﴿وَمَكَرُوا۟ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلۡمَـٰكِرِینَ ٥٤ إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَىٰۤ إِنِّی مُتَوَفِّیكَ وَرَافِعُكَ إِلَیَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَجَاعِلُ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَیَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَیۡنَكُمۡ فِیمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ ٥٥﴾ [آل عمران ٥٤-٥٥]
طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٥٤) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨)﴾ [آل عمران ٥٤ - ٥٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ ﴿مَكَرُوا﴾ الضمير يعود على الذين كفروا بعيسى، والمكر هو أن يتوصل إلى الانتقام من خصمه بأسباب غير متوقعة يعني بأسباب خفية، ينتقم من خصمه والمضادِّ له بأسباب خفية، ويشبهه الخداع، فإن الإنسان يتوصل إلى أن ينتقم من خصمه من حيث لا يشعر بأسباب خفية. وقوله: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ يعني أن الله سبحانه وتعالى مكر بهم حينما مكروا بعيسى. ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ يعني أقواهم في المكر وأشدهم وأعلمهم بالأسباب التي تحيط بأعدائه. فإذا قال قائل: ما الذي دلنا على أن الضمير في قوله:
﴿مَكَرُوا﴾ يعود على الذين كفروا بعيسى؟ فالجواب على هذا سهل؛ لأن قوله:
﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ لا يمكن أن يصدر من قوم قالوا:
﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران ٥٢] وقالوا:
﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾ [آل عمران ٥٣] لا يمكن هذا، بل لا يصدر إلا من قوم كفروا، وهو قوله:
﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾ [آل عمران ٥٢]. فإن قيل: ما هذا المكر الذي مكروه؟ فالجواب على هذا أنهم مكروا بعيسى حيث تمالؤوا على قتله فأنجاه الله منهم، ومكر بهم فجعل شبهه في رجل إما منهم من الذين جاؤوا لقتله، وإما من أصحاب عيسى، ألقى الله شبهه على واحد منهم فقُتِل، المهم أن هؤلاء تمالؤوا على القتل وجاؤوا إلى عيسى عليه الصلاة والسلام فدخلوا عليه لم يُشعروه أنهم يريدون قتله؛ لئلَّا يستنجد بأحد أو يدافع عن نفسه وما أشبه هذا، ولكن الله عز وجل ألقى شبهه على واحد منهم، أو على واحد من أصحابه الحواريين، في هذا قولان للمفسرين، منهم من قال: إن الله ألقى شبهه على واحد منهم وهو زعيمهم، جعل الله شبه عيسى في هذا الرجل، فلما أرادوا أن يقتلوه قال: أنا صاحبكم، قالوا: كذبت لست صاحبنا بل أنت عيسى، فقتلوه وصلبوه، وهذا مكر أو غير مكر؟ مكر عظيم أعظم من مكرهم؛ لأن هذا الرجل الذي جاء متزعمًا هؤلاء القوم ليقتل عيسى صار هو القتيل، وهذا القول أقوى من حيث إن فيه مكرًا بهؤلاء عظيمًا. أما القول الثاني فيقولون: إن عيسى عليه الصلاة والسلام لما أحس بأنهم دخلوا عليه ليقتلوه قال لأحد أصحابه: من يَقبل أن يلقي الله عليه شبهي فأضمن له الجنة؟ فانتدب واحد منهم لذلك وألقى الله شبهه عليه، وقيل: بل ألقى الله شبهه على جميع من كانوا مع عيسى، حتى إن هؤلاء القوم لما دخلوا كان كل واحد يقول: أيكم عيسى؟ أيكم عيسى؟ أيكم عيسى؟ لم يعلموه. هذان قولان رئيسيان، القول الأول: أن الشبه ألقي على من؟
* الطلبة: زعيمهم.
* الشيخ: نعم، على زعيم القوم الذين جاؤوا ليقتلوه فقُتل، والقول الثاني: أنه على رجل من أصحاب عيسى، ثم هل أُلقي الشبه على الجميع فاشتبه على الذين دخلوا؟ أو أنه أُلقي على واحد منهم فيه أيضًا قولان، والمسألة ليس فيها نص عن النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام، فالله أعلم، لكن قوله تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء ١٥٧] قد يؤيد القول الأخير أنه صار كل واحد ممن مع عيسى يشبه عيسى فاشتبه عليهم مَن هو عيسى، المهم هذا هو مكرهم أنهم جاؤوا إلى عيسى عليه الصلاة السلام ليقتلوه على وجهٍ لا يَشعر بذلك، أما مكر الله بهم فهو أنه ألقى الشبه إما على واحد منهم أو من أتباع عيسى فقتلوه فظنوا أنهم قتلوا عيسى وصاروا يعلنون قتلنا عيسى وصلبوه، وهم ما قتلوه وما صلبوه. وفي قول الله عز وجل: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ فيها من صفات الله إثبات المكر لله عز وجل، والبحث في هذا أولًا: هل المكر على حقيقته؟ أو هو عبارة عن المجازاة على مكر فسُمِّي المجازاة على المكر مكرًا من باب المقابلة اللفظية لا المعنوية، فهو كقوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ [البقرة ١٩٤] والمقتص لنفسه لا يسمى معتديًا، لكنه يشبهه في اللفظ من باب المقابلة اللفظية لا المعنوية، أو أنه مكر حقيقي لأن صنيع الله بهم مكر، حيث كان القتيل منهم على أحد الأقوال، أو اشتبه عليهم الأمر على القول الثاني، والصحيح في هذا أن الله تعالى يوصَف بما وصف به نفسه، ولسنا أعلم بالله من نفسه، هو أعلم بنفسه وأصدق قيلًا وأحسن حديثًا، ولكنه يجب أن ينزه عن كل نقص، فالمكر هل هو من صفات النقص على سبيل الإطلاق يعني ليس فيه مدح إطلاقًا؟ أو هو نقص في حال دون حال؟ الثاني هو الحقيقة أن المكر في مقام المكر مدح وصفة كمال، والمكر في غير موضعه صفة نقص؛ لأن المكر في غير موضعه خيانة، والخيانة صفة ذم، ولهذا لم يصف الله بها نفسه ولا في باب المقابلة ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنفال ٧١] بعدها؟
* الطلبة: ﴿فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾.
* الشيخ: ﴿فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾ [الأنفال ٧١] ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة صفة ذم مطلقًا، بخلاف ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ فقابل الله مكرهم بمكر ولم يقابل خيانتهم بخيانة، إذن يكون نجب أن نصف الله بما وصف به نفسه من المكر في الحال التي وصف الله نفسه فيها بالمكر، وذلك في مقابلة مكر أعدائه، فنقول: إن الله يمكر بمن؟
* الطلبة: يمكرون به.
* الشيخ: يمكرون به وبرسله وبآياته، أما أن نصف الله بالمكر على الإطلاق فنقول: إن الله ماكر ونطلق فهذا لا يجوز، لماذا؟ لاحتمال النقص؛ لأن المكر كما قلنا ليس كمالًا في كل حال ولا نقصًا في كل حال، فإذا أُطلق صار قابلًا لأن يكون نقصًا، فإذا قُيِّد بالحال التي يكون فيها كمالًا لم يحتمل أن يكون نقصًا، إذن نقول: المكر يوصف الله به لا على سبيل الإطلاق ولكن في الحال التي وصف الله نفسه فيها به، ولهذا جاء في الحديث: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»(١)، وكلٌّ يعرف أن الخدعة في الحرب كمال ولَّا نقص؟
* الطلبة: كمال.
* الشيخ: كمال، ويُذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه لما خرج إليه عمرو بن وُدّ ليبارزه، وتعرفون المبارزة؟ إذا التقى الصفان طلب المتقاتلون المبارزة من يبرز لفلان؟ المبارزة سبب للفتح والنصر أو للهزيمة؛ لأنه إذا تبارز الرجلان وانتصر أحدهما قويت نفوس مَن؟
* الطلبة: أصحابه.
* الشيخ: أصحابه، وضعفت نفوس الآخرين، لما خرج إلى مبارزة عمرو بن ودّ خرج إلى مبارزة علي بن أبي طالب رضي الله عنه صاح به وقال: ما خرجت لأبارز رجلين، فظن عمرو بن ودّ أنه قد تبعه أحد من قومه فالتفت لينظر هل لحقه أحد لما التفت ضربه عليٌّ بالسيف حتى طَنَّ رأسه، هذه خدعة ولَّا لا؟
* الطلبة: خدعة.
* الشيخ: محمودة ولَّا غير محمودة؟
* الطلبة: محمودة.
* الشيخ: محمودة لأنه جاء ليقتله، هو جاء ليقتل عليًّا، فتخلص منه بهذه الخدعة، هذه يعد منقبة لعلي بن أبي طالب وصفة كمال، وحينئذ نقول: المكر في موضعه مدح وكمال. طيب يقول: ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ هذه صفة ثابتة مطلقة يعني ما تحتاج قيدًا لأنها وُصفت بكمال، ما هو الكمال؟ ﴿خَيْرُ﴾ ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ يعني ما من أحد يمكر إلا ومكر الله فوقه وخير منه. المكر من الصفات الذاتية أو الفعلية؟
* الطلبة: الفعلية.
* الشيخ: الفعلية؛ لأنها تتعلق بمشيئته، وكل صفة لها سبب فهي متعلقة بالمشيئة، كل صفة من صفات الله لها سبب فهي متعلقة بالمشيئة؛ لأن مقدر السبب هو الله فإذا قدر السبب فقد شاءه ويترتب عليه ما يترتب من الصفات.﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٥٤) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ يحتمل أن تكون (إذ) متعلقة بـ
﴿مَكَرَ اللَّهُ﴾ يعني ومكرَ اللهُ إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك، ويحتمل أنها متعلقة بمحذوف تقديره: اذكر يا محمد منوهًا بفضل عيسى إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا.
﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ قال بقول مسموع ولَّا غير مسموع؟
* الطلبة: مسموع.
* الشيخ: بقول مسموع سمعه عيسى، قال بقول مسموع لأنه يخاطب، ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾. يقول: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ فما معنى هذه الوفاة؟ فيها للعلماء ثلاثة أقوال: القول الأول: قابضك، إني قابضك، مأخوذة من قولهم: توفَّى الدائن دينه أي قبضه، وعيسى قد قبضه الله إليه في السماء ورفعه حتى ينزل في آخر الزمان. القول الثاني: ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ وفاة نوم يعني مُنِيمك؛ لأن النائم متوفَّى، قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر ٤٢] وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ [الأنعام ٦٠]. القول الثالث: أنها وفاة حقيقية توفاه الله وفاة حقيقية وسيُحْيِيه في آخر الزمان وينزل إلى الدنيا. والصحيح أنها وفاة نوم وأن الله عز وجل لما أراد أن يرفعه إلى السماء أنامه ليسهل عليه الانتقال من الأرض إلى السماء؛ لأن الانتقال من الأرض إلى السماء ليس بالأمر الهين لطول المسافة وبُعدها ورؤية الأهوال فيها فيما بين السماء والأرض وفي السماوات أيضًا، فأنامه الله ثم رفعه نائمًا حتى وصل إلى السماء، لكن هذا القول لا ينافي القول الأول الذي معناه قابضك؛ لأن نهايتهما واحدة، أما القول الثالث أنها وفاة موت فقول ضعيف، يضعِّفه قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء ١٥٩] قبل موته أي عيسى، وهذا يدل على أنه لم يمت، ولأن الله تعالى لم يبعث أحدًا بعد الموت فيبقى كما في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان، ولأنه -أعني إطلاق الوفاة على النوم- كثير في القرآن يعني ليس بمعنى غريب حتى نقول لا يصح حملها عليه، بل هو معنى له كثرة في القرآن. يقول:
﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ ﴿رَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ ﴿رَافِعُكَ﴾ مضافة إلى الكاف كما أن
﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ مضافة إلى الكاف فكيف تعربون الكاف فيهما؟ ألأنها في محل جر أو في محل نصب؟
* طلبة: محل نصب.
* طلبة آخرون: محل جر.
* الشيخ: أليس هو مفعولًا به؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: متوفى ومرفوع؟ فهل هو في محل نصب ولَّا في محل جر؟
* طلبة: في محل جر.
* الشيخ: هو في محل جر؛ لأن عمل الاسم فيه أقوى من عمل المعنى، يعني عمل الاسم إللي هو اللفظ أقوى من عمل المعنى، ومن المعلوم أن الاسم دائمًا يضاف إلى فاعله ويضاف إلى مفعوله. طيب قال: ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ ﴿إِلَيَّ﴾ إلى أي مكان؟ إلى السماء؛ لأن الرفع يكون من نازل، فمعنى ﴿رَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ يعني في السماء، فرفعه الله سبحانه وتعالى إلى السماء إلى الله. ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مطهرك منهم، التطهير هنا تطهير معنوي لا تطهير حسي، وذلك لأن الذين كفروا ليسوا يلطخون عيسى بالقاذورات الحسية لكنهم يلطخونه بالقاذورات المعنوية، قالوا إنه كذاب، وأنه ابن الزنا -والعياذ بالله- وأنه أمه زانية، واتهموه بأشياء كثيرة فطهره الله منهم، وذلك بما أنزل من براءته في عهده وفيما بعد عهده. وقوله: ﴿مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ كفروا بمن؟ كفروا بعيسى؛ لأن الحواريين آمنوا به كما سبق. ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ هذه أيضًا من جملة ما قاله الله له: ﴿جَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ﴿جَاعِلُ﴾ هنا مضافة إلى الفاعل ولَّا المفعول؟
* طالب: فاعل.
* الطلبة: إلى المفعول.
* الشيخ: إلى المفعول؟
* الطلبة: إي نعم.
* الشيخ: إلى المفعول. ﴿فَوْقَ﴾ محلها النصب هي ظرف متعلق بمحذوف على أنه مفعول ثاني؛ لأن ﴿جَاعِلُ﴾ اسم فاعل مِن (جعل)، و(جعل) تنصب مفعولين، إذن ﴿فَوْقَ﴾ ظرف متعلق بمحذوف للمفعول الثاني، ﴿فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾. ﴿اتَّبَعُوكَ﴾ اتبعوا شريعتك، ﴿فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ فوق الكفار إلى يوم القيامة، هذه الآية يطبِّل بها النصارى ويقولون: نحن لنا العلو إلى يوم القيامة ما هو إلى أن بُعث محمد إلى يوم القيامة، فنقول: نعم صدق الله العظيم، إن الذين يتبعون عيسى لهم النصرة على الكافرين إلى يوم القيامة، ولكن مَن الذي يتبع عيسى؟ هم الذين ردوا بشارته وكذبوا من بشر به؟
* طالب: لا.
* الشيخ: أبدًا، أنتم لم تتبعوا عيسى، ووالله لو خرج عيسى لكان يقاتلكم حتى ترجعوا إلى الإسلام، ولهذا في آخر الزمان لا يقبل إلا الإسلام، ما يقبل الجزية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، في آخر الزمان ما يقبل حتى الجزية إللي كانت تُقبَل قبل نزوله ما تُقبَل من شدة كراهته لما عليه النصارى واليهود، الآن نحن نقر اليهود والنصارى بالجزية نقول: ابقوا على دينكم، لكن أعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، لكن إذا نزل عيسى ما يقبل هذا يقول: أسلم وإلا فالقتل، لكراهته لما هم عليه لا يريد أن يقرهم ولا على هذا. المهم أن نقول: إن الذين اتبعوا عيسى هم الذين آمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام بعد بعثة محمد، أما قبل بعثة محمد فنعم لا شك أن أتباع عيسى هم المسلمون وأنهم على الحق قبل أن يحرفوا ويبدلوا. فإذا قالوا: كيف تجيبون عن قوله:
﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾؟ قلنا: نعم آمِنوا بمحمد ولكم النصرة إلى يوم القيامة. فإن قال قائل: أفلا يمكن أن يراد بالذين اتبعوه أي الذين انتسبوا إليه وتكون لهم الغلبة على الكافرين لا على المسلمين، يعني مثلًا: النصارى يغلبون اليهود، أن النصارى يغلبون الوثنيين وما أشبه ذلك، ويخرج من هذا مَن؟
* الطلبة: المسلمون.
* الشيخ: المسلمون، ويكون الله تعالى قد وعد عيسى بأن يكون من انتسب إليه فوق الذين كفروا به؟ فما الجواب؟ الجواب: لا يمكن هذا، لا، ما يمكن هو بعيد متعذر؛ لأن هؤلاء ما اتبعوا عيسى، ألم تسمعوا أن الله يقول يوم القيامة: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ [المائدة ١١٦، ١١٧] وهل النصارى يقولون بهذا؟ أبدًا، إذن ما اتبعوه، فالآية وإن كان قد يتراءى لبعض الناس أن يقول: إن النصارى يغلبون غيرهم من الكفار لهذه الآية، فإننا نقول: لا؛ لأن الله يقول: ﴿جَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ﴾ والنصارى الآن لم يتبعوه، ثم إن الآية يعني لو فُسرت بهذا التفسير لكان الواقع يخالفها، فالأمة الصليبية لم تظهر على الأمة الشيوعية، بل هي خائفة منها فأين الفوقية؟ ما فيه فوقية، الآن كل دول أوربا الغربية بأسطولها وحلفها الأطلسي عجزت أن تكون فوق الشيوعية وحلفها وارسو عجزت، كل واحد منهم الآن يخاف من الآخر، وقد يكون أتى في يوم من الأيام أن أوروبا تخاف من الشيوعية أكثر مما تخاف منها هذا اليوم، فالحاصل أن الآية لا يمكن أن تُحمل على النصارى الموجودين اليوم بأي حال من الأحوال. ثم قال: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ ثم يعني بعد، يوم القيامة إلي مرجعكم، ويوم القيامة هو اليوم الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين ليُجازَوْا على أعمالهم، وسُمِّي يوم القيامة لثلاثة وجوه، الوجه الأول: أن الناس فيه يقومون لله لرب العالمين كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين ٦]. والوجه الثاني: أنه يقوم فيه الأشهاد، فالرسل يشهدون على أممهم وهذه الأمة تشهد على الأمم السابقة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر ٥١]. والوجه الثالث: أنه يقام فيه العدل، قال الله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ [الأنبياء ٤٧] فهو يقام فيه العدل، ولهذا أقسم النبي ﷺ وهو الصادق البار المصدوق عليه الصلاة والسلام قال: «وَاللَّهِ لَتُؤَدَّيَنَّ الْحُقُوقُ إِلَى أَهْلِهَا حَتَّى إِنَّهُ لَيُقْتَصُّ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ»(٢) هذا عدل، أكبر العدل، فلهذا سُمي يوم القيامة للوجوه الثلاثة، عُدها علينا؟
* طالب: يوم القيامة.
* الشيخ: إي نعم، سُمِّي يوم القيامة لوجوه ثلاثة؟
* الطالب: يقام فيه العدل.
* الشيخ: يقام فيه العدل.
* الطالب: حتى يُقتص من الناس فسُمِّي يوم القيامة.
* الشيخ: نعم والثاني؟
* طالب: يقوم الناس فيه.
* الشيخ: لأيش؟
* الطالب: يقوم الناس لله رب العالمين.
* الشيخ: الدليل؟
* الطالب: لقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
* الشيخ: طيب..؟
* طالب: يوم يقوم الأشهاد.
* الشيخ: يقوم فيه الأشهاد، الدليل؟
* الطالب: قول الله عز وجل: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر ٥١].
* الشيخ: دليل الأول؟ دليل الأول اللي قاله الأخ يقام فيه العدل؟
* طالب: قوله سبحانه وتعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. والوجه الثاني يقام فيه العدل.
* الشيخ: يقام فيه العدل ما الدليل؟
* الطالب: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَة﴾ [الأنبياء ٤٧].
* الشيخ: ثم قال عز وجل: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ يعني ثم بعد هذا الغلبة في الدنيا أو المغالبة في الدنيا حتى يكون بعضكم فوق بعض بعد ذلك ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ أي مصيركم، وكل المصير إلى الله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ [النجم ٤٢] ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ١٠] الأمر إلى الله أولًا وآخرًا لكن ظهور هذا الرجوع لا يكون إلا يوم القيامة، يتبين فيه للناس جميعًا أن الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى يجازي كل نفس بما عملت، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [آل عمران ٥٥] الله أكبر وما أعدل هذا الحكم! ﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ بين مَن؟ بين الخلائق فيما كانوا فيه يختلفون، وهل الناس يختلفون في شيء؟ نعم ﴿فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن ٢] اختلاف عظيم، فيحكم الله عز وجل بين هؤلاء وهؤلاء، ويحكم كذلك بين الرسل وأتباعهم، فتقيم الرسل البينة على أنها بلغت الرسالة، وقد ينكر أتباع الرسل، ينكرون ذلك، لكن لا يتم لهم مقصودهم، فالحكم يوم القيامة بين الناس فيما اختلفوا فيه إلى الله. وقوله: ﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ هذه فعل مضارع، فهل يشتق منها اسم من أسماء الله؟ القاعدة أن الفعل لا يشتق منه، لكن قد وُجد اسم من دون الرجوع إلى هذا الفعل وهو الحكيم، فإن الحكيم مأخوذ من الحُكم والحكمة، ومن أسماء الله الحكم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ»(٣) وهذا من الحكم، فالله هو الحكم الذي يرجع الناس إليه في تحاكمهم، واعلم أن الحُكم لله ينقسم إلى قسمين يأتي إن شاء الله في الشرح.
* طالب: صفة المكر (...) الإنسان يقول: يا خير (...)؟
* الشيخ: يا خير الماكرين إذا كان المقام يقتضيه مثلًا خائف أنت من مكر إنسان لا بأس، لكن تقول: يا خير الماكرين اغفر لي ما يصلح؛ لأن الله يقول: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف ١٨٠] ما تدعو الله باسم تريد أن يكون وسيلة لحصول مطلوبك إلا وهو مناسب، أرأيت لو قال واحد: يا شديد العقاب اغفر لي، مناسب؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: وأيش اللى يناسب؟
* الطلبة: يا غفور.
* الشيخ: أو يقول: يا شديد العقاب عاقبني ما أحد قال هكذا.
* طالب: شيخ أحسن الله إليك يا شيخنا، لو قال قائل في ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ لو قال قائل بأنه بعث عليه السلام إلى بني إسرائيل واليهود هم الذين كفروا به فالآن الواقع الحاضر أن النصارى هم فوق اليهود ما يمكن هذا؟
* الشيخ: لا، بيَّنا ما يمكن هذا؛ لأن النصارى الآن ما اتبعوه والقرآن ما ينطق إلا بالحقائق، ثم هل ترى الآن أن اليهود فوق النصارى أو النصارى فوق اليهود؟
* الطلبة: اليهود.
* الطالب: اليهود بطريقة يعني غير مباشرة.
* الشيخ: نحن نسمع الآن إن اليهود عندهم زمام الأمور الاقتصادية والسياسية وأنهم يدبرون العالم، والثقافية.
* الطالب: لكن بطريقة غير مباشرة.
* الشيخ: نعم بطريق غير مباشر.
* الطالب: أما اللي يحكم فهم النصارى.
* الشيخ: إي صحيح لكن النصارى ما ترى أنها فوق هؤلاء يعني بمعنى أنهم يخافونهم ويتوددون إليهم.
* طالب: شيخ -عفا الله عنك- يوجد الآن مَن يثير دراسات إعلامية أن اليهود والنصارى إخوة لنا وهم لا يسمحون أن (...) في أوساطهم؟
* الشيخ: لكن شوف بارك الله فيك، أنت تمنعهم من هذا؟ هل تستطيع أن تمنعهم من هذا؟
* الطالب: ما أستطيع.
* الشيخ: لأنهم إذا قالوا: نحن إخوتهم، نقول لهم: بارك الله لكم فيهم أنتم إخوتهم، وتُحشرون معهم في النار.
* الطالب: يغترون بهم يا شيخ.
* الشيخ: ما يغتر بهم أحد.
* الطالب: قد (...)
* الشيخ: أبدًا لا تفكر واحد بيغتر بأن يقول إن الكافر أخ له لا نصراني ولا يهودي ولا غيره، والله يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات ١٠].
* طالب: شيخ، ما (...) الشباب الذين يذهبون إلى بلادهم حتى إنهم يقولون: نحن منهم إخوتنا لكن بالفعل يقولون ذلك (...)
* الشيخ: لا أبدًا، لا لا، أنا ما أظن إن إنسانًا في قلبه إيمان يسميهم إخوانًا والله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة ١] وين الأخوة؟
* طالب: شيخ بارك الله فيك كيف صعد عيسى من الأرض إلى السماء؟ مع مَن؟
* الشيخ: الله أعلم هل هو بصحبة جبريل أو بغير ذلك الله أعلم، أو قال الله: كن فيكون.
* طالب: شيخ، (...) ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ هل يحتمل أن تكون الوفاة والرفع كان يوم القيامة؟
* الشيخ: يوم القيامة فيها بعث؟! ما هو بوفاة.
* الطالب: أقصد يوم وفاته بعد ما ينزل إلى الدنيا؟
* الشيخ: يعني في المستقبل؟
* الطالب: إي.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: أيستقيم هذا مع الدنيا؟
* الشيخ: لا يستقيم هذا؛ لأن الرفع بعد الوفاة ﴿مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ﴾ والوفاة التي تريد ما تكون إلا بعد الرفع.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: متى؟ يعني في آخر الزمان؟ لا، يدفن في الأرض.
* طالب: شيخ قلنا: إن الله سبحانه وتعالى كلمه بصوت مسموع، لمَ لم نقل: إنه كلمه بوحي؟
* الشيخ: بجينا إن شاء الله في الفوائد.
* طالب: شيخ عفا الله عنك، نعرف أنه لا يجوز التعرض لأسماء الله بشيء من التعطيل أو التمثيل أو التحريف، والمكر صفة من صفات المخلوقين فكيف من صفات الله؟ يعني هي كالوجه الذي نصف بها الخالق؟
* الشيخ: إي، أن نقول مكر يليق به هو، ما هو مثل مكري أنا أو مكر زيد وعبيد، مثل السمع والبصر وغيره من الصفات تثبت لله لكن على وجه لا يماثل المخلوق.
* طالب: شيخ جزاك الله خيرًا، الرسول ﷺ عندما أُسري به رأى عيسى وسلّم عليه وكلمه، طيب يعني النوم فقط في حالة الرفع فقط؟
* الشيخ: كيف يعني؟ لا، رآه في السماء.
* طالب: لا أنا قصدي أن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ يعني ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ قلنا: التوفي هو النوم، فيكون فقط في حالة الرفع؟
* الشيخ: في حالة الرفع نعم.
* الطالب: إذا وصل السماء يعني استيقظ؟
* الشيخ: إي نعم هذا هو الظاهر.
* طالب: شيخ أحسن الله إليكم، طيب يجوز يقال لهم أصدقاء الكفار؟
* الشيخ: والله إذا كان بس مجرد القول باللسان يعني صديق بمعنى أنه لم يظهر العداوة فقد يُتسامح فيه؛ لأن الكفار كما تعرف بعضهم يُظهر العداوة ويبارز العداوة، وبعضهم بيننا وبينهم عهد، ولهذا خزاعة قبل أن تسلم يقال فيها إنها عيبة نصح للرسول عليه الصلاة والسلام وهم كفار.
* الطالب: (...) يقول: يا صديق صديق.
* الشيخ: لا الآن أصحبت كلمة صديق يخاطب بها كل من ليس بعربي.
* الطالب: رفيق.
* الشيخ: نعم، رفيق من ألقاب الشيوعيين، الرفيق فلان.
* * * أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. قال الله تعالى:
﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ ﴿أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ الحكم لله عز وجل كونًا وشرعًا، فهو الحاكم كونًا وهو الحاكم شرعًا، أما الحكم الكوني فهو نافذ على كل أحد ولا يستطيع أحد أن يتخلص منه ولا أن يعانده، وأما الحكم الشرعي فإنه باختيار المحكوم عليه،
﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف ٢٩] إذن حكم الله ينقسم إلى قسمين: كوني، وشرعي، فالحكم الكوني ما يُقدِّره الله على عباده ولا يمكن التخلف عنه ويتعلق فيما يحبه وما لا يحبه، فيحكم كونًا بوقوع الطاعات، وهذا مما يحبه، ويحكم كونًا بوقوع السيئات والمعاصي، وهذا لا يحبه، لكنه عز وجل يحكم به كونًا لحكمة ومصالح عظيمة، أما الحكم الشرعي فهو ما قضاه بين العباد شرعًا وهو الذي جاءت به الرسل، وأصله أوامر ونواهي افعلوا كذا لا تفعلوا كذا، ولا يلزم من الحكم الشرعي وقوع المحكوم به بل قد يتخلف عنه كثير من الناس، وها هو الرسل يرسلهم الله عز وجل يتبعهم أناس قليلون وأناس كثيرون، بل قد قال النبي عليه الصلاة والسلام:
«رَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالنَّبِيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ»(٤) فيتخلف الحكم الشرعي. الحكم الجزائي بعض العلماء قال: إن هناك قسمًا ثالثًا للحكم وهو الحكم الجزائي الذي يحكم الله فيه بالجزاء على من عمل، إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، وعليه يتنزل قوله هنا:
﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ أي أحكم بينكم حكمًا جزائيًّا، يحكم بينهم حكمًا جزائيًّا، ويعقب هذا الحكم المآل إما إلى الجنة وإما إلى النار،
﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ قال تعالى:
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الفاء هذه عاطفة على ما سبق عطف تفريع أي أن ما بعدها فرع عما قبلها، يعني هذا الحكم يكون على هذا الوجه:
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ﴾ و(أما) هنا شرطية تفصيلية يعني أنها تفيد التفصيل كما في قوله:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ [الليل ٥]
﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾ [الليل ٨] وهنا قال:
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾. وقوله:
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ﴾ كفروا بمن؟ أي كفروا بالله ورسله، والكفر في اللغة الستر ومنه سمي الكُفُرَّى الذي هو غطاء طلع النخل ويسمى في اللغة العامية الكافور، فالذين كفروا ستروا ما أنعم الله به عليهم من نعمة العقل ونعمة المال والصحة وغير ذلك حيث لم تظهر عليهم آثار هذه الأشياء، فآثار العقل أن الإنسان يفعل ما ينفعه ويدع ما يضره هذه آثار العقل، ومنه سمي العقل حِجْرًا لأنه يحجر صاحبه عما يضره، لكن الذين كفروا ستروا ما يقتضيه العقل من حسن التصرف وذلك بالإيمان بالله ورسله، فلذلك سُموا كفارًا أي أيش؟ ساترين لما أنعم الله به عليهم من نعمة العقل التي مقتضاها الإيمان بالله ورسله. قال:
﴿فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ ﴿فَأُعَذِّبُهُمْ﴾ العذاب فِعل ما به مشقة أو حصول ما به مشقة سواء كان عن ذنب أو غير ذنب، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
«إِنَّ السَّفَرَ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ»(٥) وقال:
«إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ»(٦) يعني هذا عذاب مشقة، ومن عذاب المشقة عذاب العقوبة؛ لأنه شاق على المعاقَب، وهنا المراد بالعذاب هنا عذاب مشقة العقوبة.
﴿أُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ الشديد يعني القوي العظيم.
﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ في الدنيا قال العلماء: إن العذاب في الدنيا ما يحصل لقلوبهم من الضيق، والضنك، والقلق، والحسرة، وغير ذلك، وما يحصل لهم على أيدي المؤمنين من القتل، والأسر، والجزية، وغير ذلك، فعذابهم يكون بألمهم القلبي وألمهم البدني، ولهذا قال:
﴿أُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا﴾ أما عذابهم في الآخرة فظاهر يعذَّبون في الآخرة بماذا؟ بالنار، يعذبون في الآخرة بالنار، وهم لا تتخطاهم العقوبتان أو إحداهما، يعني إما أن يحصل لهم هذا وهذا وهو الغالب، وإما أن يحصل لهم عذاب الآخرة ولا بد، ولكن ظاهر الآية الكريمة:
﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ أنه يحصل لهم العذاب في الدارين، قال:
﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ الدنيا هي هذه الحياة التي نحياها، ووُصفت بذلك لوجهين، الوجه الأول لدُنوِّها؛ لأنها سابقة على الآخرة فهي دانية، والوجه الثاني: لنزول مرتبتها كما يقال: دنيا وعُليا، فالدنيا نازلة مرتبة عن الآخرة مهما بلغ نعيمها، مهما بلغ نعيمها فإنها نازلة عن الآخرة؛ لأن نعيم الدنيا إذا حصل فهو مشوب بالكدر كما قال الشاعر:
فَيَــــــــوْمٌ عَلَيْنَــــــــاوَيَـــــــــــــوْمٌ لَنَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ∗∗∗ وَيَــــوْمٌ نُسَــــاءُ وَيَـــــــــــــوْمٌنُسَــــــــــــــــــــــــــــــرْ
وقال الثاني:
لَا طِيبَ لِلْعَيْشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً ∗∗∗ لَذَّاتُــــهُ بِادِّكَــــارِ الْمَــــوْتِوَالْهــــــــرَمِ
فمهما نُعِّمَ الإنسان في هذه الدنيا فنعيمها دانٍ، ولهذا وُصفت بالدنيا، أما نعيم الآخرة فقد قال الله تعالى:
﴿فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الزخرف ٧١] وقال تعالى:
﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة ١٧] إذن الدنيا وُصفت بذلك لوجهين، الأول؟
* طالب: الأول: لدنوها لوقوعها قبل الآخرة.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: الثاني: أنها دانية؛ يعني أقل من الآخرة منزلة.
* الشيخ: دُنوّ مرتبتها ومنزلتها. وأما قوله: ﴿وَالْآخِرَةِ﴾ فوُصفت بذلك لأنها متأخرة، متأخرة زمنًا لا مرتبة، فهي في المرتبة فوق الدنيا لكنها زمنًا متأخرة. قال: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ يعني هذا العذاب الشديد الذي يوقعه الله فيهم لا يجدون مَن ينصرهم منه أي مَن يدفع عنهم هذا العذاب لا أهل ولا مال ولا صديق ولا قريب ولا أحد من الناس ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلَّا﴾ [المعارج ١١ - ١٥]. وقوله: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ (ما) هذه نافية، وهل هي حجازية؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: يشترط في الحجازية الترتيب.
* الشيخ: ما معنى الترتيب؟
* الطالب: يأتي اسمها أولًا ثم خبرها، نعم.
* الشيخ: وهنا؟
* الطالب: هنا تقدم خبرها على اسمها.
* الشيخ: لأن ﴿لَهُمْ﴾ خبر مقدم. طيب (من) حرف جر زائد، زائد إعرابًا و﴿نَاصِرِينَ﴾ مبتدأ مؤخر مرفوع بالياء ولَّا بالواو؟ بعض
* الطلبة: بالياء.
* طالب: منصوب.
* طالب آخر: مجرور.
* الشيخ: هو عندنا شيء يرفع بالياء يا جماعة؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ما يوجد في الدنيا كلها إلا كان لغة غير عربية ما ندري، مرفوع بالواو المقدر وجودها في محل الياء، ومنع من ظهورها اشتغال المحل بالحرف المناسب أو الذي جُلب من أجل حرف الجر الزائد، ولولا (من) لكانت (ناصرون)، وما لهم ناصرون.ثم جاء بالقسيم الثاني قال:
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم، والرب عز وجل يكرر هذا دائمًا في القرآن، يجمع بين الإيمان والعمل الصالح؛ لأنه لا إيمان بلا عمل ولا عمل بلا إيمان، بل لا بد من الأمرين.
﴿آمَنُوا﴾ وهنا حذف المؤمَن به، فنُقدِّره على أعم ما يكون ونقول: آمنوا بما يجب الإيمان به، وذلك بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
﴿عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي عملوا الأعمال الصالحات، والأعمال الصالحات هي التي تكون لله وفي الله، أي أنها خالصة لله وفي حدود شريعة الله، يعني خالصة صوابًا كما قال الفُضيل بن عياض رحمه الله، خالصة لله صوابًا يعني على السنة هذا هو العمل الصالح، فإن لم تكن خالصة فليست عملًا صالحًا، بل هي مردودة على صاحبها؛ لقوله الله تعالى:
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدً﴾ [الكهف ١١٠] وفي الحديث القدسي قال الله تعالى:
«أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»(٧) وأما الموافقة أو الصواب كما قال الفضيل: فلقوله ﷺ:
«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(٨) فلا يُقبل عمل إلا بموافقة الشرع،
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ [النساء ١٧٣] الفاء واقعة في جواب (أما) الشرطية، و
﴿يُوَفِّيهِمْ﴾ فيها قراءتان:
﴿نُوَفِّيهِمْ﴾ و
﴿يُوَفِّيهِمْ﴾، فأما على قراءة:
﴿فَيُوَفِّيهِمْ﴾ ففيها التفات من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب صح؟ لأنه قال في الأول:
﴿فَأُعَذِّبُهُمْ﴾ وهنا قال:
﴿فَيُوَفِّيهِمْ﴾ وهذا ضمير غائب، وأما على قراءة النون:
﴿فَنُوَفِّيَهُمْ﴾ ففيها نوع من الالتفات من ضمير الإفراد إلى ضمير الجمع
﴿فَأُعَذِّبُهُمْ﴾ وهنا قال:
﴿فَنُوَفِّيَهُمْ﴾ وأيش اللي معكم؟
* طالب: الجلالين.
* الشيخ: شوف وأيش يقول؟
* طالب: يقول: ﴿فَيُوَفِّيهِمْ﴾ بالياء والنون.
* الشيخ: بالياء والنون، شوف الحاشية؟
* طالب: قال: بالياء والنون سبعيتان.
* الشيخ: نعم، على كل حال المصحف اللي عندي ما كُتبت القراءة الثانية لكنها (...) تحتاج أنها تكتب. طيب قال: ﴿فَنُوَفِّيهِمْ﴾ ﴿فَيُوَفِّيهِمْ﴾ على كل حال سواء ﴿يُوَفِّيهِمْ﴾ أو ﴿نُوَفِّيهِمْ﴾ ففيها شيء من الالتفات، وقد ذكرنا فيما سبق أن للالتفات فوائد، أو فائدة، منها؟
* طالب: تنبيه المخاطب.
* الشيخ: تنبيه المخاطب كيف؟
* الطالب: لأن المخاطب إذا كان يقرأ في وتيرة واحدة ثم يتغير.
* الشيخ: إذا كان الكلام على نسق واحد،
* الطالب: ثم يتغير هذا النسق فيتنبه.
* الشيخ: ينتبه، صحيح هذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إي نعم، وطرق تنبيه المخاطب كثيرة منها إذا كنت تتكلم بلسانك بعض الكلمات مثلًا ترفع صوتك أو تخفض صوتك أو ما أشبه ذلك هذا من التنبيه، كذلك الالتفات من ضمير إلى آخر هذا يوجب تنبه المخاطب، على الفائدة الثانية أنه إذا قال: ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ ﴿يُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ صار فيه شيء من تعظيم الموفِّي؛ لأن تعبير المتكلم عن نفسه بصيغة الغيبة قد يوحي بالتعظيم كما يقول: الملك يأمر بكذا وكذا يعني نفسه، هذا فيه شيء من التعظيم، فيه أيضًا شيء من إكرام الذين عملوا الصالحات، إكرام الذين عملوا الصالحات فيوفيهم، كيف ذلك؟ لأن ذكر منة الله عليهم بصيغة التكلم أعظم من ذكر المنة بصيغة الغائب، يعني أن هذا فيه شيء من الإكرام، من الإكرام لهم وقد قال الله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن ٦٠] فجعل كأنهم هم الذين أحسنوا مع أن المحسن هو الله، محسن إليهم في العمل وفي ثواب العمل، وقال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإنسان ٢٢] فمن أجل إكرام هؤلاء لم يخاطبهم الله بصريح المنة فيقول: فنوفيكم، أو فأوفيكم، بل قال: ﴿فَيُوَفِّيهِمْ﴾ إذن فائدتان: تعظيم المتكلم نفسه، والثاني: إكرام المثاب، أما على قراءة النون فالتعظيم فيها واضح: ﴿فَنُوَفِّيهِمْ﴾ لأن ضمير الجمع المضاف إلى الله عز وجل أو الذي يراد به الله عز وجل نعلم علم اليقين أنه لا يراد به الجمع الذي هو التعدد، إنما يراد به؟
* الطلبة: التعظيم.
* الشيخ: التعظيم. فيه أيضًا إكرام المثاب –بالنون- إكرام المثاب؛ لأنه إذا ظهر إكرامه بصيغة التعظيم فإن الثواب الواقع من العظيم عظيم، يكون عظيمًا، وعلى هذا فيكون على القراءتين فيها ثلاث فوائد، الالتفات على قراءتين فيها ثلاث فوائد، الأولى؟
* الطلبة: التنبيه.
* طالب: وهذه عامة.
* الشيخ: التنبيه، وهذا عام. الثاني؟
* الطلبة: التعظيم.
* الشيخ: تعظيم الموفِّي، والثالث؟
* الطلبة: الإكرام.
* الشيخ: إكرام الموفَّى. قال:
﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ (أجورهم) لماذا نُصبت وقد استوفى الفعل معموله؟
* طالب: مفعول ثاني للفعل ﴿يُوَفِّيهِمْ﴾ ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ (أجورهم) مفعول ثاني لـ (يوفيهم).
* الشيخ: (يوفي) تنصب مفعولين؟ أصلهما المبتدأ والخبر؟ هل أصلهما المبتدأ والخبر؟
* الطالب: إي، كل المفعولين في الأصل مبتدأ والخبر.
* الشيخ: لا يا شيخ هذه قاعدة من أكذب القواعد هذه.
* الطالب: لا، ما هو مبتدأ وخبر.
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: (هم) مفعوله الأول و(أجورهم) مفعوله الثاني.
* الشيخ: إي، لكن هل أصل المفعولين المبتدأ والخبر أو لا؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: إذن أبطلت القاعدة.
* الطالب: إي، أنا قلت ممكن كـ (كان) اسم كان وخبره.
* الشيخ: لا.
* الطالب: راح مني.
* الشيخ: إي، إذا قلت: ظننت زيدًا فاهمًا، هذا أصلهما المبتدأ والخبر؛ لأن (ظن) وأخواتها تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ الخبر، طيب فيه كلمات أخرى تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر يسمونه من باب (كسا)، نعم من باب (كسا) وبعضهم يقول من (كسا وأعطى)، هذه من باب؟
* الطلبة: (كسا وأعطى).
* الشيخ: (كسا وأعطى) تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر. ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ أجورهم أي جزاء أعمالهم، اللهم لك الحمد، انظر إلى هذه المنة كأن هؤلاء عمال يستحقون الأجر ولا بد، حيث سمى الله جزاءهم أجرًا، والأجر من المستأجر حق يجب دفعه، ولكن هذا من فضل الله عز وجل وكرمه؛ لأن الذي أوجب الأجر على نفسه مَن؟
* الطلبة: الله.
* الشيخ: الله عز وجل، الله عز وجل هو الذي أوجب ذلك على نفسه لم يوجبه أحد عليه، لو شاء لأمرنا ونهانا ولزمنا أن نطيعه بدون عِوَض؛ لأنه ربنا وخالقنا، وما نعمل فإنه لا يقابل ولا واحد بالملايين من نِعَمه، ولهذا قال النبي ﷺ: «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ». قَالُوا: ولا أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال: «وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ»(٩) ﷺ، فهذه الأجور التي هي جزاء الأعمال والتي سماها الله أجرًا كالأجرة المفروضة على المستأجر لم يوجبها أحد على الله، بل هو الذي أوجب على نفسه هذا الأجر، قال ابن القيم رحمه الله:
مَــــا لِلْعِبَــــادِ عَلَيْــــهِ حَــــقٌّوَاجِــــــــبٌ ∗∗∗ هُــوَ أَوْجَــبَ الْأَجْــرَ الْعَظِيــمَالشَّــــانِ؎كَــــلَّا وَلَا عَمَــــلٌ لَدَيْــــهِضَائِــــــــــــــعٌ ∗∗∗ إِنْ كَــــانَ بِالْإِخْــــلَاصِوَالْإِحْسَــــــانِ؎إِنْ عُذِّبُــــوا فَبِعَدْلِــــهِ أَوْنُعِّمُــــــــــــــــوا ∗∗∗ فَبِفَضْلِــــــــهِ وَالفَضْــــــــلُلِلْمَنَّــــــــــــــــــــــــــــــانِ
اللهم لك الحمد، فالحاصل أننا ليس لنا حق على الله واجب:
﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام ٥٤] اللهم لك الحمد. طيب
﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ أي جزاء أعمالهم، وسُمي أجرًا كأجر المستأجر الواجب عليه ولكن الذي أوجبه من؟
* الطلبة: الله.
* الشيخ: الله. قال: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ ختْم الآية بهذا مناسب؛ لأنه لما بيَّن أن هؤلاء آمنوا وعملوا الصالحات فيُوفَّوْن أجورهم بيَّن أن هؤلاء قد قاموا بما يلزمهم وأنهم لم يظلموا أنفسهم، ولذلك أثابهم الله عز وجل هذا الثواب العظيم، وأن الله سبحانه وتعالى لا يحب الظالمين، فلو ظلموا أنفسهم ما استحقوا هذا الثواب، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان ١٣] فلو أشركوا بالله لحبط عنهم ما كانوا يعملون، وبطل عملهم لكنهم أخلصوا لله، ولو ابتدعوا في دين الله ما قبِله الله منهم، ولكنهم اتبعوا شريعة الله فانتفى عنهم الظلم في الإخلاص وفي العمل، فكانوا أهلًا لإكرام الله عز وجل، أما الذين كفروا واستحقوا العذاب فإنهم ظلموا أنفسهم فحصلوا على مقت الله وعقابه والعياذ بالله وعدم محبته. ثم قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ﴾.
* طالب: الآية غير واضحة.
* الشيخ: نعم ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ ﴿ذَلِكَ﴾ المشار إليه كل ما سبق من ذِكر آل عمران ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ﴾ إلى آخره [آل عمران: ٣٣] فكل هذا مما تلاه الله تعالى على رسوله محمد ﷺ. وقوله: ﴿نَتْلُوهُ عَلَيْكَ﴾ أي نقرؤه عليك متتاليًا، يتلو بعضه بعضًا، ولكن بواسطة جبريل عليه الصلاة السلام كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)﴾ [الشعراء ١٩٢ - ١٩٥]. وقوله: ﴿نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ﴾ ﴿مِنَ الْآيَاتِ﴾ هذه (مِن) قال بعضهم: إنها بيانية تبين المشار إليه في قوله: ﴿ذَلِكَ﴾، وقال بعضهم: إنها تبعيضية أي بعض الآيات، ولكن الصواب الأول وأن ما تلاه الله على رسوله محمد ﷺ كله آيات. والآيات جمع آية وهي في اللغة العلامة، العلامة على الشيء تسمى آية، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء ١٩٧] وقال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾ [يس ٣٧] يعني علامة على قدرتنا، وما أشبه ذلك من الآيات، ولما أرسل النبي ﷺ رجلًا إلى عامله في خيبر أن يعطيه أوساقًا من التمر قال: «فَإِنْ طَلَبَ مِنْكَ آيَةً -أَوْ قَالَ: أَمَارَةً- فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تُرْقُوَتِهِ»(١٠) على هذا، كأن النبي ﷺ قد قال للعامل: إذا بعثت إليك مبعوثًا فإن علامة صدقه أن يضع يده على ترقوته. قال: ﴿مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ﴾ الذكر والمراد بما تلاه الله من الآيات القرآن وكذلك الذكر، والذكر يطلق على معان منها الشرف كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف ٤٤] أي شرف عظيم، ومنه قوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح ٤] أي شرفك، ويطلق الذكر على ما يحصل به التدبر، فيسمَّى الكلام الجيد المشتمل على الموعظة يسمى ذكرًا، قال الله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى ٩] أي التذكرة، ويطلق الذكر على ذكر الله عز وجل كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا﴾ [النساء ١٠٣] والمراد به في هذه الآية المعنيان الأوَّلان: الشرف، وما يحصل به التذكير، فإن هذا القرآن لا شك شرف لمن تمسك به وقام بحقه، فإنه يناله شرف الدنيا والآخرة، وسعادة الدنيا والآخرة، ولم يشرف العرب ولم ينالوا السعادة والنصر والظهور إلا حين تمسكوا به، ولذلك لما تخلَّوْا عنه زال عنهم وصف الشرف والظهور والنصر وصاروا إلى ما ترون، ولن يعود لهم مجدهم السابق مهما طنطنوا بالعروبة والقومية وما أشبه ذلك إلا إذا رجعوا إلى الإسلام، مهما بلغوا في الدعاية فيما يتعلق بالقومية والعروبة وما أشبه ذلك فإنها لن تنفعهم، لن تزيدهم إلا دمارًا كالذين ﴿يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن ٦] لن تزيدهم إلا ذلًّا إلا إذا رجعوا إلى دين الله الذي انتصروا به من قبل. طيب هذا القرآن أيضًا ذِكر من جهة التذكير، ذِكر من جهة الشرف وذِكر من جهة التذكير؛ لأن كل إنسان يقرأ القرآن بحضور قلب فلا بد أن يتأثر به ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق ٣٧] لا بد أن يتذكر به، فهو موعظة عظيمة حتى لغير المؤمنين، إذا سمعوه وهم يعرفون آياته أي معانيها فسوف يتعظون به، وما وقع لبعض العرب في ذلك أمر مشهور في التاريخ حتى إنه ذُكر أن النبي ﷺ لما قرأ عليهم: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ قالوا: أمسكْ، أو: هم أمسكوه ووضعوا أيديهم على فَمِهِ(١١). من شدة ما يعلمون من هذه المعاني العظيمة. وقوله: ﴿الْحَكِيمِ﴾ الحكيم يعني ذا الحكمة، فالقرآن كله حكمة وهو فعيل بمعنى مُفْعَل، وفعيل بمعنى فاعل، فهو فعيل بمعنى مُفْعَل أي مُحْكَم مُتْقَن، وهو فعيل بمعنى فاعل أي حاكم؛ لأن القرآن بلا شك حاكم بين الناس، ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ [النساء ١٠٥] لكن هل يأتي فعيل بمعنى مُفْعَل؟
* طالب: أمِن ريحانةِ الداعي السميع.
* الشيخ: هذه بمعنى مُسمِع.
* طالب: هي فعيل بمعنى مفعِل
* الشيخ: كيف بمعنى مفعِل؟ هي بمعنى محكِم، هذا بمعنى محكَم، هذا على مثل جريح بمعنى مجروح، قتيل بمعنى مقتول، يعني تَرِد فعيل بمعنى مفعول ومُفْعَل، أي ترِد لما لم يسمَّ فاعله، فالقرآن مُحْكَم والقرآن أيضًا حاكم.
* طالب: في قوله تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ قلنا: إن (ما) هي ما الحجازية، ويشترط فيها الترتيب، وهنا الخبر شبه جملة، فهل يصح أن تكون حجازية؟
* الشيخ: وإذا كان الخبر شبه جملة يصح أن تكون حجازية؟
* الطالب: نعم، أليس كذلك؟
* الشيخ: لا، ليس كذلك، من أين لك هذا الكلام؟
* الطالب: إنهم يقولون: لا بد من الترتيب إلا إذا كان الخبر ظرف أو جار ومجرور.
* الشيخ: من قاله؟
* الطالب: قاله ابن مالك.
* الشيخ: لا، اقرأ كلام ابن مالك.
* الطالب: في قوله:
وَسَبْقَ حَرْفِ جَرٍّ أَوْ ظَرْفٍ كَـ (مَــــا ∗∗∗ بِــــي أَنْــــتَ مَعْنِيًّــــا) أَجَــــازَالْعُلَمَــــــــــــا
* الشيخ: يعني معناه مفعول الخبر، ولهذا (ما بي أنت معنيًّا) على الترتيب، فـ (أنت): اسمها، و(معنيًّا) هو الخبر، أما (بي) فهي مفعول الخبر، يعني يجوز أن يتقدم معمول الخبر إذا كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا، هذا معنى كلام ابن مالك، عرفت ولَّا لا؟
* الطالب: إي عرفت.
* طالب: المعنى الثالث للذكر ما يراد بهذه الآية أنه ذِكر لله؟
* الشيخ: لا، بعيد هذا.
* الطالب: القرآن هو ذكر من الله سبحانه وتعالى؟
* الشيخ: إلَّا، لكن بس ذكر الله اللي نريد الذي ذكر الله في القرآن، ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ [النساء ١٠٣]
* الطالب: لا، يعني ما تصلح الآيات هذه أن تكون ذكرًا؟
* الشيخ: لا ما تصلح، ولهذا ما يقال مثلًا لمن قرأ القرآن إنه ذكر الله إلا بالمعنى العام لأن كل عبادة فهي ذكر لله، لكن الذكر الخاص هو: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وما أشبهه.
* الطالب: القرآن ما هو بذكر؟
* الشيخ: الذكر الخاص، ذِكرٌ بالمعنى العام.
* طالب: شيخنا جزاكم الله خيرًا، يوم أمس جاء المشركون جاءوا رسول ﷺ ومعه أخ قال له أمسك، هل يدل ذلك على أن ثقتهم بعذاب الدنيا أكبر من ثقتهم بعذاب الأخرة.
* الشيخ: إي هم يخافون؛ لأنهم بعضهم يعرف أن الرسول صادق، لكن عندهم عناد والعياذ بالله.
* الطالب: إي لكنهم يخافون من عذاب الدنيا وثقتهم تقل في عذاب الآخرة؟!
* الشيخ: لكن ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ﴾ [الجاثية ٢٣].
* طالب: شيخ ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ﴾ الآيات هل هي تختص بما ذُكر من عيسى وآل عمران؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: الخطاب إذا كان للنبي ﷺ هل تختص بما ذُكر من عيسى نحن قلنا ﴿ذَلِكَ﴾ أي..
* الشيخ: المشار إليها الآن مختصة بالقصص هذه.
* الطالب: ما يمكن يا شيخ نقول ﴿ذَلِكَ﴾ يعني ذلك لقصة عيسى وغيرها؟
* الشيخ: بس نقدِّرها على المشار إليه ممكن في هذه القصة.
* طالب: شيخ أخذنا من فوائد الالتفات إبعاد السآمة والملل من السامع وكذلك حمله على التفكير في المعنى، نضيف هذه إلى فوائد الالتفات؟
* الشيخ: ممكن لكن الحمل على التفكير قد يكون من باب التنبيه، لكن ما يخالف، هذه فائدتين غابت عنا، هذه فائدتين صحيحتين.
* طالب: شيخ، قوله الله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ هذا يعني عذاب الدنيا يكون حسي ومعنوي معين ولَّا؟
* الشيخ: ظاهر وغير ظاهر.
* الطالب: كيف؟
* الشيخ: ظاهر كالأثر، وغير ظاهر اللي في القلب.
* طالب: (...)
* الشيخ: ربما، ربما يعني على بعد.الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [آل عمران ٥٧ - ٦٠]
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله عز وجل: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران ٥٤]. يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن أعداء الرسل يكيدون لهم ويمكرون لهم؛ لقوله: ﴿وَمَكَرُوا﴾، وننتقل من هذا إلى أن أعداء الرسل أيضًا يمكرون لأتباع الرسل؛ لأن أعداء الرسل ليسوا يمكرون للرسل أو يمكرون بالرسل من أجل أنهم فلان وفلان لكن من أجل دعوتهم، ودعوتهم إذا ورثها العلماء من بعدهم فإن الذين يمكرون للرسل سيمكرون بأتباع الرسل وورثة الرسل، وينبني على هذه الفائدة: أنه يجب على أهل العلم أن يتحفظوا تحفظًا كاملًا من أعداء الرسل الذين يتربصون بهم الدوائر، وأن يتقوا شرهم بما استطاعوا لئلا يمكروا بهم، والمكر ووسائله وطرقه كثيرة، لكن العاقل الذكي ينتبه، ولهذا قال الله عز وجل للرسول عليه الصلاة والسلام في المنافقين، قال: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ [المنافقون ٤]، فبيّن أنهم هم العدو حقيقة وأمر بالحذر منهم.و* من فوائد هذه الآية: وصف الله عز وجل بالمكر، لكنه لا يوصف به على سبيل الإطلاق، بل يقال: إن الله ماكر بمن يمكر به ليعود المكر صفة كمال؛ لأن المكر إذا ذُكِر مطلقًا صار محتملًا للنقص، فإذا ذُكِر مقيدًا بأن قيل: إن الله تعالى ماكر بمن يمكر به وبأوليائه صار صفة كمال يدل على قوة الله عز وجل وإحاطة علمه، وأن علمه أدق من علم هؤلاء الماكرين الذين يأتون بالأسباب الخفية والطرق الملتوية ليوقعوا عباد الله في الشر، فيكون الله سبحانه وتعالى أقوى منهم في ذلك، أقوى منهم في هذا، إذا مكروا مكر الله عز وجل، ولا يجوز أن يسمى الله بالماكر مطلقًا، طيب يسمى بالماكر؟ لا؛ يوصف بالماكر على سبيل الإطلاق؟ لا، يوصف بالماكر مقيدًا، وسبق لنا أن الله وصف نفسه بالمكر والكيد والسخرية والخداع والاستهزاء ولم يصف نفسه بالخيانة أبدًا؛ لأن الخيانة صفة ذم بكل حال،
﴿وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾ [الأنفال ٧١] ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة خديعة في مقام الائتمان، والخديعة في مقام الائتمان صفة ذم، صفة ذم ونقص.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز المفاضلة بين الخالق والمخلوق في الوصف، كما قال: ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، و(خير) اسم تفضيل، فيجوز أن يفاضَل بين الخالق والمخلوق؛ لأن هذا مطابق للواقع تمامًا، فالله تعالى أكمل من كل ذي كمال، أعرفت؟ ومنه تتفرع قاعدة وهي: خطأ بعض أهل العلم رحمهم الله، حيث يفسرون اسم التفضيل المنسوب إلى الله باسم الفاعل، فيقولون مثلًا في قوله تعالى:
﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام ١٢٤]، يقولون: الله عالم حيث يجعل رسالته، ولم يتفطنوا أنهم إذا قالوا: الله عالم، لم يمنع مشاركة غيره في العلم مع المساواة، لكن إذا قالوا: الله أعلم، أيش؟ امتنع مشاركة غيره له في العلم الذي هو أعلم به من غيره.
﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، ثم قال تعالى:
﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران ٥٥] إلى آخره، في هذه الآية الكريمة: التنبيه على أنه ينبغي أن نذكِّر الناس بأحوال الأنبياء السابقين، وجه ذلك أننا قدّرنا:
﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ﴾ بأيش؟ اذكر إذ قال الله، فينبغي أن يُذَكِّر الإنسان الناس بأحوال الأنبياء السابقين؛ لما في ذلك من محبتهم والثناء عليهم ومعرفة أحوالهم وإبقاء ذكراهم، وغير ذلك من المصالح العظيمة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات القول لله، وأنه بحروف وبأصوات مسموعة؛ لقوله: ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾، وهذا خطاب من يسمع، ثم هو كلمات من حروف ولّا من غير حروف؟ من حروف، ولهذا كان مذهب أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم كلامًا مسموعًا بحرف وصوت.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على من قال: إن كلام الله هو المعنى النفسي، المعنى القائم بنفسه، فإن هذا لا يسمى قولًا، وإن أُطْلِق عليه القول فلا بد أن يقيد كما في قوله: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾ [المجادلة ٨]، فلما أراد القول النفسي أيش قيده ﴿يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ﴾، أما إذا جاء القول غير مقيد فالمراد به ما يُسمع، ففيه الرد على الأشاعرة الذين يقولون: إن كلام الله هو الكلام النفسي القائم بنفسه، وأنه أزلي لا يحدُث ولا يسبق بعضه بعضًا؛ لأنه معنى، معنى قائم بالنفس، والحقيقة أن هذا القول مضمونه إنكار كلام الله، ولهذا قال بعض منصفيهم: ليس بيننا وبين المعتزلة فرق؛ لأننا نقول جميعًا إن هذا القرآن الذي في المصحف مخلوق؛ لأن الأشاعرة يقولون: إن الله تعالى لا يتكلم بما يُسمع؛ لكن يخلق كلامًا يعبر به عما في نفسه، وعلى هذا فالمسموع والمقروء والمكتوب مخلوق، فيتفق المعتزلة والأشاعرة، بل إن المعتزلة خير منهم من جهة النسبة؛ لأنهم يقولون: هذا كلام الله، وأولئك يقولون: هذا عبارة عن كلام الله، عبارة عن كلام الله وليس كلام الله، المهم أن هذه الآية وأمثالها فيها الرد على من؟ على الأشاعرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة عيسى ومنقبته لخطاب الله إياه، فإن من خاطبه الله فذلك فخر له بلا شك، خصوصًا وأنه قال له: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ إلى آخره.
* ومن فوائدها: أن الله سبحانه وتعالى رفع عيسى بجسمه؛ لقوله: ﴿وَرَافِعُكَ﴾، والخطاب لعيسى المكوَّن من بدن وروح، فيكون رفعه أيش؟ ببدنه.
* ومن فوائدها: إثبات منقبةٍ لرسول الله ﷺ، وذلك أن النبي ﷺ أُسْرِي به إلى السماوات السبع حتى اخترقها كلها وهو يقظان، وعيسى لم يُرفع إلا وهو نائم؛ لأن قوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ أي: مُنِيمُك، على أحد الأقوال وهو أقربها، ومعلوم أن ثبات قلب من يباشر الشيء وهو يقظان أقوى من ثبات من يباشره وهو نائم، واضح؟ ولهذا تجد بعض الناس إذا سمع الرعد الشديد والبرق الخاطف يغمّض ويضع أصبعيه في أذنيه حتى لا يسمع، ويقول: ليتني نمت قبل هذا، والإنسان الثابت الذي يقول: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، تجده ما يهمه، المهم أن الرسول ﷺ أسري به يقظة بروحه وبدنه، وعيسى عندما أراد الله أن يرفعه أنامه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: منقبة لعيسى أخرى، حيث قال: ﴿رَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ (إليّ) فأضاف رفعه إلى نفسه عز وجل، وهذا لا شك أنه منقبة أن الله ضمّه إليه ورفعه إليه؛ ليكون أقرب إليه مما لو كان في الأرض.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل منع الأذى عن عيسى الذي يمكن أن يُلحقه بالكفار، حيث قال: ﴿مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران ٥٥] وذلك بالدفاع عنه؛ فإن الذين كفروا قالوا: إنه ولد زنا - قاتلهم الله- فطهّره الله، طهره الله، لما قالوا: ﴿يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ [مريم ٢٧، ٢٨]، من أين جاء الزنا، من أين جاءك الزنا؛ لأن هذا تعريض، يقولون: أبوك ما كان امرأ سوء بل هو نزيه وأمك كذلك، فمن أين جاءك الزنا؟ شوف أعوذ بالله، لم تجاوبهم، ﴿أَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ [مريم ٢٩]، اسألوا الطفل؟ ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم ٢٩]، فأجابهم قبل أن يسألوه، وأيش قال؟ ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ﴾ [مريم ٣٠] إلى آخره، هذا تطهير عظيم له ولأمه رضي الله عنها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل من رمى عيسى بهذا السوء فهو كافر؛ لأنه لم يقل: مطهرك من الذين قدحوا فيك، قال: ﴿مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، فيستفاد من هذا أولًا كفر هؤلاء، وثانيًا: أن كل من رماه بذلك فهو كافر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن نصرة الأتباع نصرة للمتبوع، من أين؟ ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، لولا أنه يفرح بذلك ويُسَرَّ ما بشّره الله به، لكن من المعلوم أن كل إنسان يدل على هدى فينتصر أتباعه من المعلوم أنه سيفرح؛ لأنه كلما انتصر أتباعه قوي الهدى الذي قاد الناس إليه فعظُم أجره، فإنّ من دلَّ على هُدًى كان لهُ مثلُ أجرِ فاعلِهِ(١٢).
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أتباع عيسى منصورون إلى يوم القيامة؛ لقوله: ﴿فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾، وسبق لنا مَن أتباعه؟
* طالب: الذين آمنوا به.
* الشيخ: بعد بعثة الرسول ﷺ هم أمة محمد، ومن كفر بمحمد فإنه لم يتبع عيسى، وذكرنا وجهًا آخر أن النصارى سيكونون فوق غيرهم من ملل الكفر، لكن الإسلام فوق الجميع، ولكن متى يكون الإسلام فوق الجميع؟ إذا رجع المسلمون إلى الإسلام حقيقة، أما إذا لم يرجعوا إلى الإسلام حقيقة فيخشى أن يكون النصارى فوقهم، والواقع؟
* الطلبة: يشهد لهذا.
* الشيخ: الواقع الآن مع الأسف يشهد لهذا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات يوم القيامة؛ لقوله: ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾، ويوم القيامة هو اليوم الذي يبعث فيه الناس للجزاء إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، وسمي يوم القيامة لماذا؟
* طالب: لأن الناس يقومون فيه.
* الشيخ: هذا واحد، كمّل؟
* طالب: يقوم فيه الأشهاد.
* الشيخ: يقوم فيه الأشهاد، كمّل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: يقام فيه العدل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إطلاق الفوقية على الفوقية المعنوية.
* طالب: ﴿فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾.
* الشيخ: يعني معناه أنهم يكونوا على سقف فوق رؤوسهم؟
* الطلبة: لا، ارتفاع معنوي؟
* الشيخ: لا، حسية، فوقية معنوية، صح، إذن إثبات الفوقية المعنوية كالفوقية الحسية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن مرجع الخلائق إلى ربهم عز وجل الذي ابتدأ خلقهم ستكون النهاية إليه؛ لقوله: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾، ولا بد، ولهذا قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ﴾، الإنسان مخاطَب، كل إنسان ما هو بس المؤمن، كل إنسان، ﴿إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق ٦] كادح إليه (إلى) للغاية، النهاية إلى الله، ثم أكد هذه النهاية بقوله: ﴿فَمُلَاقِيهِ﴾، يعني: فاستعد لهذا اللقاء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات حكم الله في الدنيا والآخرة، ﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ هذا في الآخرة، في الدنيا ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ١٠]، فالحكم كله راجع إلى الله عز وجل والله تعالى هو الحكم في الدنيا وفي الآخرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بشارة المؤمنين بأن خلافهم مع الكفار سوف يجري فيه الحكم على يد الواحد القهار، فيحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون، وقد أخبرنا الله عز وجل أن الخاصم هم المؤمنون، الخاصم الغالب هم المؤمنون، قال الله تعالى: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [النساء ١٤١] وأيش بعده؟ ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء ١٤١]، الحمد لله، شوف ﴿سَبِيلًا﴾ نكرة في سياق أيش؟ نكرة في سياق أيش؟
* طالب: سياق النفي.
* الشيخ: النفي، كلما جاءت نكرة فهي في سياق النفي؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: خطأ، خطأ ما هو بصحيح، ليس كذلك، المهم هذه نكرة في سياق النفي فتشمل كل سبيل، أي سبيل، لا قليل ولا كثير، وهذه بشرى، يعني: أي خصم يقال له، أي خصم في الدنيا يقال له: أنت فالج على كل حال، يعني القاضي يقول للخصم: شوف تخاصموا عندي وأنت الغالب على كل حال، هل جرى مثل هذه الخصومة؟ أبدًا، لكن خصوماتنا مع الكافرين - والحمد لله - الحكم لنا فيها مقدم، ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾، نعم، الحمد لله.
* طالب: (...) الله (...) إليه.
* الشيخ: أيوة صحيح، نعم.
* من فوائد الآية الكريمة: ثبوت علوّ الله تعالى بذاته؛ لقوله: ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾؛ لأن الرفع معروف أنه الصعود إلى أعلى، فإذا قال: ﴿إِلَيَّ﴾ عُلِمَ يقينًا أن الله فوق - عز وجل - وهو كذلك، هو فوق كل شيء بذاته، ولا ينافي هذا ما ثبت من أنه عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، هو نازل وهو عالي، ولا ينافي هذا أيضًا أنه مع الخلق كما قال عز وجل: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد ٤]، فهو مع الخلق وهو عالٍ عليهم، كما قال شيخ الإسلام في الواسطية: عَلِيٌّ فِي دُنُوِّهِ قَرِيبٌ فِي عُلُوِّهِ. ولا ينافي هذا أيضًا أنه يأتي يوم القيامة للفصل بين العباد، فهو يأتي ولكنه فوق كل شيء، ولا ينافي هذا أنه يدنو عشية يوم عرفة يباهي بأهل الموقف الملائكة. إذا قال قائل: كيف لا ينافي هذا؟ أنا لا أتصور أن شيئًا يكون عاليًا نازلًا أبدًا؟ قلنا: تبًّا لك، أنت لا تتصور هذا بالنسبة لمن؟ للمخلوق، أما بالنسبة للخالق فكل ما أخبر الله به عن نفسه فهو حق، حق لا يتناقض، وليس فيه (لا يمكن) أبدًا، إذا قلت: لا يمكن، معناه أنك لن تصدق أخبار الله ورسوله إلا إذا وافقت هواك وإلا فلا، ولهذا ضل مَن ضل مِن الناس في مثل هذه الأمور حيث قالوا: هذا غير ممكن وهذا غير ممكن، وبنوا عقيدتهم على أهوائهم، إذا كان تريد أن تبني عقيدتك على هواك فما الفائدة من الرسل؟ لا فائدة من الرسل، إذا كان أنت تريد أن تبني العقيدة على ما تهوى أنت وإذا جاءت الرسل بكلام يخالف ما عندك ذهبت تحرِّفه، إذن لا فائدة من الرسل، ولهذا أنا أنصحكم دائمًا وأبدًا وأكرر أن تقبلوا كل ما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله عز وجل ومن صفات اليوم الآخر أيضًا؛ لأن في اليوم الآخر أشياء ما تكون في الدنيا؛ دنو الشمس من الناس قدر ميل يوم القيامة لو كان في الدنيا احترقت الأرض ومن عليها، لكن في الآخرة شيء آخر، كون الناس هذا في نور وهذا في ظلمة والموقف واحد، في الدنيا لا يمكن، لو جيء بأدنى سراج معك انتفع به من إلى جنبك، في الدنيا ممكن، في الآخرة الناس يعرقون على قدر أعمالهم منهم من يلجمه العرق ومنهم من إلى كعبيه والمقام واحد، في الدنيا يمكن ولاَّ ما يمكن؟ ما يمكن، فأمور الآخرة أمور الغيب كلها لا يجوز لك أن تقيسها بما تشاهد في الدنيا؛ لأن القياس هنا ممتنع، فهو قياس مع الفارق، لا سيما في صفات الخالق عز وجل فإن الفارق فارق بعيد بين صفات الخالق وصفات المخلوق، ولذلك حذار أن تقيس ما أثبت الله لنفسه من الصفات بما تعرفه من صفات المخلوقين فإنك ستضل.
* * * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران ٥٩ - ٦٢].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
* طالب: الفوائد، أخذنا ثبوت علو الله؛ لقوله: ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾.
* الشيخ: * من فوائد الآية الكريمة: أن مرجع الخلائق إلى الله نهاية وحكمًا؛ فإن الناس يعرضون يوم القيامة إلى ربهم حُكمًا يحكم بينهم.
* ومن فوائدها: إثبات الجزاء؛ لقوله تعالى: ﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾، وهذا حكم جزائي.
* ومن فوائدها: أن الخصومة تقع بين المؤمنين والكافرين في يوم القيامة؛ لقوله: ﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾، ويحتمل أن يقال: إن هذا حكم سبقت الخصومة فيه في الدنيا، حيث كان الكفار والمنافقون يختصمون، ولكن الأول أقرب، ويؤيده قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ [الزمر ٣٠، ٣١].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الاختلاف بين المسلمين والكفار اختلاف جوهري يحكم الله به بين هؤلاء وهؤلاء يوم القيامة، وأما الاختلاف بين المسلمين فيما مصدره الاجتهاد فإنه لا يُحْكَم بينهم؛ لأن المجتهدين وإن اختلفوا في الحكم فإنهم لم يختلفوا في الحقيقة؛ لأن كل واحد منهم يعذر الآخر ولا يرى أنه مخالف له، وإن خالفه في القول والرأي لكنه لم يخالفه في المنهج والطريقة، كل واحد منهم يريد الحق، ولكن اختلفوا في كيفية الوصول إليه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات علم الله؛ لقوله: ﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾؛ إذ لا حكم إلا بعد علم، ولهذا قال النبي ﷺ: «إِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ»(١٣).
(١) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٠٢٩)، ومسلم (١٧٤٠ / ١٨) من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٨٢ / ٦٠) من حديث أبي هريرة.
(٣) أخرجه أبو داود (٤٩٥٥)، والنسائي (٥٣٨٧)، من حديث هانئ بن يزيد.
(٤) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٥٧٠٥)، ومسلم (٢٢٠ / ٣٧٤) من حديث ابن عباس، واللفظ له.
(٥) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٨٠٤)، ومسلم (١٩٢٧ / ١٧٩) من حديث أبي هريرة.
(٦) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٣٠٤)، ومسلم (٩٣١ / ٢٥) من حديث ابن عمر.
(٧) أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة.
(٨) أخرجه مسلم (١٧١٨ / ١٨) من حديث عائشة.
(٩) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٥٦٧٣)، ومسلم (٢٨١٦ / ٧٥) من حديث أبي هريرة.
(١٠) أخرجه أبو داود في سننه (٣٦٣٢) من حديث جابر بن عبد الله.
(١١) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (٥٣٩) من حديث جابر بن عبد الله.
(١٢) أخرجه مسلم (١٣٣ / ١٨٩٣) من حديث أبي مسعود الأنصاري بلفظ: مَن دلَّ عَلَى هُدًى.
(١٣) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٦٩٦٧)، ومسلم (٤ / ١٧١٣) من حديث أم سلمة.