الباحث القرآني

﴿وَمَكَرُوا﴾ أيِ: الَّذِينَ عَلِمَ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كُفْرَهم مِنَ اليَهُودِ بِأنْ وكَّلُوا بِهِ مَن يَقْتُلُهُ غِيلَةً. ﴿وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ بِأنْ رَفَعَ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ و ألْقى شَبَهَهُ عَلى مَن قَصَدَ اغْتِيالَهُ حَتّى قُتِلَ، و المَكْرُ مِن حَيْثُ أنَّهُ في الأصْلِ حِيلَةٌ يَجْلِبُ بِها غَيْرَهُ إلى مَضَرَّةٍ لا يُمْكِنُ إسْنادُهُ إلَيْهِ سُبْحانَهُ إلّا بِطَرِيقِ المُشاكَلَةِ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّ مَلِكَ بَنِي إسْرائِيلَ لَمّا قَصَدَ قَتْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أمَرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يَدْخُلَ بَيْتًَا فِيهِ رَوْزَنَةٌ فَرَفَعَهُ جِبْرِيلُ مِن تِلْكَ الرَّوْزَنَةِ إلى السَّماءِ فَقالَ المَلِكُ لِرَجُلٍ خَبِيثٍ مِنهُمُ: ادْخُلْ عَلَيْهِ فاقْتُلْهُ فَدَخَلَ البَيْتَ فَألْقى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ شَبَهَهُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ يُخْبِرُهم أنَّهُ لَيْسَ في البَيْتِ فَقَتَلُوهُ وصَلَبُوهُ. وقِيلَ: إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ جَمَعَ الحَوارِيِّينَ لَيْلَةً و أوْصاهُمْ، ثُمَّ قالَ: لَيَكْفُرَنَّ بِي أحَدُكم قَبْلَ أنْ يَصِيحَ الدِّيكُ و يَبِيعُنِي بِدَراهِمَ يَسِيرَةٍ فَخَرَجُوا وتَفَرَّقُوا و كانَتِ اليَهُودُ تَطْلُبُهُ فَنافَقَ أحَدُهم فَقالَ لَهُمْ: ما تَجْعَلُونَ لِي إنْ دَلَلْتُكم عَلى المَسِيحِ؟ فَجَعَلُوا (p-43)لَهُ ثَلاثِينَ دِرْهَمًَا فَأخَذَها و دَلَّهم عَلَيْهِ فَألْقى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَيْهِ شَبَهَ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ و رَفَعَهُ إلى السَّماءِ، فَأخَذُوُا المُنافِقَ وهو يَقُولُ: أنا دَلِيلُكم فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلى قَوْلِهِ وصَلَبُوهُ، ثُمَّ قالُوا: وجْهُهُ يُشْبِهُ وجْهَ عِيسى و بَدَنُهُ يُشْبِهُ بَدَنَ صاحِبِنا فَإنْ كانَ هَذا عِيسى فَأيْنَ صاحِبُنا؟ وإنْ كانَ صاحِبَنا فَأيْنَ عِيسى؟ فَوَقَعَ بَيْنَهم قِتالٌ عَظِيمٌ. وقِيلَ: لَمّا صُلِبَ المَصْلُوبُ جاءَتْ مَرْيَمُ ومَعَها امْرَأةٌ أبْرَأها اللَّهُ تَعالى مِنَ الجُنُونِ بِدُعاءِ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ و جَعَلَتا تَبْكِيانِ عَلى المَصْلُوبِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَجاءَهُما فَقالَ: عَلامَ تَبْكِيانِ؟ فَقالَتا: عَلَيْكَ، فَقالَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى رَفَعَنِي و لَمْ يُصِبْنِي إلّا خَيْرٌ، وإنَّ هَذا شَيْءٌ شُبِّهَ لَهم. قالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَقَ: إنَّ اليَهُودَ عَذَّبُوُا الحَوارِيِّينَ بَعْدَ رَفْعِ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ و لَقُوا مِنهُمُ الجَهْدَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَلِكَ الرُّومِ وكانَ مَلِكُ اليَهُودِ مِن رَعِيَّتِهِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ رَجُلًَا مِن بَنِي إسْرائِيلَ مِمَّنْ تَحْتَ أمْرِكَ كانَ يُخْبِرُهم أنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ و أراهم إحْياءَ المَوْتى وإبْراءَ الأكْمَهِ والأبْرَصِ و فَعَلَ و فَعَلَ، فَقالَ: لَوْ عَلِمْتُ ذَلِكَ ما خَلَّيْتُ بَيْنَهم وبَيْنَهُ، ثُمَّ بَعَثَ إلى الحَوارِيِّينَ فانْتَزَعَهم مِن أيْدِيهِمْ و سَألَهم عَنْ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَأخْبَرُوهُ فَبايَعَهم عَلى دِينِهِمْ، وأنْزَلَ المَصْلُوبَ فَغَيَّبَهُ وأخَذَ الخَشَبَةَ فَأكْرَمَها ثُمَّ غَزا بَنِي إسْرائِيلَ وقَتَلَ مِنهم خَلْقًَا عَظِيمًَا، ومِنهُ ظَهَرَ أصْلُ النَّصْرانِيَّةِ في الرُّومِ، ثُمَّ جاءَ بَعْدَهُ مَلِكٌ آخَرُ يُقالُ لَهُ: طَطْيُوسُ و غَزا بَيْتَ المَقْدِسِ بَعْدَ رَفْعِ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِنَحْوٍ مِن أرْبَعِينَ سَنَةً فَقَتَلَ و سَبى و لَمْ يَتْرُكْ في مَدِينَةِ بَيْتِ المَقْدِسِ حَجَرًَا عَلى حَجَرٍ فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ قُرَيْظَةُ و النَّضِيرُ إلى الحِجازِ قالَ أهْلُ التَّوارِيخِ: حَمَلَتْ مَرْيَمُ بِعِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وهي بِنْتُ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً و ولَدَتْهُ بِبَيْتِ لَحْمَ مِن أرْضِ أُورْشَلِيمَ لِمُضِيِّ خَمْسٍ وسِتِّينَ سَنَةً مِن غَلَبَةِ الإسْكَنْدَرِ عَلى أرْضِ بابِلَ، و أوْحى اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ عَلى رَأْسِ ثَلاثِينَ سَنَةً و رَفَعَهُ إلَيْهِ مِن بَيْتِ المَقْدِسِ لَيْلَةَ القَدْرِ مِن شَهْرِ رَمَضانَ و هو ابْنُ ثَلاثٍ وثَلاثِينَ سَنَةً، وعاشَتْ أُمُّهُ بَعْدَ رَفْعِهِ سِتَ سِنِينَ. ﴿واللَّهُ خَيْرُ الماكِرِينَ﴾ أقْواهم مَكْرًَا وأنْفَذُهم كَيْدًَا وأقْدَرُهم عَلى إيصالِ الضَّرَرِ مِن حَيْثُ لا يُحْتَسَبُ، وإظْهارُ الجَلالَةِ في مَوْقِعِ الإضْمارِ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ، والجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب