الباحث القرآني
﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ واللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ﴾ ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَن آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجًا وأنْتُمْ شُهَداءُ وما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ .
ابْتِداءُ كَلامٍ رَجَعَ بِهِ إلى مُجادَلَةِ أهْلِ الكِتابِ ومَوْعِظَتِهِمْ فَهو مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٩٥] الآيَةَ.
أمَرَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - بِالصَّدْعِ بِالإنْكارِ عَلى أهْلِ الكِتابِ، بَعْدَ أنْ مَهَّدَ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ دَلائِلَ صِحَّةِ هَذا الدِّينِ ولِذَلِكَ افْتَتَحَ بِفِعْلِ (قُلْ) اهْتِمامًا بِالمَقُولِ، وافْتَتَحَ المَقُولَ بِنِداءِ يا أهْلَ الكِتابِ تَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ. والمُرادُ بِآياتِ اللَّهِ: إمّا القُرْآنُ، وإمّا دَلائِلُ صِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ . والكُفْرُ عَلى هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ بِمَعْناهُ الشَّرْعِيِّ واضِحٌ، وإمّا آياتُ فَضِيلَةِ المَسْجِدِ الحَرامِ عَلى غَيْرِهِ، والكُفْرُ عَلى هَذا الوَجْهِ بِمَعْناهُ اللُّغَوِيِّ. والِاسْتِفْهامُ إنْكارٌ.
وجُمْلَةُ ﴿واللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ لِأنَّ أهْلَ الكِتابِ يُوقِنُونَ بِعُمُومِ عِلْمِ اللَّهِ تَعالى، وأنَّهُ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَجَحْدُهم لِآياتِهِ مَعَ ذَلِكَ اليَقِينِ أشَدُّ إنْكارًا، ولِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ جَعْلُ ﴿واللَّهُ شَهِيدٌ﴾ مُجَرَّدَ خَبَرٍ إلّا إذا نُزِّلُوا مَنزِلَةَ الجاهِلِ.
وقَوْلُهُ ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ﴾ تَوْبِيخٌ ثانٍ وإنْكارٌ عَلى مُجادَلَتِهِمْ لِإضْلالِهِمُ المُؤْمِنِينَ بَعْدَ أنْ أنْكَرَ عَلَيْهِمْ ضَلالَهم في نُفُوسِهِمْ، وفُصِلَ بِلا عَطْفٌ لِلدَّلالَةِ عَلى اسْتِقْلالِهِ بِالقَصْدِ، ولَوْ عُطِفَ لَصَحَّ العَطْفُ.
(p-٢٦)والصَّدُّ يُسْتَعْمَلُ قاصِرًا ومُتَعَدِّيًا: يُقالُ صَدَّهُ عَنْ كَذا فَصَدَّ عَنْهُ. وقاصِرُهُ بِمَعْنى الإعْراضِ. فَمُتَعَدِّيهِ بِمَعْنى جَعْلِ المَصْدُودِ مُعْرَضًا أيْ صَرْفُهُ، ويُقالُ: أصُدُّهُ عَنْ كَذا، وهو ظاهِرٌ.
وسَبِيلُ اللَّهِ مَجازٌ في الأقْوالِ والأدِلَّةِ المُوصِلَةِ إلى الدِّينِ الحَقِّ. والمُرادُ بِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إمّا مُحاوَلَةُ إرْجاعِ المُؤْمِنِينَ إلى الكُفْرِ بِإلْقاءِ التَّشْكِيكِ عَلَيْهِمْ. وهَذا المَعْنى يُلاقِي مَعْنى الكُفْرِ في قَوْلِهِ ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ﴾ عَلى وجْهَيْهِ الرّاجِعَيْنِ لِلْمَعْنى الشَّرْعِيِّ. وإمّا صَدُّ النّاسِ عَنِ الحَجِّ أيْ صَدُّ أتْباعِهِمْ عَنْ حَجِّ الكَعْبَةِ، وتَرْغِيبِهِمْ عَنْ حَجِّ بَيْتِ المَقْدِسِ، بِتَفْضِيلِهِ عَلى الكَعْبَةِ، وهَذا يُلاقِي الكُفْرَ بِمَعْناهُ اللُّغَوِيِّ المُتَقَدِّمِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إشارَةً إلى إنْكارِهِمُ القِبْلَةَ في قَوْلِهِمْ: ﴿ما ولّاهم عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها﴾ [البقرة: ١٤٢] لِأنَّ المَقْصُودَ بِهِ صَدُّ المُؤْمِنِينَ عَنِ اسْتِقْبالِ الكَعْبَةِ.
وقَوْلُهُ تَبْغُونَها عِوَجًا أيْ تَبْغُونَ السَّبِيلَ فَأنَّثَ ضَمِيرَهُ لِأنَّ السَّبِيلَ يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ قالَ تَعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ [يوسف: ١٠٨] . والبَغْيُ الطَّلَبُ أيْ تَطْلُبُونَ. والعِوَجُ - بِكَسْرِ العَيْنِ وفَتْحِ الواوِ - ضِدُّ الِاسْتِقامَةِ وهو اسْمُ مَصْدَرِ عَوِجَ كَفَرِحَ، ومَصْدَرُهُ العَوَجُ كالفَرَحِ. وقَدْ خَصَّ الِاسْتِعْمالُ غالِبًا المَصْدَرَ بِالِاعْوِجاجِ في الأشْياءِ المَحْسُوسَةِ، كالحائِطِ والقَناةِ. وخَصَّ إطْلاقَ اسْمِ المَصْدَرِ بِالِاعْوِجاجِ الَّذِي لا يُشاهَدُ كاعْوِجاجِ الأرْضِ والسَّطْحِ، وبِالمَعْنَوِيّاتِ كالدِّينِ.
ومَعْنى ﴿تَبْغُونَها عِوَجًا﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ عِوَجًا باقِيًا عَلى مَعْنى المَصْدَرِيَّةِ، فَيَكُونُ ﴿عِوَجًا﴾ مَفْعُولَ ﴿تَبْغُونَها﴾، ويَكُونُ ضَمِيرُ النَّصْبِ في تَبْغُونَها عَلى نَزْعِ الخافِضِ كَما قالُوا: شَكَرْتُكَ وبِعْتُكَ كَذا: أيْ شَكَرْتُ لَكَ وبِعْتُ لَكَ، والتَّقْدِيرُ: وتَبْغُونَ لَها عِوَجًا، أيْ تَتَطَلَّبُونَ نِسْبَةَ العِوَجِ إلَيْها، وتُصَوِّرُونَها باطِلَةً زائِلَةً. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عِوَجًا وصْفًا لِلسَّبِيلِ عَلى طَرِيقَةِ الوَصْفِ بِالمَصْدَرِ لِلْمُبالَغَةِ، أيْ تَبْغُونَها عَوْجاءَ شَدِيدَةَ العِوَجِ فَيَكُونُ ضَمِيرُ النَّصْبِ في تَبْغُونَها مَفْعُولَ تَبْغُونَ، ويَكُونُ عِوَجًا حالًا مِن ضَمِيرِ النَّصْبِ أيْ تَرُومُونَها مُعْوَجَّةً أيْ تَبْغُونَ سَبِيلًا مُعْوَجَّةً وهي سَبِيلُ الشِّرْكِ.
(p-٢٧)والمَعْنى: تَصُدُّونَ عَنِ السَّبِيلِ المُسْتَقِيمِ وتُرِيدُونَ السَّبِيلَ المُعْوَجَّ فَفي ضَمِيرِ تَبْغُونَها اسْتِخْدامٌ لِأنَّ سَبِيلَ اللَّهِ المَصْدُودَ عَنْها هي الإسْلامُ، والسَّبِيلُ الَّتِي يُرِيدُونَها هي ما هم عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ بَعْدَ نَسْخِهِ وتَحْرِيفِهِ.
وقَوْلُهُ ﴿وأنْتُمْ شُهَداءُ﴾ حالٌ أيْضًا تُوازِنُ الحالَ في قَوْلِهِ قَبْلَها ﴿واللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ﴾ ومَعْناهُ وأنْتُمْ عالِمُونَ أنَّها سَبِيلُ اللَّهِ. وقَدْ أحالَهم في هَذا الكَلامِ عَلى ما في ضَمائِرِهِمْ مِمّا لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ لِأنَّ ذَلِكَ هو المَقْصُودُ مِن وخْزِ قُلُوبِهِمْ، وانْثِنائِهِمْ بِاللّائِمَةِ عَلى أنْفُسِهِمْ، ولِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ ﴿وما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ وهو وعِيدٌ وتَهْدِيدٌ وتَذْكِيرٌ لِأنَّهم يَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تُخْفِي الصُّدُورَ وهو بِمَعْنى قَوْلِهِ في مَوْعِظَتِهِمُ السّابِقَةِ ﴿واللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ﴾ إلّا أنَّ هَذا أغْلَظُ في التَّوْبِيخِ لِما فِيهِ مِن إبْطالِ اعْتِقادِ غَفْلَتِهِ سُبْحانَهُ، لِأنَّ حالَهم كانَتْ بِمَنزِلَةِ حالِ مَن يَعْتَقِدُ ذَلِكَ.
{"ayahs_start":98,"ayahs":["قُلۡ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِیدٌ عَلَىٰ مَا تَعۡمَلُونَ","قُلۡ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ تَبۡغُونَهَا عِوَجࣰا وَأَنتُمۡ شُهَدَاۤءُۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"قُلۡ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِیدٌ عَلَىٰ مَا تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق