الباحث القرآني

ولَعَلَّهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ومَكَرُوا﴾ المَعْطُوفِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿قالَ مَن أنْصارِي إلى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] بِالإضْمارِ الصّالِحِ لِشُمُولِ كُلِّ مَن تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ إشارَةً إلى أنَّ التَّمالُؤَ عَلَيْهِ يَصِحُّ أنْ يُنْسَبَ إلى المَجْمُوعِ مِن حَيْثُ هو مَجْمُوعٌ، أمّا مَكْرُ اليَهُودِ فَمَشْهُورٌ، وأمّا الحَوارِيُّونَ الِاثْنا عَشَرَ فَنَقَضَ أحَدُهم وهو الَّذِي تَوَلّى (p-٤١٩)كِبْرَ الأمْرِ وجَرَّ اليَهُودَ إلَيْهِ ودَلَّهم عَلَيْهِ - كَما يَأْتِي بَيانُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى في سُورَةِ النِّساءِ، وتَرْتِيبُ المَكْرِ عَلى الشَّرْطِ يُفْهِمُ أنَّهم لَمّا عَلِمُوا إحْساسَهُ بِكُفْرِهِمْ خافُوا غائِلَتَهُ فَأعْمَلُوا الحِيلَةَ في قَتْلِهِ. والمَكْرُ - قالَ الحَرالِّيُّ - إعْمالُ الخَدِيعَةِ والِاحْتِيالِ في هَدْمِ بِناءٍ ظاهِرٍ كالدُّنْيا، والكَيْدُ إعْمالُ الخُدْعَةِ والِاحْتِيالِ في هَدْمِ بِناءٍ باطِنٍ كالتَّدَيُّنِ والتَّخَلُّقِ وغَيْرِ ذَلِكَ، فَكانَ المَكْرُ خَدِيعَةَ حِسٍّ والكَيْدُ خَدِيعَةَ مَعْنىً. انْتَهى. ثُمَّ إنَّ مَكْرَهم تَلاشى واضْمَحَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿ومَكَرَ اللَّهُ﴾ أيِ المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا. ولَمّا كانَ المَقامُ لِزِيادَةِ العَظَمَةِ أظْهَرَ ولَمْ يُضْمِرْ لِئَلّا يُفْهَمَ الإضْمارُ خُصُوصًا مِن جِهَةٍ ما فَقالَ: ﴿واللَّهُ﴾ أيْ والحالُ أنَّهُ الَّذِي لَهُ هَذا الِاسْمُ الشَّرِيفُ فَلَمْ يُشارِكْهُ فِيهِ أحَدٌ بِوَجْهٍ ﴿خَيْرُ الماكِرِينَ﴾ بِإرادَتِهِ تَأْخِيرَ حَرْبِهِ لَهم إلى وقْتٍ قَضاهُ في الأزَلِ فَأمْضاهُ وذَلِكَ عِنْدَ مَجِيءِ الدَّجّالِ بِجَيْشِ اليَهُودِ فَيَكُونُ أنْصارُهُ الَّذِينَ سَألَهم رَبَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ تَشْرِيفًا لَهُمْ، ثُمَّ بَيَّنَ ما فَعَلَهُ بِهِمْ مِنَ القَضاءِ الَّذِي هو عَلى صُورَةِ المَكْرِ في كَوْنِهِ أذىً يَخْفى عَلى المَقْصُودِ بِهِ بِأنَّهُ رَفَعَهُ إلَيْهِ وشَبَّهَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ (p-٤٢٠)حَتّى ظَنُّوا أنَّهم صَلَبُوهُ وإنَّما صَلَبُوا أحَدَهُمْ، ويُقالُ: إنَّهُ الَّذِي دَلَّهُمْ، وأمّا هو عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَصانَهُ عِنْدَهُ بَعْدَ رَفْعِهِ إلى مَحَلِّ أوْلِيائِهِ ومَوْطِنِ قُدْسِهِ لِيُنْزِلَهُ في آخِرِ الزَّمانِ لِاسْتِئْصالِهِمْ بَعْدَ أنْ ضَرَبَ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةَ بَعْدَ قَصْدِهِمْ لَهُ بِالأذى الَّذِي طَلَبُوا بِهِ العِزَّ إلى آخِرِ الدَّهْرِ فَكانَ تَدْمِيرُهم في تَدْبِيرِهِمْ، وذَلِكَ أخْفى الكَيْدِ فَقالَ تَعالى مُخْبِرًا عَنْ ذَلِكَ عَلى وجْهٍ مُبَشِّرٍ لَهُ بِأنَّهُ عاصِمُهُ مِن أنْ يَقْتُلُوهُ ومُمِيتُهُ حَتْفَ أنْفِهِ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب