِمْ كَما تَسْمَعُونَ، وحَذَّرَكُمُوهم وأنْبَأكم بِضَلالَتِهِمْ، فَلا تَأْمَنُوهم عَلى دِينِكم ولا تَنْتَصِحُوهم عَلى أنْفُسِكُمْ، فَإنَّهُمُ الأعْداءُ الحَسَدَةُ الضُّلّالُ، كَيْفَ تَأْمَنُونَ قَوْمًا كَفَرُوا بِكِتابِهِمْ، وقَتَلُوا رُسُلَهُمْ، وتَحَيَّرُوا في دِينِهِمْ، وعَجَزُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ؟ أُولَئِكَ واللَّهِ أهْلُ التُّهْمَةِ والعَداوَةِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وكَيْفَ تَكْفُرُونَ وأنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكم آياتُ اللَّهِ وفِيكم رَسُولُهُ﴾ . قالَ: (p-٧٠٣)عِلْمانِ بَيِّنانِ؛ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ وكِتابُ اللَّهِ، فَأمّا نَبِيُّ اللَّهِ فَمَضى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأمّا كِتابُ اللَّهِ فَأبْقاهُ اللَّهُ بَيْنَ أظْهَرِكم رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ ونِعْمَةً، فِيهِ حَلالُهُ وحَرامُهُ، وطاعَتُهُ ومَعْصِيَتُهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ﴾ . قالَ: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي العالِيَةِ قالَ: الِاعْتِصامُ بِاللَّهِ الثِّقَةُ بِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الرَّبِيعِ رَفَعَ الحَدِيثَ إلى النَّبِيِّ ﷺ، أنَّهُ قالَ: «”إنَّ اللَّهَ قَضى عَلى نَفْسِهِ أنَّهُ مَن آمَنَ بِهِ هَداهُ، ومَن وثِقَ بِهِ أنْجاهُ“» . قالَ الرَّبِيعُ: وتَصْدِيقُ ذَلِكَ في كِتابِ اللَّهِ: ﴿ومَن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، مِن طَرِيقِ الرَّبِيعِ، عَنْ أبِي العالِيَةِ قالَ: إنَّ اللَّهَ قَضى عَلى نَفْسِهِ أنَّهُ مَن آمَنَ بِهِ هَداهُ، ومَن تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفاهُ، ومَن أقْرَضَهُ جَزاهُ، ومَن وثِقَ بِهِ أنْجاهُ، ومَن دَعاهُ اسْتَجابَ لَهُ بَعْدَ أنْ يَسْتَجِيبَ لِلَّهِ. قالَ الرَّبِيعُ: وتَصْدِيقُ ذَلِكَ في كِتابِ اللَّهِ: ﴿ومَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: ١١]، (p-٧٠٤)﴿ومَن يَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ فَهو حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بالِغُ أمْرِهِ﴾ [الطلاق: ٣]، ومَن يُقْرِضِ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضاعِفْهُ لَهُ، ﴿ومَن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، ﴿وإذا سَألَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ [البقرة: ١٨٦] . وأخْرَجَ تَمّامٌ في ”فَوائِدِهِ“ عَنْ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”أوْحى اللَّهُ إلى داوُدَ: يا داوُدُ، ما مِن عَبْدٍ يَعْتَصِمُ بِي دُونَ خِلْقِي أعْرِفُ ذَلِكَ مِن نِيَّتِهِ، فَتَكِيدُهُ السَّماواتُ بِمَن فِيها إلّا جَعَلْتُ لَهُ مِن بَيْنِ ذَلِكَ مَخْرَجًا، وما مِن عَبْدٍ يَعْتَصِمُ بِمَخْلُوقٍ دُونِي أعْرِفُ مِنهُ نِيَّتَهُ إلّا قَطَعْتُ أسْبابَ السَّماءِ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ، وأسَخْتُ الهَواءَ مِن تَحْتِ قَدَمَيْهِ“» . وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: أوْحى اللَّهُ إلى داوُدَ: ما مِن عَبْدٍ يَعْتَصِمُ بِي مِن دُونِ خَلْقِي وتَكِيدُهُ السَّماواتُ والأرْضُ إلّا جَعَلْتُ لَهُ مِن ذَلِكَ مَخْرَجًا، وما مِن عَبْدٍ يَعْتَصِمُ بِمَخْلُوقٍ دُونِي إلّا قَطَعْتُ أسْبابَ السَّماءِ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ، وأسَخْتُ الأرْضَ مِن تَحْتِ قَدَمَيْهِ. وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ (p-٧٠٥)اللَّهِ ﷺ: «”مَن طَلَبَ ما عِنْدَ اللَّهِ كانَتِ السَّماءُ ظِلالَهُ والأرْضُ فِراشَهُ، لَمْ يَهْتَمَّ بِشَيْءٍ مِن أمْرِ الدُّنْيا، فَهو لا يَزْرَعُ الزَّرْعَ وهو يَأْكُلُ الخُبْزَ، ولا يَغْرِسُ الشَّجَرَ ويَأْكُلُ الثِّمارَ؛ تَوَكُّلًا عَلى اللَّهِ وطَلَبَ مَرْضاتِهِ، فَضَمَّنَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ رِزْقَهُ، فَهم يَتْعَبُونَ فِيهِ، ويَأْتُونَ بِهِ حَلالًا، ويَسْتَوْفِي هو رِزْقَهُ بِغَيْرِ حِسابٍ حَتّى أتاهُ اليَقِينُ» . قالَ الحاكِمُ: صَحِيحٌ. قالَ الذَّهَبِيُّ: بَلْ مُنْكَرٌ أوْ مَوْضُوعٌ، فِيهِ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ السَّكْسَكِيُّ مُتَّهَمٌ عِنْدَ ابْنِ حِبّانَ، وإبْراهِيمَ ابْنِهِ، قالَ الدّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ. وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «“ يَقُولُ رَبُّكم: يا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبادَتِي أمْلَأْ قَلْبَكَ غِنًى، وأمْلَأْ يَدَيْكَ رِزْقًا، يا ابْنَ آدَمَ، لا تَباعَدْ مِنِّي فَأمْلَأْ قَلْبَكَ فَقْرًا وأمْلَأْ يَدَيْكَ شُغْلًا ”» . وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «“ مَن جَعَلَ الهُمُومَ هَمًّا واحِدًا كَفاهُ اللَّهُ ما أهَمَّهُ مِن أمْرِ الدُّنْيا والآخِرَةِ، ومَن تَشاعَبَتْ بِهِ الهُمُومُ لَمْ يُبالِ اللَّهُ في أيِّ أوْدِيَةِ الدُّنْيا هَلَكَ "» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب